قصص قصيرة جدا
2008-01-01
وضبطني البحر
شطّ يلفّ المدينة ومرايا تعانق الشاطئ.. وطريق السانية يحتضن الغابة الممتدة من سيدي بلعباس إلى وهران . جلسنا معا .. كنا أربعة ..أخوها وزوجته . مسكت كأس البيرة في خمارة البطّ البلدي .. بدا وجهها نقيا شفافا , رسم حزمة نور داخل الكأس وسافر إلى البحر . هل تحبين البحر؟
مدّت عينيها صوب الأفق. كانت ساحرة . وأخذت الشمس تعانق ضوء البحر بتلذذ وكسل فاترين .. ثمّ أخذت تغني مقطعا من أغنية وهرانيّة . بدا شعرها كعيني القبرة.
ـ هل لي أن ألمس شعرك؟
قلت لها ولم أنتظر موافقة .. كان طريا كزجاجة (( نواس )) الجزائرية .. وكان يسافر بين مساماتي شعرا وأغاني ورماداً .. ما أجمل حضور اللحظة !
مشينا على شاطئ السانية .. كمشت قبضة رمل ورششتها في وجه الموجة .. تأملت عينيها .. صافيتين كانتا .. وما أشدّ جمال بريقهما ! .. و ضبطني البحر .
قالت : هل أنت مشتاق إليّ ؟
ما أصعب أن ينتظر الفرد امرأة يعشقها حلما وخيالا لخمس سنوات. كان شوقي ملعب جياد فقدت أسرجتها.. حاورت النجمة .. لكنّ النجمة غطّت وجهها ولوّحت، وفرشت ظهرها ، وسرعان ما ركبها البحر وسافر .
أخذت يدها .. اشتعل في قلبي فانوس علاء الدين . وكان أخوها يعانق زوجته غير بعيد عنا. كنا وحيدين , وكان المساء يغفو والسانية ترقص آخر مواويلها.. احتضنتها .. لا أدري كيف تمّ ذلك . ارتعشت الصخرة التي كنا نجلس عليها . نادانا صوت أخيها : عيب .. احتشما .. حارس الشاطئ يراقبكما .
سأخطبك الليلة .. كوّرت رأسها الجميل ودفنته في وجه الأفق ، وابتسمت . وكان كل ما فيها يلفّ رداءه الجميل حول جسد المدينة .
ـ يا خالتي سعيد أن أطلب سميرة .. يا خالتي تسافر الأحلام وتبقى الألفة .. يا خالتي تكنّس الريح طرقات سيدي بلعباس .. يا خالتي العسل والمنقار .. يا خالتي الشطّ والجسد .. الوجه والفراشات .
ـ صدّقني نحن نحبّك يا خالتي .
وفي الصباح قبّلتها .. وركبت حصاني ويممت شطر فاس .. لم أر سميرة بعدها .. رفرفت .. حلّقت .. كتبت رسائل إلى أسرتي . أين الوجه والصدى والذكريات يا سميرة ؟.
غابت سميرة وأدخلوني السجن المركزي بحي حسان بالرباط بتهمة ملفقة ولئيمة، وهي إسهامي في زرع بذور الفساد الاشتراكي الذي يهدد القيم والمعتقدات والدين الإسلامي الحنيف، و يشهد عليّ الزمن والتاريخ أني ما كنت اشتراكيا و لا رأسمالياً في يوم ما، فأنا معروف بجهلي بفن السياسة وتياراتها . وما أقسى سجن الرباط المركزي !.. الجدران والسجون والقلاع .. وجلسات التعذيب الكهربائية .. الجسد وسيّاط السجان الذي تدرّب في أعرق أكاديميات واشنطن وشيكاغو .. شهورا وأنا أرسم شارات ورموزا ونخلا وسروا على جدران سجن الرباط المركزي .
غابت سميرة وكبرت موجات الندى .. وعندما عدّت إلى بلدي محطّما ، وجدت رسالة .. كان الهمس الشفيف ممرا إلى قلب السانية . قالت : ابنتي الصغيرة تقبّل (( عمّو )) ، وتهديه أحرّ تحياتها.
........................................
إشارات
ـ السانية ووهران وسيدي بلعباس: مدن جزائرية جميلة جدا . زارها كاتب هذه القصة مرات عديدة
ـ حي حسّان: من أحياء مدينة الرباط المغربية التي عاش فيها كاتب هذه القصة .
سكّان مدينتي
أرجلهم طويلة .. تضرب الأرض بقوة.. لا يسافرون .. يحبّون النوم كثيرا .. عيونهم زرقاء فارغة .. جباههم مفلطحة عريضة .. يتاجرون بالسكر والويسكي المغشوش .. قلّما يبتسمون .. يمارسون الحبّ مع البحر والإسفلت والقار والصحراء .
لهم نساء يبتسمن من مؤخراتهنّ وأكفالهنّ .. قلّما يجتمعون مع بعضهم إلاّ عندما يلعبون الكارتة والدومينو .. يعشقون الركوع كثيرا ، لكنه ليس لوجه الله تعالى . . لا يقرؤون القرآن إلاّ ساعات الشدة .. يشربون البحر والنهر.. يبيعون السور القرآنية .. يبتسمون أيام السبت والأحد , ويمارسون الحبّ فيهما، داخل فيلاتهم الفاخرة، على شكل طقوس جماعيّة طوطمية .
يحبّون الرياضة كثيرا ويشجّعونها . يضربون الطبل ويكرهون موسيقى الغيتار والعود .. يتاجرون بمحارم الكلينكس وعلب التبغ المهربة .. ويبولون على النخيل والآس . يحتقرون السفن والموانئ والنوارس .. يكرهون الزراعة والأرض ويمجدّون التجارة .. ينامون الثامنة مساء .. يبدّلون أسرّتهم ونساءهم وأحذيتهم في أكثر الأحيان.
النملة
في الأفق المسدود لا تلوح ثمرة ، أو شفة عطر .. غابت الأشجار خلف سماء الربّ .. أمطرت السماء سجائر .. غازل ذكر نمل نملة تبوح بالفحولة والشهوة .. كنت مسكوناً بالفراغ وزيت الكاز .. شدّتني النملة ، فالأرض هراوة غليظة ، والريح تقتلع هامات المدينة ، وأسراب النمل تبني شاطئاً ومعسكراً صيفيّاً ، ونساء مدينتي يغازلن البحر والمرافئ البعيدة ، وهن فاترات يرشفن أقداح الويسكي السكوتلندي . وكان البحر بظله الساحر وقامته المديدة يغضّ الطرف مبتسماً ، وهو يلوح للمدينة الضجرة ـ ولنسائها المعربدات .
بين النملة والسماء قامة تستطيل ثمّ تقصر ، ولا شيء في الأفق إلاّ غيمة محمّلة بحبّات القمح التي تستعد للرحيل الأبدي .
البؤبؤ ـ قصة قصيرة جدا
د.محمد عبد الرحمن يونس
بين البؤبؤ والقلب تاريخ مشروخ ونصال ورماح ، وسندباد بحري يغازل جواري بغداد, وجزيرة نائية يبتلعها غول .
يرفع البؤبؤ بصره إلى السماء , وفي المصعد يقابله منقار بجعة . قال المنقار للبؤبؤ :
ـ أترغب في صداقتي ، فأنا أرعى حرمة الصداقة وأسافر كثيراً، وأشتري هدايا, وأعرف النساء والخمارات , ولي فيلا على شاطئ ( كان) ؟ .
وفجأة انقطعت الكهرباء .. احمرّت عينا المنقار, وبسط كفه اليمنى , واستطالت أظافره . لكنّ البؤبؤ سرعان ما انزلق , وخرج يتأمل الفضاء الرحب المغروس بالنبال الأسطورية .
08-أيار-2021
07-أيلول-2009 | |
08-شباط-2009 | |
01-شباط-2009 | |
كتاب: الحب بين المسلمين والنصارى في التاريخ العربي.لعبد المعين الملوحي |
24-كانون الثاني-2009 |
28-تشرين الأول-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |