هل ستواجه موسكو أنقرة في إدلب؟
عمر كوش
2020-02-22
شهدت الأيام القليلة الماضية توتراً روسياً- تركياً غير مسبوق في إدلب، إثر مقتل 7 جنود أتراك على يد قوات النظام السوري في الثالث من الشهر الجاري، ثم بعد أسبوع، قتلت قوات النظام مجدداً 5 جنود أتراك، الأمر الذي أثار غضب المسؤولين الأتراك، لأن المقصود منه هو النيل من هيبة تركيا ودورها في سورية، لذلك استدعى رداً عسكرياً مباشراً وقوياً من طرفها، وإرسالها تعزيزات عسكرية ضخمة إلى إدلب، وتوّعد المسؤولون الأتراك قوات النظام السوري بدفع ثمن باهظ.
وجاء مقتل الجنود الأتراك في سياق تصعيد الحملة العسكرية على مناطق إدلب، التي تشنها القوات الروسية إلى جانب قوات الأسد وميليشيات نظام الملالي الإيراني، بالرغم من أنها تقع ضمن المنطقة العازلة في اتفاق سوتشي الموقع بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين، ما يعني أن هذا الاتفاق أصبح من الماضي، ويريد الروس تثبيت واقع جديد على الأرض، ضاربين عرض الحائط كل تفاهماتهم واتفاقاتهم مع الأتراك، سواء في مسار أستانة أم اتفاق سوتشي.
ويطرح التوتر العسكري الروسي- التركي أسئلة حول خيارات تركيا الممكنة في الرد ميدانياً، وحول مدى هذا التوتر مع الحليف الورسي الجديد، ومصير التفاهمات الروسية - التركية حول سورية، ومستقبل علاقات البلدين، وتطاول الأسئلة الدور التركي في سورية، وعما إذا كانت روسيا تستغل التفاهمات وتبتز شريكها التركي.
وبالرغم من أن روسيا حاولت احتواء التوتر مع تركيا بهدوء ديبلوماسي، وأرسلت وفداً سياسياً وعسكرياً رفيع المستوى، إلا أن المفاوضات التي أجراها الوفد في جولتين لم تثمر، بل فشلت في تهدئة خاطر الأتراك، فلم تتوقف الهجمات العسكرية، التي تقودها روسيا على مناطق إدلب وريف حلب الغربي، بل سيطرت على معظم البلدات المحادية للطريق (M5)، لذلك سارعت تركيا إلى إرسال ما يقارب خمسة الآلاف جندي إلى تلك المناطق، إلى جانب وحدات من القوات الخاصة في الجيش التركي، وأكثر من 1200 شاحنة ومدرعة عسكرية، مدعومة برادارات متنقلة وأجهزة تشويش، وبما يؤكد استعدادها لعملية عسكرية، يمكنها وقف قوات النظام وميليشيات نظام الملالي، بانتظار الرد الروسي على الإنذار الذي وجهه الرئيس إردوغان للنظام السوري، بسحب قواته من المناطق القريبة من نقاط المراقبة التركية قبل نهاية شهر فبراير/ شباط الجاري، وبالتالي فإن احتمالات المواجهة المفتوحة التركية الروسية في سورية قد ازدادت، منذرة بأن فترة ترحيل الخلافات الروسية التركية قد انتهت، ولم يعد تقاطع مصالح البلدين كافياً لحلها.
والحاصل هو أن العلاقات الروسية – التركية باتت تواجه اليوم اختباراً هو الأصعب، منذ المصالحة التي حدثت بين البلدين، إثر نشوب أزمة إسقاط تركيا طائرة سوخوي 24 روسية على الحدود السورية في 24 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. لكن تلك الأزمة جرى احتواءها سريعاً بعد الاعتذار التركي. واستدعى ذلك تحولاً في مسار السياسة الخارجية التركية، ردّ عليه ساسة الكرملين بتخفيف الضغط على أنقرة، واقتنعوا بأن استمالة تركيا نحوهم أسهل من مضايقتها، ثم تطورت علاقات البلدين إلى عقد اتفاقات وتفاهمات أشبه بالصفقات في مسار أستانة وسوتشي، ومنح الروس الضوء الأخضر لتركيا كي تقوم بعملية بعملياتها العسكرية في "غصن الزيتون"و"نبع السلام، وسوى ذلك.
غير أن التفاهمات القائمة والشراكة بين ساسة أنقرة وموسكو، بدأت تتعرض لتصدعات وتفككات، إثر التصعيد العسكري الروسي في إدلب وجوارها ومقتل جنود أتراك، الأمر الذي سمح للولايات المتحدة أن تعود من جديد لدعم حليفها التركي في حلف "الناتو"، والوقوف إلى جانبها، ما يعني إعطاء دفعة قوية للأتراك في مواجهة روسيا وتقوية دورهم التفاوضي، لكن الدعم الأميركي سيكون محدوداً وسياسياً فقط، ولن تذهب واشنطن إلى دعم أنقرة في مطالبها بإنشاء منطقة آمنة في إدلب وما حولها، بغية قطع الطريق على مخططات الروس ونظام الأسد، خاصة وأن الروس لن يضحوا بعلاقاتهم المتشابكة والواسعة في كل المجالات مع تركيا لصالح نظام الأسد، وبالتالي من المستبعد حدوث مواجهة عسكرية مباشرة ما بين الأتراك والروس في سورية، ولن يسمح ساسة الكرميلن بتدخل أميركي بينهم وبين تركيا.
ويبدو أن الساسة الأتراك لديهم مراهنة كبيرة على دور بلادهم في سورية، وخاصة إدلب بوصفها تمثل الخاصرة الجنوبية للأمن القومي التركي، لكن ذلك يضعهم في مخاطر كبيرة مع روسيا والنظام الأسدي ونظام الملالي الإيراني، ليس فقط لأن المصالح والتفاهمات مختلفة مع الروس ومع الخائضين في الدم السوري، بل لأن دورهم وتدخلاتهم تضعهم في حالة تماس عسكري مباشر مع سائر المتدخلين، وهذا يستتبع أثاراً وإرهاصات، قد لا تنحصر عند مقتل جنود أتراك في إدلب، فضلاً عن التباين الذي يعتري علاقات تركيا مع روسيا، بالرغم من تقاطع وتشابك المصالح، لأن ما يريده الروس هو إعادة رسم خارطة جديدة على الأرض في سورية، بما يعني توسيع نفوذهم على حساب النفوذ التركي فيها، والقضاء على فصائل المعارضة السورية، وإفراغ المنطقة من سكانها ونازيحها من المدنيين السوريين، لذلك فإن الخاسر الوحيد هو الشعب السوري.