أدونيس في لقاء لم ينشر
2006-04-09
أنا سعيد بتراجع الشعر في العالم العربي
قبل عامين، استضاف المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية في دمشق الشاعر أدونيس في لقاء خاص ضم نخبة من المثقفين السوريين بمختلف أطيافهم جاؤوا للحوار مع المفكر في أدونيس، فيما حضر عدد من الشباب الذين جذبهم صوت الشعر وحده. إلا أن الجلسة التي غلب فيها حديث الفكر عند الشاعر وضاق الشعر عن عشاقه، تظل واحدة من المفاتيح التي تفسر مبعث شعر الشاعر انطلاقا من فكره غير المنفصل.
لا أدري لِمَ لم أفرغ شريطي للنشر يومها. ربما (استشعرت) أن بعض الكلام المباح يمكن أن نلمس صداه في الأيام التالية. هي ذي الأيام التالية قد حلت ويمكن قراءة ما قاله الشاعر في ذاك اليوم الصيفي اللاهب من شهر آب 2004 ، لعل بعض ما فيه ، وربما جلّه ، مازال نابضا يصلح اليوم، وللغد أيضا .
- حول الشعر في عصرنا، قلة جماهيره وتراجع جاذبيته.
"لاشك أن هناك هجوما لأشكال تعبيرية كثيرة لم تكن معروفة لدى الناشطين في حقل الثقافة وفي حقل الإنتاج. و هذا الهجوم، لهذه الأشكال، هو ظاهرة كونية. و بهذا المعنى تأخذ أشكال كثيرة جديدة من جمهور الشعر أفرادا عديدين ، وتأخذ أيضا مساحات أيضا عديدة. لكن أعتقد أن ما يخسره الشعر على السطح أو ما يخسره كميا، يربحه في العمق ويربحه نوعيا، بحيث أنك تجد اليوم الذين يهتمون بالشعر حقيقة، أعمق بكثير من الذين كانوا يهتمون في الماضي. فاهتمامهم انقلب على نوعية عميقة، ارتبط لا باتجاهاتهم الفكرية ولا باتجاهاتهم السياسية أو بكون الشعر يلبي لهم رغبات عابرة ، لكن بوصف الشعر الشكل الأعلى الذي تتمثل فيه هوية الإنسان . لا الفلسفة ولا التاريخ ولا أي شكل من أشكال التعبير يمكن أن يفصح عن هوية الإنسان كما يفصح الشعر . حين تسكت جميع أشكال التعبير يستطيع الشكل الشعري أن يظل نابضا . هذه ظاهرة مفيدة من جهة تراجع الكمّ الجماهيري، ومن جهة أخرى، تكشف لا عن أزمة شعرية، وإنما عن أزمة ثقافية عامة ، لأن الأزمة اليوم ليست فقط أزمة ابتعاد عن الشعر وإنما هي أزمة ثقافية عامة. وهذه الأزمة موجودة بشكل خاص في الغرب لأن الغرب الآن على عتبة انقلاب كامل معرفي وفني. كل القيم التي قامت عليها الفلسفات الغربية (عصر النهضة- –الفلسفة اليونانية الكلاسيكية) كلها قيم تهتز، وكل أشكال الثقافة تتراجع. اليوم المجلة المصورة – الإنترنيت – التلفزيون – الرياضة – يعني لو أقمت حفلة موسيقية لبيتهوفن بأي عاصمة أوربية وأقمت في الوقت ذاته حفلة لمايكل جاكسون سيكون جمهور جاكسون أكثر من جمهور بيتهوفن. إذا هذه ظاهرة كونية. وأنا سعيد جدا بتراجع الشعر في المجتمع العربي أو بتراجع جمهور الشعر. لأن الشعر في المجتمع العربي في كل تاريخه كان مسألة وظيفية. في الماضي كانت وظيفة الشاعر موظّفاً مدّاحاً لدى الخليفة أو مدّاحاً لقبيلته. وفي العصر الحاضر صارت وظيفته مدّاحاً لدى بعض الأيديولوجيات التي ينتمي إليها أو الأحزاب التي يستظل بها ، وكذلك بعض السياسات والقضايا التي تحثه على كتابة الشعر وظيفيا خدمة لهذه السياسات أو لهذه القضايا بعينها . بحيث أن الشعر ليس إلا،أو مجرد أداة لخدمة شيء خارج عنه. و بدلا من أن يُعنى الشاعر بتحسين أدواته وبالسهر على تجربته وبحث متواصل لشخصيته الداخلية حتى في اليقظة وفي تطابق مع الكون، ظل الشاعر كأنه يستخدم شكلا شعريا لكي يفهم عن قضية غير شعرية. إذن تراجع الجمهور عن هذا النوع من الشعر أنا سعيد به لأن هذا سيعيد النظر في علاقة الشعر بالإنسان وفي علاقة الشعر بالعالم وفي أهمية الشعر. بالتالي أنا لست حزينا لهذا التراجع إطلاقا. و أنا أراه بادرة، وإن كانت بادرة سلبية وتنم عن تراجع ثقافي، إلا أنها في الوقت ذاته ستساعد وستحفز على إعادة النظر في علاقة القارئ بالشعر ، وفي علاقة الشاعر نفسه بالشعر".
- هل لا تزال مقولات الثابت والمتحول، أم هناك معاني جديدة ولّدتها الخبرة؟
"تاريخيا كان كتاب الثابت والمتحول فاتحة الدراسات المرتبطة بالذات العربي والإسلامي، واختيار مصطلح الثابت والمتحول كان اختياراً إجرائياً لم يكن يقصد منه إعطاء مقولات ثابتة ونهائية. فالثابت لم يكن ثابتا على مدى التاريخ العربي، والمتحول لم يكن متحولا على مدى هذا التاريخ. فإذاً هما مصطلحان رأيت أنهما قد يضيئان مسار الحركة الفكرية والسياسية والتطور الاجتماعي في المجتمع العربي أكثر من غيرهما. تعرفون أن الثابت مفهوم أساسي في الفكر الإسلامي. ليس في الفكر الإسلامي إذا نظر إليه ببنيته الأساسية وبنيته الإيمانية أي تحول، فهو فكر ثابت وهو نفسه يعلن ذلك من حيث أن هذا الفكر يقول الحقيقة مرة واحدة والى الأبد، طبعا على المستوى الديني. والمتحول نسبيا يعني متحولا قياسا على الثابت، هو الذي كان الاتجاه الذي كان يحاول أن يقدم تأويلات لهذا الثابت تحاول أن تربطه بالقضايا التاريخية أو بالقضايا الاجتماعية الناشئة. و أعتقد أكثر ما تجلى هذا التحول كان في الشعر، من جهة، وفي التصوف من جهة ثانية. في الشعر خلقت لغة شعرية جديدة تغيرت مع أبي نواس ومع أبي تمام ومع أبي العلاء المعري. تغيرت علاقة اللغة مع الأشياء. العلاقة بين الكلمة والشيء تغيرت كليا. فإذن تم نشوء شعرية جديدة ورؤية شعرية جديدة. مع الأسف لم ندرسها دراسة صحيحة لا في مدارسنا ولا في جامعاتنا وإنما درسنا شعراء بالطرق التقليدية. نقول أن هذا يمدح ذاك أو يهجو الخ .. بمعنى لم نكن في زمننا الحديث بمستوى نتاجنا الشعري. وفي التصوف أيضا، التصوف أيضا لم يغيّر في العلاقة بين اللغة والعالم، إنما غيّر مفهوم الله ذاته، في الإسلام النبوي، في الإسلام الوحي، في الإسلام السني بمعنى السنة وليس الطائفة. الله نقطة مجردة متعالية. بيّن الله في التصوف على العكس وجود (محايد أو روحاني) لوجود الإنسان ووجود الطبيعة، مفهومان متناقضان كليا. وبهذا المعنى كان هناك تحول عميق في الرؤية الصوفية ، أي أن التصوف أنتج أفقا عظيما لرؤية مختلفة ولكيفية ممارسة هذه الرؤية أيضا. الآن لو عدت وأردت أن أدرس هذا التراث العربي هل سأعتمد هذين المفهومين أم لا؟ الحقيقة في الجواب نوع من المغامرة ، لا أعرف. لكنني أميل إلى الظن أنني سأدرس على مستوى آخر ما كان يمكنني أن أصل إليه إلا انطلاقا من الثابت والمتحول. هذا المستوى الآخر الذي سأدرسه سيكون انطلاقا من أن الفكر والمعرفة نتاج لغوي تتقاطع فيه التجربة الشخصية للفرد الكاتب والتجربة التاريخية والمادة المدروسة ، وأي تراث يدرس دون النظر إلى هذا التقاطع لا يمكن أن ينتج فكرا جديد. لماذا لا ننتج معرفة عربية جديدة ومختلفة عن المعرفة القديمة من جهة وعن المعرفة الأوربية من جهة؟. طبعا المعرفة كونية ومشتركة، لكن لا خصوصية الآن لما نسميه بالمعرفة العربية ولا يصح أن نقول أن هناك معرفة عربية لأن المفكرين العرب حتى الآن لم يطرحوا الأسئلة الأساسية على المادة الأساسية التي تكوّن الفكر العربي أو الثقافة العربية وأعني بذلك الدين الإسلامي الوحي. كيف يمكن أن ننتج معرفة جديدة إذا لم نطرح سؤالا على الوحي ذاته؟ ما القيمة المعرفية اليوم للوحي؟ لكي ننتج معرفة جديدة في اللغة العربية يجب أن نطرح مثل هذا السؤال. ما السر في هذا التحالف، في هذه الوحدة بين الديني والسياسي في المجتمع العربي؟ منذ البداية وحتى اليوم يتلون، يتغير، لكن دائما هناك حلف عميق بين الرؤية الدينية والرؤية السياسية. ما السر في غياب مفهوم الإنسان بوصفه كائنا حرا مستقلا يبحث عن الحقيقة؟ ما السر في كون جميع المفكرين العرب بدون استثناء يساراً ويمينا يسكتون أو يقفزون أو يهملون مسلّمات في التراث العربي لا يبحثونها أصلا أبدا؟ فيمكن إذا أتيح لي أن أعيد دراسة التراث العربي يمكن أن أدخل في مثل هذه التساؤلات وأنهج نهجا آخر. هذا هو باختصار".
- حول مسألة الاختلاف والمغايرة.
"اختلاف المغايرة. صعب بحث مفهومات دون العودة إلى سياقها الأساسي. الكلام في الاختلاف و المغايرة مفهومان نشأا في سياق التوكيد على هويات فيما نسميه اليوم أقليات. وأنا ضد هذه التسميات. الكلمة بحد ذاتها غير إنسانية . المواطن في بلد ما هو مواطن لا أقلية ولا أكثرية. وهذه مفهومات خلصنا منها كليا. فمنشأ الاختلاف والتغاير في التوكيد على حقوق البشر الذين يعيشون في مجتمعات ولا يعترف بحقوقهم. لكن يمكن أن تكون هناك مبالغات في هذا الإطار أن (المختلف) بكسر اللام كرد فعل أو كتعبير عن كبت تاريخي يريد أن يحل محل الذي جعله مختلفا. وهذه تناقضات يطول شرحها ويصعب الكلام عنها إلا إذا درسناها في حالات مخصصة. وإذا دخلنا في التعميم لن نأتي بنتيجة. الاختلاف والمغايرة في إطار المجتمع السوري أو المجتمع العراقي شيء والاختلاف والمغايرة شيء في المجتمع الفرنسي أو الإيطالي شيء آخر. مثال، في العراق مزيج بشري، هذا المزيج نظريا، ليس من نسيج واحد. يعني عندك بشر يندرجون بتواصل من 5 آلاف عام. بابليين والصابئة وسومريين، هذا كنز لا مثيل له في التاريخ ولا يعوض. ومع ذلك تلقى عليه أعباء اصطناعية وحدودية. فلا الوحدة تحقق هدفها وهذا التنوع الهائل يضيع وينطمس فنخسر الاثنين معا. هذا على المستوى الأساسي. في مفهوم الاختلاف والمغايرة انسحب كثير من المفهومات على مفهومات أخرى. مثلا انسحب على المكنة الشعرية، أن الشاعر العربي اليوم يجب أن يكون مختلفا كليا عن جميع الشعراء الذي سبقوه، يعني أن يكون مختلفا عن تراثه كما لو أنه يريد أن ينشئ تراثا آخر ، وهذا الكلام لا معنى له بالنسبة لي. لأنك ما دمت كشاعر لا تستطيع أن تخلق جمالا جديداً بلغة تجهل تاريخها الجمالي، فاختلافك لا معنى له. لذلك ما نسميه بحداثة ، هو حداثة مختلطة عضويا بقدامة. وكل حداثة غير مرتبطة عضويا بالقدامة لن تكون إلا نوع من اللزقة وبعد فترة تهبط لأنها تلزق لفترة ثم تهبط . لأن التراث مثل جذر أساسي وهذا الجذر متحرك وموجود في كل شخص منا سواء أراد أو لم يرد، وهو كالهواء وكالشمس. اختلافنا إذن هو في كيفية التعبير وليس اختلافا في جوهر التعبير الشعري، ونقدر أن ندرك هذا الفرق حتى اليوم. فلا أبو النواس الذي أسس لمثل هذا الاختلاف (سحر الشعر في النهاية يجمع سحر المتناقضات). أبو نواس لم يترك شيئا إلا وذمّ به الشعر قبل الإسلام، عاد الشقي وعاد يسائله وخلق جمالية المدينة لأول مرة كما خلق بودلير في الشعر الفرنسي. لكن اليوم إذا جمالية المدينة كما أسس لها أبو النواس وإذا جمالية الصحراء والبادية كما أسس لها شعراء إسلام ستجد أن هناك تعايشا، هناك انسجاما كاملا بين العالمين الشعريين لأن أبو نواس ترك شكل التعبير ولم يترك الجذر الأساسي، جذر اللغة والحياة والتجربة. فالقول يستحيل أن تجد أي شاعر انكليزي يقول لك باعتزاز أنا لا أقرأ شكسبير. لكن أنت تستغرب وأنا أستغرب كيف يمكن لشاعر شاب عربي يقول لك أنا لا أقرأ المتنبي ولا أقرأ امرؤ القيس. كيف يكتب شعراً إذن؟ من أين له أن يكتب الشعر؟ ومادام يكتب باللغة العربية التي كتب بها أسلافه يستحيل أن يكون شاعرا إلا إذا انبثق من تاريخية هذه اللغة وخلق شكلا يلائم تجربته ويعبر عن شخصيته ومشكلاته، ولذلك أنا من جهتي لا أفهم معنى الاختلاف والتغاير إلا بهذا الأمر".
العلاقة بإسرائيل.
"يجب أن لا نقيم تماهيا بين اليهود وإسرائيل. اليهود شيء وإسرائيل شيء آخر وأنا أعرف يهودا يناصرون العرب والقضية الفلسطينية أكثر من العرب. فإذن هذه المماهاة القائمة في كثير من الأوساط الثقافية العربية تسيء إلينا كثيرا جدا خصوصا أن الذي حضن اليهود واستفاد من خبراتهم ودمجهم في مجتمعاتهم هو المجتمع الإسلامي وأيضا أكثر من ¾ القرآن كله كلام عن إسرائيل وأنبياء إسرائيل وإلى أهمية النبوة الإسرائيلية في تبين أنبيائهم. أنا أقول لبعض الأصدقاء اليهود لدينا مشكلة مزدوجة معكم. بعض الشعراء والكتاب الذين ألتقيهم دون أن أخشى تهمة التطبيع. أقول لهم مشكلتنا معكم مزدوجة السياسية معروفة لكن الدينية أخطر بكثير. فأي كاتب منكم يستطيع أن يكتب كتابا وينتقد النبي موسى ويقول إن النبي موسى خرافة أو أنه أخناتون .. الخ. يكتب كما يشاء، لكن ليس هناك مسلم واحد يستطيع أن يكتب كلمة واحدة عن أي نبي من أنبيائكم، لا موسى وحده، حتى أنبيائكم الصغار. وسترون عما قريب أن الذي سيحفظ لكم دينكم اليهودي ليس التوراة بل القرآن الكريم. فإذن مشكلتنا العميقة تكمن هنا، وليست مشكلة سياسية. أنا اعتقد أن العرب مهزومون وهم أشبه بجيش مغلوب في معركة طاحنة وجيش يتراجع، أو أشبه بالسمك في بحيرة ضخمة، لكن ماء هذه البحيرة يجف قليلا.. قليلا. وهذا السمك ليس له إلا أن يلتهم بعضه بعضا. العرب اليوم لا عمل لهم إلا أن يلتهم بعضهم بعضا. وهم مهزومون وأقول هذا بمرارة وأنا أكاد أتمزق، لكن يجب أن نتخلى كليا عن الأقنعة والخطابات الأيديولوجية التي قتلت البشر وشوهت العقل وشوهت الحقيقة وشوهت المنطق أيضا. يجب أن تكون لدينا الجرأة لكي نتجرأ أو نبتعد عن مثل هذا الكلام الذي لا معنى له على الإطلاق. ما يحدث اليوم في المنطقة العربية بالتعاون مع العرب أنفسهم شيء لا يمكن أن يفسر، لا يعقل. و لا يمكن أن يفهم في حالة أي شعب حي. يعني أن تكون الشعوب الأوربية،حتى ولو كانت لها أهدافها الأخرى، أكثر حرصا بالمعنى العملي على قضايا العرب أكثر من العرب أنفسهم، هذا شيء غير معقول. وأن تدفع ثمن موقفها هذا أكثر مما يدفعه العرب أنفسهم. مسألة فلسطين يمكن على المستوى التاريخي أن تكون الانفجار الأخير أو الفضيحة الكبرى في تاريخ العرب التي عرت العرب تعرية كاملة (وممكن يكون هذا من فضائلها الأساسية )".
- الحجاب في أوروبا . عدم احترام الأوربيين للخصوصية .
-"أنتم تقرأون عن مشكلة الحجاب في فرنسا خصوصا وفي ألمانيا والدول الأوربية بشكل عام. المشكلة أن ليس هناك موقف ضد الحجاب في ذاته بشكل عام من حيث المبدأ. إنما الموقف هو ضد الحجاب حين يغتنم أو حين يدخل على مؤسسة علمانية. يعني امرأة مسلمة تضع حجابا في الشارع الفرنسي ليسوا ضد هذا، وإن كان هناك الكثيرون ضد الحجاب بالمطلق. لكن أن تدخل فتاة صغيرة عمرها ثلاث أو خمس سنوات الصف في مدرسة علمانية واضعة الحجاب فهذا يعد قانونيا، أو قياسا إلى الروح العلمانية ، بمثابة اختراق لهذا القانون وعدم احترام للمناخ الديمقراطي العام. ثم كيف يمكن أن نفهم بنت صغيرة 3 أو 5 سنوات تضع حجابا؟ هذا يعني أن أباها أو أمها أو المؤسسة، أو قوة ما، هي التي تضع الحجاب عليها. فإذن ليس هناك أي موقف ضد الحرية الشخصية، ليس للمسلم وحده، بل لأي إنسان في فرنسا التي أعرفها أكثر من غيري. إنما هناك موقف ضد أن تفرض هذه الحرية الشخصية بحيث تصبح وكأنها مؤسسة قانونية. هذه مسألة دقيقة جدا ، ولا يجوز اتهام فرنسا هكذا بأنها ضد الحجاب المفروض على بنات ليسوا هم من يقرر حريتهم وإرادتهم أن يلبسوا الحجاب، وفي مدرسة علمانية يجب أن تكون هناك مساواة كاملة بين جميع المواطنين. أولا هذا شيء. الشيء الثاني أنا ركزت على هذه المسألة في إطارها العربي الإسلامي بأنه ليس هناك أي نص يقطع بوضع الحجاب على الإطلاق ، ليس هناك أي نص قاطع وصريح وإنما هناك تأويلات وأحاديث. ثم إذا كان القصد من تغطية وجه المرأة هو عدم الإثارة أو وجه المرأة عورة، الرجل أيضا بالنسبة للمرأة وجهه وجه إثارة ووجهه عورة. إذن يجب أن نطالب أن يتحجب الرجل أيضا. قصة الحجاب أنا لا أفهمها لا على المستوى الديني ولا الاجتماعي إنما هي نوع من المرض. أما لماذا لا يمنع ارتداء الصليب في فرنسا ؟ بالتأكيد لأن هناك فرق، فالصليب يكشف الصدر ولا يحجب أو يغطي، وهناك أشخاص في فرنسا يقولون يجب أن نلغي الصليب أو كل الأشياء الدينية (الرموز). لكن الحجاب ، لنعترف بتواضع والمسألة ليست جدال، يأخذ معنى دينيا أكثر مما يأخذه الصليب كرمز للزينة غالبا. فرنسا ليست ضد الحجاب ما دام اختيارا شخصيا وخارج المؤسسة العلمانية التي يشترك فيها الجميع ، وأكرر أن للمرأة الحق أن تتحجب في الشارع الفرنسي ولا أحد يقول لها شيء.
- جدوى المعارضة السياسية العربية.
"المفترض في كل معارضة أن يكون خطابها أكثر من مجرد بديل لخطاب النظام. أكثر من مجرد الإشارة إلى أن أصحابه أكثر جدارة من أصحاب النظام القائم، وأنهم إذا أخذوا محلهم سيكون وضع المجتمع أفضل. المفترض لمعارضة حقيقية أن يكون خطابها أوسع وأشمل ويطرح رؤية جديدة للفرد، رؤية للإنسان، رؤية للقيم، رؤية للحياة الاجتماعية والسياسية، رؤية لعلاقة الإنسان بالإنسان ولعلاقة الإنسان بالآخر حتى يكون له مسوغ أنه يطرح نفسه بديلا قيادياً لهذا المجتمع. هذا من جهة. من جهة ثانية إذا درست جميع أشكال المعارضة في المجتمع العربي يسارية ويمينية، ستجد أن الهدف الأساس لجميع أشكال المعارضة كان الوصول إلى النظام، الوصول إلى السلطة، فكأن كل خطاب المعارضة مقزّم ومحصور في المسألة السياسية. لا المسألة الحضارية قائمة، ولا المسألة الإنسانية موجودة، ولا المسألة الثقافية موجودة إلا بوصفها وظيفة لهذا الهدف السياسي كما يفعل النظام. ليس للمعارضة بجميع أشكالها ثقافة وقيم وأفق معرفة ورسالة إطلاقا. وكمثال، تجلى هذا أكثر شيء في الممارسة العملية للحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 سنة. كانت الجبهة الوطنية أو الحركة الوطنية مؤلفة من كل الثوريين في مختلف الفصائل، بالإضافة للعناصر الثورية الفلسطينية.. الخ. كان الكتائب يسرقون البنوك، وكانت الجبهة، خاصتنا، تسرق البنوك بدورها . الكتائب كانوا يقتلون ع الهوية، ونحن بدورنا كنا نقتل على الهوية. كانوا يصادرون البيوت ، وكنا نحن أيضا نصادر البيوت (ما أنا طبعا) .. أي أن جميع المخازي والموبقات التي كان يمارسها الكتائبيون كان الطرف الآخر يمارسها. وهناك ثوار كبار صاروا أصحاب أطيان ورجال الثورة هم من صادروا في يوم من الأيام محلات ( أ . بي. ثي ) ونهبوها. أنا أكره الكلام عن هذا الموضوع ، لأنه وكما أسلفت ، لاعلى المستوى العملي ولا حتى على المستوى النظري كان للمعارضة كما عرفتها أي تميز بالمعنى العميق في ممارسة السلطة وخطاب السلطة(1) . ما العمل؟ هذا هو السؤال الثابت. واسألوا السياسيين فأنا لست سياسيا".
- وضع الشعر في سورية حاليا .
"أنا لست مطلعا كفاية أو أن إطلاعي لا يؤهلني لكي يكون حكمي دقيقا. غير أني أعتقد أن هناك مواهب كبرى عند العرب بين الشباب. لكن للمفارقة ، ويجب أن أذكرها أمام الشباب ، أن هناك ظاهرة عند العرب فالشاعر يبدأ متوهجاً وقوي الحضور، ومع الوقت بدل أن يزداد توهجا وتألقا يميل بالعكس إلى الضمور والذبول والتراجع. مثل نار التبن أو القش بالبدء تهب قوية ثم تتلاشى رويداً رويداً. هذا أمر ألاحظه عند كثير من أقراني من جيلي وألاحظه الآن عند الشباب الذين رافقت تجاربهم. الأمر الثاني وأرجو ألا يكون قاسياً، لكن القسوة في هذا المجال هي نوع من الحب و نوع من الاهتمام والانهماك بقضاياهم ، هو أن ثقافتهم الشعرية وثقافتهم غير الشعرية لا تضع نتاجهم في الإطار الثقافي الحضاري العام. تجعله دائما خارج هذا الإطار الأساسي وتجعله كأنه هامش أو غريب. ثالثا هو المعرفة اللغوية، علاقتهم بلغتهم وبشعرهم، معرفتهم بلغتهم التي يجب أن ينمّوها كثيرا،ً و لا تجدي قراءة الشعر الآخر مهما كان عظيماً، ومهما كانت ترجمته عظيمة. لا تجدي شيئاً إلا إذا كان القارئ العربي يعرف لغته وشعره معرفة عالية. لكن لا أشك أبداً بأن هناك مواهب كبرى لا تقل أهمية وموهبة عن المواهب المجايلة لها في أي بلد في العالم.(2).
***
وضيح :
- ( 1 ) :ذكرت الحركة الوطنية والكتائب كمثال بوصف صراعهم في تلك المرحلة شكل من الأشكال التي تندرج تحت مفهوم المعارضة لنظم أو لواقع كان قائما على الأرض قبل الحرب وخاضوا هذه الحرب بهدف التغيير . لكن ممارساتهم العملانية والنظرية كشفت عن لاتميز يذكر – كمعارضة – وإنما كشف تماهيهم مع الفكر السلطوي وسعيهم للحلول كسلطة بديلة) .
- ( 2 ) : تمّ التصرف لغويا في صياغة بعض المقاطع أو الجمل التي تاهت أو لم تتضح كليا في التسجيل بسبب تداخل الأصوات أحيانا أو مسببات أخرى .
08-أيار-2021
09-نيسان-2006 | |
08-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |