لم يحصل في التاريخ ما حصل لفلسطين، ولم تقسّم أمة كما قُسِّمت أمتنا السورية.
ولم يجتمع أعداء على وطن، كما اجتمع الأعداء على وطننا، ولم تُبَع أراض من قبل حكام لا يملكون ولوجزء بسيط من الحياء كما بيعت أراضي وطننا، ولم يجتمع الأصدقاء والأقرباء على تقاسم بلد وخيانته كما اجتمع الأقرباء والأصدقاء على تقاسم وطننا وخيانته.
فأي عار هذا وأي زمن نحن فيه...؟؟؟
بعد حرب غزة اجتمعتُ بأحد الملتحين الذين يرون الحياة حكراً لهم وحدهم وليست لغيرهم، وجرى بيننا حديث له صفة الود، وباطن النية السيئة.
يقول لي "مارأيك بحماس ...؟؟؟"
أرد عليه، "سواء كانت حماس من تقاوم اليهود أو أي تنظيم آخر لا يحمل سمة التدين يفعل ذلك فهم جميعاً وأحذية مقاتليهم على رأسي."
يقول "لا يجوز هذا الكلام فنحن من كلفنا الله فقط بالجهاد ضد أعداء الله اليهود."
أرد "طالما هم أعداء الله لماذا ما زلتم تعترفون بهم كديانة سماوية..؟؟"
يقول "هم أهل ديانة سماوية، شأنها شأن المسيحية، ولا يجوز نفيها، ولكنهم حرّفوا التوراة"...
أرد "و هل قرأت التوراة..؟؟؟؟"
يصمت الملتحي ..!!
أقول مرة أخرى "هل قرأت التوراة...؟؟؟"
يرد منزعجاً "لاحاجة لفتح صفحاته أصلاً طالما يخبرنا القرآن بأنهم حرّفوه..."
أقول "التوراة الموجود في زمن الرسول محمد ((ص)) غير هذا التوراة أصلاً، وغير التي كانت على زمن موسى وعيسى عليهما السلام ولا يجوز الكلام عن شيء لا تعرفه..."
يجيب "أنا لا أصدق سوى القرآن..."
أقول "ومن قال لك أن تصدق غيره، ولكن عليك المعرفة والاطلاع قبل أن تتحدث عن أي شيء، ألم يوصك الله بهذا ...؟؟؟"
يقول متحدياً : "وما رأيك بموقف التركي أرودغان...؟؟؟"
أقول "موقفه يشّرف أكثر من مواقف الكثير من الحكام العرب، ولكن عليه قبل أن يقف مع فلسطيننا أن يعيد لنا لواء الأسكندرون وكيليكيا..!!"
يرد الملتحي : "ولكن تركيا بلد إسلامي وهذا ليس احتلالاً..!!!؟؟؟"
أقول له: "وما رأيك أن نعطيه حلب..؟؟؟"
ينزعج الملتحي ويحتد، ولولا القليل من الخجل لأباح دمي أو سفكه.
هكذا هم أصحاب الفكرة الواحدة والتي لا ترى أحداً سواها، وهكذا هي الحال في فلسطين بين أصحاب تلك الفكرة، وبين فصائل أخرى إما مغيبة أو ضالعة حتى العظم في الخيانة، ولكن على قول المثل الشامي ((الرمد أشوا من العمى)) والرمد هم حماس ومن يقاوم، والذين لا يستطيعون رؤية غيرهم من المقاومين..، والذين لا يمكن لهم أن يثقوا بأحد آخر، فالحق والخير والجمال والمطلق كلها معهم ولهم، أما عن الباقين......
في فلسطين اليوم أزمة حقيقية بين الأطراف التي تتبنى الصراع والكفاح الشعبي المسلح ومن ضمنها حماس، وبين الأطراف التي ترى درب السياسة والخيانة والسلام أسلم.
وهذا الأمر لا يمنع الصراع القائم بين الفصائل المشكلة لكل طرف على حدا فيما بينها...
ولكن على ماذا يتصارعون ويتقاتلون...؟؟؟
على فلسطين التاريخية كلها، فالكل يعلن أنها هدفه الأخير..؟؟
على السلطة ((المخفر))و الكل يعترف ويشارك بها...؟؟؟
على أن اليهود هم الأعداء..؟؟ الكل يقول اليهود و((إسرائيل)) هي العدو..؟؟؟
على ماذا يتصارع الأخوة في فلسطين الداخل وفلسطين الخارج وفلسطين الجانب وفلسطين اليسرى والمنى والشمال والجنوب، وفي كل دولة عربية يتصارعون . ..؟؟؟
على المصالح الوطنية الفلسطينية، ولكن أولاً يجب أن يكون هناك وطن موجود في دواخلهم حتى تكون له مصالحه..!!؟؟

نعم يا صديقي الملتحي ويا صديقي الحليق أيضاً.. إنكم تتصارعون على وهم وواقع مزيف تطلقون عليه ما شئتم من الأسماء، أحياناً تسمونه فلسطين، وأحياناً تسمونها السلطة وأحياناً تسمونه حقوق الشعب الفلسطيني. وكلكم يرفع راية التحرير بين يديه.
الكثير منكم يكذب، والباقي غير مدرك للواقع الذي يعيشه.
وعلينا قبل أن نعرف من الكاذب منكم ومن غير المدرك منكم لواقعه أن نلخص بعض النقاط الضرورية وهي:
وعد بلفور = أرض تعطى لليهود من قبل أمة لا تملكها.
سايكس بيكو= تقسيم أمة إلى دول طوائف وعرقيات، كي تظهر الدولة اليهودية الدخيلة على الأمة بالمظهر الطبيعي بين تلك الدول العرقية والطائفية، وكي تكون الأقوى.
أوسلو= الاعتراف من المجتمع الفلسطيني بالدولة اليهودية التي تملك أرضه، والاعتراف الضمني بأن الفلسطينيين دخلاء على فلسطين، وليس لهم سوى أن يعطوا وعلى سبيل الزكاة قطعة من الأرض يسمونها سلطة، ونسميها نحن مخفراً وتبقى تحت سيطرة اليهود.
رئيس للسلطة= يساوي القرار المنفصل عن جسم الأمة عامة، وله حق تقرير مصير الأرض والناس وبيعهم إذا أراد.
نعم يا صديقي الملتحي ويا صديقي غير الملتحي، هذا هو الواقع وهذا هو الحال، وما تبقى على الساحة الفلسطينية مجرد وهم وسراب..
والسؤال الأصعب والجهاد الأعظم والأكبر هو من أين نبدأ، هل نبدأ من حيث أوصلنا اليهود...؟ أم نبدأ من الواقع الحقيقي برفض كل ما ذكر أعلاه من معاهدات ووعود واتفاقيات وما نتج عنها من واقع مزيف... والاعتراف بفلسطين التاريخية والتي تدخل ضمنها سيناء والأردن على أنها جزء من أمة قسمتها سايكس بيكو, ولعبت بها أقذر الأيدي التي مرت على مدى التاريخ من يهود ومتهودين .....؟؟؟؟
وإذا اعترفنا بكل ما جرى حتى أصبح فيما بعد واقعاً مزيفاً، وتبنيناه. فعلينا أن نرضى باليهود أباً وأماً وبرئيس السلطة الفلسطينية ((المخفر اليهودي)) محرراً.
أما إذا رفضنا كل هذا الواقع المزيف بكل ما فيه وكل ما أنتج، فيصبح تحرير فلسطين الجزء الجنوبي من سوريا واجباً قومياً وأخلاقياً ودينياً على كل سوري سواء كان فلسطينياً أو شامياً أو لبنانياً أو عراقياً، ويصبح القرار الأول والأخير للأمة كلها لا لمنظمة التحرير ولا لرئيس السلطة أو حماس أو الشام أو لبنان...
بالتعاون مع موقع أوروك الجديدة
WWW.OROOK.COM