أزمة البحث عن نص : العقلية التلقينية والعقلية الإبداعية
محمود الزهيري
2007-01-06
من المعلوم من الدين بالضرورة بل ومن أبسط البديهيات أن النصوص الدينية المقدسة نصوص متناهية في العدد وفي الوقائع التي نزلت من أجلها النصوص الدينية لمعالجة أزمة أو مشكلة أصبح لها وجود فارض ذاته علي المجتمع الذي نزل فيه النص الديني المقدس فارضاً ذاته وواجداً الحل الأمثل للمشكلة أو الأزمة التي من أجلها كان من لزومياتها وجود النص الديني صاحب القداسة العليا في التطبيق والإمتثال له فيما يأمر به أو ينهي عنه حسب ملابسات وظرفية المشكلة أو الأزمة الكائنة بمجتمع النص .
ولما كانت النصوص متناهية في عددها وفي ظرفية وتاريخية وجود وقائعها فلذا دائماً مايلجأ أنصار الحلول الدينية الجاهزة لكافة المشاكل والأزمات التي تواجههم في حياتهم الدنيا وفي معاشهم إلي البحث عن نص ديني يحتمي به أنصار الحلول الجاهزة وذلك حتي يريح ويستريمن مشقة وعناء إعمال العقل والتفكيرفي المشاكل الناهضة في مجتمع من المجتمعات , ومع ذلك توجد الأزمة وتستمر في محاولة وكأنها تشبه في ظاهرهاً تحدياً للنص الديني المقدس الذي أراد له أنصار الحلول الدينية الجاهزة التطويع لحل جميع المشاكل في كل الجغرافيات الأرضية وكل الأزمنة التاريخية من باب أن الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وكأن الشريعة الإسلامية هي جملة أو مجموعة من النصوص الدينية الصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان فقط من خلال النصوص الدينية المقدسة المحصورة في عدد محدد ووقائع معينة بذاتها يمكن القياس عليها في بعضها من خلال الوقائع المتماثلة والمتشابهة , ونصوص أخري ذات وقائع محددة ومعينة بذاتها لايمكن القياس عليها أو لايمكن إحداث نوع من المماثلة أو المطابقة عليها من ناحية الوقائع التاريخية التي عالجها النص الديني المقدس وتجمدت عن حدود تلك المشكلة أو الأزمة , ناهيك عن نسيان أو تناسي بعض الأزمات العصرية والمستحدثة التي فرضت نفسها علي الواقع الإجتماعي / الإنساني في صورة تساؤلات ملحة تبحث لها عن إجابات لدي المختصين من أهل العلم والطب والإقتصاد وخبراء الإستراتيجيات العسكرية الحديثة , إلا أن أصحاب الحلول الدينية الجاهزة دائماً مايعجزون عن إيجاد الحل ويتم إتهام البعض بالعجز والقصور عن إيجاد النص الديني الملائم حتي يتم إنزاله علي الواقعة الإنسانية / الإجتماعية في أبوابها المتعددة ويتهم العقل البشري بالقصور والعجز عن إستخراج النص المقدس أو حتي حل من ضمن الحلول الواردة في كتب التراث الديني من أراء الفقهاء والمفسرين والمحدثين وغيرهم من أهل الرواية وأهل الفقه والحديث والتفسير.
أين الأزمة ؟
أزمة البحث عن نص ديني يحتمي به أصحاب الحلول الدينية الجاهزة تكمن في العقليات المأسورة داخل الماضي البعيد عن أرض الواقع بما يحمله من مستجدات علمية وحضارية مستحدثة مع تمسكها بتلابيب النصوص الدينية دون وعي أو فهم أو إدراك لدرجة أنهم لايستشعرون بحجم الأزمة التي يصنعوها للنص الديني المقدس مظهرين النص في حالة عجز وقصور عن أداء الدور المطلوب منه أو المنوط القيام به من خلال فهم مايرمي إليه النص الديني المقدس , جاعلين النص في حالة أسر تام وتكبيله بالقيود والأغلال مانعين إياه من القدرة عن مغادرة الجغرافيا والبيئة التي وجد فيها النص الديني المقدس لدرجة أنه يصبح له تاريخية واقعية عاجزة عن الذهاب إلي الواقع أو إستشراف آفاق المستقبل بما يحمله الحاضر من مستجدات وما قد يحمله المستقبل من مضادات للنص الديني !!
والأزمة تكمن في العقلية التلقينية التي تعودت علي التلقين والأخذ عن الغير والتي تقوم بدور التلميذ الذي مازال في طور الطفولة الدينية التي لم تجبل علي الفطام حتي نهاية الحياة وإن وصل إلي أرذل العمر أو بلغ من الكبر عتياً , هذه العقول التي تربت علي مائدة المشايخ بما تحمله من وجوبية السمع والطاعة للشيخ أو المعلم سواء كان من أهل الفقه أو التفسير أو الحديث أو العقائد , فلايمكن لأي عقلية تعودت وتربت علي اسلوبية الأخذ عن الغير والبحث في كتب السابقين سواء كانوا من الخلف أو السلف أو المحدثين , والذين حصروا أنفسهم في إطار الفقه الديني وعزلوا أنفسهم عن فقه الحياة الدنيا بما يحمله من علوم وفنون وآداب ورياضيات مروراً علي الطب والهندسة والصيدلة والقانون والحفريات وعلوم البحار وعلوم الفضاء وعلوم الطاقة الذرية والنووية والصناعات الحربية والعسكرية إلي العديد من فروع العلم والمعرفة اللانهائية والتي تصطدم قضاياها مع النصوص الدينية التي يجهلها من يعتقد أنهم يفهمومنها من خلال إسقاطهم للنصوص الدينية علي قضايا العلم والطب والصيدلة والهندسة في حين أنها علوم مدنية صرفة ويريد أصحاب العقلية التلقينية التي تربت علي السمع والطاعة أن يكون لهم رأي نافذ في قضايا العلم والطب بإسم الدين ويريدوا أن يجعلوا النصوص الدينية حاكمة لكل القضايا العلمية .
والمشكلة تكمن في أن أصحاب العقلية الدينية التلقينية تجدهم منعدمي المواهب والقدرات العقلية والبدنية فهم مشغولون بقضايا فرعية وليس لها أساس في التحضر والتقدم ورقي المجتمعات وباحثين عن النصوص التي تحث علي العبادات والطاعات فقط دونما عقل أو تفكير في النصوص التي تحض علي العلم والعمل والتي تعلي من شأن قيم التسامح والحرية والعدل والمساواة والمؤاخاة بين البشر , بل تجد هذه العقليات التلقينية تبحث عن نصوص الحرب والقتال والجهاد وتقسيم العالم إلي معسكرين معسكر للكفر ومعسكر للإيمان وحينما يتحدثوا عن الجهاد تجدهم يتشنجون مدعين أنهم هم أصحاب الحقيقة المطلقة وأنهم أصحاب القوامة والولاية علي العالم أجمع وأنهم يستحقوا أن يكونوا أساتذة العالم وقادته ورواده في العلم والحضارة والتقدم ولكن بتخليهم عن الدين وتمسكهم بتلابيبه أصبحوا اذلاء مهانين من العالم أجمع !!
ولا أدري ما دهاكم أيها القوم أن تكونوا أساتذة للعالم في الحضارة والعلم والتقدم , وفي الطب والصيدلة والعمارة والهندسة وفي القوة والسلاح والغذاء والدواء ؟
لماذا تستوردوا كل حاجياتكم الدينية قبل المعيشية من بلاد الكفار والشرك والذين تدعوا عليهم بالهلاك والدمار والفناء , وتدعوا الله في صلواتكم أن يجعلهم هم وأولادهم ونسائهم غنيمة لكم أيها البلهاء المعتوهين المجانين ؟!!
الأزمة في هذه العقليات الخربة التي أضاعت المفاهيم الصحيحة للدين وأهالت عليها ركام النرجسية والعنصرية والفصام بينها وبين الواقع المعاش لدرجة أن أوجدوا حالات عديدة من الخصام بين النصوص الدينية وبين الواقع مما أظهر النص الديني في حالة القصور والعجز عن مسايرة مستجدات العلم والحضارة , واغرقوا أنفسهم فيما يسمي با لإلهيات والسمعيات والعقائد وتصنيف البشر إلي مؤمنين وكفار ومشركين وعباد شجر وحجر , وخلقوا حالات عديدة من حالات العداء بين البشر بسبب الدين معتقدين أنهم يمتلكون مفاتيح الجنة ومفاتيح النار وكأنهم لهم الوصاية والقوامة علي البشر .
ومن هنا نجد أن أصحاب العقلية الإبداعية ليس مجالها بين أصحاب العقليات الخربة التي دائماً بغبائها وقصورها العقلي دائماً ما تبحث عن نص تحتمي به في حين أن النص جاء ليحرر العقل من أسار النص !!
فأين توجد العقلية الإبداعية الملهمة بالفهم والوعي والتعقل والتدبر وإدراك مستجدات الحاضر وإستشراف متطلبات المستقبل حتي ينتفي عن النص خصامه مع الواقع ومتطلبات العصر ؟؟!!