رائعة خوسيه ساراماجو " العَمَى " : فضيحة العُتمة الإنسانيّة
2008-12-09
ماذا لو فعلاً أصيب العالم بداء " العمى " المؤقّت ؟ ستبدو هكذا الحياة عارية من أفعالنا ، بريئة من خرابنا ، تمارس صعلكتها وهي تسخر من تكنولوجيا البشر ، ماذا يمكنها أن تقدم أمام قدر كهذا ..؟
تقودنا التساؤلات إلى سينما الشام تحديداً في الصالة الثانية ، مساء الأربعاء الخامس من الشهر الجاري ، وللدّقة ضمن تظاهرة البرنامج الرسمي (O.P) ،على صعيد فعاليات مهرجان دمشق السينمائي السادس عشر ، قدم المخرج البرازيلي (فيرناندو ميريليس) رائعة الكاتب البرتغالي (خوسيه ساراماجو) " العمى " ، هذا العمل الروائي الذي دعم صاحبه بلقب جائزة نوبل للآداب عام 1998 ، حيث عبقرية السرد تفرض جماليتها في الفلم نفسه وأكثر روعة في الرواية مع (ميريلس) الحاصل على أربع جوائز أوسكار عام 2004 عن فلمه (مدينةالله) الذي لاقة شهرة واسعة وعالمية عريضة كواحد من أهم الأسماء في الإخراج السينمائي.
تدور أحداث الفلم ( الرواية ) عن داء فقد البصر " العمى " الذي يصيب مدينة بأكملها ، تبدأ فجأة تلك الظاهرة الكارثية تماماً عند إشارة المرور حيث تقف السيارة في وسط زحام المدينة من ناس وسيارات وضجيج دون حراك ، وصاحبها ولا يستطيع الرؤية ، ثم يتطوع أحد العابرين لتوصيله إلى منزله ، فإنه يتركه في الشارع أمام بيتها ويفرّ هارباً بالسيارة ،يقف الرجل الأعمى وسط الشارع الذي من المفروض أن يقطعه ،كي يصل لبيته ، أيضاً يتطوع أحدهم ليقطعه الشارع ، ثم كل من لمس الرجل الأعمى يصاب بنفس الداء ،يصبح الرجل الذي سرقا السيارة أعمى ، والرجل الذي عدّاه الشارع أعمى أيضاً ، وزوجة الرجل الأعمى تصاب أيضاً ، وهكذا ينتقل الداء إلى المدينة كلها ، باستثناء امرأة واحدة هي السليمة ، زوجة طبيب العيون الذي فحص الرجل المصاب الأول ، فانتقلت العدوة أيضاً له ، لكن ثمة سرّ واحد هو أن تتحمل أنثى واحد مبصرة عبئ مدينة كاملة عمياء ،لتتبين لنا كم هو عظيم شأن المرأة في مواقف عظيمة كهذه ، لعبة دور البطولة لهذه الشخصية النجمة الأمريكية ( جوليان مور) كما شاركها البطولة أيضا ً كوكبة من النجوم نذكر منهم : (مارك روفالو.، داني غلوفر والنجم المكسيكي غييل غارسيا بيرنال .)
يتجاوز فلم ( العمى ) كونه عاهة جسدية ، إنما يرمز إلى الجانب المعتم والسلبي من الطبيعة الإنسانية ، وتجسيد جانب من وضاعتها وعنفها وأنانيتها التي تصل حدّ الاعتداء على الأخر وإلحاق الأذى به .
الرواية مستوحاة من الوضع المأساوي الذي عاشته البشرية في القرن العشرين ، تصور المجتمع البشري وقد دمرته النزعات السلبية للكائن الإنساني وشروره المتفاقم.
إن عدد من النقّاد يرون أن السبب الأساس في رفض الروائي البرتغالي ساراماجو لإدخال تعديلات تساعد على اخراج رائعته هذه على الشاشة الفضية ربما قد يعود الى الحذر الشديد من أن تتحول الرواية الى فيلم تتشابه أجواءه مع الافلام التي تدور حول نهاية العالم .
ولا يغب عنا أن العمل الروائي هذا ( العمى ) طبع عام 1995 ، حيث كتب بأسلوب بارع ، خالي من الثرثرة ، وللأمانة أن شهرة هذا العمل وأهميته تنطلق من موهبة ساراماجو نفسه ، لا من تقنيات الإخراج السينمائي ، هذا يؤكد أن الأدب لعبة خيال حتى اللانهاية ، لأن أيام ساراماجو لم يكن ثمة تخديم لعقلية المشاهد ، فكان خياله شهادة رائعة وفخريّة تشرّف نوبل والعالم والسينما ، إذا ً إضافة البرازيلي فرناندو مريلسلهذا العمل إلى رصيده هو بمثابة ذكاء نادر ، يحفّز العالم على التحدّي لاختراق دوائر التكرار وصنع فنّ يخدم هذه الحياة التي تنتظرنا بلا شوائب بلا تلوث ،نقاء طافح بأرواحنا يربطنا بعلاقة حبّ مع الأشياء، هكذا هو حلم العبقريات الفنيّة العملاقة .
يجدر بالذكر أنّ خاتمة الفيلم كانت قنبلة دهشة أذهلت المتابعين في الصالة، أيّ بعد أن أصيبت المدينة كلها كما أشرنا سابقاً ،وانتشرت الفوضى ، والقمامة عارمة تشكل صورة المدينة ، كلاب تنهش جثث الميتين من الجوع ، لا كهرباء لاسيارات لا حركة سوى ناس يتسكعون تسبقهم أياديهم للمس الأشياء مما يدل على عماء كامل ، روحي ونفسي ، حيونية هائلة تستيقظ بغرائزهم ، إلا تلك المرأة التي كانت تحدّث الرجل المصاب الأول بالداء في مطبخ بيتها ، فقال : (لها أنا أراكِ .. أنا أرى العالم ..ماذا حصل .. ماأجمل الألوان والأشياء .. ماأجمل الدنيا ..) وهكذا تستعيد المدينة بصيرتها حسب ترتيب إصابة كل واحد بوباء العمى .. أي بحسب الفترة الزمنية التي قضاه الأول يحتم على الباقي الخضوع لها كي يستعيدوا بصرهم وينظفوا إنسانيتهم بطريقة معقم بالحب والعدل!!
عمر الشيخ
08-أيار-2021
23-كانون الثاني-2021 | |
28-آذار-2020 | |
28-آذار-2020 | |
02-شباط-2019 | |
رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي |
06-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |