ملف الجسد / تجهيزات تحتفي بالجسد الإنساني وتفاصيله
2006-04-08
فصيح كيسو: فتحتُ غرفتي أمام الجميع وكأن الغرفة هي جسدي
كان هوساً وجنوناً، ذلك الذي طلع علينا به فصيح كيسو، في التجهيز والفيديو والفوتوغراف، فهو كرّس جلّ شغله لشؤون الجسد وجمالياته، كي يقرأ من خلاله ما يجسّده حضوره من تعبير عن خصوصيات الثقافات شرقاً وغرباً.
سؤال كيسو الأساسي هو (لماذا اعتبرت مصادر الثقافة الغربّية حداثية، وفي الوقت نفسه، اعتبرت مصادر الثقافة الشرقية تقليدية؟)
معارضه الثلاثة المتتالية في دمشق، كانت بمثابة دعوة إلى معلومنا المجهول: (الجسد)، عبر اقتراح بصريّ والف بين مضمون شرقيّ وشكل غربيّ، واضعاً الجسد في الواجهة، وفاتحاً أفق السؤال على آخره.
وُلِد فصيح كيسو في الحسكة، ودرسَ في لبنان، وتابع دراساته في أستراليا ونيويورك، ليختار أستراليا عنواناً، أما ما قدّمه قي دمشق فهو نتاج عمله في السنوات الأخيرة.
هنا حوار مع فصيح كيسو حول مقترحاته البصرية للجسد:
ما الذي أردته من معارضك الثلاثة في دمشق؟
ما أتمناه هو أن نصل إلى خَرق تقليديّة العرض التشكيلي، وهذا الشكل الجديد، بسبب تقنياته يعبِّر عن الثقافة الشخصية للفنان، لذلك أرجو أن نكفَّ عن النظر إلى أسلوب العرض بالفيديو أو الكومبيوتر على أنه غربي، لأننا بهذا المعنى سنرفض التصوير الزيتي. يجب علينا أن نستفيد من كلِّ ما هو جديد في عالم الفن، وأخص الفنانين الشباب بدرجة أولى، أما عن أهمية العمل الفني فهي تكمن في جوهر فكرته المحلية، ثم إنّ في هذه المنطقة أفكاراً وموجوداتٍ قد تشكل بصمة خاصة لفننا على مستوى الفنِّ العالي المعاصر، من هنا لديّ رغبةً شديدة في الاشتغال عليها كما لو كانت كنوزاً
في عرضك بالمركز الثقافي الفرنسي ربطت بين الحركة واللّون تقنياً، هل ذلك مجرّد لعبة أم تعبير عن علاقة بينهما؟
-دعني أبدأ باللوحة التي اسمها (ثلاث ألوان رئيسية، أحمر، أزرق، أصفر، بين ثلاث نساء بلا لون، عائشة، ليلى، زهرة) هذه اللوحة جاءت من صورة التقطها في موسكو، اشتغلتُ فيها على مقاطع من الجسد البشري مع ثلاث نساء، حيث أخذت حركة الأرجل، كي أدرس الفراغ الذي تُشَّكلهُ ثلاث نساء، يعني ستة أرجل، وهي حركة بسيطة، وبمجرد تغيير حركة الرجل حركة صغيرة، يتغير الفراغ، ولكن حساب هذا الفراغ، يجعل تكرار الصورة يعطي شكلاً زخرفياً من حركات الأرجل، وهو شكل قريب من الفن الزخرفي الشرقيّ، ولأني متأثرٌ بهذا الفن، اعتبرتُ الصورة وحدةً زخرفيةً، كررتها فوصلت إلى لوحة زخرفية كاملة، فأضفت الألوان الرئيسية، وأبقيت النساء بدون لون، وطبعاً كانت الألوان حركة إضافية، لألعب على عين المتلقي بزخرفة الجسد
لكنَّ التقنية في عمل آخر، في نفس العرض، عقّدت المشهد، ألا تخشى أن تشوش تقنياتك حالة التَلقي؟
هذا العمل بعنوان (النِّساء لعب الرجال، فليُزيِّنَ الرجل لعبته قدر المستطاع) وهو عبارة عن مقطع من جسد، كنت اختبرته بالكمبيوتر، بل تدخلت أكثر، وأدخلت العبارة السابقة، وفق جماليات الخط العربي، وأدخلتها بين الأجساد، محاولاً تأكيد العلاقة بين الزينة والجسد، كما لدى الراقصة عادةً.
أستغرب الخوف من (التقنية الغربية)، لأنّ أصالة العمل هي من تَحميه، فالتقنيةُ مجرّدُ أداة ليس إلا.
عرضت عملاً عن الرقص الشرقيّ، جمعتَ فيه مجموعة صورٍ لراقصاتٍ، أخذت للواحدة منهن مجموعة من اللقطات، ثمّ خيّطت الصور، وحين عرضتها، كروحٍ واحدة، أضفت الدناديش لماذا تناولت الرقص الشرقي بالذات وهو مقدمٌ بالأساس لجمهورٍ غربي، هل اتكأت عليه كمستشرق؟
هدفي هو نقد الغربيين في استخدام الثقافة الشرقية على مسطرة (ألف ليلة وليلة) ولهذا أسميت عملي هذا (ألف ليلة وليلة ميلبورنية) نسبةً إلى مدينة ميلبورن الأسترالية
عندما قدَّمت هذا العمل وصفتني ناقدة بالمستشرق، لكنني مثل إدوارد سعيد أعيش بين ثقافتين ولا أنتمي لأيٍّ منهما. تناوُلي للرقص ذو بعدين الأول الاستشراق، والثاني إبراز خصوصيتي الشرقية من خلاله، تماماً كما يحمل الباليه خصوصية ثقافية غربية.
بدا عملك وكأنه محاولة في الرقص؟
بسبب حالتي اتجاه موضوعي. في استراليا كان هناك أداءٌ حيٌّ مرافق لعرضي، حيث كانت في الصالة ثمان راقصات ممن صورتهن، وقد جئن بثيابهن وعطورهن، حتى أنّ أحد الحاضرين أخبرني أنه شعر باللذة الجنسية عندما دخل المكان. أجهزة الفيديو التي كانت تعرض الأفلام، هي أيضا على هيئات راقصاتٍ أيضاً.
موديلاتك في (ليالي ميلبورن) غربيات. لِمَ تُقبل الغربيات على الرقص الشرقي؟
الغربيات يعتبرن الرّقص الشرقي كشفاً لجاذبية الجسد، وتعبيراً عن جنسيته، فالمرأة هنا تثير الغريزة في مشيتها، في تحركها، بمقابل ذلك هنا جمود في الغرب لهذا يتعلمنّ الرّقص الشرقيّ، لأنهن يُردن الاقتراب من معنى الأنثى والأنوثة، فسباق المرأة مع الرجل، هناك، أنساها أنوثتها إلى حدٍّ ما.
في غاليري أتاسي قدمت تجهيزاً بعنوان (ستائر لنافذتي) ومن خلال الغرفة – غرفتك التي أثثتها بطريقة خاصة بَدَوتَ وكأنك تريد محوَ الحاجز بين العام والخاص. لماذا ؟
طرحتُ ما يخصني ونزعت عنه الغطاء، واستخدمتُ صورة معالجة لجسدٍ عارٍ، كي أمنع حجب المكان عن البصر، كما تفعل السِّتارة عادةً بالنسبة للبيت، أو الثوب بالنسبة للجسم. كان ذلك دعوةً للناس كي يخترقوا عالمي الخاص، وهكذا فتحت غرفتي أمام الجميع، وكأن الغرفة هي جسدي، بما فيه من إشكاليات العنف والألم، وهذا الفتح هو بوحٌ دافئ بالمشاعر، ولقاءٌ حميميٌ مباشر مع الآخرين.
أليس الأداء الحي الذي قدمته في غاليري مصطفى علي هو فتحٌ شبيهٌ لأسرار الجسد كما في الغرفة؟
نعم. أردت من الأداء الحيّ، الذي هو عملٌ جراحيٌ لإخراج عناصر يشكلها الجسد، أن يكون مكاشفة عن أسرار ما تحت الجلد كالأمراض أو العاهات، الخ ، دون خوفٍ من شيء فالجسد هو من سينهي نفسه، والشكل الذي عبّرتُ به عن هذا الموضوع كان مغامرة، لا خوف فيها، فعملي هذا عملٌ تشكيليٌ غير مرسوم.
لكنّ رؤية الدم أثارت الحضور، واستفزتهم كثيراً، و كثيرون غادروا المكان، وعلّقوا بشكلٍ سلبي؟
عالمنا الآن مليء بالعنف، والدم يُراق يومياً، فلماذا يخافون لرؤية قطراتٍ في عملٍ جراحي غايته تجميل الجسد، وليس تدميره على غرار ما يفعله العنف الذي نشاهده كلَّ يوم.
ذهبت صوب قراءة ثنائيات كالمتعة والألم، الحضور والغياب، في تجهيز غاليري مصطفى علي، من خلال شريطين كلٍّ منهما يمثل رقصةً. هل أردتَ مقاربة فهم الثقافات لهذه الثنائيات؟
بالضبط، كنت أريد ملامسة فهم الشعوب للمتعة الجسدية، فقدمتُ في الشريط الأول دبكةً من الشمال السوري، المتعة هنا تتحقق بتلامس الأيدي، والرقص جنباً إلى جنب، أما الشريط الآخر فقدمتُ فيه رقصاً عارياً. الرقص هو هو، باختلاف الموسيقى، لكنّ الإيقاعين متشابهان، لدرجة أني وضعت موسيقيا إلكترونية لكلمات محلية تقول: (ثوبك يللي تجر ينو يلّله يلّله، طيّر عجاج القاع ويا ما شا الله) وأسقطتُ كلَّ الصور على جلود طبول.
لكنّ البعض اعتبر أنّ الأداء الحي لا علاقة له بالعرض، وهناك من قال أنه استعراض؟
أعتقد أن هذا الحكم ناتج عن عدم قراءة للعمل بدقة، ويبدو أن صور الرقص العارية حازت على اهتمامهم، وتجاهلوا أنها معروضة على جلود حيوانات ميتة (طبول) وبنفس الوقت، لم يروا الجلد البشري المقطب الجروح على الطبول الأخرى.
هذا العمل من اسمه (ليس فقط جلداً و قماشاً) يوضح أنّ هناك ما هو أكثر من المرئيّ، وهذا المرئيّ ليس إلا طريقاً إلى اللامرئي، فالعرض قائم على فكرة غياب الجسد وحضوره فيزيائياً وثقافياً.
هل من عوائق للشغل على الجسد؟ وهل تعتقد أنَّ بإمكان الفن أن يكسر تابو التحريم الموضوع عليه؟
الناس اليوم يتقبلون الجسد أكثر من السابق، فالأغاني والإعلانات تقوم عليه، وأيضاً تتيح شبكة الإنترنت فضاءً كبيراً للرغبات، من جهتي أرى أن العرض الذي يقوم على الجسد صار أسهل خاصةً إذا كان وراءه همٌ ثقافي، لكنّ طرح هذه المواضيع لن يغير شيئاً، فالتغيير ليس مهمة الفن.
ما أُخذ عليّ خلال أربعة عشر سنة هو نفسه ما أسمعه الآن، فالمشكلة في المثقفين، لكننا لن ننتظر طيب خاطر فلان أو علتان، كلما أقدمنا على عمل، لأننا في هذه الحال سنبقى في سكون.
ما شاهدته في دمشق أنّ الجميع يشتكون من عدم القدرة على عمل شيءٍ مختلف، ملقين باللوم على الحالتين السياسية والاجتماعية، والغريب أنني عندما قدمتُ شيئاً مختلفاً، بدون أن أفكر بما يفكرون به، لم يستسيغوا الأمر.
هناك عوائق تجاه موضوعية الجسد في العمل الفني في استراليا، فهم يأخذون بعين الاعتبار شخصية الفنان الذي يقدم هذا العمل، فإن كان امرأة تعبر عن وجهة نظر نسوية، كان العمل مباحاً ومقبولاً وإن كان الفنان ذكراً مثلياً فهو مباح أيضاً، أما بالنسبة لباقي الفنانين فهناك تدقيق أكثر، ويتفاقم الأمر إذا كان الفنان منتمياً إلى ثقافة أخرى، كما حصل معي، كوني (رجلاً من مجتمع ذكوري يعمل على موضوع المرأة) مثلما وُصِفت، وهذا ما خلق لديّ تحدياً، جعلني أشتغل على جسدي.
لماذا تحمل كلّ هذا الولع بالجسد؟
لأنه مغلوبٌ على أمره، هو كالغبار سرعان ما يزول ويفنى، وهو أيضاً مادة تستهلكها المتع والآلام، وفي كل هذا ما يدعوني لاكتشافه، والإصغاء لفرديته وعزلته وشغبه، قبل انتهاء صلاحيته وهذا هو العنوان العريض لعرضي (ليس فقط جلداً وقماشاً)، وهو أيضاً جمال وغواية، مثلما قدمته في المركز الفرنسي، لكنني أردت الجمال الخارجيّ طريقاً إلى الأعماق.
08-أيار-2021
30-تشرين الثاني-2019 | |
16-تشرين الثاني-2019 | |
09-تشرين الثاني-2019 | |
02-تشرين الثاني-2019 | |
30-أيار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |