كنت في بيت لحم الكاتب والباحث
2008-10-29
دعيت من قبل جامعة بيت لحم الى المؤتمر الدولي المتعلق بالأديان، وأساسه هو العلاقات الإسلامية–المسيحية ونظرة إخواننا المسلمون إلى إخوانهم المسيحيين والعكس صحيح أيضا، وقد تناول المؤتمر والذي عقد لمدة ثلاثة أيام متواصلة، الكثير من القضايا المتعلقة بعلاقة المسلمين بإخوانهم المسيحيين، في الدول العربية بشكل عام، وبشكل خاص في المجتمع الفلسطيني.
ما أثار انتباهي في المؤتمر كثيرا، أن جل المتحدثين، تناولوا العلاقات الإسلامية-المسيحية بعمق وبكل تركيز وتمحيص، ولم يتركوا واردة أو شاردة، إلا وحاولوا التطرق إليها، كأثر مناهج التربية والتعليم والإعلام بشكل عام في التأثير على هذه العلاقات وبعض الألفاظ والكلمات المتداولة في المجتمع الفلسطيني بخاصة، التي مجرد لفظها من قبل الأخوة المسلمون يثير الكثير من إخواننا المسيحيين.
تبين لي من خلال تواجدي في المؤتمر، واحتكاكي مع الكثير من إخواننا المسلمين والمسيحيين، خاصة على المستوى الشعبي، أن كلا الجانبين، الإسلامي والمسيحي، يجهل كل منهما الآخر عن أعماق وإبعاد ديانته، وان كانت كلا الديانتين بالمضمون وبالمحصلة الأخيرة، تحث على التسامح والتعاون، واحترام الإنسان لأخيه الإنسان، واحترام المعتقدات الدينية لكل منهما للآخر، وكل الطقوس الدينية لكلا الجانبين أيضا.
حقيقة، عشت في مدينة بيت المقدس لعشرات السنين، وكان جيراننا لعدة سنين خلت، من إخواننا المسيحيين، وكنا دائما على تفاهم كامل معهم، في الجيرة وفي العلاقات الشخصية، سواء على الصعيد الأسري أو على الصعيد الفردي، فكنا متعاونين ومتحابين، ومتفهمين كل منا لحقوق وواجبات الآخر، بحيث لم يصدف ولو لمرة، واحدة أن اختلفنا بقدر الخلافات التي تحدث عادة، بين الجيران بغض النظر عن الانتماء الديني.
أكثر الموضوعات التي نالت اهتمامي وإعجابي في المؤتمر، ما طرحته السيدة فكتوريا، وهي إحدى الأجنبيات المدعوات للمؤتمر، وهي من إحدى الدول الأوروبية، حيث تحدثت عن المسيحية المتصهينة، وكيف تمكن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية من ربط بعض المسيحيين بالصهيونية، من اجل خدمة الأهداف الصهيونية الاستعمارية السياسية المعروفة، وكيف تمكنوا من ربطهم بعقليتهم الصهيونية سياسيا، عبر الضرب على الموضوع الديني المسيحي ومضمون وحقيقة الأديان بشكل عام، وصوروا لهم القضية، وكأنه صراع بين اليهود والمسيحيين من جهة، ضد الديانة الإسلامية والمسلمون من جهة أخرى، وبشكل أكثر تحديدا، وبالمعنى السياسي، ضد الشعب الفلسطيني المناضل.
الحركة الصهيونية، منذ مؤتمرها الأول والمنعقد في بال في سويسرا في العام 1893م بقيادة زعيمهم ومؤسس منظمتهم (تيودور هرتزل)، ولغاية يومنا هذا، تحاول استغلال وتجيير كل تناقض العالم، لمصلحة إقامة الكيان الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. حاول الكثيرون في المؤتمر، التركيز على العلاقات الإسلامية المسيحية والتعمق بها كثيرا، وكأن هناك قضية في المجتمع الفلسطيني مثارة بعمق، وهي علاقة الأخوان المسلمون بإخوانهم المسيحيون، وكأن هذه العلاقة مرشحة للتدهور والتطور والتعمق، إذا لم يوضع لها حل الآن، وحقيقة، لم اسمع عن قضية موضوعية وحدية ذكرت، من قبل المتحدثين توضح أي سلبيات في العلاقة الإسلامية-المسيحية، وذات وجود فعلي ومؤثر، مع أن هذا كله، لا يدل مطلقا على وجود أي حساسية بين الجانبين، لا من جانب المسلمين ولا من جانب المسيحيين، وان كان هناك تحسس بعض الشيء، فقد يكون بين بعض الجهلة والمتعصبين دينيا من عامة الناس، من لا يفهم طبيعة الأديان، وجوهرها وأهدافها السامية، فالدين المسيحي يقول:(من ضربك على خدك الأيمن، فدر له خدك الأيسر). وأيضا في الإسلام يقولون:(أن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده).
ما يثير حساسية إخواننا المسيحيون، من بعض الأخوة المسلمين عند سماعهم ما يقال عنهم، بأنهم (كفرة)، أو أنهم من أهل الذمة، أو أنهم من الصليبيين، كما يثيرهم أيضا سماعهم أن الدين الإسلامي ينفي صلب السيد المسيح وقتله، وفقا لما جاء في كتاب القرآن الكريم، حيث يقول القرآن الكريم في هذا المجال:(وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم)، كما يثيرهم أيضا القول، أن كتابي التوراة والإنجيل محرفين من قبل أتباعهم وحسب أهوائهم، وهما ليس الكتابين الأصليين المنزلين من عند الله سبحانه وتعالى.
ما يثير حساسية إخواننا المسلمون من إخوانهم المسيحيون عند سماعهم منهم قولهم أن السيد المسيح عيسى بن مريم-عليه السلام-هو الله أو هو بن الله، لأن القرآن الكريم واضح في هذا المجال، حيث يقول في سورة الصمد:(كل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد)، كما يثيرهم أيضا عدم اعتراف بعض الأخوة المسيحيين بسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وتجاهلهم له، والبعض أيضا قد يصف المسلمين بالإرهابيين خاصة على ضوء التصعيد الإرهابي عالميا حاليا، والذي لا يمت للدين الإسلامي أو المسلمين أساسا بصلة، وهذا حقيقة، يتنافى مع المفهوم الديني الإسلامي وسماحته، ومضمونه وجوهره، كما يثير المسلمين أيضا طلب يعض المؤسسات التعليمية المسيحية من بعض الشابات المسلمات، بعدم لبس الحجاب، والتقيد بلبس اللباس الموحد للمؤسسة التعليمية التي يتعلمون بها.
من المستفيد حقيقة، من إظهار ونبش هذه التناقضات والاختلافات بين الديانتين: الإسلامية والمسيحية ؟؟؟؟ أليس هم اليهود الصهاينة وحدهم، أليس من مصلحة اليهود الصهاينة تعميق هذا التناقض وإثارته، والوصول به إلى حد الصراع الدموي، حتى يصبح الصراع فلسطينيا-فلسطينيا، بدل من أن يكون فلسطينيا صهيونيا؟؟؟ كما حدث بين الأقباط المسيحيين وبين المسلمين في مصر ؟؟ وكما حدث في العراق الشقيق في مدينة الموصل، منذ مدة قصيرة، من قبل جماعات مسلحة، تدعي انتمائها للدين الإسلامي واعتدائها على بعض العائلات المسيحية في الموصل، وطردهم من بيوتهم وممتلكاتهم.
المجتمعات العربية بمسلميها ومسيحييها، أمامهم صراعات وتحديات أهم بكثير مما بينهم من اختلافات دينية شكلية غير مؤثرة، فهم كلاهما أمام صراعات وتحديات ضد التخلف والجهل، وضد الفقر والمرض، ومن اجل تسريع وتيرة اللحاق بركب الدول المتطورة والمتقدمة صناعيا واقتصاديا، وتحديات تنمية وبناء الوطن وتخليصه من العدو الصهيوني الجاثم على بعض أراضيهم ومدنهم وقراهم في فلسطين والجولان. فلمصلحة من إثارة هذه النعرات الدينية؟؟؟؟ التي لن تجدي نفعا لكليهما، ولا تجلب لهم إلا القتل والدمار.
بعد انتهاء مؤتمر جامعة بيت لحم، والمتعلق بالديانتين الإسلامية والمسيحية، قررت القيام بسياحة داخلية لمدينة بيت لحم المقدسة، حيث لم أقم بزيارتها والتعرف عليها منذ مدة طويلة جدا، خاصة وأنني كفلسطيني، واجب علي، معرفة طبيعة بلدي وما تحتويه من مقدسات دينية وأثرية، و حقيقة لا اعرف الثروة الدينية السياحية التي تتضمنها بلادنا، مهبط الديانات السماوية، حيث يأتيها السواح من شتى بقاع الأرض، للتعرف على معالمها وأماكنها المقدسة، بشقيها الإسلامي والمسيحي، والتعبد بها.
اتفقت مع احد السائقين، من سكان مدينة بيت لحم، ذوي الخبرة الكافية بمعالم المدينة، على أن يأخذني بجولة استطلاعية لكل معالم مدينة بيت لحم السياحية والمحيطة بها، ولمدة نهار كامل، وفعلا فقد قمت بزيارة كافة أرجاء المدينة المقدسة، وكنائسها وأديرتها والمواقع الهامة فيها، كما زرنا مدينة بيت جالا وبيت ساحور والدوحة وارطاس وغيرها من المواقع والقرى المحيطة والقريبة من المحافظة، وقد سرني وراعني كثيرا أبنية الكنائس المنتشرة في العديد من البلدات الفلسطينية، والتي يقطنها في معظمها إخواننا المسيحيون، وهذه الكنائس، تكون عادة قريبة من أماكن سكناهم، كي تسهل وصول كبار السن منهم والمرضى والضعفاء، لأداء صلواتهم، وحقيقة، هذه الكنائس كانت تتصف بالجمال الأخاذ، ووجودها بالمنطقة، يضفي على المنطقة جمالا خاصا، وقد دخلنا في معظم هذه الكنائس، وأماكن التعبد بها، وقد راعنا جمالها ونظافتها وتنسيق الحدائق المحيطة بها، وجمالها وزينتها من الداخل، وأيضا، ما استرعى انتباهنا عند دخولنا إلى أماكن التعبد بها، أننا لم نر أي شخص موجود بها من إخواننا المسيحيين، ولم يسألنا أحدا عن سبب مجيئنا وتجوالنا، وما إذا كان لنا هدفا أو مأربا خاصا، مع أن هناك أشياء ثمينة جدا ومناظر منسقة، يمكن لأي زائر جاهل، أن يسيء التصرف، وتحدث ما لا يحمد عقباه، المثير في الأمر أيضا، ما سمعته من بعض إخواننا المسيحيين، بان الجهات المعنية والمختصة، تمنع بناء الكنائس إلا بشكل مقنن، وحقيقة، قد تساءلت لماذا هذا المنع؟؟؟ لو كان صحيحا، خاصة، إذا كان هذا البناء يخدم إخواننا المسيحيين، وكون بناء الكنائس وبناء العمران بشكل عام، ذو قيمة حضارية وعمرانية، ولا اعتقد بناء كنسية عند كل مسجد إذا كان فيه خدمة جلية وواضحة لإخواننا المسيحيين يضير المسلمون في شيء.
أخيرا ذهبنا لزيارة كنيسة مهد السيد المسيح، حيث ولد، حيث بنى هذا المكان المقدس القديسة (هيلانة) والدة إمبراطور الرومان (قسنطين)، وكان المكان غاصا بالسواح الأجانب، من جميع أرجاء المعمورة، واعتقد بأنهم في زيارة دينية وثقافية لمدينة بيت لحم.
ما لفت انتباهي كثيرا في ساحة المهد، وجود احد مساجد المسلمين، وعلى بعد عشرات الأمتار من كنيسة المهد، وقد صادف وجودنا بالمنطقة، موعد آذان العصر، حيث نودي لصلاة العصر، وأم المسجد الكثير من المسلمين المتواجدين بالمنطقة، لأداء الصلاة، فكان منظرا رائعا وجميلا جدا، لم نلمس أي حساسية من أحد، لا من قريب ولا من بعيد، من أي مواطن في المنطقة، وكان هذا أسمى معاني التسامح والاحترام والتآلف والود والانسجام، الذي يجمع المسلمين بإخوانهم المسيحيين، وحقيقة هذه الصورة، صورة مشرفة وواضحة للعالم اجمع، عن التآلف الإسلامي-المسيحي، والانسجام القائم بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذه الصورة تعبر بصدق وبحق، عن تعايش الديانتين: الإسلامية والمسيحية، وهي كانت كذلك عبر مئات السنين، فمن لديه أجمل من هذه الصورة، لتسامح الأديان، وهذا مؤشر واضح للمشككين بوجود تناقض أو صراع بين الديانتين الإسلامية والمسيحية أو حتى بين إتباعهم.
08-أيار-2021
10-تشرين الثاني-2008 | |
29-تشرين الأول-2008 | |
22-حزيران-2008 | |
قراءة بين السطور / في قصة (الأوبة) للكاتبة والأديبة السعودية وردة الصولي |
18-حزيران-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |