يكفيك ياغازي
2009-04-22
غازي سلامة ليس مجهولا بما يكفيه، وليس معلوما بما يكفينا، فما يكفيه، أن يرحل الى بلاد لاقطعان فيها، ولا مناوئين، ومايكفينا أن نتعرف الى رجل، شاخ وهو يستمتع باللعب مع الذاكرة:
ذاكرة اليسار السوري، بما حمل من تنويعات النص اللاهوتي، وقد حول الجدل الماركسي الى تعويذة تنام تحت مخدة السرير.
ذاكرة الحرس القومي منشدا: ياعروبة من لباك.
ذاكرة الصحافة السورية وقد قطعت طريقها من غسان رفاعي، الى غرافيك المشهد الراهن.
ذاكرة أمم تتناحر على الامم، فتتآكل الحدود طورا، وتضيق أطوارا، وتنفتح في نهاياتها على :" دعه يعمل دعه يمر".
كذلك ذاكرات بشر منسحبين، منسيين، لايتذكرهم (الا هو)، وليتهم يتذكرونه (كما هو).
غازي سلامة، رجل من ثالوث محرم:" هو وهو وهو"، وفي لحظة بوح او اعتراف، سينكل بالكثير من جيلنا، جيلنا الذي طالما قال لي عنه (وأنا منه بطبيعة الحال):
- جيل بدأ ثوريا وانتهى مرتزقا.
وهكذا حالنا فعلا، عدا من قصف منا، تحت وطأة الموت الطبيعي أو الموت القسري، الموت بالمنفى أو في موت المنافي، وطالما أخذنا الحنين الى المنفى، لا لأننا كوسموبوليتكيين فقط، بل لأن المكان المحدد سيعطيك شكلة بما يذكرنا بالأكثر رخاوة من الرفاق السوفييت، الراحل خروتشوف القائل ذات يوم:" نهندس البيوت ثم تهندسنا".
نحن للمنفى، لحزمة الأسباب والحقائب، ففيه قد تكون أنت كما أنت، لا الطائفة تحكمك، ولا العشيرة تدفنك، ولا سلطة لأي سلطة أخلاقية تعلو على سلطتك.
في المنفى: أنت طائفة بمفردك، طائفة تسير على قدمين عاريين في صقيع المهجر.
وفي المنفى: أنت الدفان والجنازة وأنت القبر، فقبرك محمول على كتفك.
وفي المنفى: أنت الآب والابن وروح القدس، فأنت أنت، ووحدك أنت لأنك وحدك.
ما الذي فعلناه ياغازي سلامة، ولماذا كل هذا الاصرار على محاكمتنا، في محكمة عدالتها لن تكون الا بتكسير وتسكير أبوابها؟
لا أعلم بالتحديد، لماذا وكيف أقول ذلك، كل مافي الامر، أن رجلا ضل طريقه فقادني الى مراجعة طويلة لماتبقى من مخزون دكانة حياتنا، الى ماتبقى من موجوداتها، الى ماسيرحل منها الى الساحات العامة وما يتبقى فيها من مواد لم تفقد صلاحيتها.
التعزيل هاهنا، فعل قسري، يرتكبه مهزومون، الأول في المعادلة سلم بالهزيمة، والثاني لم يصل الى قوة اليأس بعد، قوة طالما قادت واحدا من حجم نيجنسكي، طائر الباليه الروسي الى الانتحار، وذهبت بالروح الفاضلة لألبير كامي وبذات الجرأة، ولم تبتعد عن ضلالات أبو الحمقى أمير الدانمارك هاملت، ولا بد انها أخذت ملكا بحجم ألفيس يرسلي من الذروة الى الحفرة، ولا تنسى ياغازي أستاذنا في الخيبة، نجيب سرور الذي اكتشف منذ الأزل أزلنا.
لم نصل الى هذه اللحظة بعد، فما زال (سمان) ينتظرنا على الناصية لتسديد فاتورة الخضار واللقمة، ومازالنا نراهن على الهجين الرائع باراك أوباما أن يخفف المسافة مابين كلبه الهجين أيضا، وبيننا، ومازلنا قادرين على التعارك من أجل (قفى) بنت تعبر من أمام نارجيلة مطفأة في مقهى الروضة.
اذن، مازلنا صالحين لنعيش يوما اضافيا، يوما ننتظر فيه السقوط أكثر فأكثر.
لا أعلم ياغازي من الساقط فينا، نحن أم الدنيا التي جئنا اليها خطأ.
ألفت انتباهك أنني (طبقت) البنت ميسا، بائعة الملابس المهترئة.. تبيع الملابس المهترئة؟
نعم.
كان علينا أن نشبه ملابسنا، فنخلها لـ (نخلعنا).
08-أيار-2021
05-تشرين الأول-2019 | |
14-تشرين الأول-2017 | |
09-أيلول-2017 | |
13-حزيران-2010 | |
30-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |