الحقيقة ما يسند الشعر افتراضات الوصول إلى شواطيء البوح هي التجربة ، والتجربة مجموعة من الخبرات منها ما يخرج حالما يحل الغياب عن الوعي وهي لحظات ولادة ، ومنها ما يتلاعب فيه الشاعر أثناء الوعي وهو الموجه في اقتناص فرصة تخفيف التوتر الحاصل في التعاملات مع ماهو أفقي في الكلمات وما هو عمودي فيها ...
هكذا استطاع الشاعر سعد جاسم التعامل في قصيدته ( لا وقت الا لابتكارك ) أثناء الوعي حيث جعل الكلمة ليست حصرا للتعبير المادي والحسي بقدر ما تعبر وتناغم الفكر فهي ليست معزولة عن التفكير والشعور الإنساني حتى أن معنى الكلمة الواحد ينشطر عند تقدم الفكر واللغة الى أزواج متباينة ، المجرد والمجسم ، الخاص والعام ، الموضوعي والذاتي ، ثم إن قدرة الشاعر في أختيار الكلمة لتعبر عن هاجسه وترمز لانفعالاته وفق المقاربات الشعرية وكانت بداية سعد جاسم محل تسائل بالنسبة لحالة المتلقي ، أما بالنسبة لمنتج النص فهي حالة استقرار وعمل وهذا بعد مرحلة
اللاوعي حيث كان الشاعر يوجه لتخفيف حالة التوتر في ابتكار ما يدهش وما يخلق حالات جمالية متخفيا على أستحياء في بوحه الخاص حينما قال : ((
واستجير بروح الصبح )) ( ليشاركني كرنفال تكوينك وتدوينك ) ( ثم أطلقك فرسا عاشقة في براريي ) هذه اشكالية جمالية خلقها الشاعر وأطلق جناحيه ليحلق بعيدا عن دنايا الحياة السفلى حتى تصيّر لديه الأنوثة نور شفاف يلتذ به روحيا وليس حسيا يسبح في كرنفالات الماء أي أن الأنوثة اشراق جميل بعيدا عن الحسي المعمول به في الحياة السفلى لأن
(
لا وقت عندي الا لأتنفسك حيث تتفتح خلايا روحي ) رؤية الشاعر الخاصة خلقت حبية تتعالى في السمو والشفافية حتى أن جسدها هو عبارة عن آيات من نصوص التوق لفها الشاعر بفرات الروح وهي حالة تصوف في جسد المرأة ، لكنه لا يخفي اشتعالات الحسي في دواخل نفسه السفلى .
(
حيث تشتعلين وتنفجرين عاصفة لأحتضان أعشاب طيني أو خزامى كتفي وجلنار شفتي ... ) وهذا التصوف جعله يتمنى أن تتجسد حبيبته فيه حيث قال :
( وتتهدج أصابع الأغنية ـــــ التي هي أمنية .. { ياريت ... أنت وأنا في البيت ... رغم أننا لا نعرف أي المسافات والأزمنة قد تلاشت بيننا )اذن ( لا وقت عندي الا لقراءتك ) لأن
( ... الشهقة برق الله ) ويستمر سعد جاسم يتسامى في اطياف الحبيبة رغم ( نداءات وصيحات ومسرات وأسرار الجسد ) بقوله :
(
حيث كونته في احتفالات المروج والصنوج والقرنفل والبخور النصوص ... ك هي آيات ينابيعي وأرغفتي وكاسات نبيذي ) حتى يصل الشاعر الى حالة من التصوف والتجلي بانفعاله القائل :
(
أتعالى ... أتجلى في فراديس نداها وصداها ) حتى يتكرس عنده الزمن في لحظات الذوبان في نقاء الحب بقوله :
(
لا وقت عندي الا لأحبك وأحبك وأحبك ) ثم تأتي حالة الولادة أي تنفجر ينابيع التجدد من خلال رحلة النقاء والإشراق ...
( وبك ... وفيك تولد ... تنفجر وتفنى ثم تحيا ... روحه الماء الكلام ) تتداخل هنا لديه الهواجس لتصبح (
... روحه الكلام واللغات والكتابة والقراءة ) لماذا لأنها ...
( هي روحي وأنا روحك وأنت الأبدية ) جسر التصوف الوهمي
الذي اعتلاه الشاعر في غياب الوعي هي الكلمات . اللغة وبعد اخضاعها تحول الى
( هي روحي وأنا روحك ونت الأبدية ) وهو إجراء منطقي بان ذات الشاعر وكيانه الروحي ما دامه متصل بعالم الحبيبة فهو
أبدي خالد .