قصائد متشائلة
2007-05-11
خاص ألف
للموتِ سُمعةٌ سَيئةٌ
" إنّ ظلّي الذي يلاحقني، يلاحقه شخص آخر"
" مثل بابلي"
" وأنتِ أيتها الروحُ الراشدةُ، لعلّكِ تأملين في حلمٍ
لا تكون له هذه الألوانُ الكاذبةُ "
" بول فاليري"
*الكرسيُّ الفارغُ
الفجرُ يَفتُقُ شرنقتَه الغافيةَ
بحدقةِ عينكَ الجامدةِ
وظلُّ يتسلقُ الجدارَ في الشرفةِ
العاليةِ
فأين كنتَ حينئذٍ؟
هل كنتَ على أبوابِ قرطبةَ
مشدوهًا تتلمسُ الصقيعَ
على الأسيجةِ والطرقاتِ
بدمعٍ هتّانٍ
ربَّما أمامَ الجدارِ المنهارِ
تشهقُ التبغَ في الليلِ الطويلِ
وأرواحٌ صغيرةٌ تغادرُ
أصابعَكَ المتعبةَ
وتحوّمُ في الفضاءِ الرطبِ
فوقَكَ..
كنتَ خلفَ قطيعٍ فوقَ الجبلِ
تتقرّأُ الأفقَ الغامضَ..
الخامسةُ صباحًا..
وكرسيُّ في الشُرفةِ فارغٌ ...
* صوتٌ
ليستِ العين ما ترى
فدَعْ ما عَلِق بكَ
واستفتِ قلبك،
تنكشف الغمّةُ
لا المرأةَ
ولا البُهرجَ اللمّاعَ
لك
وأنت تعرج ضيّقا حرجًا
إلى هدأةِ الظّهيرةِ
فالنورُ الباهرُ، ظلامٌ يدهمُك
ليست العينُ ما ترى
ليس القلبُ..
* صورةٌ جانبيّةٌ
ناصعًا
كرائحةِ المرأةِ الفاتنةِ
في البَهوِ الضّيقِ
لماذا يتوارى بعيدا؟
صدفةٌ، تبدهُنا في الأماكنِ
حين تشاءُ
ولا يَشبعُ منّا أبدا
بعفويّة،
يجعلنا ماضيًا على الجدرانِ
ملوثًا بغُبارِ الساعاتِ الطّويلةِ
ويمضي هادئًا
وقورًا
كأعمى يدبُّ في الظلامِ
* مرايا الحَجرِ
ها أنتَ تعبرُ سياجَ الأزمنةِ الحجريّةِِ، زلزالاً خافتًا بأحشاءِ الأرضِ إلى هوّةٍ باردةٍ، مفتونًا وراءَ الصوتِ النّديِّ، كبلّلورٍ على الكثبانِ، تورقُ صُبّارةً في عطشِ الأماسي القِبْليّةِ.
فالوصايا التي صبغَتْك جملاً أجربَ، نَحَّتكَ بعيدًا، وأنتَ تلوكُ الأوهامَ، تحدو القوافلَ وراءَ الأمانيِّ..
الآن تسقطُ يا جلجامش على الأسوار، بعدما عُدت مهزومًا، مدحورًا، وضاع كدُّك الوحشيُّ على البَرِّ. صرتَ فردًا وحيدًا، فلن تَسْنِدَكَ يدٌ، ولن يُنثرَ الغَارُ على دربِكَ الرمليِّ، أُذُنُكَ لن تسمعَ هُتافَ العذارى في الطرقاتِ، يهتفنَ باسمِكَ الملحميِّ: جلجامش، جلجامش.
سيبقى اسمُكَ، وتفنى قريبا، فهل خُدعتَ يا رفيقي؟ ذلكَ أّنك مكبلٌ بحَلَقِ السلسلةِ الوهميّةِ لحظةَ مولدِكَ، لن تنجو. فمَنْ تُصارعُ ؟ إنّكَ إنْ أهلكتَ المدنَ والأممَ والجيوشَ، وإنْ سافرتَ في ظلماتِ البحارِ خلفَ حُلمٍ، لم تبتعدْ إلا قليلا. فحفيفُ أجنحتِهِ المخمليُّ يرفُّ فوقَ هامتِكِ.
الهواجسُ المرّةُ في مرايا الصباحِ، غربانٌ تنعقُ بلحنٍ جنائزيٍّ: ستمضى .ستمضى. فمَنْ للآتين يقدحُ زنادَ عزمِهم؟ إنّ كلُّ السيوفِ وسيوفَ بني أبيكَ على العنقِ الأعزلِ، متربصين على صهواتِ الريحِ.
المرايا الحجريّةُ لا تهبُ سوى النعاسٍِ ..
* صوتٌ
أنتَ خلقتَ السماءَ البعيدةَ
والبحرَ الزاخرَ
وأنا عجنتُ اللون مرآةً
أنتَ خلقتَ المرأة دافئةً
فصُغتُ القصيدةَ بدمى
الهادرِ
أنتَ خلقتَ الحَجرَ
وأنا صنعتُ القدحَ
والسكينَ
وصنعتُ صورتي
* أيقونةٌ
لها وجهُ نبيًّ لا يبينُ أبدًا
وأصابعٌ طويلةٌ كشهقةِ الكمانِ
لم تجدْ الكلامَ يومًا
إلا بعينين تُشبهان سماءً شتويّةً
الطويلة، كليلِ الشتاءِ
والضحكةِ الصافيةِ
تمشي الحواديتُ إليها
واليمامُ،
والوصيفاتُ الملكيّاتُ
حين ترشُّ حنانَها الغافي
تحت قناعِها المختلجِ
سأمضي عنها مغاضبًا
فتشكو نفسَها لكائناتِ الليلِ
بدمعٍ خافتٍ
وتذوي...
في شتاءٍ بعيدٍ خاتلتني
ورحلتْ صامتةً
* البئرُ البعيدةُ
تحفرُ البئرَ العميقةَ، ولن يشربَ منها العابرون إلا قليلاً، ثمّ يتكاثرون عليك وأنتَ تشدُّ صُلبَكَ القاحلَ، ستمضي فردًا، وكثيرًا تعود، بأممٍ تقدحُ الحجرَ والجبلَ بالحفاءِ والوصايا والذهبِ المكنونِ.
وعلى إثرِكَ تمضي القوافلُ، تقطفُ الثمرَ الهاطلَ من كفِّكَ الخشنةِ، ويلهجون باسمِكَ؛ فاتكأ على سفحِ وادٍ غيرِ ذي زرعٍ، يصهلُ صُلبُكَ باللغاتِ والخطوطِ والذكرِ المبين.
وعليكَ وأنتَ ترقى الجبالَ والشِعابَ، أنْ تردعَ الغِيلانَ والهّوامَ عن كاحلِكَ المثخنِ بالجراحِ. فلماذا تكبدُّ نفسَكَ الحِملَ الثقيلا؟ وتذوي كصَفصافةٍ جفَّ ماؤها؛ لتروي شجرًا يتطاولُ عليكَ بالنكرانِ والبكاءِ الطويلِ؛ لأنّكَ تحفرُ بئرًا عميقةً يفورُ ماؤها عذبًا فراتًا، يهرعون إليك، مختالين، يجرون ذيولَهم؛ لينفوك في البلادِ، ثمّ يطلقون اسمَكَ عليها عَلمَا.
* صوتٌ
تعبرُ كلَّ يومٍ
تحتَ القوسِ الشاهقِ
ولا أثرَ لكَ
فما ترفعُهُ فوقَ كاهِلِكَ
يباغتُكَ بالسقوطِ
والخطواتُ تفيضُ عن قدمِكَ
في الظلامِ الكثيفِ
تمضي إلى آخرِ الدربِ
تهجسُ بالمخاوفِ والضجرِ
وتحبُّ امرأتَك لمّا تبكيكَ
بدمعٍ باردٍ
وتقشّرُ تفاحَ أيّامِكَ
..عمّا قليلٍ
تغرسُ رايةَ للغيابِ
* وجهُ المرأةِ البعيدةِ
تصعدين تلّةَ الرملِ،
كانت قدمُكِ الصغيرةُ تغوصُ
في كذبِكِ المدهشِ
وعينُكِ تعومُ في اشتهاءٍ صامتٍ
والصخورُ التي نحتتْها خطواتُكِ
حقلٌ أثريٌّ مجهولٌ؛
لأنَّ الموسيقى المختمرةَ
في هبّاتِ الخيانةِ،
وهبتْ النومَ المتقطعَ كثافةً راكدةً
وأنا أعكفُ على حقنِ الأسرارِ
بمائي
كنتِ ترتحلين في المدى الضّيقِ
وصدرُكِ الباذخُ،
ميقاتُ حقدي البطيءِ
يحنّطُ الوقتَ بأقاصيصَ شجيّةِ؛
فاختبرُ موتي
ولا موتَ؛ يعبرُ محيطَ خصرِكِ
النابحِ
وخارجَ سيرةِ روحٍ،
تنامُ تحتَ العريشِ
تصعدين مساءً بدويًّا،
بأساورَ فضيّةٍ، وعِقدِ مَرجانٍ
يضيءُ، ظلامَ الوحدةِ
نساءٌ كُثرٌ،
يشبهنَ جسدَكِ الغجريِّ
يعبرن وِهادَ جسدي المبهورةَ؛
فيفيضُ الرملُ بباطنِ كفّي
* المصارعُ الأبديُُّ
تحملُ البهاءَ الباذجَ على كتفِكِ الضامرِ، والمساءُ ابتهالٌ، يتشظى على مسيرِ خطوتِكَ القاحلةِ ،وحيدًا تدفعُ الدمَ المتناثرَ من هوسِ البارحةِ؛ فتتبعك الخساراتُ بناتُ يديكَ.
من نحيبٍ قديمٍ إلى أفقٍ النداءِ الهمجيِّ، تندفعُ ثورٍا وحشيٍّا؛ فتسقطُ النفسُ بالضحى العالي، الذي يربي الأحقادَ بظلِّ الجدارِ. ربّما تَهَبُكَ بعضَ العزاءِ أسلحةٌ مثلومةٌ، وتملأُ تلافيفَ كفّكَ بفقرِ الآخرين. فأنتَ من قلقٍ جُبِلتَ، كأنّ مبدأك عصفٌ، والدمُ المتخثرُ على دربِكَ حناءٌ المصارعِ الأبديِّ الذي لا يقهر.
ستبلو الحياةَ وتبلوكَ وتلطِمُها بيدٍ وتشحذ الأخرى عزيمتَكَ، بنشيدِ الغضبِ المباركِ، ممجدًا العدم المنثالَ على إثرِكَ الضالِ.
ألوِ عنق الريح، وأرمِ البحارَ بالرعودِ والصواعقِ، وارفع كفيكَ عاليًا وأصرخ: يا سمائي القديمةَ، لا تبصري خطوتي الماردةَ؛ فالشعابٌ ملغومةٌ بكمائنَ تترصدني، تلك مرارتي وذلك حضوري الفجُّ.
ستشعل العصورَ نارًا مقدسةً أمامَ مسيرتِكَ الطاغيةِ، وأنتَ تتقدمُ مخفورًا بالظلمةِ الراكدةِ؛ لترفعَ سيرةً فظّةً بعنقِ الصباحِ الأعزلِ.
* صوتٌ
من المارقُ وراءَ البابِ المغلقِ؟
هذا الفجُّ، كخنجرٍ يلمعُ
في الظلامِ
الحطابُ ذو اليدِ الخشنةِ،
كانت مبتورةً في الصباحِ
ومشرعةً بفَمِ البئرِ المطمورةِ
ما شربِ منها إلا الحيّةُ،
والبومةُ العمياءُ
فأيُّ غناءٍ يهمي على الشِعابِ
في الصباحِ الشتويِّ الباردِ
يقصُّ أثرَ الأنباطِ على الحجرِ
ويُورقُ في الحِبرِ الأسودَ،
ببطنِ الكتبِ العتيقةِ
* أيقونةٌ
هل كان عليه أنْ يُهيِِّّئها
كما يريدُ لحفلتِهِ المباغتةِ
وأنْ يتوارى خلفَ الأشجارِ
العاليةِ، وهى تخطو
مطمئنةً
سواها مَن تتقدمُ إليه ماثلةً
تخفي وجهَها بكفِها الصغيرة
هي التي أقامتْ عُرسَها
كما شاءت:
اغتسلت من النّبعِ الباردِ
وجدلّتْ الشَعرَ الملكيَّ
وتقدمتْ إليه شامخةً
بفستانِها الأحمرَ ذي الزهورِ
اليانعةِ كبستانِ دمٍ
لم يجرؤْ أنْ ينظرَ في عينيها
فتربّصَ بلعبتِها وراء الجدارِ؛
لتصعدَ الأميرةُ من تحتِ الركامِ
فاتنةً، كطعنةٍ في القلبِ
مجلوّةً،
مزهوّةً، كغيمةً صيفيّةً
* والليلِ..
إنّ هذا القطعَ من الليلِ ميعادُكَ المرقومُ بلوحٍ محفوظٍ، والظلامُ وجهُ زنجيّةٍ تضمُّ إلى ثدييها الثَقَلين، كدودٍ على عُودٍ. وأنتَ عليك الإيغالُ في جَذوةِ النّارِ عن يسارِكَ؛ إنّها خطوةٌ
أخيرةٌ وتَطْهُرُ روحُكَ من دَبقٍ مقززٍ، لمّا تمسحُ عن وجهِكَ خرافةَ الوصالِ ووهمِ الصورةِ.
أمضِ أبعدَ..أمضِ. الآن أنتَ على عتبةِ الاختبارِ الأخيرِ، حين لن يجْبُرَ كسرَكَ أخٌ، ولن يَربِتَ على ظهرِكَ مواسٍ؛ فروحُك ما خَطَتْ خارجَ الدائرةِ، حتى يَبِسَتْ مفاصلُها واستكانت إلى صُحفٍ مُهترئةٍ ووصايا باليةٍ كعظامٍ نَخِرةٍ؛ فَمُسَّتْ، وحيدةً تقولُ: لا مساسَ كعجوزٍ جرباءَ أصابَها الخَرفُ.
إنّ الروحَ لا تزهو بمتعٍ، ولا تمشي في الأرضِ مرحًا؛ إنْ كانتْ تُكابدُ وسواسَ السؤالِ الرجيمِ؛ فهَبْها امرأةً ناشزًا، واصبرْ عليها؛ عساها تنزلُ بكَ مُنزلاً مباركاً. اذهبْ بعيدًا في متاهةِ الهَلاوسِ، حتى تدمى أصابعُكَ من النَبشِ. والليلِ إنَّ الليلَ لمرتعٌ وخمٌ، فاحذرْ لخَبْطِ قدمِكَ العشواءَ على الصراطِ، اصرُخْ في البرزخِ : يأيُّها النائمون على بطنِها لا هبّكم صباحٌ جديدٌ.
* صوتٌ
لن تحتاجَ كثيرًا،
سوى البساطةِ
وإدعاءِ الغموضِ؛
لتدخلَ ناصعًا؛
فتسقطُ الأشياءُ برتابةٍ
معتادةٍ
فكلُّ امرأة،ٍ مساءٌ بدويٌّ،
بقمرٍ أشقرَ يهذي
وكلٌّ مساءٍ،
حياةٌ بعيدةٌ تورقُ
في كأسٍ فارغةٍ..
* أيقونةُ العذراءِ
العذراءُ
بثلاثين خريفًا بعيدًا
تمسحُ جسدَها بزيتٍ باردٍ
ربَّما يقفُ العابرون أمامَ شباكِها
أو يلمحُها الملاكُ
وهى تُسقطُ الخيطَ الناعمَ
عن كتفِها الأبيضَ الضّامرِ
ربَّما قطفتْ ثمرةً ينزُّ عسلُها
من البستانِ المحرّمِ
التي حملتْ للفتى النحيلِ
سلّةِ الهدايا
وغنّتْ له أغنيةٍ
يترددُ صداها تحت النافذةِ
المغلقةِ
.. الصُبّارةُ الخضراءُ
والخطوطُ العجلى لملامحَ
مُتعبةٍ
زادُها في الرحلةِ البعيدةِ
والفتى يَنشُجُ حبرًا أزرقَ
بحجرِها الباردِ
* الجوعُ
لا تنبشْ كهفَ الموتى. دعْ ما يعتملُ في التربةِ النتنةِ يختمرُ على مهلٍ؛ كمصاصِ دماءٍ خالدٍ في الظلامِ، ينتظرُ وليمتَه وبعثَه بأجسادِ الفانين.
توارى وراءِ قناعكَ الوسيمِ أيُّها الذئبُ الشرهُ، إنَّ ما تحتَ الرمادِ لا ينطفئُ أبدا، والجذوةُ المشتعلةُ بكفِكَ لن تهبكَ قرباناً ولا حظوةً.
فماذا تملكُ؟ سوى جسدٍ يتفتحُ للحياةِ البعيدةِ عطشاً، أيُّها المخادعُ الذي لا يرى أبعدَ من أصابعِه ولا يؤمنُ إلا بالجوعِ القاهرِ.
إنَّ الأمرَ جدُّ خطيرٍ ومريرٌ كحنظلةٍ بريّةٍ. فلا تدعْ ما يأتي به الصباحُ يأتي. وحولكَ الأفلاكُ والأضدادُ ستهلكُ، أيُّها الواثقُ كنيزكٍ يعبرُ سريعاً، إلامَ تخبُطُكَ على قارعةِ الطريقِ كسِكّيرٍ لا يفيقُ؟
* أصداءٌ
الزهرةُ التي نَبتتْ
بعدَ مطرِ الربيعِ
قالتْ: كمْ قصيرةٌ
هي الحياةُ
*
الغابُ
يعرفُ لُغةَ الريحِ
يَنتشي ، يُغني
ودومًا تمضي بلا أثرٍ
*
كلُّ ما هناك
بِضعُ خُطواتٍ على الرملِ
لتغتسلَ الصحراءُ بالريحِ
*
* الصوتُ
ذا أنا،
وذي يدي
مرّا أمضي
كعاصفةٍ من رمادٍ
وأخبطُ الصباحَ بصرخةٍ
ذا أنا،
وذا الخرابُ رفيقي
وصوتي والصّدى
08-أيار-2021
14-تموز-2007 | |
11-أيار-2007 | |
13-حزيران-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |