أي يسار نريد في عصر موت الإنسان ؟ من وحي ناقوس الكورونا
أحمد برقاوي
خاص ألف
2020-04-18
تواضع الفكر العالمي على اعتبار اليسار ظاهرة فكرية- أيديولوجية وسياسية تجعل من مصالح الفقراء و الأكثرية المجتمعية همها الأرأس.
وقد جاء حين من الدهر كانت فيه الدول الإشتراكية بقيادة الإتحاد السوفيتي و الأحزاب الشيوعية و الأحزاب الإشتراكية و النقابات الشعبية وحركات التحرر من الإستعمار و التبعية تمثل عالم اليسار على مستوى الكوكب .
ثم احتفل الرأسماليون و جمهورهم من المثقفين، كما العددالأكبرمن رعاع العالم بهزيمة اليسار، بمأزقه ؟أو بأزمته، وأعلنوا انتصارهم بأنه انتصار للتاريخ على الأوتوبيا، وللحقيقة على الأيديولوجيا وبخاصة مع انهيار التجربة الإشتراكية في الإتحاد السوفيتي و دول أوربا الشرقية .
والحق: أنه مـا أن أعلن غرباتــشوف عن حركة البيرستـريويكا والغلاسنوست (إعادة البناء والشفافية) حتى ساندها أغلب يساريي العالم
ولقد ساندناها نحن في ندوة البيرستريويكا عربياً ظناً منا أن غورباتشوف يسعى لإعادة الحياة إلى الاشتراكية بمدها بأسباب الحرية والديموقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي، وللحق أيضاً فإن الروائي غالب هلسا، كان من بين المثقفين الذين عارضوا البيرستريويكا.وهذا لا يعني أنه كان على حق في حينه. ثم حصل ما حصل، لم يعد الاتحاد السوفياتي موجوداً، ولا أنظمة الحكم الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وضعف تأثير الحركة الشيوعية وأحزابها على مستوى العالم، ورفعت الرأسمالية راية نصرها تغذ السير نحو الرأسمالية المتعولمة (العولمة).
لقد انتصرت الريغانية و التاتشرية، ثم صار بوش الأب زعيم العالم بلا منازع. خاض الأب الحرب على العراق واحتل الابن العراق.
وعادت روسيا إلى نمط الدولة الرأسمالية المتوحشة ،ذات النزوع الإستعماري البدائي،بكل عنف الرأسمالية القومية .
الدول الثماني تجتمع دورياً لتقرير مصير لقمة عيش البشر، والعالم مشاع لفعل الأميركيين والروس والصينيين والأوربيين، الحانين إلى مرحلة الاستعمار والإمبريالية.
وصار العالم في ظل العولمة وغياب قوة لجم يسارية للرأسمالية خراباً اجتماعياً وأخلاقياً وسياسياً.
وأشكال اليسار العربي المنحط أخلاقياً و الذي مازال يلبس معطف ستالين وتلامذته المخلصين يشوه حقيقة اليسار بوقفه مع أبشع جرائم البشرية التي يرتكبها الروس و ميليشيات الوسخ الإيراني و إيران و الجماعة الحاكمة بحق الشعب السوري، هذا اليسار المنحط يشوه حقيقة اليسار وماهيته بوصفه الإنحياز المطلق للحياة وسعادة الإنسان .
عالم بلا يسار عالم بلا صراخ ضد الظلم والعدوانية واستغلال الإنسان.عالم بلا يسار، فقراء بلا محامين، بلا أشباح تخيف الرأسمالية.عالم بلا يسار، عالم بلا قلب، عالم حملان وذئاب فقط.عالم بلا يسار، عالم بلا قيمة أخلاقية إيجابية.عالم بلا يسار عالم إجرام وقتل بلا احتجاج وصد .
حين ننظر إلى البنيوية على أنها فلسفة موت الإنسان كان ذلك بسب إهمالها الإرادة في الحياة.
الآن والعولمة الرأسمالية، أو الرأسمالية المتعولمة تحرق الحياة وتسعى لأن تحطم الإرادة الإنسانية، تعلن موت الإنسان حقاً.نريد يسار يعلن مرة أخرى ولادة الإنسان، ويجب أن يعلن ولادة الإنسان.
الرأسمالية المتعولمة ظاهرة عالمية ويجب أن يكون اليسار عالمياً، يجب أن نعود الى وحدة اليسار في العالم، التظاهرات التي تقوم الآن ضد الأكباش الثمانية حيث تتداعى جماهير التمرد من كل أنحاء العالم شكل من وحدة اليسار، شكل من ولادة اليسار.
نكوص بعض قادة اليسار في بلداننا، وتوبة آخرين، وسقوط ثلة من يساريي العرب في المستنقع الإيراني الروسي يجب أن لا يحملنا على الاعتراف بأن هزيمة اليسار هزيمة مطلقة.فهؤلاء هم الأوساخ التي رماها نهر التاريخ على ضفتيه للتخلص منها.
نعم انهزم اليسار العالمي، انهزم اليسار العربي، ويجب أن نعود لقراءة تجربة اليسار ناقدين من موقع إعادة الحياة لليسار، لا من موقع قراءة الفاتحة عليه. فكم هو بشع هذا العالم بلا يسار.
عالم بلا يسار عالم لصوص كبار وأصولية متوحشة. لا صراع حقيقياً بين لصوص العالم والحركة الأصولية، سواء كانت أصولية مسيحية أو أصولية إسلامية أو أصولية يهودية. لصوص العالم فرحون بصراع كهذا، لأنه لن يثمر تقدماً إنسانياً، واكتساباً لحق الإنسان في الحياة الكريمة الحرة.
اليسار وحده يعطي للصراع مع لصوص العالم معنى حقيقياً، لأنه يحمل هموم البشر، هموم الفقراء، هموم المضطهدين، هموم المغتربين، الذين غربتهم همجية الرأسمال.
أي فجيعة إنسانية هذه أن نترك الرأسمالية من دون ردع، أي كوميديا بشرية هذه أن يكون العالم بلا يسار.
لست داع لعودة الدولة التسلطية في الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى، لا أدعو إلى سلطة أبوية متخلفة كالسلطة في كوريا الشمالية،والصين بل لا أدعو إلى أي سلطة تحكم بالعصا باسم الشيوعية والاشتراكية والشعارات أياً كانت .
أدعو إلى دولة ديموقراطية، يشكل اليسار فيها شبحاً دائماً يخيف زعماء اقتصاد السوق، وبالتالي زعماء الحروب من أجل السوق.
وكما أعلن البيان الشيوعي عن خوف الرأسمالية من شبح الشيوعية، علينا أن نخلق أشباحنا الجديدة .
سيقول بعض الواقعيين الجدد، العقلانيين الجدد جداً، ها هو واحد يطل من زمان ولى، طوباوي أيديولوجي حالم، يحن إلى الماضي، نكوصي..الخ.
أما إني طوباوي حالم فنعم. ومن قال إن للحياة قيمة بلا أوتوبيا؟ من قال إن الأوتوبيا غير قابلة للتحقق؟
وأعترف أيضاً بأني طوباوي بامتياز. أن أكون طوباوياً يسارياً، له شرف الدفاع عن البشر، شرف لي وخير لي من أن أكون من الأيديولوجيين اليمنيين الذين لا يدافعون إلا عن مصالحهم الضيقة.خير لي من أن أكون مع يسار منحط باسم واقعية زائفة وشعارات ماتت.الطوباوية هي الحلم بعالم أفضل ،بعالم من الحرية و الكرامة و الكبرياء و التحرر من العوز.الطوباوية هنا هي الواقعية الأخلاقية
لا ليس عندي أي حنين إلى الماضي. اليساري يدافع عن المستقبل، مستقبل الإنسان في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
فالتاريخ لا يعيد نفسه، إنه كما قال ماركس في الثامن عشر من برومير بونــابرت : التاريخ يجري مرة على نحـو تراجــيدي ومرة أخرى على نحو مسخرة، فالتاريخ لا يعيد نفسه.
بل إن النكوصيين الحـقيقيين هم الذين يعيدون الرأسمالية إلى بداياتــها المتوحشة جداً، بعد أن تحولت إلى متوحـشة فقـط في عصر الامبريالية والصراع بين القطـبين الكبيرين.النكوصويون هم الذين يحنون إلى الدولة التسلطية السوفيتية و ما شابهها من الدول الزفتية .أجل: الدفاع عن اليسار دفاع عن مركزية الإنسان واستعادته بعن إعلان موته.