هو والنساء
2008-04-06
أتت الفتاة مبتسمة، إليه:
- هل تسمح بصورة مع كل الأسرة؟
دفعت فتحة ابتسامته ملامح الحزن عن وجهه، وأخذتها بعيدا إلى عينيه. هو لا يحب شكله في الصور وغالبا ما يخبأها في درج وينساها هناك.. وليد يتشبث به مطالبا إياه برفعه بين ذراعيه، ويأخذه ضاما إياه بقوة.. وليد ابنه الوحيد.. قد لا يدرك الأمر.. قد لا يسامحه حين يكبر.. ستتغير الأمور غدا.
يلمح الابتسامة المرتبكة للعروس.. يشعر بالفخر.. وبالخوف عليها. حذره صديقه أحمد، وهما يحتسيان فنجاني القهوة المعتادين على قارعة المقهى بينما يتابعان باهتمام أجساد المارات:
- تزوج ابنتك فتشعر أنها تغتصب منك.. هي من نسائك، فكيف تسلمها لرجل آخر؟ لقد بكيت بحرقة يا أخي، تماما كالطفل.. بينما أخذوا صغيرتي مني.. أمها احتارت كيف تواسيني..
لكن كلمات صديقه لم تلمس كل رعبه.. هاهو ينظر إلى لمياء تزف إلى ذاك الفتى المختال كالديك.. منذ البداية أعرب عن اعتراضه.. أصرت زوجته بصوتها الحاد الذي توفره لمناسبات خاصة..
- إنه طبيب.. احمد الله واشكره.. لأن ابنتك منيت بعريس مثله..
وما همه هو إن كان ذاك الديك الرومي، طبيبا؟
كم يكره جلسات التصوير.. تبع توجيهات الفتاة المصورة، ووقف متوسطا ابنته والديك.. ثم ابتعد بينما وضع الآخر يديه حول العروس.. تطلع ببؤس إليهما وهمّ بالاعتراض.. لكن صوت زوجته أوقفه..
- أظنك في حاجة لسيجارة، ودفعت به إلى الباب الخارجي.. وهي توجه إليه التعليمات..
- لا تنس أن ترحب بعائلة العريس.. وابتسم قليلا لأجل ابنتنا..
اندفع خارجا إلى الحديقة، وتوارى خلف شجرة وهو يحسد زوجته على رصانتها.. لقد احتضنها طويلا في الليلة المنصرمة بينما استرسلت تبكي ..
- كبرنا يا محمد.. ها نحن نزوج ابنتنا الأولى..
يشعل سيجارة ثانية.. خمس بنات ليرزقا أخيرا بوليد.. حاول أن يتخيل نفسه واقفا أمام ذات الشجرة يدخن سجائر أخرى.. أربع كوابيس تنتظره..
بيد أن فتاة أخرى، لا أب لها، اقتحمت خلوته.. غدا لن تبق الأمور على حالها، سيكون هو العريس..
أتى وليد يخبره أنهم يطلبونه في الداخل.. عند الباب، اعترضت طريقه فتاة مدثرة بقفطان ومرصعة بالجواهر.. لون شفتيها الدامي ذكره بالأخرى.. تلك الدافئة.. لم يستسلم لحضن امرأة كما فعل في حضنها، منذ هجرته أمه إلى رجل آخر.. وحدها أنسته خيبة الأمل، حين استيقظ في صباح باكر ليجد نفسه وحيدا مع جديه.. وحدها سوسن، احتضنت روحه، ولملمت الدموع عن وجه ذاك الطفل الحزين.. إسمها ينسيه كل بؤسه. وفجأة يتذكر أن يداعبها..
- ألم تكتفي؟
- وكيف اكتفي منك؟ إنك تعيدين لي روحي..
فتشرع من جديد في اكتشاف جسده.. بينما ينطلق الطفل الصغير فيه، فرحا لاكتشاف لعب لم يتخيلها يوما..
تتأبط ابنته الصغرى ذراعه وتجره بفرح لجلسة تصوير أخرى.. يبتسم بسهولة بينما تنساب أمام عينيه سوسن عارية، ترفع الستارة.. لم يحل الظلام بعد، هل تبق معي قليلا؟ وتعود إليه تفتح الأزرار التي بالكاد قد أقفلها وتنزع عنه قميصه، هل شبعت مني؟
يفقد ابتسامته فجأة، إذ يلمح طيف أمه قادما.. من دعاها؟ لابد أنها زوجته التي تحاول كعادتها إرضاء الجميع.. قلبها الطيب يستهلك كل حواجزه.. تصالحه مع الجيران ومع محمد البقال الذي يزيد التسعيرة كما يشاء.. لاشك أنها محاولتها الأخيرة لمد أصر التواصل..
- هكذا يا بني، تزوج ابنتك ولا تخبرني؟ تبادره بعتب واضح..
لكنه يدير وجهه بعيدا وينصرف بحجة استقبال أحد الوافدين.. ابتعد دون أن يسلم على زوجها الواقف بجانبها.. تمنى لو أنه لم يكن فظا.. لكن خطواته دفعت به إلى حجرة فارغة، ليلعن الليلة كلها..
- ما بك؟ ألا تستقبل أمك وزوجها؟ راعي فرحة ابنتك على الأقل والضيوف الموجودين.. ألا يمكنك نسيان غضبك لليلة واحدة..
استدار ليتطلع بدهشة لوجه زوجته الغاضب.. لا يتذكرها ترفع صوتها عليه. لكنه يعلم كم تهتم بالمظاهر وبإبداء الأسرة في أفضل صورة.. ذكرته بدجاجة تحمي فراخها..
- لم أطلب منك دعوتها.. رد بانفعال..
- لا، لم تفعل. لكن من حقها حضور زفاف حفيدتها الأولى.. أما آن لغضبك أن يزول؟
- ولن يزول..
حين تراجعت إلى الباب وتأكدت من إغلاقه جيدا، تبادرت إليه صورة إحدى البنات خارجة من غرفة الضيوف، غرفة التأنيب، كما يسمينها، مطأطئة الرأس..
- ستخرج الآن، وتقبل يدي أمك وترحب بزوجها.. وستلازمهما طوال السهرة..
- يا امرأة، لن ترغميني على شيء... لن أسلم عليها وذاك العاهر..
- ليس عاهرا، بل هو زوجها.. حين توفي والدك كانت صغيرة ولم يكن بيدها خيار آخر غير تركك مع جديك الذين دللاك أكثر من اللازم.. أكثر من أخويك الذين تربيا في حضن أبيهما..
- لم يكن عليها الزواج في الأصل..
- ولم؟
- ولم تسألين؟ هل إذا مت اليوم ستتزوجين، غدا؟ رد بعنف متفاديا الإجابة..
وللحظة عم الصمت أرجاء الحجرة.. التفت مستغربا.. بدت شاحبة.. هادئة..
- لم تمت بعد، لكنك توشك أن تكون كذلك بالنسبة لي.. إذا سمعت أنك زرت تلك السوسن العاهرة مرة أخرى.. أقسم أن أرتمي في حضن أول رجل ألاقيه.. سأدعي أنني أرملة وسأعهر بهذا الجسد الذي لم يمسه غيرك..
لوهلة تصورها تعرض جسدها المكتنز الذي بدأ يمتلأ أخاديدا، على غيره.. لم يعد يشتهيه كالبدء، حين كان يقتنص فرص غياب الأولاد لتربص بها وليرتوي من حنانها.. كانت تقف بوجه واجم مغلق أمامه.. حاول تخيل يد أخرى تحط على صدرها الذي يرتفع ويهوي سريعا أمامه.. شعر بالرعب.. عادت إليه صورة ذلك الطفل الباكي وهم يخبرونه أن أمه أصبحت ملك رجل آخر... ليس مرة أخرى!.. اندفع إليها رافعا يديه إلى عنقها.. لكنها بقيت واقفة هناك وبصوت غاضب أوقفته..
- لا تجرأ على لمسي.. لست أمك التي عاقبتها كل هذا العمر.. أنا زوجتك.. امرأتك الوحيدة.. إن تزوجت الأخرى، سأستبيح لي رجلا آخر.. وإن قتلتني الآن، سأفوز أيضا.. إذ ستدفن حيا في سجن ما، بعيدا عن كل النساء..
توقف مصدوما بجرأتها.. ليست تلك الحنونة التي يعرفها.. بقي واقفا هناك، بينما غادرت الغرفة بعد أن رتبت قفطانها في هدوء..
بعد قليل تبعها، قبل يد أمه، رحب بزوجها، وابتسم للديك بينما قاوم تدفق صور سوسن شيئا فشيئا.
08-أيار-2021
06-نيسان-2008 | |
01-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |