الناظرونْ ...
ببصيرةِ النسيانِ في غيبوبةِ المجهولِ
والمستغرقونَ - كأنهم غرباءُ -
في دنيا الغروبِ وحزنها الطلليِّ في الأغوارِ ،
في شفقٍ شديدِ الإحورارِ
يضلّلُ الرائينَ عن ديمومةِ التحديقِ
في الحزنِ الإلهيّ الذي يُعمي العيونْ .
* * *
والشاخصونَ كآخرِ الزهّادِ
في شمسِ الأنوثةِ وهي تسكبُ ضوءها
الورديّ في الأنهارِ ،
في الكبدِ السماويّ المكوّر مثلَ نهدٍ مقمرٍ
يسعى إليه العاشقونْ
* * *
والسامعونَ حداءَ قلبِ الأبجديّةِ
في انتحابِ قصائدِ الشعراء ِ ،
في ألفِ الحدا المحمولِ بالحسراتِ
فوقَ دوائرِ الوجعِ المهيضةِ ،
في احتراقِ زفيرِ حرف ِالياءِ
وهي تذوبُ كالآهاتِ
في مُتنفّسِ الرئةِ الحنون ْ .
* * *
والواقفونَ على الطلولِ
يحاربونَ تصرّمَ الأيامِ
يالصوتِ الندائيّ المشرّع ِ فوق كثبانِ الفراقِ
كأنهم أصنامُ ماضيهم..
وقد آلتْ قصائدهم إلى الخسرانِ
وانقضتِ السنونْ .
* * *
والخائضونَ عبابَ بحرٍ فائضِ الأمواجِ
نسّاكٌ وعشّاق ٌوصوفيّونَ
ينتظرونَ في أفق ِالعذابات ِ
انبلاج َحمامةِ الحزنِ المقدّسِ من فراديسِ الأفولِ
ليحملوا الأكفانَ فوق أكفّهمْ ويهاجرونْ .
* * *
والساكنونَ إلى الكمنجاتِ الكفيفة
وهي تروي من قلوبِ الوحشةِ العطشى
مسامعَ أظمأتها الريحُ بالغصّاتِ ..
رافعةً نواقيسَ الدموعِ العالياتِ
إلى ضياءٍ شاحبٍ في أطلسِ الليل الخؤونْ .
* * *
والواقفونَ كأنهم صلبانُ أنفسهم
وراءَ مغارب ِالأطلالِ
يرتعدونَ من وحشيّةِ الإبصارِ في الأعماقِ
كالعميانِ ،
من شبحيّةِ الموتِ التي تعوي
كذئبٍ في بقاعِ العزلةِ القفراءِ
أو قاعِ الجنون ْ
* * *
والنادمونَ
يكررونَ صراخهم في الريحِ
نشدانًا لأصداءِ العذاباتِ
التي ضلّت طريقَ الرحّلِ الغرباءِ في الصحراءِ ،
ملتفتينَ إلى أفولِ شمس ِالأرض ِ
هابطةً بهامتها المهيبةِ في خضاب ِالموجِ ..
تعظمُ خلفهم ضرباتُ طبلٍِ موحشِ
في غابة الندمِ الحرونْ .
* * *
والمنصتونَ إلى نواحِ الريحِ في القيعانِ
واسترجاعها الملسوعِ بالحمّى على الجدرانِ
مقبلةٌ ومدبرةٌ تفتّشُ كالضريرةِ عن مراثيها
لترفأ وحشةَ الفانينَ في ظلماتهم
.. وتغصّ ُكالقصب ِالذبيح
على مطارحِ آخرِ الأسلافِ
حين تحيلها الحسراتُ رجعًا للمنونْ
* * *
والراكضونَ على طريقِ الموت
عكسَ تراكضِ الأشجارِ من نهرِ الولادةِ للمنيّةِ
يتبعونَ تعاقبَ الشمسِ الضريرة ِ
بين شرق ِالموتِ أو غرب الجنونْ
* * *
الناظرون َ، اليائسونَ الناسُ والشعراءُ
والحكماءُ والغرباءُ والمستوحشونْ .
أولى بمأثرةِ الجنونْ .