توضيحٌ آن أوانُه من شاعرٍ سوري
2006-04-08
حول المشاركة في نشاطاتٍ ثقافيةٍ بمناسباتٍ رسميةٍ
درجَت مؤسّساتنا الثقافية الرّسمية (وأحيانا غيرُ الرسميةِ منها) على القيامِ بنشاطات أدبية وفنية وفكرية من ندوات وأمسيات ومهرجانات وأيام إبداعية ... الخ رابطة هذه النشاطات والفعاليات جميعها بمناسبات سياسية تخص النظام السياسي. وذلك انطلاقا من الرؤية الإيديولوجية البائسة لمسألة الالتزام وارتباط الأدب والفن بالأحزاب المهيمنة والفئاتِ الحاكمةِ.
وإذا كان ذلك مفهوما (بشكل قسري) في مراحل تاريخية ما ساد فيها الصمت على هذه المسألة خوفا وحذرا وتجنبا للصدام مع الحاجز السياسي والأمني حيث كان من يرفض هذه النشاطات والمشاركة فيها يعتبرُ من الفئةِ الضالة والمنشقة وغير الموالية، وذلك ضمن مفهوم فقير ومسكين لموضوع الولاء الذي بدلا من أن يرتبط بالوطن وحده صار المزايدات على الأدباء والمبدعين تبيع وتشتري بهم وتحملهم مواقف الولاء (الوطني والقومي) رغما عنهم.
فكم من نشاط دعينا إليه من محافظة أخرى نلبيه ضمن العلاقات الأدبية والأخوية، وعندما ندخل قاعة النشاط نفاجأ بأن النشاط هو بمناسبة من تلك المناسبات (التّالفةِ) الذكر. (والتالفةُ الذكر ليس خطأً طباعيّا)... وكنا تحت شعور الحرج وعدم إفشال النشاط نصمت ونحن نغلي من الداخل ونتمزق لأن أسماءنا ونتاجنا الأدبي وُظّفا في المكانِ غير الصحيح أبدا واستغلت تجاربنا بطريقة بوليسية ماجنة.
الآن وقد صار ممكناً التعبير (مهما كان ثمنه) عن رفضنا لهذه الأمور علنا أتساءل: ما الجدوى من إقامة نشاط شعري أو مهرجان قصصي أو مسرحي بمناسبة ثورة آذار مثلا ؟ أو الحركة التصحيحية؟ أليس من الضروري أن تقام نشاطات خاصة بهذه المناسبات لمن يهمهم الأمر فقط؟ حيث أن البلد مليء بشعراء المناسبات وهم مثل (الكشك كما نقول) وينتظرون في طوابيرِ بائسة ومثيرة للضحك والشفقة دورهم ليدلوا بدلوهم في لعبةِ الولاءِ وسوق الشّعارات والمزاودات. فلماذا يتسولون مشاركاتنا ليحتالوا على آلامِنا ومواجعنا ورفضنا ويوظفوها في سوقهم؟... وماذا يضيف أن نسقف نشاطنا بتلك المناسبات؟ وكأنه ليس من حق الجهات الثقافية أن تقيم نشاطاتها إلا بختم رسميّ (يجب أن نرميه في البئر بحسبِ مسرحيةِ الرحابنة صحّ النوم)؟
الآن وقد طفح الكيل وبدأت ثقافة المواطنة تتشكل ولو على استحياء وبشكل محاصرٍ أعلن كشاعر سوري اعتذاري عن كل نشاط شاركت فيه مرغما في السياق المذكور وأسفي عليه. مع أنني من المعروفين بعدم ولائهم إلا للوطن، لا على الطريقة السائدة والتي تختزلُ فيها الأوطان إلى أشخاص وأحزاب وفئات وطوائف.
ومن يعرف سيرتي الثقافية ولو بشكل متواضع سيكتشف أنني يا ما تعرضت لمساءلاتٍ أمنية متتالية حول كثير من النشاطات التي أشترك بها مع أنها تكون تحت رعاية الحزب الحاكم وبحضور أعضاء من القيادات السياسية (التي قدرُنا أن تكون دائما قياداتٍ حكيمة). وذلك في الوقت الذي كانت أي لهجة متناقضة مع النظام تسبب إحراجا لصاحبها فيضطر لإخفائها، وكنت مضطرا لعدم إخفائها.
بل وأعلن للمرة الأولى علنا أنني في أحد اجتماعات جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب (الذي توقفتُ عن متابعتها منذ خمس سنوات تقريبا) طرح مقرر الجمعية في ذلك الحين فكرة إقامة مهرجان شعري سنوي بمناسبة عيد الجلاء، وهو عيد الاستقلال الوطني وليس عيدا لحزب ما أو لتيار حالكم. و مع ذلك قمتُ معترضا على تخصيص مثل هذا المهرجان مبررا ذلك بأنه سوف يستغله شعراء (المدائح النبوية) ويحرفوا معنى العيد الوطني ليجعلوه عيداً لبيع المواقف الصغيرة. وقد تم بالفعل إلغاء المهرجان. وقد تم إلغاءُ الفكرة طبعا...
كما أعلن أنني ما زلت أحتفظ بنسخة من مراسلاتي مع الناقد المرحوم د. نعيم اليافي (عندما كان رئيسا فرع اتحاد الكتاب في حلب) حيث دعاني وقتها إلى مهرجان شعري (بكتاب يحمل رقم 46/ص ح تاريخ 20/7/1993) فطلبت منه في رسالة موجهة إليه توضيحا حول إذا كان المهرجان بمناسبة ما (لأن المهرجان كان في يومي 16 و17 تشرين الثاني 1993) ومن الواضح ما ذا يعني هذا التاريخ تحديداً في مفكرة المناسبات السياسية في سورية، وقلت له: (أرى أن أوافق على مشاركتي في المهرجان بعد تفضلكم بإعلامي أن المهرجان لن يكون مقاماً بمناسبة ما، فإذا كان المهرجان تابعا لتلك المناسبة فأرى أن أعتذر عن المشاركة)، فردّ رحمه الله بأن (الاتحاد ليس مؤسسة تابعة لأية جهة، وعلى العكس فهو يرفض عند التقويم النصوص الخطابية ونصوص المناسبات) - وأنا أنقل من رده بشكل حرفي - وبغضّ النظر عن حقيقة هذا الكلام ومدى تطابقه مع واقع الحال، فتبقى وجهةَ نظرٍ من ناقدٍ حرّ تقتضي الأمانة أن أقول إنه فعلاً لم يكن كشخصٍ تابعا لأحد، ولذلك حورب بشراسة على أكثر من صعيد عندما ارتفعت نبرته الناقدة للأوضاع السياسية والفكرية في البلد، ويمكن أن نقول إنه تقريبا طرد من رئاسة فرع الاتحاد ومن منصبه الجامعيّ.
في ذلك الوقت لم يكن متاحا لمثل هذه المواقف أن تكون علنية للظروف الخطيرة التي كانت تحكمنا جميعا، ولكن الآن وقد صار ممكناً الإمعان في خطيئة التناقض (تلك الخطيئة المقدسة) التناقض مع شروط المناسبة السياسية، وصار متاحا أن نعبر في الانترنت عن موقفنا من ذلك، أعلن رفضي المشاركة في أي مشاركة من أي نوع كانت تحت رعاية أي جهة حزبية حاكمة وبأي مناسبة (وطنية أوْ قوميّة)...
أقول هذا وأنا أنطلق من ضرورة تذكير زملائنا في المؤسسات الثقافية أنه إذا كانت لهم حساباتهم البائسة المضحكة في ربط نشاطاتهم بمناسبات باليةٍ ورثة، فإن للشاعر الشاعر حساباته المختلفة تماما والتي لا تنسجم لا من قريب ولا من بعيد مع شروط نشاط موجه رغماً عنا في سياق الاحتفاليات الرسمية.
أقول هذا وأنا كلي ألم في أن تربط جهات ثقافية هنا وهناك الاحتفال باليوم العالمي للشعر بمناسبات سياسية أفرزت وبالاً على البلد وعلى الثقافة... حتى عيد الشعر في بلدنا (وهو عيد ليس من اختراع مؤسسات النظام) يريدون تمريغه في وحل المناسبات... ولا أدري كيف ينسجم عيد للشعر مع عيدٍ لثورة كان من أبرز نتائجها قانون طوارىءٍ وأحكام عرفية؟؟؟ كيف ينسجم هذا مع جماليات الشعر والحرية؟ أما انتبه أولئك المزاودون لهذه الكذبة الواضحة ؟؟؟
لقد آن الأوان لننتهي من هذه الرؤية السطحية للنشاط الثقافي. فهي طريقة توحي للناس بأنه لا نشاط ثقافي خارج هذه المنظومة العقائدية السائدة. حتى لوْ كان بعضُ المشاركين يقف على النقيض من هذه المنظومة العقائدية ولا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد. علما أنه ليس هناك أي رابط بين الأمسية الشعرية والندوة النقدية وهذه المناسبة. وهي طريقة كذلك تكرّس النظرة الحزينة التي عانينا منها مطولا وهي أنه لا فرح ولا عيد ولا مهرجان ولا كرنفال إلا بأمر رسمي وبرعاية من القيادات السياسية. مع أن ارتهان الأمسية أو المهرجان لتلك المناسبات كثيرا ما أعاق الحيوية والحركة والجو الحميم الذي ينبغي توفره في النشاطات بين الأدباء وضيوفهم. حيث يلاحظ المسحة الحزبية التي يضفيها الحضور الحزبي الرسمي لهذه النشاطات... وكأن النشاط ينقلب إلى اجتماع للأعضاء العاملين أو الأنصار... وكثيرا ما كان مصدر التشويش على قراءة القصائد تصدر من تلك الوجوه الرصينة المتحزّبة القابعة في الصف ما قبل الأول...
الآن وقد صدقت شخصيا أنه يمكن الاعتراض على ذلك (هل يمكن ذلك حقا أم أنني واهمٌ؟؟؟) لهذا أعلن كشاعر سوري رفضي وشجبي لمثل هذه التوظيفات المريضة ورفضي المطلق لإدراج اسمي في أي من هذه المناسبات. و إذا صادف ووجد اسمي في واحد من هذه النشاطات فليعلم الجميع أنني بريء منها وغير موافق عليها...
وللتوضيح أكثر فقد طلبت مرات عديدة من رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في مدينتي حمص أن يلغي اشتراكاتي في أي مهرجان بمناسبات تشرين وآذار ونيسان وقلت له أنه إذا كانت لديكم حساباتكم و إحراجاتكم الخاصة فأنا أرجو عدم زجّي في مثل هذه الإحراجات لأنني غيرُ مضطر للمشاركة فيها. وبالفعل فقد بدأت الاعتذار عن هذه النشاطات منذ ما يسمى (ملتقى تشرين الشعري) الذي يقيمه فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص بمناسبة ( أعياد التشرينين) وهو الملتقى الذي أقيم العام الماضي وقد كان اسمي واردا في بطاقة النشاطات ولم أحضر ولن أحضر...
وفي النهاية لا مجال إلا للقول إن لي أصدقاء وزملاء في المؤسسات الثقافية المختلفة ولهم مودتهم واحترامهم كأشخاص أو أدباء، وموقفي هذا لا يتعلق بمواقف شخصية بل بمبدأ نتمنى جميعا أن نعمل على تكريسه وذلك في سياق إعادة النظر في مواقف المبدعين من مجمل قضايا لم يعد الكلام عليها حكرا على صوت سلطوي يفرز الآخرين حسب انتماءاتهم الصغيرة والعابرة... وذلك رغبة مشروعة في تنقية الشعر والإبداع من رهانات أصحاب المصالح الرخيصة، وسحب هذا الشعر وهذا الإبداع من حق الانتفاع الذي منحته السلطة لنفسها...
أعلن ولائي وللشعر وحده.. وبمناسبته وحدها أحتفل... ولتذهب مناسبات الآخرين أدراج الغبار...
08-أيار-2021
02-أيار-2020 | |
15-كانون الأول-2018 | |
10-شباط-2018 | |
04-تشرين الثاني-2017 | |
29-نيسان-2017 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |