الأسئلة الخمسة حول الليرة وسقوط الأسد.
عدنان عبد الرزاق
2019-12-07
الليرة والدولار ومعيشة السوريين، باتت حديث الساعة ووجع السوريين الجديد، بل وسرق الوضع الاقتصادي الضوء، حتى من جرائم الأسد التي لم تتوقف بإدلب، فقتلت طائراته أمس، عشرات السوريين بأسواق ريف إدلب "سراقب ومعرة النعمان" وغدت أخبار اللجنة الدستورية بائتة والحديث عن "استراتيجية كردية جديدة"، تعتمد على روسيا وتسلمها بعض مواقع إنتاج النفط، غير جاذب، حتى لأولاد المنطقة التي هجرتهم الحرب بالجزيرة السورية.
السؤال الأول، لماذا كل هذا الاهتمام بالليرة والدولار.
الجواب على ما نحسب، لأنه مرتبط بمعيشة السوريين، ومؤشر على مزيد من الفقر "نسبة الفقر 85%" وربما مزيد من الفساد وحتى الجريمة، فالجائع قد يرتكب أي جريمة ليلبي مطالب أولاده أو إسكات عصافير بطنه، فضلاً عن الجانب الإنساني، خاصة من سوريي الخارج الذين يتألمون لإفقار أهلهم بالداخل ومحاولة إذلالهم من لقمة عيشهم.
السؤال الثاني، إلى أي مدى يمكن أن يتدحرج الوضع الأقرب لكرة الثلج، وأين يمكن أن يستقر سعر الصرف؟!
الإجابة، إن لم يتم تدخل مباشر، روسي أو حتى أمريكي، يسعف النظام وينتشله من هذا المأزق، ربما يتابع الدولار إلى أكثر من ألف وحتى ألفي ليرة، ببساطة، لأن أسباب ومحددات قوة سعر الصرف واستقراره، جميعها مفقودة بسورية "تبديد الاحتياطي النقدي المقدر بعشرين مليار دولار قبل الثورة، خلل وخسارة الميزان التجاري، انعدام السياحة" بمعنى لا يوجد بسورية الأسد اليوم، أي نشاط مولد للدولار أو القطع الأجنبي عامة، في حين العكس، أي الحاجة إلى الدولار، تزداد وتتعاظم، بواقع ضرورة أوتوستراد مشتقات نفطية خلال فصل البرد واستراد القمح بواقع تراجع الإنتاج مقارنة بالاستهلاك، وغير ذلك من سلع يحتاجها السوق المحلية بواقع تراجع الإنتاج.
السؤال الثالث، ما هي الأسباب المستجدة والمباشرة التي دفعت الليرة لهذا الدرك والتهاوي؟!
الإجابة، ربما اقتصادياً ليس من جديد، سوى ما يمكن اعتباره آثار الحصار الاقتصادي الذي فعلته واشنطن هذا الموسم، أكثر من ذي قبل، في حين يوجد سبب سياسي، يتأتى فيما نعتقد، من لقاء بشار الأسد مع الإعلام المحلي وتبجحه وعنترياته، وخاصة ما يتعلق باللجنة الدستورية.
ما دفع روسيا وربما الولايات المتحدة معها، إلى "شد أذن السيد الرئيس" خاصة بعد إرسال صحفي برتبة محقق، من "روسيا اليوم الإنكليزية"، لتحسين الوضع وتراجع الأسد، لكنه عاود مع مجلة فرنسية، لتبجحاته وعنترياته.
كما يوجد سببان اقتصاديان مستجدان، يوازيان هذا السبب السياسي الخارجي، الأول فرض وزير التجارة السوري "محمد سامر الخليل" إتاوات على المستوردين "40% من قيمة المستوردات توضع بالقطع الأجنبي بالمصارف لدعم الليرة" ما أدى لنتيجة مزدوجة، الأولى إحجام كثير من التجار عن الاستيراد وإلغاء عقود مبرمة سابقاً، ما سنرى آثاره على مستوى العرض السلعي وحتى الإنتاج المحلي الداخلة فيه مواد أولية مستوردة، بمعنى أزمات إنتاج وعدم توفر سلع وغلاء، أو اضطرار التجار لشراء القطع الأجنبي من السوق السوداء، لاستكمال عقود الاستيراد، خاصة بعد تنصل حكومة الأسد من تمويل التجارة، وترك رجال الأعمال أمام مصائرهم.
ولا بد من الإشارة إلى أن سعر الدولار الرسمي مازال 434 ليرة حتى اليوم، وهو سبب تراكم كثير من أموال تجار الحرب الذين كانوا يتمولون من المصرف المركزي ويلعبون كمضاربين".
والسبب الاقتصادي الثاني، هو ثورات دول الجوار التي دفعت، اللبنانيين خاصة، للتوجه للسوق السورية لشراء الدولار، أو التي منعت المودعين السوريين بالمصارف اللبنانية، وجلهم من عصابة الأسد، من سحب الدولار، بعد قرار مصرف لبنان المركزي بعدم السماح بسحب كتل دولارية كبيرة من الإيداعات.
هذان السببان إضافة إلى السياسي الخارجي، هي الأسباب الجديدة، التي -كما قلنا- تضاف إلى الأسباب الاقتصادية والنفسية المتراكمة منذ ثماني سنوات في سوريا.
السؤال الرابع، هل يمكن أن يترك نظام بشار الأسد بهذه الورطة المتعاظمة، أم ستنتهي حالة التأديب قريباً؟!
الأرجح، سيتم التدخل الخارجي من دول أصدقاء الأسد، بمن فيهم الإمارات، وربما تتدخل حتى واشنطن، إن رأت أن الأسد يمكن أن يسقط أو يتزعزع كرسيه من بوابة الليرة والاقتصاد.... ببساطة، لأنهم لم يرتبوا أمور تقاسم النفوذ ودور الأسد الوظيفي، لما ينته بعد.
وبشكل خاص بالنسبة لروسيا، التي بدأت قبل أيام، بمد اليد للتنظيمات الكردية، لتحافظ على عقود النفط "تنقيب واستخراج وإعادة هيكلة وإصلاح" التي وقعتها مع الأسد، ولتقاسم واشنطن التي أعادت سيطرتها على شمال شرق سوريا، أي مناطق الإنتاج النفطي أولاً، والمائي والغذائي ثانياً.
السؤال الأخير، هل سيسقط الأسد إن استمرت كرة الاقتصاد بالتدحرج، فخرج سوريو الداخل بثورة الجياع؟َ!
الإجابة، كما أسلفنا ونتوقع، لن يسمح أصدقاء الأسد بسقوطه الآن لأسباب اقتصادية، لذا، على الأرجح، سيتم الدعم حينما يشارف الدولار على الألف ليرة أو أكثر قليلاً.
وقتذاك، تكون الرسالة قد وصلت كاملة للأسد "يمكننا خلال أشهر أن نسقطك وبأدواتك وحاضنتك ذاتهم".
وسيكون "الدرس" لوقف العنتريات والرضوخ لشروط سياسية جديدة، أمريكية وروسية، تتعلق بما هو أبعد من اللجنة الدستورية وتبجحات البشارين، الأسد والجعفري.
وما يتعلق بـ"ثورة الجياع" فأهلنا السوريون، لم يموتوا، لكنهم رأوا طرائق التعذيب ومن مات، ما يعني احتمال خروجهم على الأسد، لأسباب معيشية، مستبعداً كثيراً.
ولكن خلاصة القول، هذا لا يعني ثبات أي احتمال أو صحة القياس المطلق على نماذج وتجارب.
بمعنى، وليس ذلك من الأماني والرغبوية بمكان، ربما لا يمد أصدقاء الأسد حليفهم بالمال ولا ينتشلونه من الأزمة الخانقة، وربما يثور سوريو الداخل بسبب الجوع رغم صمتهم على القتل والفساد، وقد تحدث تبدلات سياسية تقلب المعادلات وتغير من الميازين..كما يمكن لبشار الأسد أن يسقط من بوابة الاقتصاد إن استمرت خسائر الليرة وزادت نسبة الفقر والجوع وهرب وتهرّب من حوله من التجار والفاسدين، خاصة بعد انقلابه على بعضهم قبل أشهر وتفتيته للكتلة الصلبة التي حمته، أو ساهمت بحمايته خلال سني الثورة.