عرب جوليانا شيكاغو:
2009-02-16
جوليانا.. المكان المستقطع من الجغرافية.. قطعة من حكايا المهاجرين.. ليس أولئك المهاجرون المرميون على حافة (باربوس) الباريسية، كما ليس مبدان زمالك القاهرة وقد تحول الى ثكنة لأجساد ممزقة ترفع طلباتها مكتوبة لمنظمة الهجرة الدولية مطالبة بمأوى خارج حدود دارفور وقد اقتلعوا من مزارعهم..
مهاجرو جوليانا:
- أطباء.. محامون.. رجال أعمال و : راقصة شرقية تعلن من شيكاغو بيانها الاول.. بيان جسد يلقي بلغاته فوق ليل مدينة تتناثر الى (17) مليون ساكن:
عرب، مكسيكيون، لاتين، وأفارقة منحدرون من قارة انتقلوا الى قارة والاغلال بأيديهم، فأنجبوا فوق أرض الوعد:
-مارتن لوثر كينغ، محمدعلى كلاي ولن ننسى نعومي كامبل وهي تطلق الخيال لصانعي الازياء الذين يلتقطون الانوثة من ثنايا الحرير.
العرب هنا .. في شيكاغو ، هم العرب هناك:
- في سوريا.. لبنان.. فلسطين.. في العراق، وكذلك في الجزائر والجزيرة العربية وعجمان، بشر حملوا الى أمريكا ثقافاتهم.. واكتفوا من أمريكا بتداول الدولار عوض عملاتهم المحلية التي لا تدخل غالبا في سوق البورصة العالمي.. عملات سهلة،، طبعتها حكومات سهلة، كل صعوباتها تنحصر في ذروة العنف الذي تمارسه على مواطنها وهو يركض وراء كيس الطحين.
في جوليانا عرب يجلسون فوق المائدة.. مائدة واحدة لعرب مشتتين، وتقنية المطعم الشرقي هنا تأخذ باعتبارها كل متطلبات المعدة:
- التبولة.. الحمص المدمس، الكسكس وحتى الكوارع وكل شئ مطمئن فوق لائحة الاعلان : ذبح على الطريقة الاسلامية
المطمئنون العرب في جوليانا يبالغون في ادارة الفك والتلذذ بالطعام، والمطمئنون اياهم يبالغون في ادارة الخصور والاقفية فيما قرعات الطبول تنشد النشيد القومي العربي الاول.. النشيد الذي كاد أن يكون التعويض الضروري عن اهتراءات جامعة الدول العربية:
-نشيد عنوانه :بساط الريح..
نعم بساط الريح وقد كان جزءا من الخيال الخلاق لرواية ألف ليلة وليلة، حملها فريد الاطرش وجال بها من عرب الى عرب، ومنهم عرب جوليانا .. عرب يستعيدون المكان عبر أسنانهم في جوليانا (تخيلوا ذاكرة الاسنان)، فيستدرجهم المطرب العراقي العجوز الى لعبة يسمونها النقطة، ولمن لايعرف لنقطة لابد من التوضيح:
هي كمية من ( المال الكاش) تلقى فوق ظهر ورأس وبطن رقاصة (كاش.. )
الكريدت كارت لن يصلح لمثل هذا الطقس النبيل وكذلك الشيك مؤجل الدفع وكذلك المقايضة بصفتها واحدة من قوانين التبادل البضاعي وقد استمرت في الكثير من الدول العربية حتى النصف الثاني من القرن العشرين:
مقدار من القمح بمقدار من قمر الدين.
من الصعب تصور هذا الشكل من المقايضة في الولايات المتحدة.. في دولة تايتانك.. من الصعب مقايضة هزة خصر ببيضة على سبيل المثال
- خذي بيضتين وهاتي هزتين
المهاجرون العرب وقد باتوا جزءا من ستاج مسرح (جوليانا) سيعوزهم الكثير ليكونوا جزءا من
ستاج الولايات المتحدة، مايمكن استخلاصه من السؤال الذي طرحته على مجموعة من رواد جوليانا:
- هل قرأتم شيفرة دافنشي؟ هل قرأتم الرواية الامريكية الاولى وقد أطلقت وللمرة الاولى روائي أمريكي بوسعه أن يجلس في المنصة الى جانب جورج أمادو اللاتيني، أو بولغاغوف الروسي.. طيب اذا كان الوقت يضيق بعرب (جوليانا) ليكون طويلا على رجل البزنس اللاهث وراء استفزازات ثوب (داليا) المتوتر، فهل يضيق بمشاهدة شيفرة دافنشي وقد تحولت الى فلم يساوي كل ما أنتجته هوليوود؟
السيدة العراقية، وقد أطلقت سيلا من الزغاريد، حين كرر المطرب وصول بساط الريح الى بغداد، تعتبر السؤال خارجا عن الحشمة (وكأنني انتهكت عرضها)، وتزيحني بيدها لأفسح لها الطريق وهي متجهة الىالحمامات.. السيدة العراقية التي أنهكت مثانتها في الزغاريد والكحول تقول لمطرب عراقي شاب ( واسمه رضى العبدالله) وقد جلس ضيفا فوق ظهر المطرب العراقي العجوز:
- أموت بيك
ثم تلتقط صورة تذكارية، تتعمد فيها اعلان الاغواء.. اغواء لن يسمح للكاميرا بالتوهج الضروري كما لن يفتح طريقا للشهوة لامرأة حطمتها الدنيا فتركت كل ماتبقى من أنوثتها في دورة المياه.
العراقيون في جوليانا، وقد غادرهم صدام حسين، يتكلمون اللغة الانكليزية بطلاقة وباللكنة الامريكية، هذه السيدة التي تطلق كلماتها بالكثير من الثقة تكرر:
- S**t – f**k
اعجابها بالمطرب الشاب لن يخرجها من احتجاجها على سؤال دافنشي، والسؤال عن شيفرة دافنشي سيبدو بالغ الابتذال في أجواء جوليانا.. أجواء من عرب حملوا لأمريكا كل منوعات أوطانهم، طبولها ومزاميرها وصرخاتها وصراخها، حملوا مع أمتعتهم أوطان ضائعة ونسيوا وراءهم أي وطن مأمول.
الوطن في الذاكرة، كما السجن في الذاكرة، واذا ما اختلفوا يحمل كل منهم سجنه ليلقي الآخر في السجن.. على كل مائدة في جوليانا سجن.. سجن وسجان وقيود وكل أنواع التنكيل، ولن يكون ذا بال ذاك الدستور الأمريكي القائم على المساواة..
- مساواة في حرية الرأي وحرية التعبير وحرية المعتقد.. في جوليانا مسيحي وسني ودرزي وصابئة، لم يصلهم دستور الولايات المتحدة بعد، وما لاشك فيه أنهم لم يقرأوه مع أن من حق جزء كبير منهم الانتخاب والترشح للكونغرس كما الى أعلى المناصب السياسية في البلاد، بما في ذلك موقع الرئاسة وقد تعفن فيه أل بوش.
- مختار، السيد المغربي الذي وصل شيكاغو طباخا ثم غادر المطيخ بعد ثروة كافية لاطلاق شركة لتأجير السيارت، يقول بأن ابنه البكر تطوع في قوات المارينز، وأنه في القوات الامريكية العاملة في العراق:
- لوكان ابنه في الجيش المغربي لرفض حتما أن يلتحق بالقوات المغربية التي ستكون في العراق الربيع المقبل، مختار يضيف:
-
-ماكنش ممكن يموت هكذا ببلاش.. جندي المارينز اذا مات بيموت باحترام أهلو ياخذون تعويض بيوصل حتى المليون دولار.
فارق الجنسية مابين ابن مختار المغربي وابن مختار الامريكي، أن الاول يموت بالعملة المغربية والثاني يموت بالعملة الاصعب، الفارق بين الميتتين شاسعة، والطبيعي أن يكون الفارق مابين الميتين شاسعا.. بين عيني الاول وعيني الثاني.. أنف الاول وأنف الثاني.. بين الكلى والرئتين شاسع وكذلك بين قلبين لشخص واحد أولهما جندي المارينز والثاني جندي ملك المغرب، وحين نسأل مختار عن الأحوال على جبهة القتال في الصحراء الغربية، وماالذي بوسع مبعوثي هيئة الامم المتحدة فعله لنزع فتيل الصراع يقول لنا معلنا تذمره من التدخل في السياسة:
- الله ينصر من انتصر
العراقيون يختلفون عن المغاربة في جوليانا، العراقيون يحترفون أحاديث السياسة، بمن فيهم السيدة التي أفرغت مثانتها وأنوثتها في المبولة.. العراقية اياها، كادت أن تضغط مطرب جوليانا حتى انكسار العنق ليصل ببساط ريحه الى بغداد، ومع كل ضغطة كانت شفتي المطرب تردد:
- وروح يابساط على بغداد.. بلاد خيرات بلاد أمجاد
شفاه المرطب تصعد وتهبط في حركة معاكسة للاسفل والاعلى، وشقي قفا السيدة يتأرجحان في حركة معاكسة أيضا ولكن أفقيا والى اليسار واليمين لاستحقاقات انوثة تركب بساط الريح.
الى اليسار واليمين (لاحظو معنا) ان هذا التعبير كان التعبير الاكثر سياسة في عراق ماقبل الحرب، كل العراقيين في شيكاغو يؤكدون ان هذا التعبير اختفى سوى من ردفي هذه المرأة.. كل العراقيين يؤكدون أن تعابير جديدة حلت مكان القديمة .. تعابير من طراز:
- شيعي سني، آشوري كردي
حتى العجوز السوري الجالس مقابل الـ (ستاج) ، وهو معارض (سوري) يختصر معارضته بولعه بالنائب (السوري) السابق والمعارض (السوري) اللاحق عبد الحليم خدام،يختصر معارضته بالتهام كوارع الغنم، يستخدم ذات التعابير:
-درزي : سني / علوي و ليس بوسعه الاقتراب من التاو لأنه لايعرف ماالذي تحمله الهند واشتقاقاتها.
، وهو في ماضيه المجهول.. ماضيه الذي يحكيه لنا بصفتنا عاجزين عن اهدار وقتنا بالتعرف على شاهد على هذا الماضي.. هو في ماضيه:
- ملحد بالدين، قومي عربي بالتنظيم، ماركسي بالفلسفة، ورأسمالي حين تقدم له الولايات المتحدة استضافة مؤقتة، لاعلم للبنتاغون بها كما لم تعلم باقامته دائرة الهجرة، ونستطيع اضافة صفة كوارعحي للرجل ، أما فيما يتصل بالكوارع فما هو مؤكد أن لاعلم لديك تشيتي فيها، وهاهو ذا يحتج بصخب على حملة اعتقالات قام بها نظام بلاده، ليقطع احتجاجه عودة الراقصة الاردنية الى المسرح وقد خصته بهزات متصلة من خصرها، لتختلط شهوته بلعابه متيقنا أنه كان قد هجر زوجتيه الاثنتين، في بلاده بعد اعلانه عن معارضة متأخرة.
الرقاصة الاردنية، حائرة بين أن تكون:
- أردنية شرق أردنية
- أردنية فلسطينية
وهي بالتأكيد لم تصل الاردن مع قدوم الشريف حسين يوم أطلق فرسه الشقراء.. سيكون من الافضل في مثل هذه الحالة أن تكون:
- أمريكية خارج أسوار جوليانا
- وجامعة للدول العربية حين يطاح بالساهرين على وقع ذات الاغنية.. أغنية طالما اعتقدنا أنها منسية بفعل سنوات من الولادات المتصلة لنجوم العناء العربي.. أغنية بساط الريح
اسمها داليا، يساعدها على أن تكون انترناشونال.. اسم قريب جدا من داليدا.. اسم كوني ان شئنا.. تماما كما بوسعها أن تكون سيدة كونية.. استخلاص لايبحث كثيرا عن الدليل، ولكن افريقيين فقط كانا في ليل جوليانا يؤكدا لنا حقيقة كونية داليا.. كونية بلاضفاف، فقد رقصا حتى دارت الارض بهما .. رقصا تحت عصا داليا، الافريقيين اياهما، لم يجيئا من فراغ الجسد.. جاءا من رقصات ممتدة في الكائن الاول.. كائن ماقبل المارينز.. جاءا من رقصة قبائل
اللاكوتا.قبائل بنت عمارتها من الطين فرضت بعشوائية مذهلة شكل المكان.. سقوفها سعف من النخيل، وظلال ساحات الرقص يتوسطها قارعو الطبول ليحيط بهم الراقصون في أروع شكل هندسي هو الدائرة في ايقاع حدته تحجب الرؤيا.. أيام ثلاث من الرقص.. الاول يوم البكاء، والثاني لنقارة وقارعي الطبول والثالث كذلك، فالموت بالنسبة للافريقي ولادة جديدة.. ولادة ربما لاذاكرة للعبودية فيها.. عشرات الطبول تحيط بالدائرة
مالذي يجعل الافريقيين العجوزين يرقصان على خصر داليا وردفيها اذن؟
الوحدة العربية وحدها؟ الوحدة العربية الافريقية وهي واحدة من منوعات خطاب العقيد الليبي معمر القذافي مثلا؟ أم وحدة هذا الكون وقد مزقته البضاعة والاسواق والنفط والمراكز والاطراف والامم الغالبة والامم المغلوبة؟
داليا لن تطرح هذا السؤال وليست منشغلة بالاجابة عنه..
في نهاية السهرة ستأخذ داليا جزءا من النقوط وستغادر مجهولة الى مكان مجهول وربما الى عشيق مجهول أو طفل ولد في اللحظة الخطأ.
بطبيعة الحال لن يسمح الساهرون لداليا بالمغادرة فعقد المتعة مازال في أوله مادام الليل لم يصل الى آخره، وعلى داليا أن تأخذ حبات تعرقها بمنديل امرأة هي الاقرب الى الكائن الضفدع.. منديل لا نعرف ما الذي علق فوق حوافه بعد ليل مضن كانت السيدة اللبنانية تصك فيه أسنانها المستعارة، كما رموش عينيها المستعارين، فيما يحضنها زوجها الشاب مستعيرا منها الوقت.. وقتا طويلا على شاب ينتظر (الكرين كارت) عبر زواجه الموفق من امرأة تسقط أي رجولة عن أي رجل اذا اندس في فراشها.. السيدة اللبنانية التي:
- تصك حين تبتسم
- تصك حين تأكل
- مائدة من صكيك الاسنان وصلت الى (جوليانا) بعد وصول بساط الريح الى لبنان، وحين وصل بساط المغني الى أسنان السيدة المستعارة، صفق المعارض السوري العجوز معلنا براحتي يده المصابتين بالكثير من دسم المقادم، أنه:
- معاد لادارة رستم غزالة للبنان.. وأنه:
- مثلها يبحث عن دم الرئيس رفيق الحريري.. وأنه:
- ضد التدخل السوري في الشأن اللبناني، مفترضا بأن سيدة الصكيك هذه منتمية في السياسة الى البرتقالي، وفي المعتقد الى المارونية، أما في الانفعالات فمنتمية الى طرد المحتل السوري ومسكونة بالاستقلال.. مفترضا بالغريزة وحدها كل هذه الاستخلاصات ..الشئ الوحيد الذي كان بوسع العجوز المعارض الاحتكام اليه خارج الغريزة وبالعين لمجردة، أن السيدة اللبنانية كانت ترتدي قميصا بنيا، وربطة عنق بنية، وسروالا بنيا ضاق بردفيها المؤلفين من حوض للاستحمام،الامر الذي يجعل صراخه بلا معنى بعد ظهور احتمال أن تكون السيدة اياها شيعية من محيط صيدا أو من الخيام.
لابأس.. كل الاحتمالات لن تعيق المعارض العجوز، من أن يميل بجسده يمينا ويسارا مؤكدا احساسه العميق بالايقاع دون نسيان أنني الى جواره درزي وصل لتوه من أنف الحاكم بأمر الله.
- أنف الحاكم بأمر الله؟
حكاية ثانية، ربما ستكون خارج ليل جوليانا، فالدروز، حيثما ذهبوا يبحثون عن جوليانـ (هم) ، جوليانهم هم، وليس أي جوليانا آخر.. جوليانا ليس فيها كل هذا الاختلاط، فالغيتو الذي حملوه منذ العام 408 هجري مازال محمولا فوق أكتافهم الى اللحظة، بمن فيهم دروز أمريكا.. بشر فاتوا الى الداخل بعد أن أوقفوا التبشير بمعتقدهم منذ اقفال الدعوة وهم يسمونها دعوة التوحيد.. بشر لايزيدون ولا ينقصون، وهم كذلك ثابتين بفعلين:
-الاول بايقاف التبشير فالداخل لايخرج والخارج لايدخل
والثاني بفعل التقمص فمن يموت يولد درزي، والسبحة تكر الى يوم القيامة، يوم يطلق الله محاسبيه وقد حملوا أطنانا من فواتير الخير والشر، وبفعل ذهنية الغيتو هذه لن يكون لجوليانا مكانا بين المفضل من الامكنة عندهم، فالمفضل:
- عائلات درزية درزية فقط .. ولا بد من حضور المتة بصفتها النبتة التي اكتشفها مهاجر درزي الى الارجنيتين عاد بها فصارت بمثابة النشيد الوطني للدروز.
هل بوسع المرء استحضار شئ من المتة الى جوليانا؟
متة، تأخذ الساهرين من كحول يقودهم الى المغسلة في تقيؤ متواصل، نحو ذاكرة الامس؟
ذاكرة العراق.. عراق جواد سليم وبدر شاكر السياب؟
ذاكرة المغرب حيث ناس الغيوان ورجل يرقص القردة في الرباط
ذاكرة لبنان والروشة وشئ من عرنوس ذرة مشوية فوق صخرة العشاق المنتحرين؟
أعطني متة.
ليس مسموحا لك في شيكاغو أن تكسر القواعد.. قواعد بشرية أضاعت الهوية فتاهت المرأة في زحمة المكان.. كان عليك أن تصرخ:
- أعيدوا لي خيال المرأة فضجيج جوليانا يقتل الخيال.
08-أيار-2021
05-تشرين الأول-2019 | |
14-تشرين الأول-2017 | |
09-أيلول-2017 | |
13-حزيران-2010 | |
30-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |