التناص بين التوراة والقرآن دراسة مقارنة 21 / 1
فراس الســواح
خاص ألف
2019-11-30
20- القيامة والتصورات الآخروية ج1
التصورات الآخروية، أو الإسكاتالوجيا / Eschatalogy، هي ذلك النوع من الأفكار الدينية المتعلقة بنهاية التاريخ والزمن الدنيوي، والدخول في الزمن المقدس المفتوح على الأبدية، وما يتصل بذلك من مسائل مصير الروح، والبعث، والحساب والعقاب. وسنشرع فيما يلي باستقصاء هذه التصورات في كتاب التوراة، ثم ننتقل بعد ذلك إلى التجديدات التي أحدثتها الأسفار التوراتية غير القانونية، ونقارن أخيراً هذه الحصيلة مع التصورات القرآنية.
في كتاب التوراة:
تنسج التصورات التوراتية عن حياة ما بعد الموت على منوال مثيلاتها في الديانات السومرية و الرافدينية القديمة. فأرواح الموتى تهبط إلى العالم الأسفل المدعو بالعبرية شِئول، والتي ترد في الترجمات العربية بعدة صيغ؛ فهي الهاوية، والهاوية السفلى، والجب الأسفل، والحفرة السفلى. وهذه الهاوية هي أرض ظلمة وديجور لا يرى أهلها نوراً: "قد شبعَتْ من المصائب نفسي وحياتي إلى الهاوية دنت... وضعتَني في الجب الأسفل، في ظلمات في أعماق" (أيوب، 1؛ 2-22). وسكانها هم ظلال وأخْيِلة: "الهاوية من أسفلٍ مهتزة لك، لاستقبال قدومك، مُنهضةٌ لك الأخيلة". (إشعيا 14: 9). "يا رب، أفلعلك للأموات تصنع عجائب أم الأخيلة تقوم تمجدك؟" (المزمور 88: 10). والإقامة فيها أبدية، والطريق إليها لا يقود إلى خارجها: "هكذا الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد ولا يرجع بعد إلى بيته" (أيوب 7: 9-10). وأرواح الأخيار تمضي إليها مثل أروح الأشرار بما في ذلك أرواح الأنبياء. فبعد موت النبي صموئيل هبطت روحه إلى الهاوية. وعندما ضاقت نفس الملك شاؤل استعان بامرأة صاحبة جان لكي تستحضر له روح صموئيل من العالم الأسفل، وعندما فعلت وصعد صموئيل قال لشاؤل: "لماذا أقلقتني بإصعادك إياي؟ فقال شاؤل: قد ضاق بي الأمر جداً... فدعوتك لكي تعلمني ماذا أصنع" (صموئيل 28: 7-15). والهاوية مهما امتلأت لا تشبع بل تطلب المزيد: "الهاوية والهلاك لا يشبعان" (الأمثال 27: 20). هذا العالم الأسفل عبارة عن مملكة مستقلة لا سلطة لإله التوراة عليها، وأهلها لا يعرفون الرب وهو من جانبه قد نسيهم: "لأن الهاوية لا تحمدك، الموت لا يسبحك. لا يرجو الهابطون إلى الجب أمانتك، الحي هو الذي يحمدك كما أنا اليوم" (إشعيا 38: 18-19). "ليس الأموات يسبحون الرب ولا من ينحدر إلى أرض السكون. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر" (المزمور 115: 17).
والإقامة في الهاوية ليست مقدمة لبعث الجسد الميت وعودة الروح إليه، لأن الميت يضطجع ولا يقوم على حد تعبير سفر الجامعة: "الإنسان يسلم الروح فأين هو؟ قد تنفد الحياة من البحر والنهر يجف، والإنسان يضطجع ولا يقوم" (الجامعة 14: 10-12). وموت الإنسان كموت البهيمة كلاهما يؤول إلى الفناء: "موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة للكل. فليست للإنسان مزية على البهيمة لأن كليهما باطل، يذهب كلاهما إلى مكان واحد" (الجامعة 3: 19-20). وبالتالي فلا قيامة عامة للموتى في اليوم الأخير ولا بعث ولا نشور، أما الثواب والعقاب ففي هذه الدنيا لا في الآخرة: "مخافة الرب تزيد الأيام وسنو المنافقين تَقْصُر" (الأمثال: 10: 27). ومع ذلك نجد أيوب يتساءل عن الحكمة من سعادة الأشرار في هذه الحياة وبؤس الأخيار: "لماذا تحيا الأشرار ويشيخون؟ نعم ويتجبرون قوةً. نسلُهم قائم أمامهم وذريتهم في أعينهم وبيوتهم. آمنة من الخوف" (أيوب 21: 7-9). والفريقان يؤولان إلى نهاية واحدة، كما يتابع أيوب، فأين العدالة في ذلك: "هذا يموت في عين كماله كله مطمئن وساكن، أحواضه ملآنة لبناً ومخ عظامه طري، وذاك يموت بنفسٍ مُرةٍ ولم يذق خيراً. كلاهما يضطجعان معاً في التراب والدود يغشاهما" (أيوب 21: 23-26).
ومن الجدير بالذكر أن الهاوية كانت من الأسماء التي أطلقها النص القرآني على الجحيم. وقد ورد ذكرها مرة واحدة في سورة القارعة حيث نقرأ: «فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ# فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ# وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ# فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ# وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ# نَارٌ حَامِيَةٌ#» (101 القارعة: 6-11).
هذا الموقف من مسألة البعث والقيامة العامة للموتى، بقي السمة العامة للأيديولوجيا اليهودية حتى القرن الأول قبل الميلاد، عندما انقسم الربانيون اليهود إلى فرقتين هما: فرقة الصدوقيين المحافظين الذين التزموا بالتفسير الحرفي للنص وأنكروا قيامة الموتى، وفرقة الفريسيين الراديكاليين الذين قالوا بقيامة الموتى استناداً إلى شريعة مفترضة غير مكتوبة أنزلها الرب على موسى إلى جانب الشريعة المكتوبة، وجرى تداولها شفاهة عبر أجيال الحكماء. وفكرة الشريعة غير المكتوبة هذه هي التي التقطها فيما بعد حكماء التلمود وأسندوا إليها كل التجديدات التي قدموها إلى الفكر الديني. وقد بقي هذا الخلاف قائماً بين الفرقتين إلى عصر يسوع المسيح، الذي كان على خلاف مع الفريسيين ونالهم من نقده اللاذع ما لم ينله الصدوقيون، ولكنه وقف إلى جانبهم في مسألة قيامة الموتى. وفي أواسط القرن الأول الميلادي عندما قبض اليهود على بولس الرسول وقدموه للمحاكمة بتهمة خروجه في تعاليمه على الشريعة، لاحظ بولس أن قضاته ينقسمون بين فريس وصدوقي، فحاول إثارة الخلاف بين الفريقين وصاح بأعلى صوته قائلاً: "إنني فريسي ابن فريسي، وأنا أحاكم على إيماني بقيامة الموتى". فحدثت منازعة بين الفريسيين والصدوقيين وتم تأجيل المحاكمة (العهد الجديد - أعمال الرسل: 23).
على أن غياب فكرة البعث والقيامة العامة للموتى، لم يستبعد الفكرة الأساسية الأخرى في الإسكاتالوجيا التوراتية، وهي اليوم الأخير ونهاية التاريخ. فالتاريخ ينتهي بيوم الرب الذي يدمّر العالم القديم ويفني شعوبه من أجل التأسيس لملكوت الرب. وهذا الملكوت ليس ملكوتاً سماوياً يعيش فيه الأخيار ويعاقب الفجار كما هو الحال في المسيحية والإسلام، بل هو مملكة أرضية تخلف ممالك العالم البائدة، يحكمها الإله يهوه بشكل مباشر وتكون بمثابة نعيم أرضي لبني إسرائيل. أما البقية الباقية من الأمم التي عبرت محنة اليوم الأخير فيتحولون إلى عبيد وخدم لشعب الرب.
ومجيء يوم الرب ليس بعيداً وإنما قريب إلى زمن الناس هذا: "أسكتُ قدام السيد الرب، لأن يوم الرب قريب" (صفنيا 1: 7). "آه على اليوم لأن يوم الرب قريب. يأتي من القادر على كل شيء" (يوئيل 1: 15). ويستهل يهوه يومه بصرخة الحرب المُرَّة: "قريب يوم الرب العظيم، وسريع جداً صوت يوم الرب. يصرخ حينئذٍ الجبار مُرَّاً. ذلك اليوم يوم سخطٍ، يوم ضيقٍ وشدةٍ، يوم خراب ودمار، يوم ظلام وقتام، يوم سحاب وضباب، يوم بوقٍ وهتاف على المدن المحصنة وعلى الشُّرف الرفيعة. وأضايق الناس فيمشون كالعمي لأنهم أخطؤوا إلى الرب، فيسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجِلَّة. لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم في يوم غضب الرب، بل بنار غيرته تؤكل الأرض كلها لأنه يصنع فناءً باغتاً لكل سكان الأرض" (صفنيا 1: 14-18). "هو ذا الرب يخلي الأرض ويفرغها، ويقلب وجهها، ويبدد سكانها" (إشعيا 24: 1).
ويترافق هجوم يهوه مع وقوع عدد من الكوارث الكونية والطبيعية: "ولولوا لأن يوم الرب قريب، قادم كخراب من القادر على كل شيء... هو ذا يوم الرب قادم، قاسٍ بسخط وحموّ غضبٍ ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خُطاتها. نجوم السماء لا تُبرز نورها. تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوئه... وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود وفي يوم حموّ غضبه، ويكونون كظبي طريد وكغنم بلا من يجمعها" (إشعيا 13: 6-14). "عليك رعب وحفرة وفخ يا ساكن الأرض... لأن ميازيب من العلاء انفتحت، وأسس الأرض تزلزلت، انسحقت الأرض انسحاقاً، تشققت الأرض تشققاً، تزعزعت الأرض تزعزعاً، وترنحت الأرض ترنحاً كالسكران، وتدلدلت كالعرزال، وثقل عليها ذنبها. تسقط ولا تقوم" (إشعيا 24: 17-20). "اقتربوا أيها الأمم لتسمعوا، ويا أيها الشعوب أصغوا. لتسمع الأرض وملؤها، المسكونة وكل ما تُخرجه، لأن للرب سخطاً على كل الأمم، وحموّاً على جيشهم. قد حرَّمهم للذبح، فقتلاهم تُطرح وجيفهم تصعد نتانتها، وتسيل الجبال بدمائهم، ويفنى كل جند السماوات، وتلتف السماوات كدرجٍ (من ورق) وكل جندها ينتثر" (إشعيا 34: 1-5). "جماهير جماهير في وادي القضاء، لأن يوم الرب قريب في وادي القضاء، الشمس والقمر يظلمان، والنجوم تحجز لمعانها، والرب من صهيون يزمجر، ومن أورشليم يعطي صوته فترجف السماء والأرض" (يوئيل 3: 14-16). "ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نور. الدراري تنقبض. ويكون يوم واحد معروف للرب. لا نهار ولا ليل بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور" (زكريا 14: 6-7).
على أنقاض الأرض الخربة وأشلاء قتلى الشعوب تقام مملكة يهوه الذي يتربع على عرشه ملكاً في جبل صهيون: "ويكون في ذلك اليوم أن الرب يطالب جند العلاء في العلاء وملوك الأرض على الأرض... ويُجمعون كأسارى في سجن ويغلق عليهم في حبس. ثم بعد أيام كثيرة يتعهدون. ويخجل القمر وتخزى الشمس، لأن رب الجنود قد ملكَ في جبل صهيون وقُدام شيوخه قد مُجّد" (إشعيا 24: 21-23). "الرب قد ملكَ. لبس الجلال، لبس القدرة ائتزر بها" (المزمور 93: 1). "الرب قد ملكَ. ترتعد الشعوب. هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض" (المزمور 99: 1). وفي المقتبس الأخير إشارة إلى عرش يهوه الذي تحمله ملائكة الكروبيم، وهم كائنات مجنحة لها وجه إنساني وجسد يحمل سمات الثور والأسد.
بعد أن يتحقق ملكوت الرب يدعو يهوه إليه شراذم شعبه من كل مكان ويريحهم في أرضهم إلى الأبد، ثم يسوق إليهم من بقي من الشعوب ليكونوا عبيداً لهم: "ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه... ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض.." (إشعيا 11: 11-12). "لأن الرب يرحم يعقوب ويختار إسرائيل ويريحهم في أرضهم، فتقترن بهم الغرباء، وينضمون إلى بيت يعقوب، ويأخذهم شعوب ويأتون بهم إلى موضعهم، ويمتلكهم بيت إسرائيل في أرض الرب عبيداً وإماءً، ويسبون الذين سبوهم ويتسلطون على ظالميهم" (إشعيا 14: 1-2). "قومي استنيري (يا أورشليم) لأنه قد جاءك نورك ومجد الرب أشرق عليك. لأنه هاهي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب، ومجده عليكِ يُرى، فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك... وبنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين، وكل الذين أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك" (إشعيا 60: 1-3 و 14).
بعد ذلك تدخل الأرض في حالة فردوسية: "فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي والعجل، والشبل والمُسَمَّنُ معاً وصبي صغير يسوقها، والبقرة والدبَّة ترعيان تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تبناً، ويلعب الرضيع على سَرَبِ الصِّلّ ويمد الفطيم يده على جُحرِ الأفعوان، لا يسوؤون ولا يُفسدون في كل جبلٍ قدسي، لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" (إشعيا 11: 6-9). "لا ترفع أمةً على أمةٍ سيفاً، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد، بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته... ويملك الرب عليهم في جبل صهيون من الآن إلى الأبد" (ميخا 4: 3-7).
على الرغم من هذا الموقف اللاهوتي الواضح من مسألة البعث والحساب، إلا أن بعض محرري الأسفار التوراتية تركوا لنا إشارات قليلة وغامضة عن قيامة الأموات، فتحت الباب فيما بعد لمؤلفي الأسفار غير القانونية للتوكيد تدريجياً على هذه المسألة، ومن ثم إلى صياغة لاهوت متكامل بخصوصها. من ذلك مثلاً ذلك الموقف الحائر الذي يبديه مؤلف سفر الجامعة من مصير الروح: "من يعلم، روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق؟ وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل الأرض؟" (الجامعة 3: 21). وما ورد في سفر دانيال: "وفي ذلك الوقت (= اليوم الأخير) يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك، ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت... وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي". ومن المعروف أن سفر دانيال هو آخر الأسفار القانونية، ويرجع تاريخ تدوينه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، أي إلى الفترة التي بدأت فيها الأسفار غير القانونية بالظهور. وكما نلاحظ من قول محرر السفر: "وكثيرون من الراقدين ...إلخ" أن اللاهوت التوراتي الرسمي لم يحسم أمره بخصوص القيامة العامة حتى هذا الوقت المتأخر.
في الأسفار غير القانونية:
يقدم لنا سفر عزرا الرابع عدداً من التصورات الآخروية التي أسست للاهوت البعث والقيامة في الفكر الديني اليهودي. يعود تاريخ تأليف النص العبري المفقود لهذا السفر إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد. وقد وجدت له ترجمات إلى اللغات اليونانية واللاتينية والأثيوبية والقبطية والأرمنية، إضافة إلى ترجمتين عربيتين محفوظتين بمكتبة الفاتيكان. والترجمة اللاتينية هي أكمل الترجمات وهي المعتمدة من قبل الباحثين اليوم.
في مدينة بابل التي سبق إليها عزرا مع مسبيي يهوذا، تعرِض له عدة رؤى متتابعة. في الرؤيا الأولى يطرح عزرا على ربه عدداً من التساؤلات التي تتعلق بأصل الشر في العالم ومصير إسرائيل والبشرية، فيقول له الرب عن طريق الملاك أوريئيل أنه في البداية لم يفرض على آدم إلا وصية واحدة فقط، ومع ذلك لم يكن أهلاً للالتزام بها، فأخطأ وحكم الرب عليه وعلى ذريته بالموت. وعن آدم نشأت شعوب وأمم كثيرة مشوا وراء أفكارهم وأداروا ظهرهم للرب، فأهلكهم بطوفان عظيم وأنجى نوحاً وأهله. ولكن أمم ما بعد الطوفان لم تكن بأحسن حالاً من سابقاتها، بل لقد فجرت وضلت أكثر منها. ولذا فقد اختار الرب إسرائيل شعباً خاصاً له وأعطاه الشريعة لتهديه، ولكن إسرائيل ضلت عن السبيل وعاشت بذرة الخطيئة التي زُرعت في قلب آدم مع الشريعة جنباً إلى جنب. ثم ذهب الخير واستقر الشر في القلوب، فآلت إسرائيل إلى الخراب وإلى الدمار.
ينظر عزرا حوله ويرى أن خطيئة بابل وبقية الأمم لم تكن أقل من خطيئة إسرائيل، فلماذا حُم القضاء عليها وحدها بينما ترتع بقية الأمم بالثراء والدعة وتُكافأ على شرها؟ فيقول له الملاك أوريئيل بأن فهمه قاصر عن استيعاب ما يجري في العالم، لأن أسبابه كامنة وراء ما يبدو للعيان من ظواهر، وطرق الله خفية على البشر. ثم يكشف له عن مجيء ساعة قريبة يحصد فيها من زرع بذرة الشر محصوله، ويحصد من زرع بذرة الخير محصوله. وهذه الساعة تحل في موعد محسوب لا يتقدم ولا يتأخر. فكما أن رحم المرأة لا يستطيع الاحتفاظ بالجنين إذا أتاها المخاض، كذلك هي الأرض التي أُتخمت بالموتى منذ بدء الخليقة ولكنها لا تلفظهم قبل حلول مخاضها في اليوم الأخير.
ولتلك الساعة علاماتها. ففي ذلك اليوم يتملك الناس ذعر عظيم، وتغيب سبُل الحق ويُفقد الإيمان. الشمس تشرق في الليل والقمر يطلع في النهار. النجوم تغيّر مجراها وتتساقط على الأرض. الدم ينبثق من الأشجار، والصخر يتكلم ويُسمع صوته. تتشقق الأرض عبر المفازات الواسعة، وتندلع نيران لاهبة لا تنطفئ. تترك الطيور أعشاشها، والكواسر تهجر مقراتها، والبحر يلفظ أحياءه. تحمل النساء مسوخاً، وابن السنة يتكلم، والحوامل تضع في ثلاثة أو أربعة أشهر. تجف الحقول وتفرغ الإهراءات، ويختلط ماء الأرض الحلو بمائها المالح. يقوم الأصدقاء والإخوة ضد بعضهم ويتقاتلون بضراوة. يُفقد الرشد والتفكير السليم، وتنسحب الحكمة إلى مخبئها فلا يجدها أحد. عمل الناس لا يعطي ثماره وكدهم يذهب هباءً.
بعد ذلك ينقل الرب لعزرا عن طريق الملاك خبر مملكة المسيح القادمة على الأرض: