لهذا فتنت روسيا بين الأسد ومخلوف
عدنان عبد الرزاق
2020-05-09
ربما، لا حقيقة مطلقة بواقع تزايد التسريبات والنبوآت، وبعد خروج رامي مخلوف بتسجيل مصور، مستغيثاً ومتوعداً، سوى تصدّع الدولة العميقة التي أسسها حافظ الأسد، بالتآمر والارتباط وعلى جماجم أصدقائه وحلفائه بالحزب والجيش والطائفة.
فما يقال عن زيارات ضباط روس لمناطق مسيحية لضمان أمن الشعب، بحال طارئ أو انهيار غير متوقع، ماهو إلا "تسريبة" لجس نبض الشارع ومدى تعمّق الثأرية بين السوريين.
كما أن ما يحكى عن دخول وجوه جديدة إلى خارطة الحكم، سياسة واقتصاد، لا يتعدى قراءات انطلقت مما بعد محاصرة "آل مخلوف" وكشف عوراتهم عبر ذريعة التهرب من استحقاقات الدولة المالية.
وكذا لما يقال عن مجالس شيوخ ورؤساء مرشحين أو اقتراب ساعة الصفر، فذاك نتيجة متوقعة ومشروع بحثها، بواقع تفتت الكتلة الصلبة حول الأسد الابن وتكشّف العورات للحد الذي بات مزيد حمل الأسد "الفاشل" عبئاً إضافياً على كاهل الروسي.
ولعل، وهو الأهم، أن الاتحاد السوفياتي الذي استضاف رفعت الأسد عام 1984 بعد ما قيل عن تمرده أو محاولة استيلائه على السلطة، وقت كان أخوه الرئيس، حافظ الأسد بغيبوبة بمشفى التل العسكري، هي غيرها وبالمطلق روسيا اليوم، كما أن "الأستاذ رامي" لا يرقى لشعبية "القائد رفعت" ولا يصل الوريث بشار لمستوى الربط والارتباط الذي كان عليه المورّث حافظ الأسد.
وهنا وضمن نقطة نظام وإن فيها خروجا عن سياق.
أعتقد أن كذبة تمرد رفعت الأسد خلال الثمانينات، هي من أكبر المسرحيات التي صدقها جل السوريين، إذ ومن خلال تلك المسرحية وبعدها، تمت إعادة هيكلة الدولة العميقة، كما رسمت "دول" لحافظ الأسد وكما اشتهى لاستمرار الحكم للأبد، ولم يخسر رفعت الذي تم تعويضه بـ"خروج لائق" وأموال طائلة، من خزينة الدولة السورية ومن ليبيا القذافي ومن سعودية الملك فهد عبر ولي العهد عبد الله الذي يقال إنه عديل رفعت الأسد.
ولديّ شك كبير، وهذا من حقي، بكل الروايات التي قيلت، بما فيها ما سرده فاروق الشرع بكتابة "الرواية المفقودة" حول اقتراحه على حافظ الأسد نفي رفعت لفرنسا وكيف لم يستجب الفرنسيون ومن ثم طلب إلى فلاديمير يوخين، السفير السوفياتي في دمشق وقتذاك، وكيف مرت مسرحية النفي والإقامة الجبرية والسفر إلى فرنسا.. إلى آخر تلك الرواية المعروفة.
قصارى القول: ربما السؤال الأبرز اليوم، بعد كل تلك الفضائح، ماهي مصالح روسيا بأن تضعف بشار الأسد، بعد أن حمته من الانهيار عام 2015 وفقدت من رصيدها ما يستحال تعويضه، خاصة على المستوى الشعبي السوري، بعد أن قتلت وساهمت بقتل عشرات الآلاف واعترفت بتجربة 200 سلاح على السوريين وتفاحرت بزيادة مبيعات أسلحتها بعد حربها على ثورة وحلم السوريين؟!
ولماذا "خانت" محمد مخلوف أيضاً، الذي لجأ إليها منذ مطلع ثورة السوريين، ليهندس التدخل ويتكفل بدفع المال وتأجير الأراضي ويضمن اتفاقات السيطرة على النفط والغاز؟!.
الأرجح، أن إجابة وحيدة يمكن أن تؤاخي بين هذيّن المتناقضين، وهي أن روسيا تسعى إلى سوريا خالية ولأكثر قدر، من المتنفذين والفاسدين والمرتبطين خارجياً، لكي "يرتاح راسها" بعد تسوية "سوريا من دون الأسد" المقبلة لا محالة.
كما أن روسيا، لمست وتأكدت، بعد الإيقاع بين مخلوف-الأسد ولفترة عام، أن ثمة "لعب بالذيل" يعد له بشار مع إيران كخطة بديلة فيما لو خانه الروس، ومثله تتواصل أسماء مع "دول غربية" لضمان خط العودة بحال تنصلت موسكو من الإبقاء على زوجها رئيساً، خلال انتخابات العام المقبل، بعد التسويات المفترضة والاستمرار بـ"هكذا يريد السوريون".
وتهريب أموال مخلوف، إلى روسيا البيضاء والإمارات، ولم يستقطب المناخ الروسي سوى فتات، ما يدلل أيضاً، على أن لدى مخلوف خطة بديلة، أو عدم طمأنينة لبوتين، على أقل تقدير.
نهاية القول: أخرجت روسيا، بإتقان ودموية، الفصل ما قبل الختامي بمسرحية اسمها "سوريا الأسد" وإن على الطريقة المخابراتية الكلاسيكية، لتكون اليوم، وبعد تفتيتها الكتلة الصلبة، السياسية والأمنية والاقتصادية، أمام الاستحقاق الأصعب، وهو كيفية إخراج رأس النظام، نفياً أو قتلاً، من دون أن ينهار ما تبقى من الدولة وتتحول سوريا إلى "فاشلة" تخيف محيطها، إن بـ"إسرائيل" والجوار، أو شركاء شمال المتوسط.
فترضية إيران بعدم جدوى حلمها النكوصي الفارسي وإخراجها من سوريا، ليس بالأمر السهل، وترضية المحتلين للأرض أمر على غاية المشقة، وربما الأخطر، كيف سيتم تقاسم سوريا بين شعبها، سلطة وأرضا، بعد عشر سنوات من القتل وتكريس التقسيم والأحقاد والثأرية.
ربما الولايات المتحدة هي كلمة السر الوحيدة التي يمكن أن تحل كل تلك الألغاز لروسيا، وربما ليس في مصلحة واشنطن الاستمرار بتغريق موسكو بالوحل، بعد الدرس القاسي والتفقير الذي أوصل نباح بوتين إلى ما بعد قبرص.
كما ليس في صالح موسكو أن تزيد الخناق على عنقها، كرمى لوهم اسمه "بشار" خاصة إن ضمنت البديل الأوكراني وحصتها مما باعه ابن أبيه، ليبقى المسوّغ الزماني هو النقطة الوحيدة المعلقة حتى اليوم، بصفقة الكبار على سوريا ما بعد بشار.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"