أحيقار الحكيم شخصية ذاع صيتها في العالم الآرامي وصولاً إلى العصر المسيحي الذي وصلتنا منه عدة نسخ لقصة أحيقار وحكمه وأمثاله ، أهمها النسخة السريانية المحفوظة في جامعة كامبردج (المخطوطة رقم 2020). إلا أن أقدم مخطوطة آرامية لقصة أحيقار قد وُجدت بين مخطوطات جزيرة الفِيَلة بمصر العليا التي تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وهي بدورها نسخة عن مخطوطة مفقودة تعود إلى قبل هذا التاريخ بنحو قرن من الزمان، أي إلى زمن قريب جداً من العصر الذي عاش فيه أحيقار .
وربما كان لقمان الوارد ذكره في القرآن الكريم والذي آتاه الله الحكمة هو أحيقار الآرامي نفسه. نقرأ في سورة لقمان: " ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله، ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد. " ( لقمان: 12). ولعل مما يدعم هذا الرأي وجود تشابه بين بعض الوصايا التي قدمها لقمان لابنه وبعض الوصايا التي قدمها أحيقار لابنه. فقد وردت في نص أحيقار الوصية التالية:
- " إذا أردت أن ترتفع فاتضع أمام الله الذي يذل المتكبر ويرفع المتواضع. "
وورد في سورة لقمان :
- " ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور. " . (لقمان: 18) .
وورد في نص أحيقار أيضاً :
- " اخفض بصرك واخفض صوتك، لأنه لو أمكن بناء البيت بالصوت العالي لبنى الحمار بيتين في يوم واحد. " .
وورد في سورة لقمان :
- " واقصد في مشيك واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير." (لقمان: 19) .
تدور أحداث قصة أحيقار في البلاط الآشوري خلال عهد الملك سنحاريب (704-681 ق.م) وعهد خليفته أسرحادون (681-696 ق.م) . فقد كان أحيقار كاتباً لامعاً وحاملاً لأختام الملك سنحاريب، وكان بحكمته ورجاحة عقلة مشيراً لكل بلاد آشور. وعندما مات سنحاريب كان أحيقار قد تقدم بالسن وليس لديه ولد من صلبه، بل ابن أخت له رباه مذ كان طفلاً ورعاه وأطعمه وكساه، وعندما كبر علمه الكتابة والحكمة. ثم إن الملك الجديد أسرحادون استدعى أحيقار وقال له: "لقد صرتَ يا أحيقار في سن الشيخوخة، فإذا متَّ فمن لي بمن يخدمني من بعدك مثلك؟ " فقال أحيقار : " لدي ابن أخت اسمه نادين، علمته الكتابة والحكمة، ولسوف يخدمك بدلاً عني، فلقد تقدمت بي السنون ولن أستطيع بعد الآن تأدية مهامي في البلاط. " ثم إن أحيقار جاء بنادين وأوقفه في حضرة الملك، فأجابه عن كل ما سأله، فأحبه الملك وأوكل إليه مهام خاله أحيقار. أما أحيقار فانصرف إلى بيته ليمضي بقية حياته في راحة وسكون .
ولقد ظن أحيقار أن ابنه نادين سيرد له الجميل، ولكن نادين ما أن شعر بقوته وسلطته بدأ يحيك المؤامرات ضد أحيقار، حتى استطاع أخيراً أن يقنع الملك سنحاريب من خلال رسائل مزورة كتبها بخط يشبه خط أحيقار، بأن أحيقار يتراسل سراً مع ملك فارس وملك مصر للتآمر على أسرحادون والسماح لجيوشهما أن تدخل آشولا دون حرب. فأمر أسرحادون قائد جيشه نبوسمسكين أن يبحث عن أحيقار ويقتله. ولكن بنوسمسكين الذي كان يُكنّ لأحيقار احتراماً كبيراً أخفاه في بيته ريثما يهدأ غضب الملك وقتل عوضاً عنه أحد عبيده الخصيان، ثم ادعى أمام الملك تنفيذ المهمة. وبعد أحداث كثيرة تنتهي القصة بأن يكتشف الملك خيانة نادين ويأسف على قتله أحيقار، فيعترف أمامه بنوسمسكين بإنقاذه أحيقار وإخفائه في بيته، فيفرح الملك بذلك فرحاً كبيراً ويعيد لأحيقار كرامته المهدورة ويسلمه ابنه نادين ليعيد تأديبه، فيأخذه أحيقار إلى بيته ويقيده بالسلاسل، ويقول لغلامه أن يكتب على لوح ما يقوله لابنه من حكم وأمثال، أسوق فيما يلي مقتطفات منها. ولسوف يجد قارئ اليوم مدى شبهها بأمثالنا المتداولة اليوم .
- لا تمنع العصا عن ابنك، وإلا ما استطعت حفظه من الشرّ.
- إذا ضربتُك يا بني فلن تموت، وإذا تركتك تتبع هوى قلبك فلن تحيا.
- الضرب للعبد، والقمع للأَمة، والصرامة لجميع خُدامك.
- الحمار الذي يترك حمله ولا يرفعه، سيأخذ حمل رفيقه إضافة إلى حمله، ويصير حمله كحمل الجَمَلْ.
- الحمار ينعطف نحو الأتان بشغف، والطيور على أشكالها تقع.
- يا بني لا تذع كل كلمة، ولا تفش كل أمر يخطر لك، لأن في كل مكان عيوناً وآذاناً.
- أعظم ما تراقب، راقب فمك، وأغلق قلبك على كل ما تسمع. لأن الكلمة مثل الطير، إذا أرسلتها لن تستطيع اصطيادها ثانيةً.
- احص أقوال فمك ثم أطلقها نصيحة لأخيك. إن دمار الفم أشد فتكاً من دمار الحرب.
- إني ذقت الحنظل وأكلت الهندباء، فلم أجد أكثر مرارةً من الفقر.
- إني رفعت الرمل وحملت الملح، فلم أجد أثقل من الدين.
- إني حملت التبن ورفعت النخالة، فلم أجد أخف من الضيف العابر.
- التقى النمر بالعنزة في وقت البرد، وكانت مقرورة، فقال لها: «هلمي إليّ وسوف أغطيك بجلدي». فقالت له: «دعني وشأني لئلا أفقد جلدي».
- ليس بمقدور البشر أن يرفعوا قدماً أو يضعوها من دون الإله.
- إذا كانت عين الإله على الإنسان، فإنه يرى طريقه في الظلام.
- لا تأخذ قرضاً كبيراً، ولا تقترض من شرير. وإذا اقترضت لا تجد راحة لنفسك حتى سداد القرض. القرض لذيذ عند الحاجة إليه ولكن سداده مؤلم.
- لا تلقِ سمعاً للكاذب. إن جمال المرء بصدقه، وبشاعته بكذب شفتيه.
- قد يُنصب في البداية عرش للكذاب، ولكنهم سيكتشفون كذبه ويبصقون عليه.
- لا تشته الشيء العظيم الممنوع عنك.
- لا تفشِ أسرارك لصديقك، لأن اسمك لن يكون محترماً لديه.
- لا تقاوم من هو أعلى منك منزلةً، ولا تنافس من هو أقوى منك،لأنه سيأخذ نصيبك ويضيفه إلى نصيبه.
- لا تنظر أبعد مما يمكن لبصرك الوصول إليه.
- لا تكن حلواً فيبتلعونك، ولا مراً فيبصقونك.
- إذا أردت أن ترتفع، فاتضع أمام الله الذي يذل المتكبر ويرفع المتواضع.
- الإنسان الرفيع الخلق والطيب القلب، هو مثل مدينة منيعة مبنية على جبل عالٍ.
- إذا قبض الرجل الشرير على تلابيب ثوبك فاتركه بين يديه، والجأ إلى الإله شَمَشْ فإنه يأخذ ثوبه ويعطيك إياه.
- إن أعداءك سيموتون ولكن ليس بسيفك.
- إذا سمعت كلمة دعها تموت في قلبك ولا تبُح بها لإنسان، لئلا تصير جمرة في فمك فتكويك.
- لا تحل عقدة رُبِطت، ولا تربط عقدة حُلَّت.
- لا ترفع بصرك إلى امرأة متبرجة متكحلة ولا تشتهها في قلبك، لأنك إن أعطيتها كل ما تملك لن تجد فيها خيراً.
- لا تفسق بامرأة صاحبك لئلا يفسق الآخرون بامرأتك.
- لا تكن عجولاً كشجرة اللوز، فإنها تزهر قبل جميع الأشجار وتطعم بعدها. بل كن كشجرة التوت هادئاً متأنياً، فإنها تورق أخر الأشجار وتطعم قبلها.
- اخفض بصرك واخفض صوتك. لأنه لو أمكن بناء البيت بالصوت العالي، لبنى الحمار بيتين في يوم واحد.
- نقل الحجارة مع رجل حكيم أفضل من شرب الخمرة مع رجل جاهل.
- عاشر الحكيم تصبح مثله ولا تعاشر الوقح المهذار لئلا تُحسب نظيره.
- إذا أكل الغني الحية قالوا للشفاء أكلها، وإذا أكلها الفقير يقولون لجوعه أكلها.
- لا تغتم لخير يناله عدوك ولا تفرح لشر يصيبه.
- لا تقرب امرأة مهذارة ولا صخابة.
- لا يغرينك جمال امرأة، ولا تشتهها في قلبك، لأن جمال المرأة في ذوقها، وبهاءها في نطقها.
- إذا جابهك عدوك بالشر فجابهه بالحكمة.
- لا تسلك طريقاً من دون سلاح لأنك لا تعلم ما الذي سيصادفك.
- كما تزدان الشجرة بأغصانها وثمرها، كذلك يزدان الرجل بامرأته وبنيه.
- الكلب الذي ترك صاحبه وتبعك، ارمه بالحجارة.
- إن القطيع المبدد في البراري يكون من نصيب الذئاب.
- اجعل لسانك حلواً وكلامك عذباً، لأن ذيل الكلب يطعمه خبزاً وفمه يكسبه ضرباً.
- إذا ضربت العاقل كلمة تكون في قلبه كالحمى، وإذا ضربت الجاهل عصياً كثيرة فإنه لا يشعر.
- إني حملت الحديد ونقلت الحجارة، فلم أجد أثقل من رجل يسكن بيته حميه.
- علِّم ابنك الجوع والعطش ليدير بيته بروية.
- أعمى العينين أفضل من أعمى القلب. لأن أعمى العينين يتعلم طريقه بسرعة، أما أعمى القلب فإنه يحيد عن الطريق ويتيه.
- صديق قريب خير من أخ بعيد.
- نعجة قريبة خير من بقرة بعيدة، وعصفور في يدك خير من ألف عصفور طائر، ورداء خشن ترتديه خير من حرير وأرجوان يرتديه الآخرون.
- لا تطلق الكلمة من فمك قبل أن تزينها في قلبك، لأنه خير للمرء أن يعثر في قلبه من أن يعثر في لسانه.
- إذا سمعت كلمة سوء فادفنها في الأرض عمق سبعة أذرع.
- لا تفرح إذا مات عدوك.
- إذا رأيت من هو أكبر سناً منك فقف له إجلالاً.
- لا تقاوم من كان في أوج قوته، ولا تناحر النهر في طغيانه.
- عين الإنسان مثل ينبوع ماء، ولا تشبع من الأموال حتى تمتلئ بالتراب.
- لا تتدخل في زواج امرأة، لأنها إذا أسعدت فلن تذكرك وإذا شقيت لعنتك.
- بهي الثياب مقبول الكلام، وحقير الثياب مرفوض الكلام.
- خير لك أن يضربك الحكيم عِصيّاً كثيرة من أن يدهنك الجاهل بالطيب.
- لا تكثر من زيارة صديقك لئلا يمَلّ منك ويصد عنك.
- لا تضع خاتماً ذهبياً في إصبعك وأنت خالي الوفاض لئلا يزدريك الجُهَّال.
وهذه هي مقتطفات أخرى من الحِكَم التي قالها أحيقار في ابنه الخائن:
- مثل نهيق حمار في الصحراء، كذلك هو الابن الذي يُعلَّم ويهَذَّب، ثم يوضع القيد في قدميه.
- إذا كانت بليتي قد جاءت من نفسي، فمن الذي ينصفني.
- إذا كان ابني شاهد زور ضدي فمن الذي يزكيني؟ وإذا الغضب انطلق من بيتي، فضد من أكافح وأدافع؟
- يا بني أجلستك على كرسي الوقار، وأما أنت فقد طرحتني عن كرسي، فأنقذني بري. فصرت لي كالعقرب الذي لسع صخرة فقيل له: لقد لسعت قلباً جامداً. ثم لسع إبرة فقيل له: لقد لسعت حمةً شراً من حمتك.
- كنت لي يا ابني مثل من رشق السماء بحجر، فلم يبلغ الحجر السماء، واقترف إثماً أمام الله.
- كنت لي يا ابني مثل رجل رأى رفيقه يرتجف من البرد، فأخذ قربة ماء بارد وسكبها عليه.
- ليتك يا ابني استطعت القيام مقامي بعد قتلي. فاعلم إن الخنزير إذا طال ذنبه سبعة أذرع لا يقوم مقام الحصان، ومهما لان شعره والتمع لما أمكن أن يلبسه الكريم.
- كنت لي يا ابني كسوسة الحنطة التي أفسدت أهراء الملوك وهي حقيرة الشأن.
- كنت لي يا ابني مثل قِدْرٍ رُكبت له قبضتان من ذهب ولكن أسفله بقي أسود اللون.
- يا بني، إذا الآلهة سرقت فبماذا يستحلفونها؟
- كنت لي يا ابني مثل نخلة لم تثمر، فلما جاء صاحبها ليقطعها قالت له: أمهلني هذه السنة فأُثمر خرنوباً. فقال لها: إنك لم تنجحي بإعطاء تمرك، فكيف بإعطاء ما هو ليس لك.
- قيل للذئب لماذا تسير وراء الغنم؟ فقال: إن غبارها مفيد وفيه دواء لعيني. وأدخلوا الذئب المدرسة، فقال له المعلم: ألف باء. فقال الذئب: جدي، حمل.
- يا بني، وضعوا رأس حمار في طبق على المائدة فتدحرج وسقط في التراب. فقالوا إنه غضب على نفسه لأنه لا يستحق الكرامة.
- من يصنع خيراً يلقَ خيراً، ومن حفر حفرة لأخيه ملأها بقامته.