لنواصل تفاؤلنا بالثورات العربية
كمال عبد اللطيف
2021-02-06
ضاقت بعض الأنظمة العربية التي تُمَاثِل أحوالُها أحوالَ المجتمعات المنتفضة، فانخرطت في التصدِّي لكل ما يقع على مرأى ومسمع منها، مستعينةً في ذلك بالقِوى الإقليمية والدولية، المتربصة بدوائر القرار في المشرق والمغرب العربيين وفي الخليج العربي، الأمر الذي نَتَج عنه بروز ثورات مضادّة، قادتها بعض الأنظمة بهدف محاصرة عدوى مواصلة تعميم رياح الثورات.. تصدّت للحراك الاجتماعي المتواصل في الأقطار التي لم تتمكّن من بناء خطوات اللَّاعَوْدة إلى الميادين، بعد إسقاطها رؤوس الأنظمة السياسية السائدة، على شاكلة ما تَمَّ في اليمن وليبيا وسورية، فأصبحنا أمام مستنقعات وحروب بالوكالة، فاختلطت الأمور وازدادت تعقيداً، بفعل عجز الحراك الاجتماعي عن بناء القِوى القادرة على رسم معالم ما بعد إسقاط أنظمة الفساد. وشكَّلت الثورات المضادّة حَجَرَ عَثْرَة أمام إمكانية تصاعد الفعل الثوري في المجتمعات العربية.
لم تستطع الدولة الجديدة في أغلب البلدان العربية، لا تحديث المجتمع ولا تحقيق التنمية، ولا بناء مشروع سياسي ديمقراطي
تواصلت الثورات على الرغم من العثرات والاختناقات الحاصلة في كل من اليمن وليبيا وسورية، تواصلت بعد ذلك، في السودان والجزائر ولبنان، وبعد ما يقرب من عشر سنوات على اشتعال شراراتها الأولى، ما تزال حاجتنا إليها قائمة، فالأحوال السياسية العربية اليوم تدعو إلى ضرورة استئناف الحراك الاجتماعي الثوري، في ضوء دروس وتجارب الصيغة الأولى للربيع العربي.. وهناك علاماتٌ كثيرة تشير إلى تردِّي الأوضاع العربية، من قَبِيل العربدة الإسرائيلية المدعومة بالخيارات الصهيونية والعنصرية التي ترى في الراهن العربي الفرصة المناسبة لمزيد من توسيع سياساتها، في الاستيطان والضَّم، وفي مزيد من اختراق الجغرافية العربية من المحيط إلى الخليج.
ازدادت درجات العنف والغطرسة الصهيونية بسبب الوضع الفلسطيني العام، وبحكم الآثار المترتِّبة على الأزمة الصحية العالمية، وكذلك بفعل احتدام التنافس الدولي والإقليمي على العالم العربي، وعدم قدرة الأنظمة العربية على وَقْف حالة الذهول التي جعلتها لا تنتبه إلى ما يجري أمامها.. فأصبحنا اليوم أمام منحدرٍ بلا قرار.. مُنحدَرٍ يغلي بالاحتجاجات المخنوقة والمختنقة والمؤجلة، تحت ضغط إكراهات كل ما أشرنا إليه. أما الاحتجاجات الناشئة اليوم مجدّداً، في بعض بلدان الثورات العربية، من قَبِيل ما يقع اليوم بصورة متقطعة في تونس ومصر والمغرب، فإنها تدعونا، مرة أخرى، إلى استئناف الفعل الثوري، أي إلى مزيدٍ من العمل المناهض والمقاوم للسياسات الجارية، حيث يتم التخلي عن كثير من الطموحات التاريخية العربية، وحيث يصبح التطبيع عنواناً لصفقاتٍ لا علاقة لها بالمشروع التحرّري الفلسطيني والعربي، وذلك تحت تأثير الأوضاع التي ذكرنا بعضَها.. فهل يستعيد الفعل الثوري العربي مَضَاءَه مجدّداً لمواجهة حالة الذهول القائمة؟
دلالات