.. الطلبة كبش فداء ورشة مسرحية سورية لم تبدأ بعد!!
2010-01-19
في الوجه الآخر لحكاية السيدة روزالين
يأتي تدريب الممثل من المعرفة العميقة بازدواجية فن التمثيل ذاته الذي يُعتبر قدرة عجيبة على المعايشة.
و يتطلب موهبة استثنائية في إبداع الشخصية المسرحية كأنا عميقة داخل الممثل قادرة على تغييب الشخصية الخالقة وإحلال الشخصية المبتكرة مكانها على مساحة اللعب، لذلك يسعى «فايز قزق» ومنذ تسعة وعشرين عاماً على تطوير هذا الفهم، واجتراح مساحته الخاصة كمشرف على مشاريع طلابه، إذ قدم قزق عروضاً استثنائية عبر عدة مشاريع كان أبرزها «حلم ليلة صيف»، «أ.ب سلبي»، « النفق »، وتابع اليوم بتقديم مشروع ارتجال لطلاب السنة الثالثة تحت عنوان «الوجه الآخر لحكاية السيدة روزالين»..عنوان محلى ومترف من جهة اختيار الاسم وازدواجيته، كأن فايز يريد استدعاء الترجمة عن روايات عالمية لبيئة حرض طلابه على كتابتها وفق مراحل يقوم بها هؤلاء باستدعاءات أخرى للذاكرة، نبش مضنٍ ومحير من جهة التلقي، صحيح أن العرض لا يدّعي أنه خارج الصيغة التي قدم بها نفسه كمشروع تخرج، لكنه في الوقت ذاته يطرح اقتراحات إخراجية عديدة من ناحية التعامل مع الممثل-الطالب وقصته التي يبدعها ضمن توليف هذه القصة مع الحكاية الجماعية لزملائه، انطلاقاً من «الفرضية الأم» التي تم الاتفاق عليها مع الأستاذ المشرف.
حكاية السيدة روزالين المبنية أساساً على الارتجال الحركي هو عبارة عن نص غير منتهٍ، نص مفتوح على كتابة الشخصي والحميمي للطالب- الممثل وفق منطق الورشة التي تمهد لخياراتها اللعبية وفق تفكير جماعي، لكن هذا التفكير الجماعي بالشخصيات وفضاءاتها لا يلبث أن يتحول عبر الفرضية الأم إلى نوع من الهيمنة المستترة، أقصد هنا فكرة الأستاذ المشرف عن فن التمثيل سواء على صعيد المكان المُنتج للصراع المسرحي «المشفى»، أو حتى على صعيد إدارة الممثل ونسخه إلى خمس عشرة نسخة من المثال المحاكى، المثال هنا هو طريقة فايز قزق في الأداء، غثيانه وانفلاشه على الخشبة عبر مجموعة مريديه، حيث تتوارى هنا القصص الفردية لصالح المعلم-الشامان، وتتقهقر فرصة الحريات الجزئية التي يمثلها الطلاب، كي يتحول هؤلاء إلى نوع من الأدوات الهينة في يد معلمهم.
قد تكون التبعية للأستاذ المشرف شرطاً من شروط التعليم المسرحي الأكاديمي، لكنها في مشروع ارتجال جماعي لا تتفق مع الأطروحة الإبداعية التي قدمها «قزق» على بروشور العرض، لاسيما أن حكايات الطلبة خرجت عن المألوف، واقتربت كثيراً من موضوعات البحث الاجتماعي، مشكلات الفساد وجرائم الشرف والأسرة كلها كانت تصرخ في إحدى استديوهات المعهد عبر حنجرة جماعية، حنجرة استخدمت جهاز «الفونيكس» لتقليد صوت المشرف في تناقض واضح بين الارتجال بمعناه الحر، وبين تقمص ماهر لشخصية المشرف من خلال كتابة تستلهم الشخصي من الجماعي وتنقله إلى الخشبة على هيئة «مفازات» وحشية أرهقت الجسم الجماعي المصاب بفردية مزمنة بدلاً أن تهديه إلى خصوصية مغايرة تتكون عبرها، لقد ظلت النوتة رغم كل شيء، ورغم محاولة «قزق» أن يكون لا مركزياً في إدارته لطلابه، ظلت الحكاية محض ترجيع مضجر لنواح وحشي مضطرم، شخصيات مصابة بسوء إفراز الأدرينالين، طاقة كهربائية مضاءة من دون فوارق تذكر في نشيج متواصل.
اللافت في تجربة قزق كمشرف على مشاريع إعداد الممثل هو «المشفى» كمكان للمصادفة والغثيان والاعترافات المديدة، ففي عرض وعكة عابرة «أ.ب سلبي» يلتقي أفراد العائلة عند أقدام الأب المحتضر، وفي حكاية السيدة روزالين يتحول مستودع المشفى إلى حجرة للتحقيق بعد وقوع جريمة شرف في إحدى غرف المشفى؛ هذه الفرضية الأم التي تتعقد من خلالها الأحداث لا تبدو كوميدية بتاتاً، بل هي فرضية تراجيدية بحتة تنتقم من الجماعية بأدوات فردية، تشتم وتبصق وتتقيأ في مونولوجات مطولة، مونولوجات متجاورة، لكنها متشابهة حد الفضيحة.
السؤال هنا لماذا هذا الإصرار على مالنخوليا «سوداوية» مزمنة لتدريب طلاب التمثيل؟ لماذا هذا الإيغال في الجرح الاجتماعي، تمثله وتكييفه لاعترافات يتساقط عبرها الشخصي الدفين ويهر تباعاً لصالح اللوحة العمومية «للعرض»، بطر يحيله قزق على طلابه الصغار، يستنزفهم حتى نهاية جحيماتهم..ثم ماذا؟ تجربة نفسية لايحسدون عليها رغم إعجابنا غير المعلن بتقديمهم ككبش فداء للورشة المسرحية السورية التي لم تبدأ بعد.!
في الوجه الآخر لحكاية السيدة روزالين.. الطلبة كبش فداء ورشة مسرحية سورية لم تبدأ بعد
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الأربعاء 13 كانون الثاني 2010
08-أيار-2021
16-حزيران-2018 | |
30-نيسان-2016 | |
07-كانون الأول-2015 | |
19-كانون الثاني-2015 | |
19-كانون الثاني-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |