فتيات صغيرات أعقل من الرجال " قصة قصيرة
فؤاد الناجيمي
خاص ألف
2021-05-08
كان الزمن بداية عيد الفصح. انتهت أيام التنقل بالمزلجات؛ لكن الثلج ما يزال على الباحات، وكان الماء يجري في جداول على شوارع القرية.
تقابلت فتاتان من بيتين مختلفين في زقاق بين منزلين، حيث شكلت المياه بركا كبيرة بعد أن شقّت طريقها عبر المزارع. كانت إحدى الفتاتان ضئيلة الحجم والأخرى أكبر منها قليلا. وقامت أمهاتهما بإلباسهما ثيابا جديدة. كان مئزر الفتاة الصغيرة أزرقا ومئزر الكبرى أصفرا، ولبست كلتاهما منديلا أحمر اللون على رأسيهما. التقت الفتاتان فور عودتهما من الكنيسة، وأرت كل واحدة للأخرى ثيابها الجديدة، ثم بدأتا باللعب. وبعدها فكرت الفتاتان باللعب عند برك الماء، وتقدمت الفتاة الصغرى لتضع قدمها على البركة، ولكن الكبرى أوقفتها.
قالت: "لا تدخلي في الماء يا مالاشا، ستؤنبك أمك. سأخلع حذائي وجوربي، وعليك أن تقومي بالمثل".
وهذا ما فعلتاه، ثم رفعتا تنورتهما وبدأتا بالمشي في البركة. وصلت المياه إلى كاحل مالاشا، وقالت:
"أخشى أن المياه عميقة يا أكوليا".
ردت عليها: "هيا لا تخافي. لن تكون أعمق من هذا".
وعندما اقتربتا من بعضهما، قالت أكوليا:
"انتبهي يا مالاشا، ولا ترشّي الماء. امشي بحذر".
لم تنهِ أكوليا كلامها حتى أنزلت مالاشا قدمها بقوّة لدرجة أن الماء تناثر على ثوب أكوليا، كما تناثر على عينيها وأنفها.
عندما رأت أكوليا البقع على ثوبها، غضبت وجرت نحو مالاشا لتضربها. خافت مالاشا عندما رأت انها أوقعت نفسها في مشكلة، وخرجت بسرعة من البحيرة وأرادت أن تهرب إلى البيت. وفي تلك اللحظة تصادف أن مرّت أم أكوليا قربهم ورأت تنورة ابنتها وهي مبللة وأكمامها متسخة، وقالت:
"أيتها الفتاة الشقية والقذرة، ما الذي كنتِ تفعلينه؟"
ردت الفتاة: "مالاشا فعلت هذا عمدا".
عندها أمسكت أم أكوليا بمالاشا وصفعتها في مؤخر عنقها. بدأت مالاشا بالعويل حتى سُمع صوتها في كل الشارع. ثم خرجت أمها.
قالت: "لماذا تضربين ابنتي؟" وبدأت تؤنب جارتها. بدأ الكلام يحتدّ بينهما وانقلب إلى شجار غاضب. أتى الرجال وتجمعوا في الشارع، كلهم يصرخون ولا أحد يستمع. كانوا جميعا يتخاصمون مع بعضهم حتى قام أحدهم بدفع الآخر، وكاد هذا الخصام أن ينقلب إلى لكمات، وعندها أتت جدة أكوليا العجوز ودخلت بينهم، وحاولت أن تهدئ الأمور.
"كيف تفكرون بهذا أيها الأصدقاء؟ هل من الصواب التصرف هكذا؟ وفي يوم مثل هذا أيضا! إنه وقت للفرح، وليس لفعل الحماقات مثل هذه".
لم يستمع أحد للمرأة العجوز وكادوا يوقعونها أرضا. ولم يكن بإمكانها أن تسكت الحشد، لولا تدخل أكوليا ومالاشا بنفسيهما.
في الوقت الذي كانت فيه النساء يضربن بعضهن، قامت أكوليا بمسح الطين عن مئزرها وعادت إلى البركة. ثم أخذت حجرا وقامت بحفر الأرض أمام البركة لتصنع قناة يجري منها الماء إلى الشارع. انضمت مالاشا إليها وأخذت شظية خشب وساعدتها في حفر القناة. كان الرجال على وشك ضرب بعضهم. بدأت مياه البركة تجري عبر القناة عبر الشارع ونحو البقعة التي تقف بها الجدة التي ظلت تحاول تهدئة الجمع. قامت الفتاتان بالجري وراء الماء، ووقفت مالاشا على جانب، ووقفت أكوليا على الجانب الآخر.
قالت أكوليا: "أمسكي بها يا مالاشا! أمسكي بها!"؛ أما مالاشا فقد منعها الضحك من الكلام.
كانت الفتاتان سعيدتين وهما تشاهدان الشظية تطفو في القناة، وانطلقتا نحو الرجال. نظرت العجوز إليهما وقالت للرجال:
"ألا تخجلون من أنفسكم؟ تتخاصمون نيابة عن الفتاتين، وهما قد نسيتا الموضوع بأكمله، وهما تلعبان بسعادة معا. إنهن أعقل منكم جميعا".
نظر الرجال إلى الفتاتين وأحسوا بالخجل وضحكوا على أنفسهم، وعاد كل منهم إلى بيته.
" إن لم تعودوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السماوات. "
تمت ...