روم سيرفس
2009-02-13
خبز محمّص مع الثوم، عقدة زرقاء نصف استواء، ليتر نبيذ فرنسي ماركة بوردو، سلة فواكه إستوائية- يخرج...
أمام المرآة يمرن عضلات وجهه، ومجدداً يشد ياقة قميصه ثم يمسح حذاءه بأسفل بنطاله، يردد الحوارات التي يحفظها جيداً، يدخل مطبخ الفندق إثر رنين الجرس الذي أنذره قبل قليل أن طلب الغرفة 267 صار جاهزاً، يرن الهاتف مجدداً، يركض إليه: روم سيرفس مساء الخير، صوت المرأة العابق بالكسل والرفاهية المفرطة:كأس كونياك آخر، يكرر الحوار"غداً وغداً وغداً" يأخذ طلب الغرفة 267 ولا ينسى كأس الكونياك مع الموالح إلى الغرفة 240، يهبط المصعد، يكرر حواراته، في الممر الطويل يتفقد الأبواب وخطاه المسرعة تقرع جرس الغرفة 267 رجل زنجي ضخم يأخذ منه العشاء من على الباب ويوقّع له الفاتورة:شكراً، إلى اللقاء.
مجدداً تلك المرأة، هذا هو الكأس العاشر، رغم أنها فتحت له الباب شبه عارية، هذا مشهد اعتيادي، يعود ويركب المصعد إلى غرفته، ويكرر، يمثل أمام مرآة المصعد:ألا انطفئي يا شمعةً وجيزة، ثم لاشيء، لاشيء، يركل الباب المتحرك، يرمي الصينية، يخلع سترته ويقف مجدداً أمام مرآة الصالون، ينبح بكل قوته، ثم يعوي خافتاً، لم يتغير كثيراً، كما أن مهنته لا تزعجه، لقد صار هذا الفندق المؤقت لزبائنه بمثابة بيته، هنا يمكنه وعلى ارتفاع عشرة طوابق أن يرى المدينة، أن يشتمُها أو يتأملها، يمكنه في الشتاء أن يتناول نبيذه بصحبة أرقّ الأغنيات الفرنسية.
كان يهرّب أصدقاءه المقربين بعد منتصف الليل إلى فراديس الفندق بعد رشوة البوّاب وموظف الاستعلامات بوجبة عشاء أو كأس من الويسكي الفاخر، وكان بإمكانهم الغناء "والصفن" والنوم وتناول أشهى أطباق الفيليه والقريدس والكافيار الإيراني.
الفندق الذي يحتوي على مئة وستين غرفة، في كل غرفة حكاية، عائلة سعودية "محافظة" مطربة لبنانية، راقصة مصرية، رجل أعمال ألماني، مدير بنك إماراتي، ممثل سوري في ليلة الدخلة، عرسان ،عرسان، رجال أمن، ملاحق عسكرية، وفود دبلوماسية، خبراء عطور،كروبات سياحية من قبرص والسويد والبرازيل، دانماركيون يتناولون اللحوم على الفطور،
سائحون مصريون، لصوص وتجار حقائب، كلهم سيان، لا فرق أمام الأبواب الممتدة على طول الممرات، فالوجوه تتبدل باستمرار، وأخرى لا تظهر إلا من خلف الأبواب، عاريات يشربن الفودكا على موسيقا الروك أندرول؛ الهاتف لا يتوقف، طلبات كثيرة وغريبة ومتشابكة،أذواق الأطعمة
المطلوبة تعبّرعن شعوب من أسماك المحيط الهادي وحتى أرخبيل الجزر الاندونيسية 0
فجأة يرن الهاتف ويظهر رقم الغرفة المحظورة، الغرفة" vip"إنه فيري
إمبورتنت بيرسن، لم يخبرونه في الاستعلامات عن الشخص المهم الذي نزل في أهم جناح في الفندق، ردّ على المكالمة كان صوتا شفافا وهادئا صوتا أنثوياً يتكلم اللغة الإنكليزية بلهجة أمريكية واضحة، طلبت منه القليل من الزبدة مع العسل وبعض من شرائح البندورة والخيار وكأس واحد وحيد
