تاريخياً وبحسب المتداول، ثمة تقاطعات غريبة، بين نشأة حزب البعث السوري والمافيا الإيطالية، مع فارق أخلاقي جدير بالذكر، أنّ المافيا ظهرت بالقرن الثالث عشر، بصقلية لاعتبارات أخلاقية، أي رداً على خطف الغزاة الفرنسيين فتاة إيطالية بليلة زفافها، بدليل أنّ الصرخة الأولى كانت "Morta alla Francia Italia anelia" أي موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا، ومن الأحرف الأولى جاءت "MAFIA". وماعدا ذلك، من شعارات وبنية وتكوين ومسيرة، بل وتغيّر المسار إلى التهريب والخطف والتعذيب والقتل، فكلتا المافيتين تتشابهان لدرجة التطابق، ما يجيز القول، بعد التشكيل الهرمي وبروز الزعامات، إنّ هذا الأسد من تلك الـ"كوزا نوسترا".
فمنذ تسلم الأسد الأب، وإثر التصفيات والسجن وإعادة التشكيل، تحول الحكم المافيوي بدمشق إلى ما يشبه المافيا "الإيطالية الأميركية" أي دولة داخل الدولة، مع الاحتفاظ بميزة "العائلة" كنواة للتنظيم والعمل على زيادة التشبيك عبر روابط الدم والزواج.
فتشكل بعد الحركة التصحيحية، ما يشبه "الكباتن والأساتذة"، بل، وليس بذلك أي مبالغة، تم النهل من المافيا بسورية، حتى بما يسمى "المستشار" الذي يتولى مسؤولية فض نزاعات العائلة والإشراف على ما يترفع من كباتن "كابو" داخل العائلة، وربما السوريون سيرون أشخاصاً حينما يقرؤون هذه الكلمات.
ومن التشابهات التي تتعدى المصادفة ربما، اهتزاز صورة المافيا الإيطالية بعد جيلها الثاني "آل كابوني الذي خلف جيمس توريو" بعد فك حظر صناعة الكحول وتحول التنظيم للمخدرات والقتل، تماماً كما اهتزت صورة بشار الأسد بعد أبيه، إثر كساد تجارة الشعارات وكسر حاجز الخوف وخروج ثورة السوريين، ليتعرّى كلا التنظيمين وتسقط أسماء هنا وهناك، خاصة بعد الصراع بين لوسيانو ليجيو "الأقرب لصورة بشار الأسد" المتمتع بمظاهر الشرعية من وجهة نظر المافيا الكلاسيكية، وستيفانو بونتاتي وحليفه سلفاتور إنزيريلو "المتمثلين بمحمد مخلوف وابنه رامي" اللذين سرقا ملايين الدولارات من الخزائن العامة للمافيا.
ولعل من الإدهاش بالتشابه، أنّ اعتماد كلا التنظيمين على "فزاعة داعش" جاء بتوقيت واحد، وكأنّ كلا الرئيسين، يقرآن من المرجع ذاته وبنفس التوقيت، ففي الوقت الذي حذر خلاله جيوفاني جامبينو تنظيم "داعش" عام 2015 "أينما كان النفوذ الصقلي قويًا، فإن طفيليي داعش لا يمكنهم أن يجدوا موطئ قدم"، كان بشار الأسد يحذر من التنظيم ويستقدم الروس "لئلا يكون للدواعش موطئ قدم".
ولتكتمل دائرة التشابه، كشفت تقارير لاحقة علاقة المافيا الصقلية بـ"داعش"، خاصة ما يتعلق ببيع النفط، تماماً كما كشف الإعلام علاقة الأسد بالتنظيم وبالقطاع ذاته، عبر السوري الروسي، جورج حسواني ومن ثم حسام قاطرجي، مع ملاحظة فوارق كثيرة لها علاقة باستراتيجية المافيا العالمية وحرصها على تحقيق المصالح للآخرين، وقصر نظر المافيا السورية التي آثرت بقاءها على كرسي "رئيس التنظيم" وضربت مصالح الجوار وحقوق الشعب، والتي -الفوارق- تضمن للمافيا البقاء وإعادة التشكيل، في حين أسقط التعاطي غير الواعي، مافيا الأسد وبات سقوطها مسألة وقت وبعض أدوار وظيفية لمّا تتحقق بعد.
نهاية القول: بالأمس استغلت المافيا الإيطالية الظروف الصعبة التي تعيشها إيطاليا جراء أزمة كورونا، فوزعت الغذاء على المحتاجين وقدمت قروضاً بدون فوائد، ربما لاعتبارات إنسانية أو غير إنسانية، تتعلق بفرض سيطرتها على حياة الناس والاستفادة من خدماتهم، خلال الأزمة وبعدها.
في حين أنّ مافيا دمشق، لم تحسن إدارة الأزمة، فتضحي ببعض مكاسبها وأرصدتها الخارجية، لتستميل الشعب وإن شغلته في صالح التنظيم المافيوي بعد الأزمة، كما أختها الكبرى في نيويورك وباليرمو، فرأينا الاعتماد على أدوات المافيا القديمة، من تفقير وتجويع السوريين والإيغال في قمعهم، لتقطع الآمال عن إعادة ترتيب العصابة، وتؤكد أنها، وحتى بالإجرام، غبية وسيئة الاقتداء.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...