أرض الصّفر ليوسف رزوقة: قاموس شعريّ جديد روزا مارتينث
2008-06-27
منذ أن زجّ بنا أمبرتو إيكو في ما اصطلح عليه بالأثر المفتوح، بات بوسعنا، ونحن نقرّ ، من ثمّة، بقابليّة أيّ أثر في البوح بأكثر من تأويل،
أن نقارب واقعا بعينه انطلاقا من زوايا نظر مختلفة وأن نقتحم قصرا منيفا أو غير منيف، عبر أبواب شتّى.
شيء من هذا القبيل يتجلّى مع الدّيوان الأخير للشّاعر التونسيّ المثابر يوسف رزوقة (من مواليد زردة، 1957).بل هو أكثر من ذلك، في الواقع، هو أثر في حدّ ذاته يفتح لنا، قبل انبهارنا الثابت والمتنامي والعميق لدى قراءته، طريقا تمرّ بنا عبر ألف مسلك ومسلك سرّيّ، عبر ألف درجة ودرجة صاعدة ونازلة، عبر ألف متاهة ومتاهة تفضي ولا تفضي، مبدئلّا، إلى خروج.
فالبناء ذاته يرهص، إذا جاز لنا القول، بأنّ لديوان الحال منواله الكلاسيكيّ وهو أنّه جاء عبارة عن أنطولوجيا شعريّة ذات 26 قصيدة ( مع مقدّمة وردت بمثابة مقاربة تضيء جوانب من شعره) حيث يقودنا الخيط القادح، كما نستنتج من العنوان، إلى الحدث الهائل الّذي جدّ في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتداعياته الكبرى.
وهذا يمكن بالتّأكيد أن يمثّل نقطة انطلاق بل إنّ الشّاعر، يتمثّل في الواقع حدثا كهذا كنقطة انطلاق نحو أشياء أخرى، شتّى.
لكن أهمّيّة ما هو بصدده تتجلّى في وضع قاموس شعريّ جديد وشعرّيّة جديدة، شأنه في ذلك شأن أصوات عربيّة أخرى يأتي أدونيس على رأسها.
ومن ثمّة، تنجم شعريّة جديدة تذهب في تشكيل فرادة شاعرها انطلاقا من زمان صفر ومن فضاء صفر.
ولا نستغرب أن يكسب رزوقة مثل هذا الرّهان فتجاربه في هذا المجال كثيرة ومتنوّعة بطبعها.
يكفي أن نشير مثلا إلى تجربته مع الشّعر الفرنسيّ( يكتب بالفرنسيّة أيضا) حيث طعّمه بأوزان الخليل ، الإيقاع العربيّ بامتياز.
وبالتّالي، يتأصّل المشروع شكلا ومضمونا بل يتحفنا الشّاعر، عبر هذه الشّعريّة الجديدة، بملامح أخرى، عديدة، منها: ميتا – الشّعر، اللّعب مع وبالكلمات، إقحام معجم الإعلاميّة، استعمال النيولوجيا عبر كلمات جديدة يبتكرها هو نفسه والقائمة تطول.
على أيّة حال، عاليا وبعيدا أو ربّما بالتّوازي مع كلّ هذا، فإن القارئ الوفيّ لنهجه الموغل في كلاسيكيّته لواجد هو أيضا ضالّته في هذا الدّيوان. أعني القارئ الذي لا يني يبحث عن الشّعر العميق، المتجاوز والشّفيف وكذلك، المتوسّطيّ الأصيل، وعليه من ثمّة أن يقرأ "أرض الصّفر" لشاعرنا التّونسيّ، على خلفيّة أنّ رزوقة هو، أساسا وقبل كلّ شيء، شاعر متوسّطيّ، شاعر الأزرق والأخضر، شاعر البحر من على اليابسة. هو شاعر متوسّطيّ لا يني يلعب، وهذا، ختاما، أكثر ما يدهشنا، مع الزّمان ومع المكان، على إيقاع الأمواج، أمواج البحر الأبيض المتوسّط.
وكمثال نستحسنه، قصيدة مختزلة، مكثّفة وجميلة عنوانها تحديدا:
الأزرق الهادر
يهزأ اللاحق بالسابق
و السابق بالأسبق
و الأسبق بالقوم القدامى
لكأن الموت، هذا الموت
غير الموت، ذاك الموت
موت الكائن الهش و ما جاوره من حيوام
أو كأن الوقت، هذا الوقت
غير الوقت، ذاك الوقت
وقت الحنظل المحض و ما خالطه من صبوات
أو كأن الصوت، هذا الصوت
غير الصوت، ذاك الصوت
صوت الظالم النذل و ما حف به من هفوات
أو كأن اللون، ذاك اللون
غير اللون، هذا اللون
لون الضحكة الصفراء من خلف القناع
يهزأ الشاعر بالقارئ
و القارئ بالنص الذي بين يديه
وبنا يهزأ هذا الأزرق الهادر: بحر اللحظة الهوجاء بحر الكلمات
بقلم: روزا مارتينث / جامعة أوتونوما – مدريد
عرّبته عن الإسبانيّة : ناجية بوبكر/ تونس
........................
هوامش:
- هذا النصّ نشرته "أوراق"، مجلّة إسبانيّة، 400 صفحة، تعنى بالبحث العلميّ والدراسات حول العالم العربيّ والإسلاميّ الحديث، انظر: ص 343 من المجلّد XXIII.
(*) رزوقة، يوسف : أرض الصّفر، الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم، تونس،2005
(**) من ضمن نتاجه الشعريّ نذكر: برنامج الوردة وأزهار ثاني أوكسيد التّاريخ ، قمت بترجمتهما إلى الإسبانية في انتظار نشرهما قريبا.
- روزا مارتينث، مستعربة إسبانية وأستاذة بجامعة أوتونوما بمدريد
تنقّلت بين مصر وتونس ، اليمن، العراق، سوريا، ليبيا،إيطاليا
أعدّت رسالتها الجامعية عن صلاح عبد الصبور ثم أطروحتها عن أمل دنقل
تعنى بالأدب العربي الحديث ولها في هذا السياق كتب ودراسات، نذكر منها:
أربعة من الرابطة الأدبية: جبران، نعيمة، أبو ماضي وعريضة
العالم العربيّ قبل سنة 2000 ( بالاشتراك).
الأندلس الفينيقية لدى محمود درويش، قرطبة المقطوعة
الشعر التونسيّ الجديد: التجربة الإبداعية لدى يوسف رزوقة
شاعر، مترجم وقارئة: تجربتي مع نزار قباني
مصر في ثلاثة أبعاد
جناح الأندلس المهيض
الرؤية الكونية لدى علي أحمد سعيد (أدونيس)
من هنا وهناك، نظرة شرقية على المدينة
أغاني مهيار الدمشقي لأدونيس (ترجمة)
الكتاب لأدونيس (ترجمة بالاشتراك مع بدرو مارتينث)
08-أيار-2021
27-حزيران-2008 | |
20-تشرين الثاني-2007 | |
14-تشرين الثاني-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |