عندما تعشق البيريفانة
2009-04-10
الوقت يتضاءل عند الأصيل، الشمس تفارق السماء بهدوء، القمر يبزغ من مكان ما هناك خلف الغيوم، الليل يسدل ستاره معلناً نهاية يوم أخر، وما تزال البيريفانة هناك، البرية باتت خالية إلا منها وراع يحرس خرافه، ويسقي حماراً عطش كثيراً لأنه تعب من حياته بدون أنثى، البيريفانة تبدأ قصة حب مع الراعي، والراعي يعلمها فنون الكذب والخداع، وبحجة حلب الغنم، تأتي البيريفانة للقاء حبيبها.
جمال لا يوصف، شعرها ليل طويل ينسدل كشلال على وركيها، فارعة الطول، عيناها حبتي زيتون، بريقهما كماستين في ظلام دامس، شفتاها كورقة سيجارة، هكذا كانت البيريفانة في عيني الراعي، ذلك الراعي الذي لم يكل من سوق أغنامه كل يوم مع بزوغ الفجر حتى مغيب الشمس، يمضي أيامه كلها برفقتها، هناك في زوزان، بعيداً عن القرية ونق أصحابها، الراعي يغني كل يوم للبيريفانة، ومناه قبلة من رحيق شفتيها.
الراعي يغني، أيتها البيريفانة.. بين نهديك أربعة وأربعون نبعاً للحب والهيام.. جنات عدن تجري فيها ماء الحياة.. الحب يندلق منهما.. والفردوس الخالد أبداً..
أيتها البيريفانة، قسماً بعينيك لا يوجد في الحياة أحلى من ارتشاف العسل من بين نهديك، مائي عند العطش، ونسيم روحي وقلبي. أيتها البيريفانة.. أرى تاجاً على رأسك، الذهب يبدو أجمل عندما تضعينه، يبرق أكثر ويلمع طوال النهار، أيتها البيريفانة.. إنه يخجل من جمالك، فلا تعذبيه أكثر، دعيه أمامك لعلك تعيدين الحياة له، بعد أن فقده منذ أن وضعته بعيداً عن نظراتك، أيتها البيريفانة.. ارحمي ذلك التاج.
الراعي يسرد حكاية عشق مع البيريفانة، يقول لها: لو غرفت من تلك الينابيع الأربعة والأربعين، من الأصيل حتى الفجر، قسماً بعينيك لما يرتوي ظمأي، بيريفانة.. لا يرويني إلا نهديك، رحيق الحياة، وماء الخلود، أيتها البيريفانة.. وددت أن اعطش فأروى، واعطش فأروى من تلك الينابيع.
بيريفانة قالت: أيها الراعي، دعني وشأني، سأتأخر على أمي وأبي، دعك مني.. إنني تأخرت وعلي العودة ومعي حليب اليوم، إن لي أهل لو يعلموا بلقائنا ستكون نهاية حبنا قبر كئيب، خوفي أقوى من حبي، أخرج فمك من عنقي، لقد غادرت الشمس السماء.
الراعي يرد على البيريفانة، هذه حجج البيريفانات، ذرائع الملائكة والنساء والفتيات، تصطادوننا بشراككن، ومن ثم تقمن بالرحيل بعيداً، اشتياقي يزاد يوماً بعد يوم، بل ساعة تلو الأخرى، بيريفانة.. إنني أعشقك ومل الانتظار مني، أتمنى لقاءك كلما رمشت عيناي.
البيريفانة تنسى نفسها، غادرت الشمس السماء، وقال الليل جئت، إنني ستار كل مكشوف، وغطاء كل من يرغب في لقاء حبيبه، قال الراعي: أيتها البيريفانة.. دعنا نلهو ونعشق بعضنا أكثر، وإن تأخرت في العودة، قولي لأهلك، لأمك وأبيك، عند عودتي، انقطعت الخضاضة واندلق الحليب..
هكذا تحب البيريفانة في بلادنا، في زوزان ودشتان، في بلاد الربيع والزهور، في ديار النسرين والخجخجوك، الحب الذي يأتي مع كل فجر، ولا ينتهي عند الأصيل، البيريفانة تعشق الراعي، ولا يهما إن أوصلت الحليب إلى أمها وأبيها، انقطعت الخضاضة، اندلق الحليب، لا ضير من ذلك، إن الحب عندها أكبر من زاد الأهل.
البيريفانات تبحثن دائماً عن الحب، ذلك الحب الذي يأتي من خلف جبالنا العالية، تلك الجبال تشرق من ورائها الشمس دائماً، قصص وحكايات تولد هناك، أصبحت أغانٍ هي أجمل سرد لأجمل روايات، قصص بات الرواة يتناقلونها هنا وهناك، منهم من غناها بحب وعشق، ومنهم من رووها بألم وآسى، كانت حكايات لعشاق رحلوا.
البيريفانة والراعي، قصة حب تولد كل صباح هناك في زوزان، مع الشمس، والنسيم، مع الزهور والقطا، والحجحجيك، القصة التي لا تنهي أبداً برحيل أبطالها، في كل يوم هناك بيريفانة وراع، يعلمون الآخرين الحب في بلادنا، يسردون قصصهم وحكايتاهم، لعل الحب ينهي آلامنا ومآسينا، هكذا تعشق البيريفانة في ديارنا.
08-أيار-2021
10-كانون الثاني-2010 | |
04-تشرين الأول-2009 | |
10-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
08-تموز-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |