رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي
2009-05-06
عبر استخدام واعٍ وقصدي لتكنيك السيناريو السينمائي تدور فصول رواية «لولو» للروائية السورية عبير اسبر، حيث تحمل الوحدات السردية شروط مشهد المشهد السينمائي، بحبكته وذروته وحدثه المتلاشي، كما تحمل بذرة تواصل وخيط حرير يلضم مفاصل الحكاية، ويخدم صعودها وتطورها الدرامي وبناء الشخصيات.
اعتمدت الكاتبة في خصائص روايتها الفنية على خبرتها في الإخراج السينمائي، متفاديةً كل التقاليد التراثية في كتابة الرواية، وجاعلةً من آنيتها ومقاربتها للواقع اللحظوي ركيزة أساسية تنطلق من خلالها بفضل تقنية «الفلاش باك» التي تقترب مما يشبه التحميض الأدبي، باستخدام حوارات باللهجة العاميّة، تناسب حجم الإقناع اللازم لتوظيفه في الرواية. فالزمن الذي رصدته الكاتبة كان مليئاً بالأحداث التاريخية، كانهيار العراق، وانطلاق موجة الإرهابي أسامة بن لادن. وقد حشدت كل تلك التأثيرات بشخصية رئيسة هي خالد، الذي يتحول في ما بعد إلى «لولو»، بناءً على متغيرات الحالة الدرامية التي تجعله يستقبل مجموعة من صنّاع السينما، الذين يصورون فيلماً في قريته الريفية، فتدور أحداث كثيرة تقلب حياة خالد، وتبدل في طباعه من مراهق بسيط مدلل من قبل أمه، إلى شخص مليء بهوس المغامرات، مع مجموعة من «المجانين» كما وصفتهم الكاتبة، هم أنفسهم مجموعة التصوير السينمائي.
مجانين
تسرد الرواية تلك الحالة النفسية التي عاشها خالد قبل أن يصبح «لولو»، كما تريد ريم أحد أعضاء مجموعة المجانين التي تغويه، وتتسلّى بعواطفه، تلك المشاهد المتخيلة لامرأة ذات خبرة حياتية خصبة. ماذا ستفعل يا ترى بحياة مراهق ساذج كخالد، الذي كان يحب بنت جيرانه وردة الريفية البسيطة، التي سيستغني عنها كي يتغير ويغير حياته حتى تقبله جماعة المجانين!
رواية ذات طقوس جديدة ونكهة فنية مختلفة، أقرب إلى مدرسة ميلان كونديرا، في كشفها لتفاصيل مخفية، عادةً نشعر بها ولا نلمسها، أو نشتهي الإحاطة بها بأرواحنا من دون أن نلوثها. تلك التفاصيل الصغيرة التي تبنيها العاطفة وتؤثر فيها براعة الكاتب، لتؤدي إلى اصطياد الدهشة، وتوصيلها من خلال نص متماسك ونقي يشبه صاحبه.
اختلاف
إذاً نحن أمام عمل له من الرشاقة الإبداعية ما يصنفه ضمن الأعمال النخبوية، خصوصاً أن عبير اسبر من فئة عمرية قصيرة في المشهد الثقافي السوري الراهن، وإن هي تملك من الطموح أكثر مما يتوقع البعض، وقد أسست ذائقتها على روائع الأدب، ما منحها قدرة كبيرة على تجسيد عمل مهم كـ«لولو»، ومختلف تماماً عن الرائج، ما أثار حفيظة البعض، فقرروا إقصاءها عن المشهد الثقافي، وإبعاد الضوء عنها، منذ طبعتها الأولى، التي تبنتها جائزة وزارة الثقافة السورية العام 2004 ونفدت من الأسواق، وقد صدرت الآن عن دار التكوين في دمشق بطبعتها الثانية 2009 بإخراج لافت للنظر. المفاجأة أن الرواية القصيرة مقارنةً بالسائد تمتلك تكثيفاً لغوياً كبيراً، الأمر الذي يشحن الرواية بقوة تضعها على محك اختراق البنية الكلاسيكية. الخاتمة كانت مفاجئة أيضاً، عندما أطاحت كل ما كنا نتوقعه بضربة واحدة! حيث جعلتنا نسرح في مخيلة روائية تعتمد اللعب واللهو والمرح، بعد صولات وجولات تحبس النفس، وتأخذنا إلى بعيد التفكير بمصائر من وضعتهم رهن مخيلتنا، من أمكنة وتفاصيل وناس وعابرين وكلمات شعرية ثقيلة، لتضعنا، في النهاية، أمام تلك الضيعة بكل الأحداث التي تناولتها، والشواهد التاريخية التي استحضرتها من المنطقة العربية، وتعتبرها مجرد مزحة صغيرة، وأقوال لا تريدنا الكاتبة أن نصدقها. تضعنا أمام وصف لحال «لولو» المسكين، الذي قلبت جماعة المجانين عقله، حتى صار يضحك كثيراً وهو في حضن أمه، ويدندن أغنيةً «هيدي كانت قصة ضيعة، لا القصة صحيحة ولا الضيعة موجودة».
هكذا بين الواقعي والمتخيل تسهب عبير اسبر في سرد أحداث تلك الضيعة، مجسدةً بخالد شخصيات عدّة حقيقية وواقعية، ترسمها لنا الكاتبة بأسلوبها الطازج وببنية نصها الذي يرتقي نحو ما هو مقنع وجديد وغريب أولاً وآخراً.
وبما أننا أسرى الواقع، ربّما تكون لدينا أحياناً رغبة في كشف مخبوءات الزمن من الأسرار، فتكون هذه الرواية بمثابة قرين لرغبة المتلقي في المكاشفة الحقيقية والسلسة، ولا بأس أن تكون بقليل من اللعب اللغوي الذي يتخلل فصول مشاهد الرواية، وبحضور ضمير الراوي تصبح الرواية محققةً شروط النسج الفني المقنع، بعيداً عن الثرثرة والحشو، لتتعاقب الأحداث والمتغيرات النفسية التي تصوغ جسد الرواية في ما يشبه الفيلم السينمائي. هذا ما لعبته لغة الروائية عبير اسبر في تكوين روايتها، بشهيّة قد لا تلائم معايير الإبداع السائدة.
________________
السفير – 15 4 2009
عمر الشيخ
08-أيار-2021
23-كانون الثاني-2021 | |
28-آذار-2020 | |
28-آذار-2020 | |
02-شباط-2019 | |
رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي |
06-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |