اسطورة الحب
2007-02-23
خاص ألف
يقال إن الله خلق الحب في صورة فتى جميل، له عينان ملونتان جمعتا بين زرقة الأنهار و خضرة الأشجار ، ثم أنزله إلى الأرض . و لكن الحب لم يستمتع بسكينته كثيرا .. إذ جاء( الجنون) في إحدى نوبات غضبه و هياجه صانعا عاصفة رهيبة ، و في ذروة هياجه فقأ الجنون عيني الحب المسكين فأفقده بصره و قضى على جمال عينيه ! هكذا صار الحب منذ هذه اللحظة أعمى إلى الأبد
راح الحب يبكي حزينا محسورا .. و بعد أن هدأ ( الجنون ) نظر إليه، و أحس بالندم الشديد على فعلته ، و أراد أن يكفر عنها .. فقرر أن يقضي بقية حياته مرافقا للحب ، يقوده و يوجهه
! و من يومها صار الجنون قرينا للحب
...................................
ثم جاءت ( الغيرة ) .. كانت امرأة قبيحة سوداء الجسد ممزقة الملابس ، شعرها مهوش و أبيض كالقطن . لها عين واحدة في منتصف وجهها لا ترى بها إلا أقرب الأشياء المواجهة لها ، و لا تستطيع النظر يمينا أو يسارا
ذهبت الغيرة إلى الحب الأعمى و صديقه الجنون ، قالت لهما : أنا وحيدة بلا رفقة .. اصحباني معكما في طريقكما ، فسأكون ذات فائدة لكما في مهمتكما الصعبة
نظر لها الحب و الجنون بتشكك ، و لكنها أكملت : سأربط القلوب إلى بعضها بنار لا تخمد
قال الحب : قد تشعل النار القلوب نفسها فتحرق كل شيء
و قال الجنون : و قد تخمد تماما فجأة فيزول الحب
قالت الغيرة : و لكنكما بدوني لن تفعلا شيئا .. جرباني
هكذا رافقت الغيرة الحب و الجنون و صارت تتحرك معهما أينما ذهبا
شاعرة بالمتنان ، أخرجت الغيرة من جعبتها قطعة زجاج مصقولة ، و منحتها للحب قائلة : هذه مرآتك ، التي سترى عبرها الأشياء و ستعوضك عن نور عينيك .. وجه إياها تجاه ما تريد و ستراه ليس مثلما يراه الجميع
تلقى الحب الهدية شاكرا ممتنا ، و نظر فيها .. و لدهشته وجد نفسه يبصر .. و بانت أمامه الغيرة امرأة شابة جميلة ، متناسقة القوام . وجهها أبيض كالصباح و شعرها ناعم كحلكة الليل ينسدل على ظهرها . وقع الحب في غرامها من أول نظرة و قرر أن يتزوجها
اندهش الجنون .. و حذره بأن كل ما رآه في المرآة كذب ، و قال له : إنها مرآة عمياء مثلك .. و لكن الحب لم يصدقه
أصر على موقفه و تزوج الغيرة .. و هكذا صارت مرآة الحب العمياء هي مرآة جميع المحبين من بعده
................................
مرت أسابيع و شهور .. كان انتفاخ بطن الغيرة يزداد يوما بعد يوم ، و وهنها يزداد و تقل قدرتها على الحركة ، حتى جاءت ليلة حالكة السواد غزيرة المطر راحت تصرخ فيها بأعلى صوتها. مع أول خيوط الفجر كانت آهاتها قد خمدت و قد وضعت طفلا . كان يشبهها كثيرا و لكنه كان بلا ملامح على الإطلاق . كان وجهه صفحة معتمة بلا عينين أو أنف أو فم ، و لم تكن له أذنان ، أما جسده فقد كان في لون الدماء
خاف الجنون و أصابه الذعر حين رآه .. و لكن الحب أخرج مرآته و رآه فيها طفلا جميلا .. بل أشد جمالا من أمه .. و كان حجم الطفل يزداد بطريقة مرعبة يوما بعد يوم دون أن يدركوا تفسيرا لذلك
هكذا ولد ( الشك ) من رحم الغيرة .. كائنا لا يرى و لا يسمع .. و يتضخم بمرور الأيام عليه
.....................................
بعد أيام أدركهم التعب .. وكانت بيوت الناس قد اقتربت
كانت ليلة باردة ناموا فيها جميعا متلاصقين ، و في الصباح التالي كانوا قد اختفوا ، و انصهروا جميعا في جسد واحد : كائن لا يستطيع أحد تحديد عمره ، يبدو طفلا صغيرا بقدر ما يبدو شيخا طاعنا .. يبدو سعيدا و معذبا .. وديعا و شرسا .. جريئا و جبانا ... كائن غامض مليء بكل التناقضات
........................
هكذا استيقظ الحب ذات صباح و قد صار يحمل بداخله هوس الجنون و نار الغيرة و جحيم الشك ، و مضى ليبدأ رحلته بين قلوب البشر
08-أيار-2021
18-أيلول-2007 | |
23-شباط-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |