محمد مظلوم في بازي النسوان: صلاة الأنوثة توحّدٌ يحتفي بالشبق
2008-07-15
بعد ديوان (أندلس لبغداد) قصيدة طويلة 2002،وديوان (اسكندر البرابرة) ،2004تصدر (دار تكوين بدمشق) كتاب (بازي النسوان ) 2008المجموعة السابعة في رصيد الشاعر العراقي محمد مظلوم ، حيث اعتمد نمطية كتابية قريبة جداً بالشكل كما في العملين المذكورين السابقين ،أي ثمة تزاوج بين قصيدة النثر الطاغية على أجواء المجموعة والقصيدة العمودية حيث حضور ضمير المتكلم (أنا) قويّ في معظم القصيدة كاملة مشكّلة ً نشيد طويل يحتفي بالفحولة على طريقته الخاصة .
التصوير الفني لتعابير هذا النشيد يتفاوت في خصوصية واضحة للشاعر كما لو أنك تلمس خمريات أبي نواس بريشة زير نساء يتضور في حرب أهلية ! رغم أنّه طير جارح أنيق وهو من اشرف الطيور و أشدها حرصا ً على فريسته( كما يذكر في أول صفحة ) ،حيث يحضنها برغبته ويهدهدها بكلماتٍ طرية وحادة ، منسابة في رونق الإغواء تنقل القارئ إلى حياة منفصلة عن الحزن تماماً ، حيث الشبق والفرح هم سلاطين الشهوة.
يقول في أحد الحورات التي أجريت معه منذ فترة قريبة :(إن القصيدة استغرقت وقتاً طويلا ،أي منذ سقوط بغداد حتى تاريخ نشرها و هي تسف من حبري النزف لتكتب أساطير كل العشاق وتواريخ حروب لذّاتهم وفي الوقت ذاته كنت اكتب عن لذتي الشخصية وأرضي الجماعة داخلي !) ونستنتج من ذلك أن الاشتغال الطويل والجاد على ذاك النشيد أعطى له مظهرا ً أنيق في السرد الشعري وعمق جميل ومفهوم بالمعنى .
في كتاب بازي النسوان استخدم الشاعر اسم الطير الجارح (البازي) لدلالته المباشرة على السادية وجعلها تطرف واضح في الذكر ولكن وجود صورة إيروس ( إله الحب) على الغلاف تبدو أكثر إقناعا ً لوحشية القصيدة حيث ذبول عينيه وهو شبه عاري بلمسة أنثوية تنمّ عن رغبته بصيد ٍما .
الشاعر برغم من منفاه ينشغل بقضية النساء والذاكرة ليعيد لجسده ولتاريخ الذكوري موسيقى الاشتهاء بشبق ٍ أسطوري مبررا ً الشق الفرعي من عنوان الكتاب (تضّور زير نساء في حرب جاهليّة) والدليل :
( كنت منشغلاً بالنساء والمنفى وحروب الطعام في عالم قديم كقيثارة ٍ مطمورة في دجلة وها أنا في حرب أهلية لا تنقصها الموسيقى أنشغل بكل تلك الشؤون والذكريات ،والأساطير التي تشبق في أجسادهن فتتصاعد منها ثرثرات الفريسة .( ص 8 – 9) .
تبدو نبرات الحميميّة للوهلة الأولى في (بازي النسوان) مباشرة لكن الشاعر صاغ تلك الهمسات بطريقة مغريّة وغامضة لها صفة المجرّب الخبير كأنه يكتب بالندى عن قبلات حبيباته حيث بإيقاع السحر يقول :
(بعطر أسنانهن حفرن ظلا ً على كتفي غاب في نزوح القمر ! )(ص 31) ، و جراء تلك اللذة الهائلة التي أشعلت دمه بوقود الجنون أستيقظ بازٌ داخله كأنه لم يصطد منذ قرون ليكتب بالعسل اشتياقه الأكيد للشهوة،حيث يتحول كل ثانية ٍ إلى أسطورة فمرة ً كازانوفا و مرة ً أوفيدو و مرة ً كلكامش و مرةً أنكيدو :
(أغمس في عسلهن ريشتي ، لأكتب ملاكاً عاريا ً في العتمة (ص 31) ، (في أعماقي بازٌ كئيب ..ص 34)،
(بي لوثة كازانوفا ..ص35) ،(أنا أوفيدو سليل المحاربين أتمشى مضخما ً بفتنة الرومانيات ..ص37)،(أحببت أنكيدو أكثر من كلكامش ..ص39) .
وللإغواء نصيب في نشيد هذا الشاعر ليرفو بخيطان الإحساس لذةً لها لمسة العفوية وتوحّش الرغبة ً في الغزو ( قلبي زجاجة مبصرة في زجاجة عمياء تلك هي لذتي في تضور متاح ..ص 81) .
الفلاح والراعي في الحضارة السومرية يخوض ألواناً بذاكرته وهو بحضن ِ حبيبته حيث يستحضر كل طفولته في المزارع والريف ليفردها على كل ناحية ٍ من جسدها ليعلن قتله العلني للأيام التي قضاها دونها : (أنا الراعي الذي غدا نبيا ًبين ذراعيك ِ وغابت قطعانه في البعيد ... )(الراعي المتأرجح بعصا ً على كتفيه ِ ويتذكر المراعي بين فخذيك ِ..) (أنا الفلاح في سومر النبي في أرض ٍ رخوة وسبخة كبطون الشقراوات والبحار في أمواج ٍ حادة كظهور الخُلاسيّات ..)(ضميني إليك ِ و استبيحي وعورة َ أيامي ..ص 105-106) .
يختم محمد مظلوم قصيده الطويلة بازي النسوان بنهاية ملحمية ربّما للوهلة الأولى تبدو للقارئ أن المنتصر هو الذكر لكن القصد عكسي تماما فالأنثى هنا استخدمت الباز ليكون سلاحا ً تفترس به الذكور بطريقتها التي وصّفها الشاعر حيث شهوة الرجل عنصر أساسي في مسرّة المرأة الدليل : ( كلما شعرت باللذة تدبّ تحت جلدي تيقنت أنّ الأنوثة فريسة يصعب قهر غرائزها بامتلاكها ..!ص 134 ) .
محمد المظلوم يخطط مشاريعه على نار هادئة ، ويرتب أوراقه بطابع ٍ مميز ، بالإضافة إلى أنه شاعر له سبع مجموعات منشورة. فهو أيضا ً صحفي بامتياز ، وناقد دقيق وموضوعي ،وله دراسات عبارة عن أربع كتب هي شهادته في تاريخ العراق موثقة بطريقته النثرية الجذابة التي تنم عن تطرف منطقي لتدوين اللحظة بكثافة الشواهد ، يمكن تصنيفها في باب الأدب السياسي، وقد واكب كلّ منها مرحلة بعينها، ماقبل، وأثناء الحرب الأمريكية، وما بعد احتلال العراق، وكان آخرها كتاب( الفتن البغدادية) .
لم يستخدم الشاعر أدوات عادية ليكتب شعره كالحبر و الأوراق أو (الكمبيوتر ) إنما اخترع أقلامه بنفسه من ريش الباز و ركّب حبره من قطرات الندى المتساقطة من فمه على أثداء حبيباته .
(بازي النسوان) هذا الكتاب يستحق القراءة كفرض ٍ يوميّ إن لم يكن لحظيا ً لأن كل مقطع فيه مئة سنة من الحبّ، ستتورد وجنتيك بعد الصفحة العشرين ، و ستنفجر سروراً بعد الصفحة السبعين ، وعند نهايته تشعر أنه لن ينتهي أبداً لأنكَ تقرأ حالك وهي تنتعش بلغة ٍ جميلة وممتعة .
■ عمر الشّيخ
[email protected]
08-أيار-2021
23-كانون الثاني-2021 | |
28-آذار-2020 | |
28-آذار-2020 | |
02-شباط-2019 | |
رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي |
06-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |