المنع والرقابة
2008-08-20
ترى: أما آن لنا أن نتجاوز عقلية المنع والحجب باسم السياسة والأيديولوجيا.
أجرى معي المذيع المعروف طالب يعقوب-مرة-حواراً في برنامجه اللطيف والحميم جداً »زورق الليل« وكم كنت سعيداً بهذا اللقاء الذي قاده المحاور بحرفية عالية وثقافة غنية .
كان من بنود هذا البرنامج أن اختار أغنية كفاصل موسيقي في مسيرة الحوار.
وفي لحظة اختيار أغنية ما, اخترت أغنية عبد الحليم حافظ » يا سيدي أمرك أمرك يا سيدي« وكان الدافع الأول لاختيار هذه الأغنية حب زوجتي لها.
فما كان من مخرج البرنامج إلا أن طلب من المذيع والمحاور طالب يعقوب أن يسألني أغنية أخرى اختارها.
والسبب أن هذه الأغنية بالذات ممنوعة من البث من الإذاعة السورية.
أصابتني الدهشة, ولم أصدق الأمر, وسألت صديقنا المحاور أغنية لعبد الحليم حافظ من فيلم كوميدي يشترك فيه الممثل الكوميدي الرائع عبد السلام النابلسي ممنوع من البث, لماذا? أمر لا يصدق, لماذا?.
أجاب الرجل محرجاً: أنا-صدقني- لا أعرف لماذا, على أي حال اختر أغنية أخرى, فاخترت الجندول على ما أتذكر,
أنا بدوري لا أعرف السبب المباشر للمنع, ولكني حللت وركبت وانتهيت إلى ألف سبب هو التالي: المسؤول الذي اتخذ قرار المنع آنذاك وجد أن كلمات الأغنية قابلة للاسقاط على المرحلة, وخاصة أن الأغنية تحتوي على مقطع يقول:» ما قدرش أخالفك لأني عرفك تقدر تحط الحديدبإيدي, أمرك يا سيدي أمرك يا سيدي«.
المسؤول عن المنع ارتكب في ذلك الزمان حماقات ثلاث:
الحماقة الأولى: أنه يدري أو لا يدري اعترف اعترافاً مباشراً أن لكلمات الأغنية دلالة واقعية تنطبق على واقع الحال.
أي أن مخالفة الإنسان لرأي السلطة يودي به إلى الأصفاد.
وهذا في واقع الأمر, إقرار من المسؤول بأن رأيه شبيه برأي الناس, وتأويله شبيه بتأويل الناس إن استمعوا للأغنية.
إنه يقول بصراحة: «هذه الأغنية تنطبق على ممارستنا».
الحماقة الثانية: يعتقد هذا «المانع» الذكي أن المواطن إذا لم يستمع لهذه الأغنية من الإذاعة السورية فإنه لن يسمعها أبداً من أي إذاعة أو تلفزيون آخرين.
الحماقة الثالثة: أن المانع لا يدرك ما يقدمه المنع من مكافأة للممنوع, حيث يحب الإنسان الممنوع, ويخلق لديه نزوعاً نحو الإطلاع على ما منع, فإذا عرف المواطن بمنع أغنية » يا سيدي أمرك«, وشاع أمر المنع, فإن كل الناس يبحثون عن شريط كاسيت أو ما شابه ذلك مسجلة عليه هذه الأغنية.
وحسبي مثالاً على وظيفة المنع بالنسبة إلى الممنوع رواية حيدر حيدر »وليمة لأعشاب البحر«التي منعتها الرقابة المصرية بعد احتجاج الإسلامويين على بيعها, وكنت يومها في القاهرة, إذ مجرد ما أشيع المنع صار الطلب على الرواية كثيراً جداً حتى وصل ثمن النسخة المصورة أكثر من مئة جنيه.
ترى: أما آن لنا أن نتجاوز عقلية المنع والحجب باسم السياسة والأيديولوجيا.
والحق ما من أحد إلا وهو ضد الأغاني المنحطة التي تنزل بالذوق العام إلى الدرك الأسفل, ومع ذلك لا أحد يكلف خاطره الارتقاء بالأغنية كي يتسامى السامع معها.
أيها الرقيب العجيب والغريب أخالفك الرأي حتى ولو وضعت الحديد بإيدي, وأنت لست سيدي
د.أحمد برقاوي: الثورة 19/8/2008
08-أيار-2021
18-نيسان-2020 | |
17-كانون الثاني-2020 | |
07-أيلول-2019 | |
31-آب-2019 | |
17-آب-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |