«مرايا العابرات في المنام» لجمانة حداد: مواجهة الموت من خلال الانتحار
2008-04-05
اثنتا عشرة شاعرةً، من اثني عشر بلداً، باثني عشرة طريقة في الانتحار... هكذا ترسم جمانة حداد صورتها في مجموعتها الجديدة «مرايا العابرات في المنام» التي صدرت مؤخراً عن "دار النهار" و"الدار العربية للعلوم".
عمل شعري مهندس بعناية، يسير على خطة كتاب محكمة، وفيما يستند إلى حكايات واقعية لشاعرات انتحرن في مختلف أصقاع العالم، يقوم على التضليل حين تعمد الشاعرة ـ صاحبة المجموعة ـ إلى تقديم إضافات ورتوش، هنا وهناك، مشاركة عبر فعل التخيل بالجريمة.
مرايا الانتحار تبدأ من صورة صغيرة، ضئيلة، واهية، تأخذ بالنمو والتجمع والالتئام، لتشكل صورة كبرى واحدة، هي صورة الشاعرة جمانة حداد.
تتكون المجموعة من ثلاثة أقسام رئيسية هي "مرايا"، "مرايا العابرات"، "مرايا العابرات في المنام"، وكما يتضح من هذه العناوين أنّ عنوان المجموعة العريض يسير في رحلة طويلة ليصل إلى اكتماله في القسم الأخير. قبل هذا هناك مطلعان ـ أول وثان، و"نشيد القابلة"، وفيهما تتحدى الشاعرة الموت بدعوة شرهة إلى الفعل الجنسي: "اشتهاء أشتهيك أيها الموت. يا ثور الهداية الأعمى". وفي ما بعد القسم الأخير هناك "نشيد الحفار" و"خاتمة"، وفي هذه الأخيرة تكتب: "تنتهي الحياة هنا. هنا تبدأ. سيان تكونين تحت التراب أو في رحم".
آثرت القفز من المطالع إلى الخواتيم دفعة واحدة، لأعطي المجال الأكبر للمرايا، لأنها المتن، ولأنها دسم الوليمة. أعود ثانية إلى العنوان للإشارة إلى الدلالات التي يحتويها في الأقانيم الثلاثة التي يرفعها كيافطات: "المرايا"، "العبور"، "المنام".
إن فكرة المرآة في هذا الكتاب تتصل بفكرة الفيلسوف وعالم النفس الفرنسي جاك لاكان الذي تحدث عن مرحلة في حياة الإنسان سماها "مرحلة المرآة" حيث رأى أن الإنسان يكمل فيها وعيه لنفسه. في حين أن العبور يشير إلى الزائل والآني، من جهة، وإلى قوة العابر المؤثرة، من جهة ثانية. أما المنام، فعلى ما يحمله من معانٍ نفسية تشرّح الشخصية، يتحدد هنا في معنى آخر يخص حلم الشاعرة بشاعراتها المنتحرات، هؤلاء اللواتي عبرن فيه فكتبتهن على طريقتها متحدية الموت، وجهاً لوجه، بلا خضوع وتوسل، وبلا رثاء وتفجع، بل مواجهة تقوم على اختيار إرادي حر عبر فعل الانتحار.
جوهر صنيع جمانة حداد يظهر في "مرايا العابرات" بؤرة العمل المركزية، حيث تكتب بصوتين نصاً عن كل شاعرة من دزينة المنتحرات. الأول صوت مُستحضر للشاعرة المنتحرة، والثاني صوت الشاعرة الكاتبة. وتفخّخ النص بعدة عتبات، تأتي أولاً على شكل مقبوس من كتاب أو جريدة أو أغنية كما في نص "مرآة نيلغون" الذي تصدره بمادة من "لسان العرب" هي: "هوى: هَوّياً وهُوياً وهوياناً: الشيء سقط من علو إلى أسفل. هوت المرأة: هلكت، فهي هاوية". ثم العتبة الثانية حيث تعبث ببلوغرافيا المنتحرة، وبضربة متقنة تحولها شعراً، كما في التالي: "نيلغون مارمارا شاعر تركية مولودة عام 1958 (تحت برج الدلو)، انتحرت برمي نفسها من شرفة بيتها (في يوم ثلاثاء) في التاسعة والعشرين من عمرها. في الصغر كانت هواتها المفضلة قراءة القصص المصورة. ثم صدقتها وشخصنتها عندما كبرت".
ثم تذهب إلى فحص انتحار كل من شخصياتها في مثلث العلم والدين والشعر، في القسم الأخير، حيث تعتمد، في كل منها، على لغة تتلاءم مع جوها ورؤاها.
«مرايا العابرات في المنام» قصائد نثر تواجه الموت، وتنزع غطرسته، إذ تأتيه "من فوق" كما تقول كلمة الغلاف. وكذلك تضع الشعر، من خلال القصدية والغرضية، في مواجهة الرواية.
08-أيار-2021
30-تشرين الثاني-2019 | |
16-تشرين الثاني-2019 | |
09-تشرين الثاني-2019 | |
02-تشرين الثاني-2019 | |
30-أيار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |