Alef Logo
ضفـاف
              

ملف الرجل / الرجل كائن مسكين

فاطمة الشيدي

خاص ألف

2006-10-17


الرجل هو تلك الذاكرة الموازية ، والجثة الموازية لكينونتي منذ الأزل ، وإلى الأبد في أشكاله المتعددة داخليا وخارجيا ، هكذا تومض داخلي هذه الفكرة ، قبل البدء بأي كتابة عن الرجل ، فهو تلك اليد التي تدلل فرحي وشجني أبا ، وذلك الشجار العذب على كل شيء من كسرة الخبز حتى أحلام اليقظة أخا ، وبعضي الذي يكبر داخلي فأمام عيني طفلا ، وهو ذلك الثقب في الجدار الذي يسمح بمرور ورقة صغيرة تحمل كلمة ( أحبك) من ابن الجيران ، وهو النص الذي يتكور في مساحة القلب ولها واشتهاء ، ثم تنطلق صرخته من مسام أصابعي دما أو حبرا، ليخبر العالم عن كائن عبأ دمي شوقا يقض مضجعي ، وحنينا يخيط بقاياه بين دفاتري ..
هذه أبسط فكرة تحضرني فور ما أدخل هذا الكائن في مساحات التأمل الخاصة ، أو أفتح دفاتري السرية لأستحضر صورته من داخلي ، غير أن فكرة مسيّجة بالأيدولجيا الدينية ،لاتلبث أن تطل برأسها في رأسي ، فكرة الانبثاق والاشتقاق والضلع ، واجتزاء كائن (هو المرأة) من مساحة كائن آخر (هو الرجل) ، ولعل هذه الفكرة في بعدها الشعري عميقة التأثير ، بحيث تجعل كلا الكائنين يستمتعان بتوهجها الرومانسي ، من حيث الالتصاق والتتمة ، والتماهي التام ، الناتج عن أصلية الخلق ، واحتوائية الكل للجزء ، وتعطش الكل الأزلي للجزء المنفصل عنه ذات قدر ، وحنين الجزء للعودة والغياب في هذا الكل الأصل .
غير أن هذه الفكرة ماتلبث أن تتعرى أمامي من تلميعها المزيّف ، وبهرجتها الخفية ، وشجنها النفسي اللذيذ ، لتكشف عن ذاتها كفكرة ذكورية ، بأبعادها المصنوعة بخبث وتقصد ، لتكريس مفهوم الاحتواء والتبعية للمرأة ، ومحاولة تحديد ذات المرأة في مستوى خطي وحيد ، وهو الرجل الأصل والكل، لتدور بعد ذلك منه إليه، لذلك ما ألبث أن أستحضر قول نيتشه " هناك أوثان في هذا العالم أكثر من الحقائق " لأغادر هذه المنطقة المسيّسة على مر عصور طويلة ، لتفنيد فكرة العبودية للمرأة وتبريرها .
بيد أن الفكرة الأهم التي تطرقني في مسآلة الرجل أو مسألته – لافرق- هي فكرة مضادة تماما للفكرة السائدة عن الرجل عبر العصور وهي القوة ، والعظمة ، والسيطرة لهذا الكائن ، تلك الفكرة تختصر ذاتها داخلي بضعف هذا الكائن الذي ظن ذاته-جهلا- قويا عصورا طويلة ، في حين أنه كائن مسكين جدا ، ومسيّر عبر العصور من قبل قوى خارجية ، ساهمت في إبعاده عن كينونته الخاصة، التي تداخلت مع الملامح الجاهزة التي فُرضت عليه، وأدغمت في ملامحه وكيانه (حتى لم يعد هو نفسه يدركها ).
فالرجل كان أداة في يد المجتمعات ، أو في يد قوى الشر والإظلام في تلك المجتمعات (ربما بسبب تكوينه الجسماني ) ، أداة لصناعة الظلم والقهر ، والحرب والموت ، والجهل والقبح ، وكانت مؤثرات كثيرة تعده ( بلا وعي منه ) ليحمل منجل الحصاد، ليجذ أرواح الكائنات والطبيعة .فكأنها أعدته بلا حذر منه ليحمل خيباتها ، وليكون أداة طيعة لقمع الجمال ، وصناعة المشهد وفق رؤاها فقط، بلا تفكير أو رفض ، إلا من قبل بعضه (أي الرجل) ، وهم أولئك الخارجون على قانون التبعية المطلق، والثائرون على الأعم السائد ، والظلامية الاجتماعية .
وإذ تثقل الفكرة في رأسي فتتحرك باتجاه الأمكنة والأزمان والقوى الخارجية ، وأنا أريد أن أحيدها في اتجاه "الرجل" ، أحصرني في الرجل العربي ، وإن كان الكثير من الجوانب قد تكون مطلقة وعامة ، إلا أن انعكاس ظل الرجل العربي على ظلي يجعلني أدور في مساحاته المتاحة لمنطقة تفكيري ، كما يجعلني في مأمن من التعميم.
فالرجل العربي كان أداة الظلم والقهر ، وأداة الجهل والتجهيل ، وأداة القبح والتدمير ، وأداة الكبت من قبل المجتمع ، فقد ُظلم على مر العصور من حيث فرض عليه تحقيق الظلم ، وممارسة أدوار لم يخطط لها في البدء مثل القوة ، والشدة ، والعنف والسيطرة ، والقمع ، والكثير من الأدوار القبيحة التي ُزين له أن رجولته لاتكتمل إلا بها - دون توقف لتبيان ملامح الرجولة الحقيقة القائمة على العظمة ، والجمال ، والرحمة ، والحب ، والقوة النفسية ، والحماية والأمان والكثير من السمات التي تدخل ضمن هذا المفهوم ، الذي لم ينتبه معظم الرجل العربي لتحديده كـ مصطلح تنافى تماما مع ممارساتهم القمعية واللإنسانية - وفي المقابل حرم من تحقيق جوانبه الإنسانية كالتداعي التام مع الحب ، وكالخوف والجزع ، والبكاء ، فجعلت هذه الخصائص الطبيعية للكائن الإنساني خصائص للمرأة فقط ، وجعلت نقيصة له ، وهي دونه ليحرم منها ، هذا إذا لم يمتد الأمر لجوانب أقل كالضحك والمزاح والحياة .
لقد خلقه المجتمع ليكون كائنا مخيفا ، وجافا ، وثابتا حتى الرعب و اليباس والملل، وحاصره بمفاهيم خلقها له خصيصا كالـ ( العيب والحرام ) ليقلل من مساحاته الإنسانية ، أو يغيّر لونها الطبيعي لألوان أكثر حلكة ، أو يقلصها داخله حتى العدم ، بل لم يكتفي بجعله يطبقها على ذاته ، بل جعله (بلا إرادة) أداة مسئولة عن تطبيقها على الآخر ، ومع الزمن صدّق الرجل العربي هذه الأفكار وتبناها ، وأصبحت جزءا من سيكولوجيته ، بل و صار الحمل أثقل حين أصبحت هذه الأدوار تركة يتوارثها جيل بعد جيل .
كما أن المرأة ظلمته كثيرا أيضا ، فقد حملته أعبائها المناطة بها أصلا ، فاتخذت منه حارسا ، وخادما ، وسائقا ، والكثير من الأدوار التي تخلت عنها، ليقوم هو مجبرا بها، وكان سعيدا بالقيام بهذه الأدوار التي تحقق له شروط سيطرة غبية ، وقوة مصطنعة تتلاشى أمام سحر عيونها ولكن - وربما بفرح الجاهل – كان يعيش تناقضات الكينونة بلا رغبة في التغيير .
ومع بدء انفراج أزمة المجتمع العربي ، والتملص النسبي من قيوده الإنسانية العظمى ، وخروج بعض المرأة من قضبان المجمتع في المساحة الضيقة التي أتاحها لها الرجل ، حُمّل " الرجل / الطاغية " السبب في امتداد كل عصور الظلم والإظلام تلك ، وماكان فيها من قهر وظلم للمرأة ، وتبنى الكل محاكمته بصورة علنية أو بصورة متسترة ، ولا مبرر له سوى ذلك الضعف، والتربية المجتمعية والسياسية له ، التي خلقته ليكون خارجه تماما ، وكما ليس هو .
وفي هذا العصر المسمى بـ " عصر المرأة " عصر الرقمية والعولمة ، يجب النظر للرجل العربي ليس بعطف ومحاولات تبرير فقط ، بل بشفقة وحزن كبيرين ..
فلقد صدر المجتمع المرأة لكل مواقعه ، وفتح لها كل الأبواب للدخول ، في حين أوصدت الكثير من الأبواب في وجه الرجل ، ولم يكتفي المجتمع بأن يجعلها إلى جواره بل أخذت مكانه في كثير من المواقع ، وهزمت بذلك كل مخططاته ومشاريعه الذكورية .
كما أن فكرة المساواة لم تعد مقبولة في طرحها الأول ، " مساواة المرأة بالرجل " بل أصبح الرجل هو الذي يطالب بالمساواة مع المرأة ، التي أصبحت تحمل تأشيرة دخول لجميع الحيوات الخاصة والعامة ، وتتصدر المواقع العليا والدنيا .
كما أن هذا الكائن " من حيث الدائرة النفسية والفكرية " مهيأ للانقراض كالجمل تماما، أو تخصيصه لأدوار ثانوية كالكتابات والأفلام التاريخية ، أو العرض في المتاحف بوصفه تراثا ، حيث لم يعد مقبولا منه أن يفكر أنه يحرك الكون بعضلاته ، وأنه مصدر القوة ، في حين أنه يمكن لأي كائن أن يحطم العالم بلمسة زر ..
وهو ( في الأغلب وليس في المطلق ) لايملك إلا أن يعيش أو يمارس أدواره المنقرضة تلك ، ويحاول من خلال أدوات قمعية قديمة، كالصوت العالي والعضلات – وبشكل يدعو للسخرية أو للشفقة أو لكليهما معا- أن يثبت أنه لازال موجودا ، وأنه يشغل ذات المساحة المهيأة له من قبل الرب والعباد والتاريخ والجغرافيا ، وبالطبع لن يجد سوى كائنات أقل منه هشاشة، ليمارس عليها أدواره تلك كالمرأة والأطفال ، وهذا مما يؤسف له .
ربما هذه الفكرة هي الأكثر إيغالا في التداعي الحر لذهنية يلذ لها أن تتسق مع الاختلاف ، وأن تتوحد مع التناقضات البينية للمساحات الخفية في فكر الكائن المتصدر بالاختلاف ، والمتقد بالخروج خارج الأطر الطبيعية ، ومحاولاته المستمرة لتقويض المسلمات ، وهدم الثوابت الكونية والعقلية ، وهو الكائن المفكر، والمتلاشي في مساحات الوعي الحر .
إلا أن الفكرة الأولى ( الكائن الأقرب) هي الفكرة الأصل ، وهي التي أعيشها بيني وبيني بكل توافق وحب مع الحيواتية الإنسانية الطبيعة في ملامحها البهية والعادية والبسيطة ، والتي تشكل عوالمي العامة والخاصة والسرية معا .
فالرجل في رأيي هو شطر هذا الكوكب الأجمل ، والذي من دونه يتقلص الجمال والحب والفرح من الكون ومن داخلي ، كما أنه شطري الخاص الذي لايكون اكتمالي خارجه إطلاقا.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مذكرات موظفة سعودية

25-آذار-2009

ملف الرجل / الرجل كائن مسكين

17-تشرين الأول-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow