( لمعُ سراب ) لـ " عابد إسماعيل " أصوات حادّة للدّهشة
2008-12-20
بعد مجموعة (ساعة رمل ) عام 2003 يصدر الشاعر عابد إسماعيل مجموعته الخامسة (لمع سراب) عن دار التكوين بدمشق - 2008 .
حيث يفرد الشاعر82 مقطعاً شعرياً تطفح بالصور المدويّة و الخصوصية المدهشة على طول صفحات الكتاب أي ما يقارب مئة وستة وخمسون صفحة ،وهذا يعتبر نتاجاً ضخماً مقارنةً مع تجاربه السابقة أي منذ خمس سنوات ، عدا عن ذلك فهو له تجارب مهمة وكثير بالترجمة تحتاج لزاويا خاصة لتناول تلك التجربة المهمة .
في مقدمة المجموعة ثمة حالات تعصف الشعر كبريق ٍ متألق ٍ ، كما لو أنها مفتاح برمجي يهيئ العاطفة والروح لتلقي مشاهد من تأريخ اللحظة بحرفية رقيقة كقوله :
( لا مرئي أنا مثل ريح تهب / أو سماء تسقط في الكأس )ص 11
وحيث تسلم إحساسك لزوابع الكلمات ، ينساب الذهول من رائحةِ خواتم المقاطع ليترك صرخةً صدى في قاع قلبك .
الدخول إلى الشعر في هذا الكتاب ليس مرئيا ً فبمجر تمتمت كلمة (صوت ) ستشعر بأن ذاك الشيء ينشطر من خيالك مرسوما ًبمزاج شاعرٍ اعتاد الكتابة بمشرطٍ طازج على ماء العاطفة، تتنقل من مقطع لأخر دون أن تدرك سقوطك شيئا ً فشيئا ً في شلالات من الأنين والذاكرة تجرّ البحر والاستغراب إلى عينيك المتتبعة تلك الأغاني ، بهسيسٍ يستحضر الكواكب واصطدام النيازك، ومداعبات الشمس لغفوات النجوم عند الفجر هكذا تتلاشى روحك بين الأفقين ، تقطّر رعشتك ،وتفتّح رئتيك بزخاتٍ من اللّذة، التحليق لأكثر مما يتخيل الخيال يقودك هذا المقطع:
(لا تضغط بعينيك على القصيدة /تقعان على الصفحة /لا تضع الإكليل على القبر /تنحني روحك/../لا،لا تحدق طويلا ً/ بالسماء الزرقاء/ قد ينبت لك جناحين / وتطير ..) ص 39-38 .
في ( لمع سراب) وراء نهايات الخيال ، تطلّ براعة (عابد إسماعيل) في اشتغالات الصورة ، حيث العدسة الديجتال القائمة في قعر العاطفة ، مكونة من مدارات فوق البنفسجية تشكل بحركةٍ سريعة متسعة ، فضاءات توزع الصورة بأكملها على إحساس القارئ ، لعبة ُ لغةٍ نادرة لصعوبتها ولشدة خبرتها في المكاشفة الشعرية ، مقاربات لاسعة تنتفض بتهكم بارع ،
أحياناً تصل لنهايات مهددة مسدودة و أنت تنتقل من مقطع لآخر، شقوق على جدار التذوق ، تشعّ سكة ً مذهبة يحلو الرقص عليه دون أن تدرك (زمّور) قطار النشوة وهو يجتاحك بخجل ، أصوت كثيرة أشبه بمعزوفةِ نايٍ صيني بين أنفاس الغيوم .
ما يخططه صاحب ( لن اكلم العاصفة ) من إيقاعات متتالية في تلك الصرخات هي (ثيمات) حدثوية شاعرية بامتياز ، لها من الفلسفة الشيء البسيط والضروري ، ومن الانفجارات الشيء الإنساني ،وهذا الأخير هو ما كونته الصورة الأشمل لـ(لمع سراب ).
(الأخضر /مزاج الشجرة /الأرجواني / ضمير الغروب /الأزرق حلم طائر ٍ / يهوي / ميتا ً على شرفتك َ ../ ) ص 83 .
هكذا مثلا ً يوظف أدوات حزنه ،وحده تماماً ، يداعب الألوان ، يسميها غير اسم ٍ لئلا يشعر بالوحدة والملل ، يلونها من جديد بالحياة والشعر ، يجعلها تتكلم ، يجعله تصدر صوتاً ..ربّما .
( صوت ) عنوانٌ موحّد ، يصخب بمقاطعه الاثنين وثمانين ، جاعلاً من الدويّ أكثر ارتجافاً بصدى حادة يمنح للدهشة زخما ً خاصاً من الانكسارات والصمت و الحبّ والوحدة ، والخفوت الخجول لعزلةٍ فنية وعدم استقرار ، رفض لحالات التقوقع ، هالات من اليوميّ رقيقة كجناح فراشة تلامس تجربة عابد إسماعيل لتنجب مولوداً وسيم المفردات يسمّى ( لمع سراب) .
جريدة الثورة- صفحة كتب
17-12-2008
عمر الشيخ
[email protected]
08-أيار-2021
23-كانون الثاني-2021 | |
28-آذار-2020 | |
28-آذار-2020 | |
02-شباط-2019 | |
رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي |
06-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |