ملحمة أقهات الأوغاريتية (نموذج في الميثولوجيا المقارنة)
2006-05-02
تقديم:
ازدهرت ثقافة أوغاريت (المدينة الواقعة على الساحل السوري الشمالي قرب مدينة اللاذقية الحديثة) خلال عصر البرونز الأخير (1550-1200ق.م)؛ وإلى هذه الفترة النشطة من حياة المدينة ترجع كل المنقوشات الكتابية التي اكتشفت في الموقع، خلال حفريات بدأت عام 1929، وما زالت مستمرة. يتألف القسم الأعظم من هذه المنقوشات من نصوص اقتصادية، ومراسلات دبلوماسية، ونصوص طقسية، وصلوات وتعازيم، وقوائم بأنواع الأضاحي.
ولكنها احتوت أيضاً على نصوص أدبية، ما زالت تشكل حتى الآن مصدرنا الرئيسي عن الأدب الكنعاني ومجمع الآلهة الكنعاني. وقد وُجد معظم هذه النصوص في منطقة المعابد؛ ولكن هذا لا يعني أن الحي المقدس قد احتكر نشاط الكتابة لنفسه، لأن أرشيفات أخرى متفرقة قد وُجدت في أماكن عدة من المدينة، بل إن وجودها في منطقة المعابد يدل على أنها تملك وظيفة دينية ما.
تتألف هذه التركة الأدبية من نصوص ميثولوجية، مثل «سلسلة بعل وعناة»، الأكثر وضوحاً للقراءة، ومثل «مولد الغسق والسحر»، و«الرفائيم»، و«زواج نيكال من إله القمر» وهي أقل وضوحاً للقراءة بسبب فقدان معظم مادتها. يضاف إلى هذا ملحمتان طويلتان، الأولى «ملحمة كِرْت»، والثانية «ملحمة أقهات». وكما هو الحال في الملاحم الكلاسيكية الأكثر شهرة، وفي ملاحم الشرق القديم كملحمة جلجامش، فإن الأبطال الرئيسيين هنا هم أشخاص بشريون رغم أن الآلهة تلعب دوراً مهماً في أحداث الملحمة التي تجري في حيز إلهي - إنساني متصل.
كُتبت النصوص الميثولوجية والملحمية، مثل غيرها من النصوص الأوغاريتية، على ألواح من الطين ندعوها رُقماً، بالخط الأبجدي المسماري، وباللغة الأوغاريتية وهي إحدى لهجات اللغة السامية الغربية. وكانت هذه الألواح، أو الرُقم، تشوى في أفران خاصة بعد أن تُنقش وهي طرية على كلا الجانبين، في عمود أو عدة أعمدة تحتوي على أسطر تكتب بشكل متواصل مع علامات تقسيم تفصل بين الكلمات. وعلى الرغم من أن هذه النصوص قد دونت في أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد، إلا أن أصولها كانت آداباً شعرية متداولة بشكل شفوي قبل تدوينها بزمن طويل. وبما أن الخط الأوغاريتي كان يستخدم الحروف الساكنة فقط، كان من الصعب علينا تكوين فكرة عن قواعد الوزن التي تحكم ذلك الشعر، إن وجدت، كما أن القافية لم تكن مستعملة في صياغته. ولكننا نستطيع تمييز النص الشعري من لغته الأدبية الراقية، ومن خاصية أساسية فيه هي التوازي، وهي خاصية لا تطمسها الترجمة لحسن الحظ. إن العنصر الأساسي في الأسلوب الشعري القائم على التوازي، هو وحدة تتألف من بيتين أو ثلاثة يجري من خلالها توسيع فكرة واحدة عن طريق التكرار وإعادة الصياغة، أو التضاد. والمقطع التالي من سلسلة بعل وعناة، يوضح لنا كيفية استخدام عنصر التوازي:
دعني أخبرك أيها الأمير بعل
دعني أكرر يا راكب الغيوم:
هو ذا عدوك يا بعل،
هو ذا عدوك، سوف تقتله
ها أعداؤك، سوف تفنيهم
ولسوف تفوز بالملك على الدوام
وبالسلطان إلى أبد الآبدين.
يتكون هذا المقطع من ثلاث وحدات تُعبّر كل منها عن فكرة كاملة. ومثل هذا الأسلوب مألوف لنا في المقاطع الشعرية التي ترد في كتاب التوراة العبرانية، والتي نسجت على المنوال الكنعاني في أسلوب التوازي. نقرأ في سفر المزامير على سبيل المثال:
لأنه هو ذا أعداؤك يا رب
هو ذا أعداؤك يبيدون
كل فاعلي الإثم يتبددون (المزمور 92: 9)
وأيضاً:
مُلْكك مُلك كل الدهور
وسلطانك في كل دَوْر فدور (المزمور 145: 13)
ملحمة أقهات:
على الرغم من عنوان هذه الملحمة، الذي يشير إلى شخصية بطلها، إلا أن قصة أقهات هنا تشكل الجزء الثاني من قصة أطول تدور حول أبيه المدعو دانئيل (= دانيال. ومعنى الاسم: إيل قاضي، أو الله قاضي)، وهو شخصية ملكية كانت حكمتها واستقامتها موضوعاً ملحمياً قديماً، ووصل ذكرها أسماع مؤلف حزقيال التوراتي الذي ذكر دانئيل، أو دانيال كما أسماه، بين ثلاثة من أكثر الشخصيات براً وعدلاً في تاريخ البشر (راجع حزقيال 14: 14، و14: 20، و28: 3). إن ما تبقى لنا سليماً من هذه السلسة يدور حول علاقة دانئيل بابنه أقهات. وتتشابك علاقة هاتين الشخصيتين مع شخصيتين رئيسيتين أخريين هم
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
01-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
13-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |