Alef Logo
ابداعات
              

منعش كقصب السكّر

فاديا سعد

2009-03-06


الجنس .. مزعج. عبث. كريه!!. وأعلق مبتسمة: واحدة جديدة تشبه في نشأتها نشأتي!!

متوسط العمر هادئاً بكتفين لا مباليين، واضعاً رجلاً فوق رجل، محتلا مقعدا خشبيا وسط الحديقة العامة بكل ثقة على امتداد ساعة ونصف – المدة التي أقضيها في الحديقة العامة- جلس (..) متأملا رذاذ الماء المتناثر فوق العشب الأخضر، وبقربه شابّة.

وكنت أنا من هواة ريادة هذه الحديقة، ألجأ إليها بحثا عن... لا شيء: عاطلة عن العمل والحب، فذات مساء صنّفت بالعانس وانتهى الأمر!! وإذ فقدت المفتاح الذي يوفّر لي عملا مكتبياً سهلا أو عاطفة جياشة أو محركا ذاتيا يثبت أني ما زلت على قيد الحياة صرت من روّاد هذه الحديقة، وكانت متابعة الفوضى البشرية في الحديقة تمرّ عندي بأطوار منتظمة: التنحّي جانبا، والتّطاول على ملامح الناس بالمراقبة والتدقيق ثم إعطاء الحكم، وهذا جلّ ما أفعله.

أبتهج يوم الجمعة عن سائر أيام الأسبوع، فحين تدخل ثنائيات الرجال والنساء، تكون المراقبة والابتسام في ذروتهما، فالسّمة الواحدة لزوّار يوم الجمعة: أم تدفع عربة الأطفال فوق العشب، وزوجها يحمل كيس البزر، يفرشان قشورها فوق الأرض، وفيما هما يتحدثان باسترخاء يصل حد البلادة، أعرف أنهما خارجان للتو من أسرار متعة وفّرتها غرفة النوم.

حين تنحيّت جانبا هذه المرّة بدا الرجل متوسط العمر كنص جميل، يحتاج لكثير من التنحي ولوقت أطول في التطاول على ملامحه، بل أكثر: كان نصاًًًَ وسيماً يحتاج إلى تطاول على ملامحه والتعرّف إليها عن كثب لكن الجبن لم يتخلّ عني يوماً، فخجلي الفعلي يظهر حين يتجسد التعرّي أمامي فعلا، فيما لا تثير تعريته في دماغي نفس المستوى من الإحساس بالخجل.

بدأت الأطوار المنتظمة عملها: الولوج إلى قلب المشهد بعد أن انضمّت إليه فتاته، وإذ بدأت أتذوق طعم اللوحة وهكذا:صارا يمارسان بنصّهما البشري سيادة على قلبي،
رجل واثق من رجولته وامرأة تجلس بقربه تستقبل هذه الثقة!! مع إبدائها نوعاً من الصرامة الداخلية ذكّرتني بملفاتي السرية وتديّن والدتي كما رهبنة والدي اللذين جعلاني أكتفي بدور قرد سجين، تتخمه ظاهريا ملكة التهذيب.

كان يمكنني سماع رأيها عندما ترتفع النبرة: الجنس .. مزعج. عبث. كريه!!. وأعلّق بسرّي مبتسمة: واحدة جديدة تشبه في نشأتها نشأتي!!
كان من السهل توقع ما يحصل داخل النص الإنساني: يقاطع الرجل متوسط العمر الحديث، ثم يبتسم ابتسامة سعيدة لتفضح عيناه ما يهمس به: الجنس؟ ... خلق..........
و ارتجّ تديّني!

جلسته الواثقة عبّرت: الجنس؟.... حياة.
اهتزّت رهبنتي.

نظرته الثملة الباسمة نحو القطعة الفسيحة من السماء أعلنت: الجنس...حب.
واضطربت اضطرابا عظيما!

هل يتكرر حواري مع رجل عرفته ذات يوم، أم أن الحوار برمّته إبداع خيالي؟ هل سمعتهما حقا أم هي تخيلات امرأة وصفها أهلها بالعانس. هل تهيأ لي أن المتوسط في العمر ابتسم تلك الابتسامة محاولاً إقناع فتاته؟ أم إقناعي أنا؟

كان طور المراقبة قد أصبح ساري المفعول منذ زمن. في الحقيقة في كل يوم ولمدة ساعة ونصف في الحديقة العامة كنا نحن الثلاثة نلتقي.
بسبب الاستحواذ عليّ من قبل هذا النص البشري، بتّ أتوتر إن جئت يوماً ولم يأتيا: متوسط العمر وفتاته. وكنت أعود إدراجي وشجني يسبقني إن هو ابتسم لها وبادلته بشفتين مزمومتين. أودّ التدخل بينهما إن هو مرّر يده على خصلات شعرها وادّعت هي عدم المبالاة. يخفق قلبي إن هو اقترب من خدها وهي أمالت رأسها عنه.

كنت أتطاول على ملامحهما. أراقبهما، ثم أحكم عليهما يوميا: حين ترتدي فستانها الطويل الذي يظهر مفاتنها بنبل أعرف أنها ستكسب المعركة في نهاية الجلسة، وحين تأتي مرتدية الجينز وقميصها الفضفاض ذا الأكمام الطويلة، أعرف أنها تريد كسب جولة، أما حين يجلس الرجل متوسط العمر باسترخاء وسعادة غير مبال بما تشرح فتاته، أعرف أنه تحدّى آراءها المتزمّتة تجاه ما دعاه بالخلق والحياة والحب.

مرة واحدة فقط ،كان متوسط العمر متوتراً جدا بينما هي من اتّخذت وضعية المسيطر على الرجل والمقعد والحديقة برمّتها غير مبالية برذاذ الماء المتدفّق من النافورة وبطريقة مسرحية ألقت التحية على شاب آخر ثم استأذنت تاركة الرجل متوسط العمر وجلست بقربي في المقعد الذي أحتلّه أنا، وتلعثمت. ذهلت. لماذا اختارت مقعدي؟ لما جلست قريبة مني كأني فتاته؟

صارت تنظر كأني المراقَبَة: تتطاول على ملامحي. تبدي ملاحظة على ابتسامتي. على تهكّمي. بتنا ثلاثة (..) في نص ما عاد مفهوما من الذي يراقب من؟ ومن الذي يتحدث عن (..) الجنس ومقاربته للخلق للحياة للحب!

وإذ تكرّر اللقاء ما عدت أعرف إن كنت أنا تلك المرأة أم أني مازلت المراقِبة؟ أهي التي ابتعدت فصار هو متوترا أم أني أنا التي دخلت وصرت المرأة المبتسمة المسيطرة على المقعد والحديقة؟

غيّرت المكان. الحديقة. المقعد. الوقت. صرت أذهب صباحا. عدّلت وقت الذهاب، فخرجت في الظهيرة. ارتدّت أمكنة مختلفة في أوقات متضاربة، فعليّ أن أعرف من التي داخل النص ومن تلك التي خارجه!!

أود أن أعرف أأنا المعدن المنصهر داخل النص، أم أني أراقب عملية انصهار لمعدن آخر، أأنا التي كان ينظر إليها متوسط العمر بشهوة قصب السكر ويوتّرها أم أني تلك العانس التي ترغب في لحظة صغيرة من هذا الدفء غير المتاح؟

ومع مرور الوقت ويوما إثر آخر كنت أشبه بشخص يفاجئ نفسه باستمرار حين يخرج من منزله ويرى أن هطول الثلج قد غطى الشوارع والسيارات وسقوف المنازل، ويعترف : يا إلهي كم يختلف شكل الله والكائنات وفق التواجد داخل النص وخارجه.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منعش كقصب السكّر

06-آذار-2009

كيف صار هؤلاء إسرائيليين بامتياز؟

01-شباط-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow