قصة قصيرة / جارتنا
2009-08-17
في تلك الحقبة من الزمن، كان بيتنا خازوقاً، وكان على الصواريخ والطائرات أن تحميه من الرجال الملثمين..ولذلك فقد كانت تمرّ من فوقه حالمة بسرير وثير..حالمةً بوجبة لذيذة من اللحم والدم والتراب....
ومع أن الموت كان يتربع في أعلى بيتنا، إلا أنه كان – أي أقصد بيتنا – خازوقاً جميلاً.. يكفي أننا نشعر بالأمان داخله، بعيداً عن الرصاص و القذائف....وفي ذلك الوقت تماماً، كان على الموت أن يخلع ثياب شهدائه، ويتمدد في الشوارع وحشاً أرجله الطرقات، والحارات..وجسده المدينة.....
طائرات .. طائرات .. صواريخ ..رصاص.. دبابات.. مدافع..مائدة شهية..ووليمة دسمة.
- من في الباب يا ولد..؟؟؟
- إنها طائرة يا أمي..!!
- أدخلها بسرعة ...
دخلت الطائرة بيتنا، حاملة في يدها كيساً من القذائف.. تقدمت أمي نحوها..
- أهلاً ..أهلاً ..أم أحمد .. ما الذي تحملينه في هذا الكيس..؟؟
- تفاح للأولاد ..
صاحت أمي ، _ اصنعوا كوب قهوة بسرعة –
همست لأختي التي كانت منهمكة في صنع قهوتها :
- وهل تشرب الطائرات القهوة..!!!؟؟؟
ولكن أم أحمد سمعت ما همسته لأختي، ولذلك فقد تجهم وجهها، فتدفقت القذائف من فمها.. حاصرت جثتي الصغيرة، وكنت وقتها طفلاً ألعب في المدرسة، حين صارت المدرسة جدراناً مهدمة، والبيوت كؤوساً مكسرة...
قلت :
- أمي .. أنا خائف ...
همست أمي في أذني .. - لا تخف يا بني، إنها أم أحمد جارتنا..-
انكمشت في حجر أمي خائفاً مرتعباً، بينما صوت الطائرة يدوي في بيتنا:
- لقد قتلوا البارحة كهلاً في الشارع المقابل لنا..
هرعت نحوه، كان الدم يتراكض من شرايينه نبعاً غزيراً على إسفلت الشارع..يزحف طفلاً خائفاً ..وكنت أرتجف متقدماً نحوه.. وحين وصلت إليه، لمست جروحه، قلت له :
- هل توجعك يا عمي ..لا تخف سيحضر الطبيب حالاً ؟؟؟
صفعني أحد الجنود الواقفين حوله :
- هل يقرب لك ؟؟
- هل تعرفه ..؟؟؟
- ما اسمه ..؟؟
فرّ الدم من جسده سريعاً، وفررت أنا نحو بيتنا مذعوراً .. دخلت غرفة الضيوف .. انكمشت في حجر أمي مرتجفاً، صرخت :
- أمي الجنود .. الجنود
همست أم أحمد بعطف، _ يبدو أن الولد مريض _ حملتني أمي بين يديها، فالتصقت بصدرها محموماً .. كان قلبها ينبض .. يدق ..يتفجر ..ارتددت مذعوراً عن صدرها، وضعتني في فراشي.. قبلتني على جبيني..
- نم يا بني .. نم يا حبيبي .. نم .........
..............
.............................
..............................................
وكان وقتها بيتنا خازوقاً .. وكانت الصواريخ والطائرات تمرّ من فوقه حالمة بسرير وثير ....
همست أمي في أذني :
- تصبح على خير ... تصبح..ع..ل .. .... وأجهشت في البكاء.
-----------------
محمد حيّان الأخرس
رئيس تحرير موقع أوروك الجديدة
[email protected]
08-أيار-2021
13-أيلول-2010 | |
17-آب-2009 | |
03-آب-2009 | |
29-حزيران-2009 | |
12-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |