التشهير بالمرأة مستمر!
2008-11-22
التشهير بالمرأة مستمر!
أعتقد أن أضخم قضية قدح وذم وتشهير في التاريخ هي تلك التي يمارسها المجتمع البشري الذكوري ضد النساء. صحيح أنه لا أحد يعرف متى بدأت هذه القضية، لكنني ارجح أن تكون قد بدأت مع انزياح السلطة من يد المرأة الى يد الرجل. ففي جل المجتمعات القديمة كانت المرأة هي عماد الأسرة، وصاحبة القرار في استمرار الزواج من عدمه. وهذا ينطبق على مجتمعات منطقتنا أيضاً، فقد جاء في كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي قوله: «وكانت النساء يُطَلِّقْنَ الرجال في الجاهلية وكان طلاقهن أن يَكُنَّ في بيوت من شعر، فإن كان باب البيت من قِبَل المشرق حوَّلته ـ المرأة ـ إلى المغرب، وإن كان من قبل المغرب حولته إلى المشرق، وإن كان من قبل اليمن حولته الى الشام، وإن كان من قبل الشام حولته إلى اليمن، فإذا رأى الرجل ذلك علم أنها طَلَّقَتْهُ، فلم يأتها».
ومن القصص المشهورة التي تؤكد مكانة المرأة قصة حاتم الطائي يوم طلقته زوجته ماوية بنت عفير، بأن «حوَّلت له باب الخباء» بسبب لومها له على إتلاف المال، في إكرام الضيوف خشية أن يترك أولاده عالة على قومها. لكنها رجعت عن قرارها عندما تبين لها بخل ابن عمها الذي وعدها بالزواج إن هي طلقت حاتماً.
تتجلى قضية القدح والذم والتشهير التي يمارسها المجتمع البشري ضد النصف المؤنث منه،في الموقف من المرأة، فحينما يرتكب الرجل حماقة كبرى، يقولون: ما أغباه من رجل وما أشد بلاهته. لكن حين ترتكب المرأة حماقة ما، يقولون: ما أشد حماقة النساء وما أغباهن! أما عندما تتفوق امرأة ما في موقف ما فيتم حصر الفضل فيها ويتم عزلها عن بنات جنسها. وقد تفنن الرجال في هجاء المرأة في أربعة أركان الدنيا، وقالوا فيها أمثالاً تختلف من حيث الصياغة لكنها تكاد تتشابه من حيث التوجه، فالمثل الياباني يقول: «الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة»، وفي هذا محاولة لإلصاق الشر بالمرأة، رغم أن أكبر الشرور التي اقترفها الإنسان عبر التاريخ هي من فعل الرجال.
بعض الناس يعتقدون أن أوروبا هي جنة المرأة، لكن هؤلاء لايعلمون أن المرأة السورية قد حصلت على حق الترشيح والانتخاب قبل نساء عدد لا بأس به من البلدان الأوروبية، صحيح أن الفرنسيين لايقسون كثيراً على المرأة في أمثالهم، فهم يوزعون المسؤولية على الأطراف المختلفة عندما يقولون: «الرجل هو النار والمرأة هى الحطب وابليس هو الهواء»، لكن التشيكيين يحذرون من الاستناد إلى المرأة والجدار المائل وهم يعتقدون أن «المرأة الجميلة تحتاج الى ثلاتة أزواج واحد ليدفع ديونها وواحد لتحبه وواحد ليضربها»! المصريون لايختلفون كثيراً فهم يتهمون بنات حوّاء بأنهن «زي القطط بياكلوا وبينكروا» كما يصفون المرأة بالازدواجية «فى الشارع عروسة وفى البيت جاموسة» لكنهم يقدرون دورها في الذود عن الأسرة: «إن كان الرجل بحر تكون المرأة جسر».
الرجال الإنجليز يلقون بجل مشاكلهم على المرأة فهم يرون أن «المرأة القبيحة مرض للمعدة والمرأة الجميلة وجع للرأس». أما الرجال الإيرلنديون فيرون أن المرأة غير قابلة للفهم: «هناك ثلاثة انواع من الرجال لا يفهمون المرأة الشباب والشيوخ والكهول»! أما رجال بلاد اليونان الذين اشتهروا بحكمتهم فهم ينحازون لذكورتهم عندما يتعلق الأمر بالمرأة فهم يقولون: «وعود المرأة تكتب على صفحات الماء» وأنا أقول لهم ولمن ينتصر لرأيهم إن وعود الرجال قد لا تكتب! وإن كتبت فقد لاتنفذ أبداً! الرجال الصينيون يعتقدون أن «النساء كالحكام قلما يجدن أصدقاء مخلصين». ولعل العلة في أفراد الرعية خاصة إذا كانت تغلب عليهم الانتهازية. الرجل البلغاري ينصح زميله بقوله: «لا تثق بشمس الشتاء ولا بقلب المرأة»، ومثلنا الشعبي ينتصر للمرأة إذ يقول: من تأمن للرجال كمن تضع الماء في الغربال. وهذا تمييز عكسي ضد الرجال.
السويديون الحكماء ينتصورن للمرأة إذ يقولون: «قلب المرأة يرى أكثر من عيون عشرة رجال». الصينيون لايقلون تحالفاً ضد المرأة عن سواهم، فالرجل الصيني يقول لزميله: «احذر النساء سيئات السيرة، أما سائر النساء فلا تثق بهن». لكن المثل الصيني ينصف المرأة أكثر من جل أمثال البلدان الأخرى إذ يقول: «المرأة أكثر عفافاً من الرجل، لأن الرجل إذا زنى اعتبر ذلك انتصاراً، أما المرأة فتعتبره انكساراً».
المؤسف في الأمر هو أن عملية التشهير ضد المرأة مستمرة وقد أسهم فيها على مر التاريخ الكثير من الفلاسفة والعقلاء الذين يزعمون أنهم من دعاة الإنصاف فالفيلسوف الألماني شوبنهاور الذي يرى أن إرادة الإنسان اللاعقلانية العمياء، وليس العقل، هي التي تقرر معظم ما نفعله خلال حياتنا؛ وبأن مطالب هذه الإرادة لا تشبع، ومن هنا كان مقدرا على الفرد أن يحيا في قلق وألم وفي صراع مدمر مع إرادات الآخرين؛ وبأنه لا سبيل إلى الخلاص من هذا الوضع إلا بإنكار الذات، ولايخفي انحيازه ضد المرأة، فهو رغم دعوته لإنكار الذات يرى أن «الحب وردة والمرأة شوكتها». والحق أنني لم أستطع أن أفهم كيف يمكن للمرأة أن تكون شريكة الحب وشوكته في آن معاً. ولعل قول (نيتشه) هو الأقرب للمنطق وللإنصاف، يقول نيتشه: «المرأة لغز، مفتاحه كلمة واحدة هي: الحب».
ولعل نيتشه في هذا يساير دوبريه في قوله: «الرجال يموتون من الحب، والنساء يحيين به». كما يتناغم مع قول مدام دو ستايل: «الحب هو تاريخ المرأة وليس إلا حادثاً عابراً في حياة الرجل».
على مر التاريخ دأب الرجال على ممارسة التمييز ضد المرأة حتى في القوانين فقد سمح القانون الاجتماعي أيام الإمبراطور الفرنسي نابوليون للرجل بطلب الطلاق إذا شك، مجرد شك، في أنّ زوجته تخونه، بينما لم يكن يحق للزوجة المطالبة بالطلاق الا اذا أسكن الزوج عشيقته معها في المنزل نفسه!
وهذا التمييز الجائر أمام القانون مايزال سارياً في كثير من البلدان فالمرأة ماتزال تتهم بالخيانة وينزل بها العقاب حتى عندما يمارس القهر عليها وتتعرض للاغتصاب!
جل رجال العالم يروجون أن الخيانة هي السمة الغالبة على المرأة رغم أن الإحصاءات التي أجريت مؤخراً أثبتت أن 24 في المئة من الرجال المتزوجين يعترفون بأنهم خانوا زوجاتهم مرة على الأقل خلال زواجهم، فيما المتزوجات قمن بالخيانة بنسبة 14 في المئة فقط.
لقد آن الأوان لوقف التمييز ضد المرأة بحجج لا أساس لها، فالمرأة ليست شيطاناً متقن الصنع كما يحلو لذوي العقول الملتوية، بل هي إنسان نبيل، ولو جردنا المرأة من كل شيء لكفاها شرف الأمومة، لذا أود أن أستغل هذه الفرصة كي أتمنى على ابني وكل شباب الدنيا بأن يعملوا بكلمات العبقري هوميروس:
«إذا أردت أن تتخذ فتاة من الفتيات زوجة لك، فكن لها أباً وأماً وأخاً ، لأن التي تترك أباها وأمها وأخوتها لكي تتبعك، يكون من حقها عليك أن تري فيك رأفة الأب وحنان الأم».
تشرين 20/11/2008
08-أيار-2021
22-تشرين الثاني-2008 | |
زياد رحباني : السلفية والفن الهابط مركزهما واحد وهما من إنتاج جهة واحدة ج2 |
25-آب-2008 |
زياد رحباني : الغرب يصنع موسيقا بالنيابة عنا ويصدرها للعالم باسمنا ج1 |
24-آب-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |