أنا قريبٌ منكِ يا نفسي هل تشك أنتَ في ذلك؟
2009-04-16
تمرينات للصوت الخام
هل يحتاج الكاتب إلى تفسير كل خطوة مشاها في أرض الله الواسعة ، أو كل كلمة قالها كما يشاء؟بالنسبة إليَّ أرى ما أريد وأكتب ما أحب ، وليس ضرورة أن أنتعل أحذية غيري أو أستعير أصابع ليست لي .
الحرية مثل العقل والوجدان، لا يمكن أن توجد خارج ذات الكائن ، وأنا حر في شعوري بالتحرر من الاستعباد للوجبات السريعة في حياتنا.وأقول دائما لنفسي إن أسوأ شيء يمكن أن نحياه هو التكرار، أو أن نكون بدون عواطف ، فتتحول مع الزمن إلى شخصيات ورقية، أو "كارطة" عليها صورنا يلعب بها الصغار والكبار.
الحياة توازي الإبداع والتجديد لصد الأفول الزاحف، وهي مَن تحققُ لنا ذلك السمو الحافظ لطُهرانيتنا .
- نحن طهرانيون .هل ما تزال تشك في ذلك ؟
ومن يقول غير هذا يرى الحياة بروح نافقة تلوث كل شيء.وهل من " الواجب "أن أرى ما لا أحب ؟
طُهراني لا تعني أننا ملائكة نحيا في أبراج نورانية نطل منها على البشر ، وإنما في كوننا نصارع ولا نهادن أو نستسلم ولكننا سائرون نُخطئ ونُصيب.
- أنتَ تتكلم عن جوهر الحياة، وهو أمر لا نختلف حوله، لكن التفاصيل الصغيرة أمر آخر.(قال صديقي).
لابأس.الحياة شيء واحد، جوهر أو عَرَض.المشكلة التي تحيرُنا:هل لتعاقب الزمن تراكم ملموس أم أننا نحيا، منذ البدء ، وسط ميزان له كفتا الكمال والنقصان ، ونحن لا نفعل شيئا سوى الأخذ من هذه أو تلك ، أما الحساب فهو نفسه لا يتغير .
أرى الزمن واحدا بصحاف لا منتهية، نتعاقب عليها لنعيش اللحظة نفسها بأشكال لا منتهية.
مِرآةُ الأعمى:كْلاكيت أول مرة
هل نحن في جزيرة مفقودة فعلا ، نولد ونحيا ونموت دون أن يحس بوجودنا أحد ، هل نحن فراشات عابرة ؟وحدها ملائكة الله تُقَيِّدُ أعمالنا ودقائق حيواتنا في كُنَّاشاتها العظيمة .
صرتُ مُنتبها إلى التحولات المريبة لعدد من الأصدقاء، في لغتهم وأمزجتهم كما في مشيتهم وأفكارهم ووجهات نظرهم الشبيهة بثقل الغروب.
معرفتي بالسيد رابح الوادي ( وهو اسم مستعار أستخدمه هنا لضرورات فنية )كانت بالسمع قبل أن أشرع في قراءة ومتابعة مقالاته الصحفية منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، فهو صحفي متمكن يعكس بكتاباته الجريئة حسا ثوريا متشبعا بالنظريات والتصورات التقدمية العالمية . وما أسمعه عنه كان يُذكي الإعجاب والإدهاش به .حتى السلطات – كما قيل لي- بكل مستوياتها تراقب الوضع العام للبلاد من خلال ما يكتب .
وهو يكتب أيضا ،بالإضافة إلى كتاباته السياسية والاجتماعية، الشعر والمسرحية وبعض القصائد الزجلية الثورية ، وصرتُ أفهم مع المدة انه كان متحزبا ورافضا للحزبية ، واجتماعيا ورافضا للمجتمع ، وإنسانا وزاهدا في بناء أسرة .لذلك فهو يقطن وحيدا في شقة بوسط المدينة .
كتاباته لوحدها – كما اقتنعنا بذلك- تشكل تيارا سياسيا واجتماعيا وثقافيا ، وقد تشرَّبَ العديدُ من القراء من خطاباته التحليلية والتحريضية فانخرطوا بحماس غير محسوب أو مُؤطَّر في نضالات، اعتُقِلوا إثرها وذاقوا برودة السجن .
بدوري كنتُ من المتحمسين لأفكار رابح الوادي، وتمنيتُ مثل جيلي ممن كانوا في ساحة الكتابة والصحافة أن نكون نموذجا منه ، وهو ما جعلنا نَنْبُذُ ما يتم ترويجه عن انتهازيته وأشياء أخرى ، ونعتبر ذلك دعاية من الحاقدين لهدم صورته المثالية في أذهاننا .
في نهاية الثمانينيات ، حيرتي سلسلة من مقالاته دافع فيها بشراسة عن مجموعة من الطلبة الذين اعتُقلوا في تلك الفترة خلال حملة اعتقالات عشوائية ، فصوَّرهم أبطالا محررين ونخبة مغرب المستقبل كماشرح أفكارهم الحداثية ورؤيتهم في بناء مغرب حر متحرر وديمقراطي .احترتُ وارتبتُ مما أقرأ . فأنا أعرف أغلب الطلبة الذين يكتب عنهم السيد رابح لما كنا طلبة بالجامعة ، وأعلم أنهم كانوا مستهترين ممن يريدون تجريب كل شيء ، ولهم ناد لرقص السمورف وإحياء السهرات المشبوهة ، وأشك أن يكون ذلك ذكاء منهم لجعله غطاء لأنشطة سياسية ؛ وقد تم القبض عليهم في إطار اعتقال المجموعات الطلابية.مُصادفة غريبة !!
فاصل زمني
في مارس تتزيا الدار البيضاء بحياة جديدة ، زمنها يصبح مشبعا بالمستقبل والانتظار ، فتُغري بكل شيء، على عكس الإغراء المتوحد والمتوحش للسهول المتمددة بغنج وقد طلعت منها روائح الزرع الضاجة بقوة الحياة ..فهي التي رأت كل شيء بحباتها الشاخصة في وجه السماء، غير عابئة أو مرتعبة من المناجل القادمة لأنها مطمئنة إلى عودتها الأبدية.
حجَّ الناس في هذا الشهر إلى مواسمهم للجذبة وترويض الحيرة ، بمكناس وبركان وجهات أخرى مُهملة، يطوفون طوافهم حتى الامتلاء- امتلاء الخيال- ليعودوا إلى يومهم القصير ، يتدبرون النهار والليل...ومثلي يحجُّ إلى شاويته التي لا يعتبرها أرضا وإنما هي وحيٌ حوَّله الله إلى تراب وأحجار ومياه وخلق ، ونحن فيها في حج أزلي لا نجوع أو نظمأ ، ولا نشبع أو نرتوي ، لا نَصْدُق أو نكذب ، لا نقول أو نصمت ..وإنما نجمع من الطيب ونقيضه.
جذبتنا لا يعرفها إلا من خلا قلبه وعقله من الظنون ، وامتلأ بالدهشة والمجاز .
أحملُ معي دائما شبكة مجازية ، أرمي بها كل شيء ولا أعود إلا للعالق المتشبث ، وأعتقد أن كل واحد منا له غرباله المنسوج من أخلاق وعادات وتفاصيل وتذكرات وعلاقات ، ولكن الغربال العظيم هو التاريخ الذي سيضعنا جميعا في شباكه العالية .
كْلاكيت ثاني مرة
اعتقدتُ في بادئ الأمر أنني تأثرت بالوشايات الصغيرة حول السيد رابح ، خصوصا حينما تصدر عن أصدقائه ممن يشتغلون معه أو من دائرة رفاقه.ومنذ النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي تحولت نبرته الانتقادية وخَفَتَ دفاعه عما كان يؤمن به وصار يبرر أشياء كثيرة حارب لأجلها طويلا .هل تعب الرجل أم هي عودة الوعي ؟
عدتُ من باب الاطمئنان على ريبتي إلى أعداد من جرائد قديمة وقرأت ما كان يكتب .ورغم كل هذا لم يُكتب لنا اللقاء والتعرف إلى بعضنا البعض مباشرة حتى الآن ، بل كنتُ المتفرج المراقب والمتابع ، وهاهو قُبيل تنصيب حكومة التناوب في رابع عشر مارس 1998يكتب بشكل مكثف لإقناع القراء والمناضلين بأهمية خوض التجربة من الداخل والانخراط في عهد جديد يصالحنا مع الذات والآخر .كما كان يتحدث عن التجارب العالمية التي علينا الاستئناس بها للتحرر من الإنتظارية التي دامت نصف قرن طويل.
توقف رابح الوادي عن الكتابة بعد مرور ستة أشهر عن إعلان الحكومة التي ولجها العديد من أصدقائه ،وقد اختاره وزير منهم لنفسه مستشارا إعلاميا وسياسيا ، ومنذ ذلك التاريخ لم يكتب مقالة واحدة موقعة باسمه .
***
الشباك تضيق وتتسع . يوميا أتابع ومنذ سنوات أحداثا تبدو مدهشة لتصبح في ما بعد رمادا حارقا يعمي الأبصار. في هذا الشهر مثلا قرأتُ عن أغنياء المغرب و زمنهم، وقد صورتها الصحافة بعجائبية مفرطة ، و عن بارونات الفساد والمخدرات وأخرى تهم دسائس الماضي ...إنها أمور لا تغريني بالكتابة لأن "هؤلاء "لا يستحقون قطرة واحدة من المداد ، وأجِدُني معني مثلا بخبر صغير في الصفحة التاسعة من إحدى الجرائد اليومية، مُوَقَّع من طرف كل سكان إحدى الدواويرالتي تعيش معنا في اللحظة والزمان ولكن بصيغة أخرى . يقول الخبر المرمي بدوره في رُكن قصي بأن قائدا للمنطقة التي يقع تحت نفوذها الدوار المعزول بصدفة التقسيم الترابي الضروري ، لجأ فجأة إلى مصادرة كل حمير الدوار وقادها إلى مكان مجهول دون أن يستطيع أحد التخمين بالحكمة من وراء هذا الفعل الآدمي ، وقد أغفل الخبر الإشارة إلى عددها في حالة المطالبة بالتعويض،باعتبارها الوسيلة التاريخية الأولى والأخيرة للتنقل وقضاء كل الأغراض .والغريب أن هذا الخبر جاء أسفل خبر حول تجند السلطات المغربية في كافة المدن لصادرة المؤلفات الشيعية !.
يقول خبر آخر بأن التعيينات الأخيرة للولاة والعمال على الأقاليم وعددهم "كذا" تمت مع حدث طريف ومؤلم يخص مدينة سطات والتي مازلت لشهور بدون وال يتولى أمرها أو عامل يعمل أعماله فيها ، والخبر كما جاء في صيغة الإشاعة بالقرائن الصادقة أن واليا أُلِفَ بذخ أهالي سوس الكرماء وصبرهم ، ولما اقترحوا عليه الولاية على الشاوية في إطار ترضيته بجهة كاملة قال لهم وهو منتشٍ بعبقريته بأنه يرفض التسلطن على البدو !!
حينما سمعت بهذا الخبر ، وقرأتُ عنه أيضا ، غضبتُ وقمتُ إلى مكتبي .أغلقتُ الباب ، ثم شرعتُ في كتابة تحقيق صحفي عن مدينة سطات والشاوية ، أبرزتُ فيه ثلاثة محاور تهم الأرض التي هي من أجود الأراضي بشهادة خبراء دوليين في المجال وثانيا كتبتُ عن تاريخ الثوار والمجاهدين عبر قرون طويلة وصولا إلى خريطة المقاومة المغربية ونصيب أهالينا منها .أما المحور الثالث وهو الذي يهمني كثيرا فقد رصدتُ فيه العلوم والفنون بالشاوية مع أسماء الأعلام والمدارس ولم أستطع حصر كل الأعلام وإنما اكتفيتُ بما وجدتُ من فقهاء وعلماء وأدباء إلى أسماء رجال ونساء نبغوا – خلال الخمسين سنة الأخيرة – في كل العلوم وبصموا حضورهم العلمي بهيئات دولية مثل النازا على سبيل المثال وبمؤسسات مماثلة علميا في كل القارات .
تطلب مني هذا التحقيق أربع ساعات من التحرير، وحينما انتهيتُ منه أحسستُ بانطفاء غضبي، ثم ركنته في ملف بالرف الثالث دون أن أجد الحماس لنشره وتعميمه.
لا شيء يهم ! اتركونا فقط في دروبنا الضيقة والمألوفة نتجول ونحكي ونحس بدرجات الانسجام التي نفقدها يوميا .
كْلاكيت ثالث مرة
لم يلبث السيد رابح في منصبه أكثر من ثلاث سنوات ، وقد تضاربت الأخبار حول سبب "طرده " والتخلي عن خدماته، فقيل أن صديقه الوزير اكتشف ،بوشاية داخلية ، قيامه بعدد من عمليات النصب وتورطه في استعمال الزور للاستفادة من مشاريع كثيرة .فيما ذهب رأي آخر إلى فرضية انه استقال من منصبه احتجاجا على ما آلت إليه البلاد بفعل فشل سياسة حكومة راهن على أنها ستعمل على تحرير المغاربة من "السكتة القلبية".
الخلاصة الحقيقية المؤكدة أنه لم يعد يعمل في منصبه وبقي عاطلا لسنوات يصرف مما كسبه أو من تعويضات سابقة ، متنقلا بين مراكش والدار البيضاء والرباط ، وخلال هذه الفترة كان يتلقى أفكارا ويصوغها في مقالات، مدفوعة الأجر ، لا يذيلها باسمه.
في صيف السنة الرابعة ون الألفية الثالثة اشتغل بمجلة نسائية عربية، وباسم نسوي مستعار(ناديا شفيق) ، يكتب مقالات ممتعة عن الموضة وأنواع القفاطين والألبسة ومناسباتها ، وعن عناصر الجمال في المرأة .
لماذا اختار هذا الاسم الأنثوي الرقيق ؟ ولماذا تشبث به وقد أصبح يكتب مع جريدة يرسل يوميا إلى رئيس تحريرها مقالاته عن الفن والفنانات وعن الطبخ وضروراته وركن يومي بعنوان (برجك اليوم) من إعداد ناديا شفيق.كما انخرط في تأليف كتب الأبراج وكتابة الرسائل لفائدة إحدى دور النشر المغربية اللبنانية الموجودة بالدار البيضاء بنفس الاسم ، بل احتال للتمويه بأن وضع في الصفحة التي يعدها صورة فتاة ذات شعر فاحم ومْسَبْسَبْ ، لها عيون سوداء كبيرة عليهما كحل رباني وحاجبين بهما كثافة مدهشة .
كل المعلومات التي جمعتها اعتمدتُ فيها على مصادر عديدة من صحفيين ومن بعض أصدقائه المقربين، حتى صرتُ – في ما أعتقد – الوحيد من كل هؤلاء الذي يعرف سيرة رابح الوادي المشتتة والخفية.كما أني الوحيد الذي يهتم له بينا الآخرون الذين يخبرونني عنه يعتبرون الأمر تافها لشخص خيالي عابر مثل كل الأوراق التي تذبل وتسقط سمادا للريح .
العشاء الأخير للثوار
أنا مشدود بشكل عاطفي كبير إلى نوايا الثوار وهم يجوبون الأرض بحثا عن معارك مصيرية لفهم الهوية، إنهم ثوار قبائلنا الذين كانوا وما زالوا في أذهاننا صورا أسطورية ببساطتهم في عيش الحياة، وفي تقسيمهم لزمنهم الدائري إلى مراحل يكونون فيها فلاحين وفقهاء ثم ثوار، يُطَوِّحون بالخوف والدجل بعيدا للانشغال في التدبير الحقيقي للحياة وجعل الدورة الزمنية مستقيمة لا دائرية ، تسير في اتجاهنا نحن مباشرة .
ألا يكون ما أفعله بالطريقة التي تبدو ملائمة لزمننا هو شكل آخر لتلك الحياة ؟
جلسنا حوالي نصف ساعة بالكراسي الخارجية لمقهى صغيرة ذات طراز أوربي، توجد بشارع عبد المومن .تحدثنا عن أشياء قليلة ثم نهضنا كي نفترق ، لكن صديقي سعيد ألح عليَّ في الذهاب معه عند بعض أصدقائه المجتمعين .رفضت لأنني- في العادة - لا أذهب إلى مكان أو زمان لا أعرفه.ولكنه ألح وأغراني بأننا سنلتقي بنماذج متخيلة تعيش بيننا.ورجاني أن أجد له مخرجا من ورطة الاشتراك في مشروع لا يطمئن إليه .
في شقة بشارع محمد الخامس وسط المدينة بالطابق الرابع، وهي عبارة عن كارسونيير بها رائحة نتنة.كنبات في شكل دائري حائل المعنى وبابين مغلقين هما بالتأكيد لمرحاض وغرفة النعاس.
لم ألاحظ على وجوههم أي تعبير بالترحيب أو الرفض .جميعهم يعرفونني وأنا أيضا أعرفهم ..فهم ممن صاروا معتقلين سياسيين بالمصادفة ، ثم صدقوا ذلك وهم يؤلفون قصصا مجاورة لترتيب ماضيهم بعناية نمطية ، وقد تعلموا في السجن السب الذي أعماهم عن التأمل والتخلق. فعادوا إلى سياسة التذكر قبل أن ينخرطوا في مسلسل محسوب الحلقات والأجر للبحث عن فرصة الحكي ثم الاعتراف والمصالحة وجبر الخواطر.
صاروا الآن معزولين أكثر في دائرتهم الفارغة. جمعوا مقالات رابح الوادي التي كتبها فيهم ومقالات أخرى في نفس السياق، جعلوها كتابهم المقدس وهويتهم الجديدة باعتبارهم ضحايا "سنوات الرصاص" !!.
هل يمكن لاختلاقات رابح الورقية أن تصنع من ناد للرقص الحداثي المسمى لحظتها بالسمورف إلى جماعة من "الثوار"ساهمت الدولة المغربية بحسها العشوائي في اعتقال خاطيء ، جعلهم ضحايا أفكار كبيرة وليس رقصات رشيقة ؟
أحسستُ بلامبالاتهم وضجرهم مني في نفس الآن لأنهم بالتأكيد يحتاطون ممن يعرفون ماضيهم الفني ! . كانوا يشربون ويدخنون ويتكلمون بشراهة ويتحدثون عن ضرورة إنقاذ "رابح الوادي "- الذي لم يروه أو التقوه مباشرة أبدا - بإعادته إلى حقل الكتابة عبر تمكينه من إدارة جريدة سياسية غير حزبية ، يعيدون بها إلى جانبه أمجادا كانت ، ورابح هو من كتب عنهم كثيرا وصورهم للناس بأنهم جيل الثوار الجدد الذي سيحرر التاريخ من كبواته المتكررة.كنـتُ أتابع حديثهم الذي يعنيني وأنا متأكد بأن لا أحد كان يستمع للآخر .
اعتذرتُ عن مشاركتهم في ما هم فيه خائضون ، ولما كانوا يعلمون ردي مسبقا ، خاطب زعيمهم سعيدا بأن يقدم لي زجاجة ماء معدني من المطبخ ، فأسرعت بإعلان عدم رغبتي في مائهم أيضا ، وأنا مدرك إنها مجرد بداية و فرصة لإشعال فتيل حوار جديد أكون موضوعا له .
قال لي واحد منهم وكان طالبا جامعيا معي واعتقل لسنوات دون أن يتخلص من أحقاد تملأ قلبه لأننا لم ننتحر تضامنا معه:
- دعوا الأستاذ فهو الآن شخصية معروفة. يعيش حياة النعيم والنظام ، له نصيبه من الدين والدنيا .تنكر منذ زمان لنا ولطبقته.. نحن الذين نعيش في صباغتنا الأولى .
رد عليه صديقه الثمل ،كما ترد المغنية الشعبية على الشيخ المنهك :
- لقد أصبح من البورجوازية المتعفنة التي لا ترى سوى مصالحها وكيف تبحث عن المزيد من الرفاهية والحياة بقناعين .فهو بالدار البيضاء مثقف وجامعي بورجوازي ، وبالبادية إقطاعي رث .
ثم أعقب كلامه بضحكة عالية ورخية مثل عجين لم يختمر، حَفَّزتِ الآخرين على الضحك تقليدا وتضامنا ومواصلة الحوار الممتع حول شخصي كما لو أنهم في سيرك مسرحي ويجتهدون في الأوصاف والتجديد في النعوت التي سمعوها من معتقلين آخرين يستعملونها ضد الدولة المغربية، فاختاروا لرنينها الجميل إسقاطها عليَّ بدون تعديل ، ولاحظتُ أنهم يتكلمون عني بصيغة الغياب ، ودون أن ينظروا إليَّ.. وأنا في حالة عادية استمع إليهم كأنني غير معني بما يفترون ، لكن تعليقا بسيطا من الشخص الثالث على يميني قاله وقد رفع رأسه نحوي، عيناه الشاحبتان بدون ماء في عيني اللامباليتين [...] إثره انتفضتُ وقمتُ من مكاني وفي الآن نفسه بدر مني رد فعل يوازي انحطاط تلك اللحظة البئيسة ، بعدها خرجت رفقة سعيد وقد لاذوا إلى صمتهم قانتين.
ونحن في خطوتنا الأولى خارج الشقة اللعينة التفتُ إلى سعيد بعدما لم أستطع منع نفسي من الضحك. ثم صرنا نضحك ونضحك خلال نزولنا عبر أدراج العمارة، وصديقي فرح لأنه نجا منهم بهذه الصيغة حيث سيعمدون إلى إصدار بيان ثوري ضدي يشجبون فيه بلغة عنيفة تصرفاتي اللامسؤولة والتي تنم عن ضيق أفق الانفتاح عندي ولجوئي إلى أسلوب غير حضاري .
سألني سعيد لماذا فعلتُ معهم ما فعلتُ ، فقلتُ له بأنني لستُ مسيحيا أُدير خدي الأيسر للذي يصفعني على الخد الأيمن.السن بالسن والعين بالعين والبادئُ أظلم ولو كان سفيها أو قردا، وهم أبطال من ورق وصدَّقوا رغم أننا نعرفهم جيدا .
***
شرعت في كتابة نص من وحي ما جرى في ذلك اللقاء .ليس عما وقع بالضبط ، ولكنه ذكرني بِسِيَّر عديدة أعرفها ولم أعد أعرفها ، كتبتُ للنص عنوانا :(مرآة الأعمى )، ثم أهملتُ الكتابة إلى حين، رغم أن أفكاره كانت ساخنة تتعجلني .فقد كنتُ منهمكا في إتمام قراءة بعض الكتب.
كْلاكيت ..آخر مرة
قبل بضعة شهور ، يئس السيد رابح من عزلته وتنكره الاختياري ، وأحس أنه شبيه بروبنسون كرزوي في نسخة رديئة ومشوهة وذات نهاية غامضة غرقا .
قرر الإفشاء بيأسه لأحد أصدقائه القدامى ، بعدما زاره بحديقة بيته في حي الرياض بالرباط.وكما هي اللعبة، حمل الصديق القديم الخبر إلى لكل القدامى في اجتماع للقيادة الحزبية.
بعد اقل من أسبوع أصبح مسؤولا إداريا مهما في مكتب الإدارة المركزية لكل أنواع القمار ،من كلاب وخيول وصالات سياحية داخل مركبات رياضية خاصة رفيعة المستوى .
الآن أحس السيد رابح أنه وجد نفسه وعادت إليه الحياة التي لم يعشها خلال ستة عقود راشية ومستعارة خلت.
صار يلبس لكل يوم لباسه بطقوسه، ويحتل الصفوف الأمامية بمسجد أهل فاس كل يوم جمعة ، يمارس العديد من الرياضات المناسبة لسنه ، ولا يدخل البيت إلا بعد المرور لساعة واحدة بحانة فندق هيلتون .
لا يفوت عليه صلاة الفجر والدعاء الغريب الذي يطلبه وهو يرجو من الله أن ييسر له في إيجاد بنت الحلال لإتمام نصف دينه .كما لا يُفَوِّت ُيوميا بمكتبه الفاخر الاستماع إلى الأغاني الجديدة للفرقة الموسيقية المسماة الجوق الوطني الرسمي.
نحن في جزيرة لا تشبه أطلنتيس ولكنها غارقة في هوائها.ورابح الوادي لم يعد يعرف كتابة اسمه فتحول إلى أسماء مستعارة تاه بداخلها ولم يقدر الخروج من دوائرها ، فاختار عالم الموضة والكلمات المتقاطعة والأبراج ثم سباق الكلاب والخيول والبوكر ..وفي النهاية اكتشفَ أنه لم يكن سوى بطل من ورق .
***
أشعر برغبة في رؤية السيد رابح عن قرب، بعدما اهتدى في نهاية العمر –وقد أصبح غير صالح للاستعمال- إلى تصور متكامل عن الحياة.
أعود بدوري فأقول بأن المسافة التي هي بيني وبينه مِرآة يرى فيها الأعمى مصيره القريب جدا من عكازه وأرى فيها كل شيء يُشعرني بالضجر والملل وضغط الانتظار والمفاجآت المختبئة وراء كل لحظة من زماننا .لذلك أعود إلى عالمي الحقيقي نحو مريم وهي تشتكي من كثرة القطط في حينا وتفكر في طريقة لتجميعها في السيارة وتصديرها إلى البادية .أما زينب فإنها ما تزال تسرق صوري وتضعها في دفاترها ..وتشرع في التفاوض معي ابتداء من يوم الخميس عن المكان الذي سأحملها إليه يوم السبت، ومشيا على الأقدام .
أما مفاوضاتنا مع الفلاحين ، أنا وبويا ، فقد أسفرت عن نتائج ملموسة وباهرة في جولة أخرى من جولاتها التي لا تنتهي إلا لتبدأ.
***
لم تعد لي رغبة في كتابة الرواية ، ليس منذ الآن ، بل منذ عقد ونصف لقناعتي بأن الحياة أهم من أي رواية .فبعد عشر سنوات على صدور رواية "رائحة الجنة" كنتُ قد كتبتُ روايتي الجديدة "مجازفات البيزنطي" لأنني لم أستطع تجاهل ما يختمر بداخلي، فدفعتها للنشر وقد وضعت عليها اسما مستعارا(عبدالله العيساوي) ، لكنني عدتُ في آخر لحظة إلى نفسي واستغفرتُ ربي معتبرا أن النص مثل الولد لا يحق أن يُنسبَ لغير أبيه ؟. تخريجة مُرَّة وعبثية.
نصوص بدأتها وتوقفتُ، لأن الحياة تغمرنا ولا تتركنا نتنفس إلا داخل جريانها العنيف .سويعات الصباح وبعض الصباحات الكاملة المنزوعة من كبد الشتات الذي يمزق الزمن الشخصي والجماعي .الحياة الجميلة لا تحتاج إلى مؤرخ أو مبدع ليقيد غُُنجها في لياليها الضاوية.
- هل تريد كتابة كل شيء ؟
أنا مجرد هاو، أقطف التوت وأغطيه بورق الخوخ والرمان للتمويه، أحترفُ الكتابة في لحظات مسروقة، كما حصل لي مع الأدب تماما ، وأنا تلميذ بالسنة الأخيرة من الإعدادي كنتُ عاشقا لعلوم الرياضيات مع رغبتي مواصلة الدراسة في هذا الاتجاه بشغف وحب كبيرين وباحتراف إلى جانب الأدب الذي كان عندي هواية مثل صيد العصافير، لكن تلك السنة صادفت عدة احتجاجات وإضرابات تلاميذية من أجل أفكار كبيرة وأشياء تافهة نثأر فيها من الأفول القريب منا ، ولما جاءت نهاية السنة وخلال الدورة الثالثة من الامتحانات بقيت ُ إلى جانب قلة قليلة جدا من الأصدقاء في احتجاج مقاطعين الامتحانات النهائية، مما ترتب عنه أن وُجِدْتُ في المداولات التوجيهية بدورتين فقط احتسبتا لي مع صفر في الدورة الثالثة ، فجرت قسمةُ المعدلين على ثلاثة ورغم ذلك حصلت على معدل فوق الإحدى عشر على عشرين مما دفع بأساتذتي الأفاضل اختيار توجيهي إلى تخصص الأدب .
ليس لديَّ الآن أي انطباع عما كان يدور في ذهني لحظتئد، هل فكرت في اقتناص الفرصة لأعود إلى الحلم بأن أكون فلاحا حاسما في قراراته لا يلجأ إلى مداورات المثقفين ومفاوضات السياسيين ؟
لا أعرف، ولكن الذي أذكره أنني لما سمعتُ بمروري إلى شعبة الأدب، قلتُ بلامبالاة: ليكن.. وكان طريقي وما زال .
هل تعكس الكتابة من نكون ؟ أنا غير نادم أبدا، ولو خيرني ربي بعد أن يعيدني إلى بطن تلك الأمازيغية أمي ،لاخترتُ نفس طريقي بكل أخطائي الكثيرة ..وبزمننا الذي لم نستطع حتى الآن أن نجعله يقودنا نحو الأفضل ولكننا على الأقل نعرف ماذا نريد ونضرب صفحا وصفحا وصفحا عما لا نحب . نسير برؤوس عالية وعارية ليس لدينا ما نخفيه أو نخجل منه .
- لماذا تحولتَ في كلامك من ضمير المتكلم المفرد إلى ضمير المتكلم الجمع ؟
- أنتَ تتكلم كالذي لا شُغْلَ له، أو كذاك الذي يبحث عن غِمْدِ المنجل !!
صحف علاء الأولى
علاء في العاشرة وبضعة أشهر من عمره ، يزاوج في حياته بين الدراسة في الصف الخامس الابتدائي واللعب ومتابعة رسومه المتحركة بالتلفزة .
تَعــوَّد النهوض باكرا معي أو بُعيد قيامي . يغسل وجهه ثم يتجه نحو مكتبه لترتيب دفاتره ودروسه ومراجعة ما يريد التأكيد عليه، بعد ذلك يرتدي ملابس المدرسة قبل أن يعود إلى قمطره السحري ،يخرج بعض لعبه الأثيرة، ويحاورها في صمت .
من حين لآخر نتكلم مع بعضنا البعض ويتواصل حديثنا جماعيا ونحن على مائدة الفطور في السابعة والنصف .وفي الثامنة يأخذ بيد أخته زينب نحو المدرسة التي تبعد عن البيت بحوالي عشر دقائق سيرا على الأقدام .
كل هواياته يختزنها في قمطر مكتبه بالإضافة إلى حبه في العطل الصغرى وفي الصيف للعب كرة القدم وهوسه باختراعات فاشلة مما لديه من خردوات فهو عاشق للعب البيبليت واليويو والخدروف كما يحب الشخصيات الكارتونية : يوغي وبليزينك تينز وايداتن جامب .
يشعر بنشوة حينما يقرأ موضوع إنشائه أمام تلاميذ قسمه، مما يدفعه أسبوعيا لقراءة القصص والأشعار باللغتين . قبل سنتين طلب مني دفترا خاصا وشرع منذ وقتئذ في كتابة حكاية لم تكتمل حتى الآن، أُوردُها كما هي دون تدخل مني إلا من بعض التصحيحات التي لا تمس أبدا أسلوبه أو جوهر النص،كما حذفت بعض الصفحات الوصفية واقترحت العنوان.
باب الحقيقة
قارة أطلنتيس جزيرة غرقتْ في البحر قبل عشرة الآف سنة .كانت جزيرة هادئة وجميلة .الشمس فيها ساطعة .أناسها طيبون .لكن هذا لم يدم طويلا ففي يوم من الأيام سقط عليهم الكثير من الحجر الأسود والأخضر. وكان اسم الحجر الأخضر "حجر الأُرِكالكُسْ"السحري والشرير ، فأظهر في الناس الغضب والكراهية التي كانت طول الوقت بداخلهم حتى أتى ملك الجزيرة .فرأى ما حدث لأناسها لكنه أصيب بمرض السرطان ،(وأنتم تعرفون أنه أخطر مرض على سطح الأرض) .فاستدعى ابنه دارتس وطلب منه أن يحتل مكانه ويصبح ملكا على أطلنتيس.
وفي يوم من الأيام ازدادت الكراهية والحقد داخل الناس، فأتى والد الملك لكن ابنه ضحك ضحكة شريرة وهو ممسك بالحجر ( وكان قد أصبح شريرا ) فطرد والده وابنته -التي كان لها ذئب- في يوم مكفهر وعاصفة قوية حيث لجآ إلى كهف به ثلاثة وحوش أسطورية .طلب منهم بأن يمدوه بالقوة ويحاربوا معه من أجل الخير .فقامت الحرب بين الوالد الذي له ثلاثة وحوش، وبين ابنه دارتس الشرير الذي كان له وحش هائل خُلِق من الحقد والكراهية ..فأطلق كل واحد منهما هجومه في لحظة واحدة إلى أن غرقت الجزيرة تحت الماء.
***
بعد مرور سبعة ألاف وتسع مئة وسبعة وتسعون سنة ذهبتُ إلى مصر لأرى الأهرام لأنني كنت متشوقا لرؤيتها . دخلت إلى الهرم الأول فرأيتُ وحشا كُتِبَ بأسفله "رع" .لمسته فإذا به ينفتح ويُخرج من داخله قطعتين كأنهما جزء من قلادة فأدخلتهما في جيبي.ودخلتُ إلى الهرم الثاني فرأيتُ وحشا في أسفله كُتب اسم "سلايفر" .لمسته فأخرج من داخله قطعتين مثل الهرم الأول .
وداخل الهرم الثالث وهو الأكبر رأيتُ وحشا كُتب أسفله اسم" الوحش المدمر " فانفتح وأخرج من داخله قطعتين أيضا.وعندما انتهيت كنت مندهشا جدا وأنا أحمل ست قطع عجيبة.
اقتربتُ من أبي الهول وكأن شيئا غريبا يدفعني إليه، ولما لمسته لصق بيدي شيء أخضر اللون فارتعبتُ كثيرا وسمعت أبا الهول يقول لي : لا داعي للخوف أنتَ الذي اخترناك لإطلاق سراح الفرعون .
فذهب الصبي- الذي هو أنا - إلى أبيه قائلا : لا أريد أن أبقى في مصر .أريد ألذهاب إلى بيتنا .
ونحن راجعون في الطائرة اختفت تلك المادة الخضراء من يدي وعندما وصلنا إلى المنزل دخلت إلى غرفتي ،جلست فوق مكتبي وأخرجتُ من جيبي القطع الست التي وجدتها في الأهرامات وإذا بالمادة الخضراء تعود إلى يدي وحينما جبدتهم كان ذهني يقول لي أن اُرَكبهم فبدأت أركبها بتلك المادة الخضراء .وعندما انتهيت كان شكل القلادة على عنقي مكتملا وخرج منها ضوء ساطع أصفر اللون.
بدت وكأنها تقول لي بلمس تلك المادة، فلمستها وإذا بالكهرباء يدور حولها ،وبعد ساعتين تلاشى الكهرباء ورأيتُ عينا سحرية كأنها عين فرعون، وبعد دقيقة من الهلع والخوف خرج منها شبح فقال لي : ألا تخاف .أنتَ الذي أخترتُك لتطلق سراحي. فقلت له : ما اسمك؟قال لي اسمي الفرعون يامي يوغي .فقلت له: هيا نخرج لنتنزه. وعندما خرجنا التقيت مع فارسة الظلام فقالت لي :عليك أن تنقذ عالمنا إنه في خطر والبشرية أيضا .قال الفرعون كيف ذلك ؟ .فقالت إن ملك المدينة الغارقة أطلنتيس الذي يدعي دارتس سوف يبدأ في استجماع الطاقة من عالم الوحوش والبشرية ليوقظ الوحش الهائل ثانية ويعيد بناء اطلنتيس، ليحكمها من جديد.
أجبتها أنا والفرعون : ولكن كيف سنهزمه ؟.فقادتني إلى وحش مجمد في ثلج كثير بالقرب منه سيف ضخم. قالت لي :إذا نزعتَ هذا السيف سيطلق سراح هذا الوحش وبذلك ستهزم دارتس .ثم شرعنا في جره بقوة حتى انْتُزِع من مكانه . قلت لها: وكيف يستولي عليهم؟. ردت: إنه يستولي عليهم بحجر يسمى حجر الأركالكس ،وهو الذي تسبب في غرق أطلنتيس.
***
خرجنا من ذلك الحلم وأنا أقول في نفسي ربما هذا خيال فقط. لكن ورقة من أوراق المبارزة بدأت تلمع فأخذتها ووجدت ذلك الوحش الذي انتزعت منه السيف .
ثم التقينا "سيطُ كايبا" الذي لم يكن على حاله فسألته : ما بك؟ فقال لي : لقد أضيف لي وحش قوي في مجموعتي . أجبته :وأنا أيضا .
وبعد برهة قصيرة رأيتُ "جوي " يعدو في اتجاهنا كأنه يريد أن يقول لنا شيئا .وعندما وصل بدأت كل ورقة من عندنا تلمع وأخرج كل واحد منا تلك الورقة التي تلمع فاندهشنا جميعا عندما رأينا وحوشا كأنها أخوة، فقالت هيا يا أصدقاء لنذهب عند " بيكاسوس "قد نجد عنده جوابا. فقال جوي : ولكن أين سنذهب؟
أخرج سيط كايبا من جيبه هاتفا وصاح :"موكوبا" .ثم رأينا طائرة على شكل وحش التنين الأزرق، أبيض العينين كان قد سرقه كايبا من محل الجد"موتو" .
توجهنا بالطائرة إلى شركة كايبا فتبين لنا أن تلك الوحوش التي انحازت إلينا في مجموعاتنا الورقية اختارتنا لنحارب بجانبها من أجل الخير لبلادها (بلاد الوحوش) وبلادنا ( بلاد الإنسان ) .وفجأة صاح ترستن: ما هذا ؟ فجاء يوغي مُقبلا بسرعة ليرى،وردَّ سيط كايبا قائلا :هذه عين الوحوش فهي التي تأكلهم وترسل طاقتهم مباشرة إلى دارتس لكي يحيي بها الوحش الهائل وأطلنتس .
خرجنا قرب عين الوحوش واستدعينا التنانين الثلاثة الأسطورية فهاجموا العين الشريرة لكن الهجوم لم ينفع لأن العين كانت تلتهم الوحوش بشدة .وفجأة تدخلت السماء بغيوم كثيرة اختفت فيها العين .توجهنا أنا وكايبا وجوي إلى منزل بيكاسوس والذي لم نجده ، لكنه ترك لنا رسالة تقول: ابحثوا عن الورقة التي تمكنكم من إنقاذي وإنقاذ البشرية .
توجه ترستن إلى وعاء الطمع الذي صنعه بِّكاسوس من بين وحوشه المصغرة فوجد ورقة بيضاء أخذها كايبا وقال : ذلك الأحمق بِّكاسوس يتلاعب بنا منذ البداية؛ فقلت :تذكر يا كايبا انه صانع أوراق المبارزة .
سرنا إلى الفتاة ايروكا وجدِّها العالم ،فوجدناها لوحدها حزينة وأخبرتنا بأن أتباع دارتس قد خطفوا جدها وهدَّموا مختبره ، ثم أعطتني ورقة مبارزة بيضاء وقالت: إن الأشرار تركوها لك يا يوغي /علاء .قرأتها وكان مكتوب عليها (تعالَ بارزني وراء شركة كايبا إذا أردت رؤية الجد ، ولا تحضر معك أصدقاءك) .
ذهبتُ في الليل دون أن يراني أحد ،لكن "تيا " رأتني فأخبرتها بأنني سأذهب لأنقذ جد ايروكا وحاولت منعي ولكنني ألححت عليها ووعدتي في الأخير بعدم قول ذلك لأحد .
ركبتُ حصاني إلى المبارزة لكن الولد الذي يحمل مجموعة الحشرات وصديقه صاحب التنانين والديناصورات تبعاني لكي يتفرجا على المبارزة ويأخذا وحوشا جديدة . في الصباح الباكر وصلتُ إلى المدينة وراء شركة كايبا فوجدتُ قائد أتباع دارتس ينتظرني حيث بدأت المبارزة واستدعيت الفرعون لكي يبارز داخل جسدي .فقال لي :هل تظنني سأخاف من هذا الفرعون،.لقد كنتَ شريرا في الماضي. آنذاك استدعيتُ فارس الظلام في وضعية الدفاع ومعه دابورج ملك الرعد ووضعتُ ورقة مقلوبة حيث انتهى دوري فاستدعى خصمي زيو في وضعية الهجوم لكنه اكتفى بذلك فرأيتُ كأنه يخبئ شيئا في عينيه فهاجمته بفارس الظلام ودابورج .
قال لي : حان وقت نهايتك . ثم استدعى ختم الأركالكس فأصبحت لديه ثلاثة آلاف نقطة لكنني أيضا كانت لدي مفاجأة له حينما استدعيتُ وعاء الطمع وسحبت رع المجنح وعين الترمايوس وضحيت ببعض النقط من رع لأستدعي ورقة الدمج ودمجت الوحشين لكي استدعي ورقة التنين رع الترمايوس الهائل وهاجمته حتى نزلت نقاطه إلى الصفر فخسر المباراة وزال عنه شر الأركالكس وشكرني لأنني أزلت عنه شرا مطلقا وسلمني العالِم جد ايروكا الذي ذهبت معه إلى منزله للقاء مع" جوي"، فأخبروني بأنه انصرف للبحث عني.
عدنا نحن أيضا للبحث عنه في المدينة فأبصرنا في السماء ختم الأركالكس ،ورأينا "جوي" يبارز أحد أتباع دارتس فإذا فاز جوي سيزول شر الأركالكس عن "ماي" الفتاة التي أعطتني نجوما لمتابعة مسيرتي عندما خسرتُ أمام كايبا لكنني فزتُ عليه أربع مرات بعد ذلك .
فاز جوي بالمباراة، لكن سيط كايبا قال : طفح الكيل وسنذهب أنا وأنت يا يوغي لنبارز دارتس وجها لوجه .فقلت في قرارة نفسي لأول مرة يدافع كايبا عن "جوي" .فقال الآخرون :سنذهب معكم . وافقت على ذلك ، ثم سافرنا في طائرة كايبا إلى مقر دارتس .
دخلنا إلى مكان يشبه مقبرة وصاح دارتس فينا : سأبارزك على حياة العالم وعلى شركتي.
قلتُ له : كيف ..لم أفهم ؟
قال دارتس :إذا خسرتما المباراة سأستولي على كل شيء في العالم.
أخذَنا دارتس إلى مكان صخري نُقِشت عليه أسماء كل المهزومين ، وخاطبنا بضحكة شريرة :هنا ستكون المباراة وإذا خسرتم سننقش أسميكما هنا..ها ها ها ها .
قال كايبا: كفانا لعبا ولنبدأ المبارزة.
(ثلاث صفحات في وصف المبارزة)
في الهجوم النهائي خسر دارتس المباراة وعاد جوي وكايبا وكل الأرواح .
خرجنا مسرورين فرأينا الشمس وهي ساطعة بعدما زال الشر ، لكن منزلا صغيرا كتب عليه "هنا منزل بوابة الحقيقة" فدخلناه ورأينا بابا يشبه المِرآة عليه صُوَّرُنا كُتب بأسفلها أسماؤنا الحقيقية :
يوغي موتو : علاء حليفي؛
سيطو كايبا :رضا موحيد ؛
جوي :عبد الحق مؤدن ؛
كريستين :علي الخلدي ؛
دارتس:بدر الياسر.
فتعجبنا لذلك وفجأة أتت فارسة الظلام وقالت لنا : لقد أكملتم المهمة الأولى يا أصحاب ، وإذا أتممتم الأربع مهمات الأخرى ستصبحون أبطال اللعبة والعالم ، وبالخصوص أنت يا علاء .
قال كايبا : هذه تفاهات .كيف يمكن لفرعون أحمق وأخرس إتمام أربع مهام سهلة ليصبح بطل اللعبة ؟
توجه "جوي" بسرعة نحو كايبا موجها له لكمة على وجهه وهو يقول له : كيف تجرؤ على إهانة الفرعون إنك تغار منه .
قال لي كايبا : هيا يا يوغي .بعدما أنهينا المهمة الأولى سأبارزك لكي أستعيد شهرتي .
تدخل جوي ليرد على كايبا قائلا : أحقا تريد أن تفوز على علاء بطل اللعبة .أأنت َتحلم أم ماذا ؟إنه هزم أكبر شر في العالم وأنقذ البشرية ..إنك أمامه لا تساوي سوى نملة صغيرة وضعيفة .
قلت لجوي : كفي يا جوي سأبارزه غدا في حلبته .
قال كايبا : سنتبارز في ساحة السراغنة لكي يشهد الناس هزيمتك .
قلت : ساحة السراغنة ..ها ها ها لقد انتهى أمرك يا كايبا.
عدتُ إلى منزلنا بعدما دعوتُ أصدقائي ليساعدونني على التدريب وفي غرفتي حيث شرعتُ أرتبُ أوراقي من جديد .
***
ربما ، بل أكيد أن علاء بدون فَهْمٍ ملوث بالأحكام والتقييمات والمعاني استطاع أن يرسم بريشته البريئة شيئا حقيقيا عن حيوات أبطال من ورق يتحولون في خيالاته الحية والمتوثبة إلى شخصيات حقيقية تحب الحياة وتعمل على إنقاذ العالم من الشر ومن الغرق . أما أنا العامر بالظنون والآثام وبالخلفيات والنظريات بالشر والألم والعنف ، بأكثر من عقل في العقل وبأكثر من منطق لمداورة الحياة... ليست لي وأمامي غير شخوص تعيش بيننا ، أرسمها بضجر وارتياب،فأجدها في النهاية ورقا بدون لون وأقرب إلى خفة "البَّابُّوجينيكْ" بتعبير ولية الله الخالدة مريم وهي تضغط على الكلمة الخالية من حرف الراء الذي يعيقها ويجعلني أضحك منها كثيرا كثيرا وهي مشدوهة قبل الانخراط معي في ضحك حقيقي. .
خارج النص : كتبتُ هذا النص يوم الثلاثاء 31 مارس و بعد يومين راجعته بالحذف والإضافة. وفي يوم رابع أبريل أعطيتُ الجزء المعنون ب"صُحف علاء الأولى " لعلاء لمراجعة نصه والموافقة عليه، فعمل بنيَّةٍ صادقة على المراجعة بالإضافة والتغيير في بعض الفقرات والكلمات. وفي يوم الاثنين سادس أبريل أرسلتُ النص كاملا – في صيغته الأولى- لعبدو الفيلالي كي يراجعه ويُبدي رأيه قبل إرساله للأخوة في المختبر للنشر، لكن عبدو أرسل إليَّ مجموعة من الملاحظات ، من أهمها تحفظه من الجزء المعنون بالعشاء الأخير للثوار وخصوصا الحوار ورد الفعل وكنتُ قد كتبتُ التفاصيل.أما الملاحظة الثانية الأساسية فكانت حول إيرادي للنص الحكائي الذي كتبه علاء .قال لي صديقي بأن تأويلات كثيرة قد تنفلت بعد قراءة النص ،وأن البعض من القراء سيشك في مقدرة طفل ذي عشر سنوات في كتابة نص ، مثلما أنكَ لا تورده هكذا اعتباطا وإنما تريد قول شيء من خلاله ولم تفصح عنه.
أجَّلت الرد عليه إلى حين لقائنا وقد جلبتُ له النسخة الخطية لحكاية علاء وهي مسودة، ثم التصحيح الذي أجراه على النص في النسخة المرقونة ، أما لماذا أوردُ هذا النص فأنا بدوري لا مبرر لي .فقط أريد استكمال صورة شخوص قريبة من نفسي متجلية في مريم وزينب وعلاء ، وربما السياق العام بوقائعه هو ما دفعني للبحث عن نص من سُلالتي.
يوم السبت حادي عشر أبريل ، قررتُ الانتهاء من النص فعدتُ إليه معاودا كتابة "العشاء الأخير للثوار" مستعينا بحذف فقرات كاملة ، كما كتبتُ للتعويض نصا تخييليا متخللا بعنوان "مِرآةُ الأعمى".واكتشفت بعد النهاية(من خلال آخر فقرة كتبتُها ) الرابط السري بين ما كتبتُ وبين نص علاء الحكائي ، وهو تأويل مني على أية حال.
08-أيار-2021
16-نيسان-2009 | |
15-شباط-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |