عشرين كيلومترًا مشيناها على الأقدام تحت جنح الظلام مثل أنبياء تجنبًا لثرثرة ضوء النهار مخترقين الجبال والوديان قافزين فوق تعب الأيام ونصائح أمهاتنا.
عشرين كيلومترًا وقودها أسئلة بلا جواب وحديث في شؤون القرية وبناتها الجميلات مشيناها غير مبالين ببطوننا الفارغة وجيوبنا المقفرة.
ومن أجل فيلم هندي رومانسي تخضبت نساؤه بالألوان بعنا كيس زعتر كامل جمعنا أعشابه من كل فج عميق ونمنا لصق بئر يابسة نتبارى في مدح الفراغ ووصف العطش منتظرين أن يصعد إلينا الماء من أعلى سماء في الكون ومن بين دعوات الأمهات وهن ينقّين قمح طفولتنا من هواجس البدايات بأصابع تشير إلى الجنة غير ملتفتين لرنين الفؤوس في الحقول.
عشرين كيلومترًا، أو أكثر مشيناها بأقدام متشققة وأحذية تبتسم للعابرين وقد أنهكتها المسافات تئن تحت أحلام حملناها بلا أفق يسندها لا ندري بأي أرض تحط بنا كان ذلك قبل أن نكتشف الكتب تلك الحزم من الأوراق المأهولة بالكلمات الكتب التي أنستنا صورتنا القبيحة في المرآة وجمّلت خطواتنا نحو الجنون لكنها تيهتنا عن طريق الحياة وجعلت منا خرافًا بلا هوية تثغو في ممرات المجاز الضيق.
كان بعضنا يجهش بالشوق عند كل كلمة تنبت بين أجنحة صمته.
عند جذع شجرة الزيتون حيث الحيرة سورة لا تنتهي والسؤال صيف بلا ضفاف جلسنا نشرب كأس انتكاستنا تحت سماء عمياء.
لا أذكر الحلم الذي جئت من أجله إلى العالم لكني أذكر جيدًا أول جرح زيَّن قلبي وأنا أسحب خلفي صرخة البداية في أحراش الوجود الفسيحة كان علَيَّ أن أتعلم الصيد لوحدي وألقي بالكتب والأفكار التي بأغلفة جاهزة وأحذَرَ الأصدقاء الواقفين على جنبات الطريق مثل أشجار خريف كنت أمضي بجرابي الفارغ ملتقطًا كل شرارة اعترضت طريقي أقدمها رشوة لليالي المعتمة من أجل صباح يضجُّ فرحًا وأفك حبل المشنقة عن عنقي شيئًا فشيئًا من أجل طفل عثرت عليه مخبأ في حلم قديم فتمسك بتلابيب كلماتي إذ فَتَنَتْهُ ألوانها.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...