الكلامُ في سُكرِ السرابِ
2010-01-10
خاص ألف
كانت دقائق عدة تفصلني عن منتصف الليل، هاتفي يرن وتبدو مكالمة بعيدة، صوت أشبه بأنين قيثارة، بدأت أذني تسكر من عذوبته، سنة جديدة مليئة بالحب، وكل عام وأنت بخير، قالت لي وأقفلت هاتفها بعد أن تمنيت لها بالمثل. كانت رقة صوتها واضحاً بالرغم من بعد المسافة بيننا، إنها تقنية غريبة وجميلة. بعيداً عن الهاتف، وباتجاه سطحي منزلي، سرت فشاهدت الكثير من المفرقعات ذات الأضواء، وأصواتها القوية كانت تخيفني أحياناً، تمنيت وباتجاه النجوم نظرت، لو أن نظراتي تلتقي بنظراتها في السماء هذا المساء.
في ذلك المساء، تذكرت أنه لم تمر الأيام كما كان ظني بها، فلا نسيت ولا هي نست، الكلام الذي قلناه لبعضنا تناقلته الرياح، وأرسلت عبرها كل أسرارنا التي بحنا بها في ليلة سكر، إلى القمر الذي كانت تجاوره نجوم كثيرة جداً، النجوم عندنا ليست كما عندها، إن نجومنا أكثر، وأجمل، وربما أصدق في بعض الأحيان، وتحفظ الكثير من الأٍسرار، ولو سألت أيما عاشق لقال لك بيني وبين النجوم سير وروايات وأسرار.
في ذلك المساء، الزمن الذي قطعته تلك الكلمات لتصل إلي كانت أقصر من غمضة عين، فكلماتها هي نفسها، وأحلامها ظلت كما كانت ترويها لي، إنها أحلام يقظة حتى ولو كانت تراودها في المنام، فالأحلام أجمل من أن تنام، إنها تظل يقظة طوال الليل، لتداعب آهاتنا وآلامنا، بل وتجعل من تعاستنا سعادة أحياناً كثيرة.
في ذلك المساء، الصوت الذي رافق الكلمات، لحن قيثارة، عزف لناي حزين، وأنشودة مطر تحمل مع حباتها كلام يذوب السكر في سرابه، السراب الذي راودني عندما رمقتها في الجوار، السراب المغادر بعد الغروب، وذيل النهار يذوب في حلكة ليل الأحلام، السراب انتقل للعيش في مكان أكثر رقياً أو ربما أكثر دفئاً من قلبي البارد، القلب الذي هجره الحب بعيداً، ربما القلب ليس ببارد، بل الحب صقع من جليد الحياة.
في ذلك المساء، سكرت العصافير كلها، حتى الهدهد كان موجوداً، هجرت السنونو، ولم يبق في الجوار إلا بعض عصافير الدوري التي تختبئ بين أغصان شجرة بدون أوراق، بالكاد ترى الدوري وهو يزقزق، حتى الدوري نسي صوته هذه الأيام، وإن حن الذكور للإناث، فلا حب في لقاءهم، إنهم يتناسلون فقط. السنونو وحده يعلم كيف يحب ويعشق، إنه يطير بعيداً عله يجد حبيباً جديداً.
في ذلك المساء، بدأ نجم يغازل نجمة، فقرر أن يحرق نفسه من أجلها، بدأ بالسقوط إلى الأرض ليري حبيبته شهاباً نارياً يلمع. كان النجم يدنو من الأرض، ولهيب الشوق في داخله يحرقه، يسيل من الحب، إنه يري حبيبته كم هو جميل وشجاع، إنه يضحي بحياته كي يرى البهجة في وجه نجمته التي عشقها منذ ولادته، انطفئ النجم ومات ولم يصل الأرض، أما النجمة فكانت منشغلة كباقي النجوم في رؤية خسوف القمر.
في ذلك المساء، سرق الغراب لحناً من صندوق الأغاني القديم، بدأ ينعق ويقرأ قصيدة شاعر أعمى، القصيدة تتكلم عن الحب والغزل، كان الغراب جائعاً يشتهي في رأس السنة قطعة لحم مشوي، مع كأس من النبيذ الأحمر، أو ربما كسرة خبز مع القليل من دبس البندورة. لا يهم فقط الأكل كان يشغل بال الغراب.
في ذلك المساء، بدأت الغيوم تبكي على بعضها البعض، كان البعض منه يغادر بعيداً، فتذرف الأخريات دموعاً تنهمر من السماء، ثملت الغيوم وبدأت تحكي قصة حبها للسماء، الحب الذي يبدأ بقطرة وينتهي بقطرة، قطعت غيمة وعداً على نفسها، بأن لا تعشق طيلة حياتها، بعد أن غادرها حبيبيها من أجل سحابة صيف.
انتهى الليل من كلامه، وعادت النجوم إلى ثغورها، ودار القمر ظهره وغادر إلى مكان أخر في المجرة، وحدها السماء ظلت كما هي، سوداء تتخللها بعض البقع البيضاء، قالوا لنا أنها بقايا نجوم احترقت، منها من أحبت ومنها من كرهت، كلها ذهبت بعيداً، حتى الحب بين النجوم لا يدوم كما بين البشر.
رفع الليل نخب هدوئه، وسكرت أنثى السراب من كلام العشاق في ذلك المساء، كل تمنى لحبيبه حباً جديداً، إلا الليل، لم يتمن له أحد شيئاً، ظل يحب كل من حوله، ظل وحده حزيناً في نهاية العام، كما لو أنه لم يعشق أبداً، بالرغم من كل النجوم والأقمار التي تضيء سواده، ما زال الليل يسكر وحيداً، وبعيداً هناك في السماء.
08-أيار-2021
10-كانون الثاني-2010 | |
04-تشرين الأول-2009 | |
10-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
08-تموز-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |