فن تشكيلي / الفنان التشكيلي الليبي عادل الفورتية : الفن باعتباره عدوا نحو القادم حاورته :
2006-06-08
خاص ألف
عادل جهان الفورتية موهبة فنية نمت في مناخ من الثنائية الخلاقة و في بيئة مثقفة عريقة جمعت حدي السيف : الدين و الفن .
الاب؛ فقهي ، ازهري و صاحب رؤية اجتماعية تربوية تبدت في الحركة الثقافية التي شهدتها ليبيا في الفترة الماضية ، و كذلك العم ، عمر جهان ، فنان مثقف معروف في مصر .
هذه الاسرة التي تميزت ( بالحوار و المحبة و الصدق و التفاهم ) كما يقول ، كانت متفوقة لديه كاسرة عربية شرقية على قيم الغرب التي اخذت تتراجع .
و على عكس المتعارف عليه و السائد اليوم من ان خلافا ربما يركن كالجمر تحت الرماد ، بين الدين و الفن ، تطالعنا تجربة الفورتية كاول درس عن ماهية الموهبة : انها نبتة فاخرة متشامخة لا تدوسها ، و هي في طريقها الى النور ، اقدام الاعتبارات القائمة حتى لو اضطرت للتحايل على هذا الوجود كله بالتجريد المر و استخدمت كل ما في الدنيا من الوان مائية و حبر و باستيل و كولاج فوق الخامات المتعارف عليها في الرسم .
و الثنائية كما يبدو منهجا لدى عادل الفورتية ، فحين تبنى لوحاته على فكرة الصراع ضمنا فاننا نفترض وجود علامات و مفردات و رموز تشكيلية متضاربة و مثيرة للجدل تعكس حتى الوطن بأدق صوره . هكذا يبني هذا الفنان عالمه الافتراضي بالوان الروح الملونة و مفردات الدنيا البسيطة ، و تفاصيل اخرى لا تخطر على بال فارشا فوقها عباءة رؤيته الخاصة .
لوحات الفورتية تتجاوز المدرسة التجريدية بمعناها الكلاسيكي .. انها في الحقيقة نصوص سردية ولكن بلغة مختلفة . فحين يُسأل عمن تأثر به يقول ان هذا دور النقد .( .لانه لا يستطيع ان يحدد ملامح شخصيته الفنية و هو في حالة تأثر باي فنان مهما كان ) .. انه يترك هذا للاجتهادات النقدية .
لكني الآن ، سوف ابتعد قليلا عن المتعارف عليه في محاورة الفنانين التشكيليين حين يغرقهم المحاور بكم من الأسئلة الاصطلاحية التي ،و ان زادت فهمنا لطبيعة اللوحة ، إلا انها في نفس الوقت لا تسلط ضوءا على اليد التي رسمتها و على الفكر الذي يحركها ،جازمة ان القارىء سوف يفتن بعمه و شفافيته و سهولته الممتنعة .
اذا ، انا معنية ، في حواري مع الفنان عادل الفورتية ، بيده التي رسمت و التي اختارت الالوان و التي مزجت ، هذه اليد التي تتحرك انطلاقا من رؤيتها الخاصة و خصوصيتها و ذلك على عكس روما القديمة التي امتلأت ساحاتها و الكنائس بالتماثيل و اللوحات و لكنها لم تعرف ابدا ان تحترم أو تؤرخ لليد التي صنعتها .
من مرسم عزلته المصنوع من الخشب و المغطى بسعف النخل ، و المطل على بحر هائج تارة و هادىء تارة اخرى ، و بين لوحات تنتظر الصيف بطوله لتنجز ، و بين تراكم الاورق و الالوان و خط انترنيت يصله بالعالم .. تحدثت انا و عادل الفورتيه عما كان و ما هو قائم و القادم في عالمه .
كلاديس : يلفتني في الحقيقة تدرجك في فهم دور اللوحة . في البداية كنت ترسم البورتريه . اذكر من الوجوه التي رسمتها فان غوغ و بودلير و السياب .اليوم انت تقول ان التجريدية هي الاقرب الى روحك . اعتقد ، ككاتبة انني افهم هذا الأمر جيدا ، و لكني بالمقابل اسألك ، هل هذه النقلة أو هذا التدرج هو لازمة في حياة أي فنان ام هو فقط ما ميز تجربتك الخاصة !
عادل : نعم – بالتأكيد التدرج هو فعل تجريب فى الأساس , فالفنان يخضع لعملية التجريب تلك من خلال ممارسته اليومية
للفن . أيضا رؤيته الداخلية للأشياء حوله تساعد فى تنمية احساسه الفاعل تجاه مكون التجريب ، ذلك ان الفنان هو عملية تجريبية فى الأساس . لايمكن للعملية الفنية أن تتطور وتصبح ذات رؤية خاصة الا اذا خضعت للتجريب والممارسة , ولذلك يمكن للفنان أن يتنقل بين أشكال المدارس الفنية المتعددة سواء فى الأدب أو فى الفن – لكن لايمكن له أن يقبع ويتأطر داخل نمط معين تفرضه مدرسة محددة – الفنان حالة تجريبية لاتهدأ .
كلاديس : جميل ، افهم منك انك تفترض ايضا ان الفنان صورة عاكسة لمحطيه بشكل ما ، مع ان تاريخك التشكيلي ، كما لاحظت و انا امعن النظر في لوحاتك ، لا يعكس البيئة الليبية بخصوصيتها .. بلدك غائب نوعا ما بالمعنى الكلاسيكي للكلمة . هل انت مكتف بالصراع بين المتناقضات في لوحاتك لتعبر عن بيئتك !
عادل :لااعتقد أن المكان و الزمان هما اللذان يحددان ماهية الوطن – فالوطن هو تلك الديمومة اللامتناهية , هو شذرات من حكايا وقصص وخيالات وصراع أفكار , هو الصورة الظاهراتية ( العينية ) والشعورية ( الوجدانية ) , هو الموضع الذى تختصر فيه كل تلك الجزئيات فى لحظة ما, هو كهفـنا فى الأساس الذى يحتوينا ويصهرنا داخل بوتقته الحميمية . ربما يكون ذلك الوطن غائبا فى لوحاتى وربما حاضرا بقوة , الذى عنيته هو وطنى بكل تجلياته يبدو حتى فى أبسط جزئيات اللوحة الحاضرة عندى, من اللون يتجلى وطنى , ومن الخطوط أيضا .... وهكّّذا – نعم, بعض النقاد الذين لاحظو لوحاتى تعرفوا عليها من خلال ( اللون ) – وبالتالى يتبدى الفنان ليس من خلال موضوعاته المشكلة بالظاهر , وأ نما حتى من خلال حركة فرشاته مثلا أو نمط الألوان التى يستخدمها – يبقى الفن صادقا مادام يخاطب (اللامتعين ) !!- أعتقد أن ( التجريد ) قادر على أستخلاص الوطن داخل رموز لامتناهية .
كلاديس : الحق ان كلامك عن الرموز ، جعلني افكر بمقولة ذكرتها مرة (ان الفن يبدأ حيث ينتهي العالم في اللحظة المثبتة بين الحلم و الواقع ) . هل افهم هنا انك تستبدل العالم بالفن مثلا ..هل ثورتك هي ثورة استبدالية ان صح لنا ان نسميها كذلك !
عادل : بالأساس – الفن – هو حالة تغيير دائمة , والتغيير هو فعل ثورى يطمح الى التطلع نحو الأفضل , – لكن يظل ( الفن ) حالة تفكيكية للرؤى والظواهرمن حوله – الفن لايستكين ولايمكن له ذلك – يمكن للثورى أن يحقق جزء من طموحاته التغيرية ولهذا نراه استكان لوضعه الراهن , أما الفنان فلا – ثورته التغيرية لاتتحقق أحيانا – ولذلك كان ( الفن ) هو حالة اضافة للوجود , بمعنى أن الوجود يفقد جزء من ماهيته – ان غاب ( الفن ) .ليس هدف الفنان تقديم حلولا للمشاكل التى يعايشها . انا ارى مثلا مثلا ان المهمة الحقيقة للفنان هى تعرية الأشياء ، كشفها . من هنا يظل الفنان هو عامل مساعد للحراك الفكرى الذى يمكن أن يتحقق فى بلد ما .- بالنسبة لى أطمح دوما لأستبدال الواقع بالفن , أظن لو جاز لنا تسمية ذلك بالثورة – نعم ستكون ثورة أستبدالية ! لكنها ثورة فنية – وليست ثورة ذات بعد أيديولوجى .
كلاديس :فهمت . انا اوافقك جدا على ان دور الفن هو تعرية الأشياء ..لقد ذكرت انا نفسي هذا في كتابي (خارج السرب ) . الحق ان كلامك يدفعني لكي اركز اكثر على فكرة التمرد في عملك التشكيلي . ترى ما هي اهم الموتيفات التي تحركك من الداخل . انطلاقا من خصوصية بيئتك ، على ماذا انت متمرد تحديدا ؟
عادل : - التمرد – أجل فى الفن – أ تمرد على المألوف والسائد والكلاسيك بالمعنى الأصطلاحى للكلمة , أحيانا أتمرد على الروتين والتتابع , الحركة فى اللون – أ تمرد عليها , كذلك الحركة فى الموتيف – وهكذ ا... أعتقد ان مفهوم ( التمرد ) هو فى حد ذاته مفهوما جدليا , ويبقى ضروريا أحيانا مع جملة مانكونه فى هذا العالم , لأننا لايمكن أن نكون كائنات تستقبل فقط دون ان يكون لها أثرا ما ... !! ولذلك – كان التمرد – فعلا متأصلا داخل كينونة الأنسان , بالنسبة لى أظل متمردا – على مايسمى بالمعرفة البيذاتية أيضا, أى تلك المعرفة الخاضعة للمعايير العامة والضوابط الخارجية فى الفن – ويبقىالفـنان كائنا متحولا بفعل التمرد – خارجا عن القانو ن ليس بغية تأسيس نظام جديد , بل بدافع الرغبة فى الأنعتاق من كل نظام .
كلاديس :جميل . قرات لك الكثير من الخواطر أو لنقل الهواجس الفنية الجميلة و لقد انتبهت الى ان هناك حالة عشق تجاذبية هائلة بينك و بين الالوان ، تصل الى حد الانعتاق طالما انت ذكرته الآن . اذكر انك قلت مرة انك ( تتوق رغبة للالتصاق بها ) و انها ( تنتشلك من حدودية المنطق ) . ترى ، ما اهمية هذا التفاعل بين الفنان و مواد اللوحة الاولية ؟
عادل : أظنه تفاعلا غايته التعايش بحميمية مع تلك المادة وغيرها , لأنها تتواجد معنا ,باستمرار – المادة بالنسبة للفنان جزء من أشياءه الخاصة يحضنها بيديه , يمسكها بقوة – واخرى يتركها – وعليه هناك مايسمى (بالتعايش الوجودى) بالنسبة لى مع تلك المواد , لأننى لاأ تخيل موقعى من اللوحة التشكيلية دون ان تكون تلك المواد فاعلة معى , لأنها تخذلنا ربما ان لم نتودد لها .فمثلا لااتصور نفسى في حالة عدائية مع اللون , كنت دائما فى حالة ملاطفة معه , أيضا حالة محادثة – هناك من يقبل التواصل رغم أنه غائب حضوريا , وتبقى أهمية ذلك فى مدى تعاطى الفنان مع أشيائه – مع مواده !!
كلاديس : همم ، هذا يقودني لكي اسألك مباشرة : هل تعتبر ان ( الخط ) هو صانع الفنون . قلت مرة ان ( الخط الحر يمكن ان يساهم في خلق رؤية فريدة لعالم الكائن و حركته ) . عادل الفورتية ، كفنان عربي مثقل بالتراث ابتداءا بالفقه و انتهاءا ببرامج الفضائيات العربية المكررة ، هل استطاع الخط الحر ان يساعده على خلق رؤية خاصة بالكائن العربي بكل ما فيه من ثنائيات و تجاذبات و خصوصية ؟؟؟
عادل : ربما – مازلت اتلمس الخطوط الأولى للطريق – الخط كان عاملا فاعلا فى التمييز حتى بين الفنون عامة – هناك من النقاد من يرى أن الخطوط التى أ نتجتها حضارات الشرق القديمة فى الفن مثلا تختلف عن التى أنتجتها حضارات أمريكا اللاتينية
( حضارة الازيتيك وغيرها ..... ) , وأيضا الحضارة اليونانية , كذلك الخط فى الفن الأسلامى كان له دورا بارزا فى تحديد الهوية الشرقية – فاستخدم بالتالى لذاته دون أن تكون له مثلا دلالة موضوعية , ويوجد نمطين من الخطوط فى الفن الأسلامى , مايسمى بالخط المنحنى الذى لاحدود له وهو الخط الذى يبقى يدور متجولا بحرية وطلاقة على السطح – والآخر الخط الهندسى وهو الخط الملتزم بخطوط حادة ودقيقة ... وهكذا ... – ولاننسى – الخط – كمفهوم مجرد – مع الفنان( بول كلى)الذى كان يقول ( أن العمل الفنى هو عبارة عن نزهة يمكن القيام بها مع أحد الخطوط ), وسيزان وغيرهم – وكذلك مع بيكاسو لأن المرحلة التكعيبية التى أنتجها كانت تخاطب – الخط – كأساس معرفى فى أنتقال الأحاسيس وتنوعها على السطوح – أذن يظل ( الخط ) أحد العوامل الرئيسية فى عدونا الأولى نحو الفن – بالنسبة لى كان ( الخط ) دائما هاجسا فى حركتى التشكيلية – كنت دائما مركزا على مدى تماهى تلك الخطوط مع مايجول فى ذهنى أحيانا , وهذا ماقاد – الفنان (كاندينسكى ) للتوفيق بين عموم الفنون – من موسيقى وشعر وفن تشكيلى – وبالفعل كانت لى تجربة – أعتبرتها فريدة نوعا ما – فى تخصيصها – الخط – كتعبير عن مفهوم ( المفردة ) من خلال معرضا أقمته فى ( آتيليه القاهرة – بمصر ) سنة 2004 م .
اذن ، الخط هو هذا الكائن الذى يمكن أن يخرج من اللعبة الفنية مادام لايسعى لأن يتلون – والحقيقة أن العمل الفنى – هو الشكل المكون خطيا – والمعبأ لونيا – ولهذا تميز الرسام عن المصور – فى الثقافة البصرية التشكيلية الغربية .
كلاديس : فهمت ...! دعني آخذ منحى آخر في حوارنا و ان كان لا يشذ عن الخط العام . خلال زيارتك الاخيرة لباريس ، قلت انه ( ادهشك عدم الانضباط الاخلاقي ..فلقد جفلت من منظر الفرنسيين و هم يقطعون الشارع و السيارات تمر من دون توقف )
و كذلك ( رائحة الماريوانا المنبعثة من الاحياء الفقيرة ) كل هذا جنبا الى جنب مع جماليات باريس المعروفة . و مع ذلك فقد وجدت انهم ( ايضا فاعلون و عمليون و ان الحركة تعبير عن خلفيتهم الثقافية ) . برايك كيف تجد النسخة العربية من هذه الحركة !
و هل استطاعت التجريدية ان توصل هذه الحركة تماما كما تتوق لتراها فوق قماش اللوحة ؟
عادل : مع الاسف ارى ان مفهوم الحركة بالنسبة للعقلية العربية لهو مفهوما سطحيا , فلا نعنى بالحركة ماهو ظاهر منها وانما- ماا ستتر- ان جاز القول . بمعنى كيفية افساح المجال أمام الأفكار لكى تأخد حيزها التفاعلى مع صيرورة التاريخ داخل الواقع , فالمعنى الذاتى للأفكار هو مقصد لاينفصل أساسا عن ماهو موضوعى أحيانا , ولذلك حتى الثنائية التى فرضت فى الفكر الغربى بين ماهو ذاتى وآخر موضوعى ظل فى منتهى الحدودية الفكرية ليس الا , وبالتالى – كان الجدل الهيجيلى – أي الفكرة ونقيضها – هما العامل الديناميكى لتبادل الثقافات والأفكار , - وأين نحن من ذلك ؟– ربما تكون هناك اجتهادات , لكنه رغم ذلك أعتقد أننا مازلنا غير متعمقين لمفهموم مايسمى – بالحركة الفكرية – فمازالت هناك جملة من الأفكار البالية مسيطرة على عقولنا ! رغم التقدم التكنولوجى والمعمارى الظاهرى , الذى نشهده يوميا , فى مجتمعاتنا العربية . أما بالنسبة للحركة فى الفن ،أجل – بأعتقادى أن – الفن – فى منطقتنا العربية أكثر قابلية للتطور المتلازم , فمثلا ... مفهوم ( الحركة ) داخل نطاق الفنون التشكيلية - هناك دراسات ومشاريع قدمت فى هذا المجال من قبل العديد من الفنانين لاتسعفنى الذاكرة فى تقديم أحدهم , وهكذا .... , بالتأكيد – المرحلة التجريدية – وأنقساماتها المتعددة الى .. تجريدية تعبيرية أو تجريدية تشخيصية .... الخ, كانت ذات أبعاد حركية تحررية من سطوة الشكل المتحدد والمنغلق , وأ فسحت المجال لذلك الكائن البعيد الذى يظل يصرخ بداخلنا , حتى أن الفيلسوف ( نيتشة ) كان يطلق على الفن التجريدى بأنه فن الأذكياء ويحتاج الى مجهود ذهنى كبير حتى نستطيع سبر أغوار تلك الحالة , وظلت ( التجريدية ) فى الفن تعبيرا متجسدا للأنطلاق نحو المستقبل. أما بالنسبة لاعتماد مفهوم الحركة من قبل المرحلة التجريدية فى الفن داخل عالمنا العربى – فلا أعتقد ذلك – لأنه لايوجد – توا صل وتآزر بين أشكال الفنون المتعددة فى منطقتنا العربية – الكل يغنى على ليلاه كما يقال – وعليه لو أمعنا النظر فى المراحل التى قطعها الفنان التشكيلى العربى على مدى السنوات الماضية – نجد ان هناك تطورا ملحوضا – داخل اللوحة التشكيلية نفسها وتجدد الأفكار وتنوعها, ولكن للأسف ظل ذلك على المستوى الروحى ( الوجدانى ) – " الروح تعود لذاتها , تغوص فى أعماقها , تطرح نفسها حرة , حرة لذاتها " – هيجل – أما على المستوى العينيى بقى ذلك الفنان يتخبط فى دوامة الحداثة والآصالة والمعاصرة .... وغيرها من المصطلحات .
كلاديس : اعجبني قولك ( ان افكارنا البالية تقتلنا رويدا رويدا .. و كذلك الاحساس بالنضال وحيدين ) . صدقا ،لقد وجدت في هذا كما من الشعر و الحقيقة المرة الصادقة في آن . لكنني ايضا فهمت منك ان الخطر ياتي منهما ! ترى ، كيف تتحول اللوحة الى سلاح مباشر في وجه هذا النوع من الخطر ؟
عادل : لاأستطيع أن أؤكد ذلك – كيف يمكن للوحة او القصيدة أو الأدب عموما ان يلقى المناخ الحى لكى يمتزج معه ويتداخل ويصبح أحد العوامل المؤثرة ؟ أظن ان الوقت مايزال مبكرا بالنسبة لمحيطنا العربى !!لاتزال اللوحة مهملة ومهمشة وأيضا الشعر وعموم الأدب , وأيضا ( الايمان ) بتلك الأنساق الفكرية , لايزل غير مستقر حتى بالنسبة للفنان العربى أصلا – فالفنان والأد يب العربى يعانى من عدم التأكد من صحة مايمارسه , هناك أزدواجية خانقة وبشعة بالنسبة لهذه المجالات , تجد الواحد منهم ينظر لك فى المحاظرات والندوات والتجمعات , وبعد ان ينتهى كل ذلك يعود فى داخله الى ذلك الكائن البدائى الذى لم يخرج من كهفه قط ..... ولهذا – ان لم نؤمن نحن ك فنانين وأ دباء ومثقفين وعلماء بأننا امام قضية تحتاج للتفاعل معها وأخد القرارات الصحيحة تجاه مايحدث , فلا نستطيع بعد ذلك ان نلوم الناس ( البسطاء ) من ردود أ فعالهم التى سيتخدونها – اذن تبقى ا لقضية – هى فى كيفية ا تخاد موقف ما – وهذا ( الموقف ) ينبغى أ ن يعمم على كل شرائح المجتمع وأولهم – الشريحة أ و ا لطبقة المثقفة .
كلاديس : صحيح . معك حق . يجب ان نتفاعل اولا كمثقفين مع قضايانا . ساكمل في محورنا الاخر و لكن دائما في نفس السياق ، الحقيقة لقد انتبهت ان الثنائية امتدت حتى الى نظرتك الى نفسك . قلت مرة انك ( ترى نفسك في شخصيتين : ابن عربي و ابن رشد ) و كلاهما متصوفا فيلسوفا . هل تخفي في اعماقك ابعاد صوفية حقيقية .. !
عادل : الثنائية حالة انتقالية جوهرية قادرة على اعتماد نقلة في الإنسان الى حيث يثبت عند ها معرفته بالأشياء . لاأعتبر الثنائية –تعبير مثلا على الأزدواجية . هناك فارق – بين الأزدواجية فى ا لتفكير والفعل مثلا , والثنا ئية فى رؤيتنا الى الأشياء و احساسنا داخليا بها , و ذلك لأنها مبدأ القدرة على انتقاء ا لمعارف . – فنحن هنا ازاء عالم يموج بالثنائية , لكن فقط لايعتمد مفهومى للثنائية باعتبار ( الانفصال ) , اذ لا شيء هناك مثلا يسمى ( جيد دائما) أو (غير جيد) دائما , هناك تداخل وتمازج , بحيث لايمكننا أحيانا تحديد الفاصل بين كل تلك المتناقضات .
أقرأ للصوفيين كثيرا أمثال – ابن عربى / والسهروردى / وجلال الدين الرومى / والحلاج ....وغيرهم, وأنا هنا أركز على الصوفيين الذين كان لأغلبهم قاعدة فكرية تمثلت فى رؤيتهم النقدية سواء للمجتمع الذى عاشوا فيه , أو عشقهم الأبدى للغة وتحويلها الى رموز عانقت خيالاتهم وأفكارهم على مدى قرون طويلة – أيضا أعشق المذهب الصوفى لما له من قوة تأثير على الروح , وتسخيرها للتأمل باعتناق مبدأ ( الزهد ) – وحقيقة أخترت – ابن عربى , وابن رشد – لأننى أعتقد أن تأثيرهما كان عميقا جدا فى الفكر الأسلامى الحديث , " فالفن تصوف والتصوف فن , التصوف هو رؤية للكون بأن الظاهر يؤدى الى الباطن , والفن من الظاهر الى الباطن "– كما يرى الدكتور : رياض أتلاغ .
كلاديس : الحديث عن الصوفية و الفن له صلة خفية ربما بالحديث عن النشوة بشكل أو آخر . تقول ان ( النشوة الكبرى لا يخلقها داخلك إلا اكتمال لوحة ما ) . هذا القول يدفعني لاسالك مباشرة : هل هذا الحزن التاريخي في روح العربي مرده ( لعدم الانجاز ) أو شلل قدرته على اكمال امر ما .. أو عدم السماح له باكمال أي شيىء !
عادل : أعتقد أن فعل الانتشاء هو فى حد ذاته فعل تحقق , بمعنى أن شعورنا بالنشوة تجاه أي فعل ما – سواء كان هذا الفعل أدبيا أو عمليا , هو تماهى مع هذا الفعل , أي أننا نصبح نحن وذاك الفعل شيئا واحدا , ينبغى أن ندرك حقيقة ( التخصص ) تجاه الأعمال , فمن الممكن ان تكون قمة نشوتى ك فنان هى أ نجاز تلك اللوحة بمعنى أ يجاد شئ أرضى عنه – لأن غالب الأعمال الفنية تظل فى دائرة عدم الأقتناع والرضى بها أحيانا حتى من الفنان نفسه , فنجد مثلا ... أن هناك أعمالا فنية تعجب المتلقيين لكنها فى الأساس لاتعجب الفنان الذى رسم تلك الأعمال الفنية , ولهذا – لايمكن لنا أن نعطى نفس النتائج – للأنسان المتخصص فى علوم الفلك مثلا... فذلك يحتاج الى نتائج تقريبية جدا حتى يستطيع ان يقنعنا بوجهة نظره وحتى يقتنع هو أيضا بانجازه, وأيضا – السياسى – عليه أن يجد حلولا للمشاكل التى تواجهه , - المشكلة فى الانسان العربى – هى فى عدم استمراره فى العمل وأيضا فى عدم استقراره فى مجاله – فتجده – سياسيا فى الصباح , وفنانا وقت الظهيرة , وفى الليل مشجعا لكرة القدم – هناك خلطة بوهيمية يزاولها الانسان العربى على مدى اليوم بكامله , ولهذا تراه يفشل فى أنجاز مابدأه – وكذلك لايمكن لنا أن نهمل قضية ( عدم السماح ... ) – فالمثقف العربى صاحب الرؤية الواضحة واليقينية , أيضا يعانى من سياسة وضع العراقيل .
كلاديس : بالتاكيد .. هناك رقابة التقاليد و القيم و ما لها و ما عليها ...!و لكن الفن تحايل بشكل أو آخر ..اليس كذلك ؟ اذكر انك قلت مرة ( اننا نكذب لكي نعطي فسحة جمالية للوجود حولنا ... النمطية مرعبة ) . بالتاكيد انت لا تتحدث هنا عن البعد الاخلاقي للكذب و إنما الفني . برايك ، كفنان تتعامل مع الالوان و الخامات و المواد الاولية المتعددة ..، ترى أي منها برايك يليق به التعبير عن الحياة بصورتها الكاذبة؟
عادل : قصدت بفعل ( الكذب ) , هو تغيير الصورة النمطية التكرارية التى تشوه بصرنا أحيانا , ( الفن ) قادر على أعطاء نا تلك الحالة – أى أن وجودنا يتغير ويتبدل بوجود – الفن – أعتقد أن ليس هناك صورة كاذبة للحياة أو صورة حقيقة – الحياة هى نفسها – فقط تتنوع وتتغير وتتطور – والحياة مع ( الفن ) أجدى وأمتع – لأنه يسلمنا الى المستقبل ويدعمنا بحالات فكرية تساعدنا على تقبل الوجه القبيح للحياة , ولقد قال الفيلسوف (جون دن) مرة : " أن الكائنات ذوات الطبيعة الأدنى أسيرة الحاضر , أما الانسان فكائن مستقبلى " ولذلك كان لنا (الفن ) بجميع أنماطه وأنساقه المختلفة , ولأن " الفن يقـظة – تنبها مميزا جدا , لكنه واقعى جدا " كما قال ايضا ميشال د يرميه .
كلاديس : نعم ... افهم ماذا تقصد ... ! بالمقابل ، هل تجد اننا متطرفون ، كعرب ، في عموم الأشياء . هل اخترت التجريد كطريقة متطرفة للتعبير عن هذه القناعة ؟
عادل : التجريد ليس تطرفا – ربما تكون معاملتنا مع الآخر ومع أنفسنا فيها شيء من ( التطرف ) ,و لكن ، لايمكن للفن أن يكون تعبيرا عن تطرفا ما – , يبقى التطرف أو التشدد مفهوما فكريا عقليا مرتبطا بمكانة الانسان ومعيشته فى أية ظروف يلقاها – أما بالنسبة ( للفن ) – فسيظل هو العامل الرئيسى لأنتشالنا من دوامة التطرف والتشدد تلك – لأن الفن ينشد التفاعل مع كل الفئات , معبرا عن طموحاتها وأحاسيسها – والتجريد – هو تلك المرحلة التى تبسط أمامنا ( الحرية ) كفعل مقاوم فى وجه الأفكار المظلمة , وأيضا فعل ( تجزيئى ) يستخلص الحالات ويعاود صياغتها برؤية صحيحة من جديد , ولهذا أعتمدت ( التجريد ية) أسلوبا فى تعبيرى أو أنطباعى تجاه واقع الأحداث .
كلاديس : ولكني أرى تطرفا بالنسبة للانثى في لوحاتك مثلا . اقصد انك شبهت المراة في بلدنا بانها ( على الاغلب ، مثالية ، كبقية الايديولوجيات الاخرى ..) . هل ترى جدوى ، كفنان و كانسان ، في التعامل و التعاطي مع النمط المثالي من النساء !! لم المح اية انوثة عابرة ، حقيقية في لوحاتك ..هل هي متوارية وراء الرمز المجرد ؟ هل المثالية تطرفا !
عادل : تبقى المرأة هى هى – سواء كانت مثالية أو غير ذلك – بالنسبة لى – المرأة هى الفن ذاته – والحياة ذاتها – هل يمكن لنا تصور الحياة دون المرأة ؟ بالطبع لا – ولذلك ظلت المرأة داخل لوحاتى ذات أ بعاد ثقافية, ولم تكن ظاهرة شكليا – أجل - أظنها توارت تدريجيا وراء الرمز المجرد !!
كلاديس :اعترف ان الحديث معك يدفعنا من غير قصد للتشعب و الدخول في الكثير من المواضيع ...و لكن خطر لي ان أسألك لأختم هذا الحوار الجميل : ترى ، هل اوقفت لوحة ، خلال التاريخ الطويل للبشرية ، حربا على وشك الاشتعال ؟ برايك ، كم يلزم لفن الرسم لكي يدخل بزخم في طاحونة الأحداث و يغير من اتجاهها كما تفعل بقية الفنون المكتوبة ؟
عادل : حسب اعتقادى ان - الفن يزوال مهنته فى الداخل – وهو كذلك يعبر كثيرا عما يحدث على الأرض – الفن ليس بعيدا عن احداثنا أبدا – المشكلة أننا لا نفهم اللوحة التشكيلية وبالتالى لن نفهم الفن – و لا يلام ا لفن أ و الفنان على ذلك ، بل يلام النقاد وأصحاب الاختصاص. فمثلا ، كم مشروعا نقديا تناول الكم الهائل للمعارض التى تقام داخل صالات العرض , وكم من الأوراق
ا لنقدية ا لتى تناولت أعما ل الفنانين , وقدمتها على أساس أنها ذات رؤية نقدية تصحيحية !؟ ولهذا ، نحتاج لقراءات معمقة وجدية للولوج داخل ا لعمل الفنى , ومحاولة الوقوف على أ صطلاحاته ومفاهيمه. أجل، لايمكن للفن أن يوقف حربا أو يشعلها ! لايمكن أن نتعامل مع الفن بمنطق ( السببية ) أى سبب ما يلزم عنه نتيجة ما , هذا لايمكن فى الفن – الفن رؤية تقدمية مصاحبة لحياة الأنسان الفكرية الشعورية والوجدانية , وهو بالتالى يساعدنا فى فك طلاسم الوجود أحيانا – ولهذا فان اللوحة دائما كانت عامل كشف وتعريه للواقع الذى أنتجت فيه – فنجد مثلا – لوحة الفنان ( بيكاسو ) والمسماة ( جرينيكا ) وهى نسبة الى قرية اسبانية دمرها الديكتاتور فرانكو أبان المقاومة والحرب , فكانت تلك اللوحة بمثابة الصاعقة على ذلك النظام لأنها كشفت حجم المجازر والبشاعة التى ارتكبها , وأيضا الفنان ( ناجى العلى ) فلوحاته كانت معبرة عن همجية العدو الصهيونى وأيضا عن أنهزامية الموقف العربى تجاه قضاياه المصيرية – وهكذا ( الفن ) – دائما وأبدا .... عدوا نحو القادم – فى تأ كيد أحقيته !
08-أيار-2021
07-كانون الأول-2007 | |
04-أيلول-2007 | |
13-أيار-2007 | |
01-نيسان-2007 | |
13-شباط-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |