1
ما الفائدة إذن
من هذه القصيدة
إذا لم تقرأيها بخط يدي
ولم تتساءلي لماذا حذفت هذه الكلمة
وبدّلتها بأخرى
إذا لم تمنحيها دفء أصابعكِ
وحنان نظرتكِ الدائم
ما الفائدة إذا قرأتها هكذا
كما يقرأها الآخرون
على صفحات جريدةٍ أو كتاب

2
في هذا الشتاء
بين ريح قاسية ومطر

برودك أيضاً يكمُل المشهد
في هذا الشتاء
بين هذه الريح وذاك المطر
كيف لي أن أقف.. دونكِ

3
مللتِ مني
وربما من الغرفة الجديدة أيضاً
طرقات حذاءٍ تمضي بعيداً
وأنا أنتظر أياً كان
لا أحد..
أيَّة يدٍ حنونة ستطرق الباب
ولو خطأً

4
هذا كثيرٌ على القلب
أكثر من آلام الحب
أكرهك لحظة حتى أنسى أنني غنيتُ لأجلكِ
أنكِ بكيتِ من أجلي
وسهرتِ حتى الصباح فوق صورتي الباهتة

والذي على مهل مدّ يده إلى ثوبكِ
فقبلته وشممت جسده
والذي أحببته
والذي ضيعته
والذي لكِ
منْ حكيتِ لرفيقاتكِ عنه
ولامستِ شعره بيدكِ
وخلعتِ ثيابكِ من أجله
وضربته وخمشته فأحبكِ
ثم مضيتِ وما عدت
فأحبكِ كما لم يحبكِ

5
هذه السماء الواطئة
والأشجار الكئيبة العارية لي
الشتاءات القاسية
الثلوج ووحشة البرد
الأرصفة والمقاهي الرخيصة
الحانات الصغيرة
والباصات المزدحمة
البشر الحزانى
وضجر الأيام لي
وفي أيامي السوداء
تمضي نضارتكِ وضحكاتكِ
فمكِ المرح
وعيناكِ المتألقتان إلى سواي
ولكن يكفيني
أن روحكِ المنكسرة
وشحوبكِ
ووحشة عينيكِ دائماً لي

6
تقسين ويعلو صوتكِ
تتأخرين في القدوم
وأحياناً لا تأتين
لأنك تظنين أن قلبي حجر
يخفُّ كلامك الجميل
وتقل ابتسامتكِ
وتفكرين بالمضي
بل إنكِ الآن تمضين
لأنك تظنين أن قلبي حجر
دون أن تنتبهي أنه يتفتت الآن

من مجموعة (كما لو أنك ميت)

1
سقوطي المفاجئ أمامكِ لم يمنحني ما أتماسك به، لم يكن لي سوى رؤيتكِ بذهول الذي لم يرَ سواكِ، غير أني رأيتُ أبعد مما أبحتُ لنفسي، رأيتكِ كلكِ، شعرك، فمك، جسدكِ، الخواتم، ثم سقطتُ إلى أعمق هوياً في قاع لا قرار له،.. في فورة البياض.

قالوا لي انتظر، وانتظرتُ زمناً طويلاً.. ألف عامٍ، ولكني في غيبة من انتظاركِ دونتُ ما دوّنتُ وكتبت بكل الحبر الذي في جسدي ما على منتظرٍ مثلي أن يكتب، كتبت حتى جفّ كل شيء في المكان.

2
مرةً أنظر إلى الباب، خشبه، ثقبه، أبصر الطريق محتشداً بنسوة يرتدين السواد فأقول ما لم يقله أحد وأسأله عنكِ فيسألني عن النافذة الموصدة بجواره!..
أجيبه، لأنه الباب
معبرك الوحيد
الخشب الذي سينشقُّ عنكِ.
مثل وجهي أمام البريد بانتظاركِ وجهي الآن خلف الباب، أنظر بحرقة إلى الشوارع الخاوية منكِ، لا أحد سواي هنا في المكان المعزول بقدرة الذي رماني فيه وقال ستصل امرأتك.
قلتُ ستصلُ وأنا أتذكر وجهكِ وهو يحمر كما لو أنه مصبوغ بدماء آلاف العذارى وهنَّ يهدرن بكارتهن دفعة واحدة.
كنتِ حديقةً من الورود والأشجار والأحلام، وكنتُ شارعاً طويلاً من الخطايا والحماقات وأولاد الحرام ولكني قبَّلتكِ.
كنتُ جنينكِ المكلل بدمائك
جنينكِ الذي أجهضتهُ حكمة الله، وكنّا جسداً واحداً في فورة البياض، جسد من أبيض شاحبٍ في فورة الإله ذي الشهقة العالية وقلتُ:
أنتِ المرأة العالية.
وعلوت كما لو أنني ربيبكِ الوحيد، ثم قلتُ فيكِ جسدي كلَّه، وصلتُ إليكِ وسقطتُ، كأنني رأيتُ ما لم يره خلق الله.
وخلق الله لا يرونني الآن أنهم قالوا لا تسمِّ المرأة التي ستصل، قلت لن أسمي وأنا أعرف أن الباب الذي بيني وبين العالمين لن يفتحه سواكِ وأن خطاياي لن تتألق إلا في روحكِ، لذلك سنةً سنةً بنيتُ عمركِ وسط الوحشة والوحدة والعزلة، بنيته وأنا أعرف بأنه سدىً يمضي إلى سواي.
قلت للباب ترى حقاً ستأتي.
قال لا مكان تصبو إليه سواك
ارتعشتُ ذات الرعشة التي كانت تنتابني كلما رأيت مدخل البريد خاوياً من وقوفكِ فأضحك من لهفتي إلى مواعيد تهدر كل سبتٍ في العاشرة حيث لا أجد سوى الرسائل المغلقة بالصمغ والمفتوحة بالأسنان دون جدوى.

3
سأحملك في موكب المنتصر الراكض خلف مهزوميه، سأصور ظهورهم وأركضُ بكِ صوب الهواء، سيتهدم لساني وستسقط مشاعري إلى أسحق أغوار الأرض وأنا أبوحُ لكِ بما يعتريني صراخاً وعويلاً وعواءً، ستتكسر أقدامي وتخرب رئتاي وأنا أجري بكِ من ذكرٍ إلى آخر، فأنا دليلُ الرب إلى الخسارة ودليل الخسارة إلى الرب.. أخافكِ.
أخافُ من جسدكِ وأنا أشم رائحة الغريب فيه، أخافُ من رعشتكِ وهي تحنُّ إلى سواي.
معكِ كم أنا موحشٌ
وكم أنا موحش دونكِ
فليحبكِ الجميع إذن وخذيني وحدي، وافتحي الباب عليّ وحدي، فليحسدني رجالُ الأرض ويعجزوا عنكِ كي أقول:
ها هي المرأة تطلّ على خرابي
وتطلُّ علي الوحدة والعزلة والألم وحارسي والجدار والطواويس والسرير والكراسي وشجرتا النارنج والباب فأتكسرَّ، ولكني وحدي، وحدي من يستحق الموت لأجلكِ، لأنني صاحب سوادكِ ووسادكِ، إذا قمتُ عنكِ غسلتُ عيني حتى البياض ووقعتُ فيكِ، في شركٍ تحته الدم والقلق، أنا دليل الرب إلى الضجر والوحشة أراقب جسدكِ
أفوز باللذة وأموتُ غماً
أخافكِ، كما يخاف البشر من الخطيئةِ
معكِ كم أنا مريضُ
وكم أنا ميت دونكِ
وأهوج في وصفكِ، ومغالٍ في فضحكِ، أحطم جدرانكِ وأكسر شبابيك بيتكِ وأقف بينكِ وبينكِ
أنا دليلُ الرب إلى البشر
كيف أكون حاجزاً بين الرب والبشر؟!
وحاجز الجميع إليكِ، الغيرة وهي تشدُّكِ، الدم وهو يفور، العتبة الباقية في طريق الجميع إليكِ، العتبة التي سيتعثر الله بها قبل الوصول إلى جسدكِ، إلى فورة البياض.

من (فورة البياض)

تحت غيمةٍ معاً

هل سنكونُ معاً
في الخريف
فوق أوراق صفراء
تئن تحت أقدامنا
هل سيحركُ الهواء شعرنا معاً
هل ستبردين
فأعطيكِ سترتي

جاء الخريف
والأوراق الصفراء تئنُّ تحت قدميّ
وأوراقُ أخرى تئن وهي تسألني عنكِ

هل سنكون معاً
تحت غيمة سوداء
تسقط أمطار الشتاء
وتبلل الأرصفة والسيارات والمارَّة
وأنا دونكِ ودون مظلةٍ
لا أتبلل تحت أمطار الشتاء

إذا جئتك لاهثاً
فلا تفتحي يديك لعناقي
وإذا عانقتني
فلا تتركي رأسي يسقط على صدركِ
امنحيني لذة المتأخر على حبكِ
لذة الأصابع وهي تتألم بين الأسنان

لا أعتز بمسرحي
إنما بضحكتكِ
لا أعتز بقصائدي
إنما.. بدموعكِ

بعدكِ

كانت الشمس لاهبةً
ولكن الصباح لم يكن مشرقاً

أشتاقُ للخطأ
كي تؤنبيني
أنا الحنينُ إليكِ
والعواء الحزين

أنا الذئب العجوز
في بيته الخالي من العظامْ

هنا عاش
في هذه الرقعة التي تسمىّ جسده
لماذا لم تحرقوا الجثة
ما الفائدة من هذا القبر
إذا لم تسقط دموعكِ الساخنة عليه

بحثتُ
ولم أجدكِ
من ذات الطرقات
مررتِ
وكانت آثار خطواتي
تتألم تحت قدميكِ

من مجموعة (الأب الضال)

1
أشتاق إلى سترتكِ الملونة وضحكتك
أرقب المدينة ليلاً
أرى الضوء وهو يسقط على الأرميتاج
أمرُّ قربه ليلاً وأتخيلك تنتظرين
لكن لا شيء سوى التاريخ وهو يهذي
داخل جدران الأرميتاج
سوى التماثيل وهي تستل السيوف
وتتحارب بعد أن يخرج آخر حارس
مغلقاً خلفه الأبواب

سان بيتر بورغ 1992

تحت الملاءات

وأنتِ تغوينني، تغسلين خطاياك بما يغيث الأرض ولا تلوِّحين لمجيئي المفاجئ، أراودكِ، أغفو على آثامك وأهتف: أنا الخطيئة الحقة وأنت المرأة الجديرة بارتكابي، أخطاؤك البحر وترهات العشاق، لن أرجمك بعمري الناقص ولا أوقاتك بمواعيدي الهشة، لأنك دائماً تحتشدين في النشيد مغتصبة الشعر ومكللة بمديحه، لأنك دائماً الدهشة الباقية بعد القصيدة لا تلوين علي ولا ألوي.
أخلعك على سريري وأريق غروراً تحت الملاءات، لا دم يخيف الفحولة، لا فحولة تقتحم الدم إلى أسرار اللون المرير.
تغلقين الأبواب عني وتوصدينك علي كي أسفك خوفي وأدلق فيك وحدتي، تتكونين من الخوف والكتمان وما على السرير سوى احتمال الخطيئة المدهشة، كذلك الموت، غمد أنثوي ونعاس ذكر يسقط فيه، كذلك.. امرأة تداري نعاسها ورجل يداري الأرق، أما قلت.. تمايلي علي، لميني من أنحائك عاشقاً يحتذي بحروبه القليلة..
للأحلام وحدها ينعسُ
وللعاشقة وحدها ينحني
المرأة التي توصد الأوراق وتكتب
أنت التي تسندينني منك ومن رياح تهب، تترنحين عني إذا باغتني قتل وتغمدين القصيدة في بياض الورق كلما خذلك وقت وأسرع عن مواعيدك
لك أنا
وأنت للهواء
شتاءاتي الموحلة وجسدي النحيل
وأنت للبيوت الموحشة
هكذا أرتديك فرواً وأرتجف منك
تأتين غارقة بأنوثة القرى وألفة الشوارع، كنت أستميلك إلى مقتل وقبرك سرير نبي في رقدته
أحبك، أقع فيك ولا أخرج إلا بمعصية وبعض أيد تجرني، قلت دائماً نتبادل الأوراق وأكثرنا يباساً يحترق، أحبك..
ثم أريق دوراتك على كوكبي المقفر، ليس لك أن تسألي وليس لي براهين الهباء، كل ما أقوله غارق في الفراغ كهواء
وكل من أناديه.. أنت
أنت وقامتك ونهداك وعنقك الخرز، وما للطواحين لا تأخذك في دوراتها، ما للفحولة تتفرسك بعينها العمياء، أنت والدم الرتيب في أحشائك، ورياحك وثلوج الجبال المسروقة من ألوانك، أنت واحتمال الرعشة بين ساقيك وبقايا الأنوثة العالقة بطرف قميصك، أنت ويقظتك المدبرة وحدود شهواتك، كلك وما يستميلني إلى القصيدة.. هباء.
وكرجل رماني الوقت عند مواعيدك
أداري وحدتي بالقلق المستميت في أحوالك
تغمرين مساءاتك بالضوء وتنسكبين كنهر أعمى علي
وردة أنت ولن أتوجك بالرحيق
وكرجل ذاهل لن أشمّك
ولو أنك تودين بي، أيتها الحاملة سلة الليمون وما ينتابها من تفاح وخطايا، ليس لأنثى ذات الرائحة وليس للأقمار ذات الضوء، اندلقي على أوراقي لأخطك كوعورة الشعر، إني أخذتك من الآخرين ومسرحي أقنعة تتبادل الوجوه، أي اشتهاء يحمل إليك المقتل وأنت ترمين الرجال من جسدك الغابر، ولو أنك تقتلينني.. أحبك.. من فمك حتى العنق فالباب المؤدي لغموض اللحظة، وقد اقترب العارفون مهللين لك، أنت تعرفين كل بأس فليس لك بعد أن تُغمدي فيَّ، كما ينتهي القتل بحياةٍ تباركه أو بمن يندم.

بلودان 1987

من مجموعة (ضيوف يثيرون الغبار)