من عصير العنب الطبيعيِ؛ اتصل بموظف الاستعلامات: لماذا لم تخبرني باسم النزيلة رقم /220/،فقال له: ستعرفها لقد تركتها لك مفاجأة ، إنزل إليها واهتم بطلبها لاكزبونة، لكن كامرأة لطالما أحببتها ،لطالما حلمتَ برؤيتها ، تسائل من تكون ،ما هي هذه المفاجأة ،صوتها القريب جداً إلى هواتف أفلام السينما ، صوتها ، حاول أن يتذكر عبثاً هرع إلى المطبخ ، ،حضّر لها الزبدة و شرائح البندورة وعصير العنب الطبيعي ، لا يهم من تكون، سيؤدي واجبه على أكمل وجه ، تناول الطلب وتأكد من عدم نسيانه
لأي شيء وبسرعة هبط الدرج إلى الطابق الثامن، لم يستطع أن ينتظر قدوم المصعد وتوجه بسرعة إلى باب الغرفة 220،التقط أنفاسه واتزن في وقفته ثم قرع جرس الغرفة وانتظر000 لم تصدق عيناه ،هل هو في فيلم الطاحونة الحمراء أم فيلم الساعات؟.. إنها نيكول .. نيكول كيدمن .. الممثلة العالمية، لم يعرف ماذا يقول حتى انه نسي إلقاء تحية المساء عليها بالإنكليزية،أخذت منه الصينية ودست له ورقة من فئة المئة دولار في جيبه، ابتسمت ثم أغلقت باب غرفتها، حدث ذلك في عدة لحظات خاطفة
انها نيكول كيدمن حقا، بدت وكأنها في إجازة كتلك التي يقضيها المستشرقون في فنادق العالم الثالث، هكذا دونما ضجة تذكر عن هبوطهم في مطارات البلاد النائية أو عن برامجهم في التنمية المستدامة وحقوق الطفل والإنسان والصحة والسلام الأخضر.
رن الهاتف مجدداً، إنها الغرفة /220/ نيكول ، رفع السماعة : روم سيرفيس كود افينينك ، ردت كيدمن بهدوء ولباقة طلبت منه أن يأتي ليأخذ فوارغ العشاء وقبل أن تنهي طلبها صار بلمح البصر أمام باب غرفتها؛
هو الممثل المغمور الذي ضحكوا عليه في المسلسلات السورية البائسة,
أعطوه مرةً دور بائع الخضار ومرةً أخرى دور سائق المدام ، أما أفضل أدواره بل أهمها على الإطلاق كان عندما وقف أمام /سلاف فواخرجي
ليقول لها أن حبيبها في المسلسل /جمال سليمان / سافر إلى مصر ...!؟
صرخ به المخرج عندها قائلا : "لا تعك" لا تنظر إلى الكاميرا، فبعد أن قدم الكثير من المسرحيات الجادة على خشبة مسارح الجامعة ومدرجاتها
ومهرجانات الهواة قرر الاتجاه إلى التلفزيون ، مع الحفاظ على قدسية المسرح وأهميته...!؟
وجد نفسه مرةً أخرى أمام الغرفة /220/ يقرع الجرس وينتظر، يُفتح الباب، تظهر نيكول بثوب أحمر مأكول الكتيفين، تأخذه من يده وتجلسه على الأريكة الوثيرة التي تتوسط الصالون الكبير للجناح، تصب له الشمبانيا، ثم تبدأ بالغناء والرقص : شكرًا لوجودكَ في هذا العالم ...!!
سامر محمد إسماعيل
08-أيار-2021
16-حزيران-2018 | |
30-نيسان-2016 | |
07-كانون الأول-2015 | |
19-كانون الثاني-2015 | |
19-كانون الثاني-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |