فتاة المساءات الجميلة
2009-04-26
تغلق الباب .. تستمع إلى صريره الذي قد أكله الصدأ .. تجلس على حافة السرير .. تأتيها من الصالة المتسعة والفارغة إلا من بعض الأثاث أصواتهم العالية .. تخترق أذنيها ، صوت أخيها الأصغر يتوعدها .. أما صوت أمها فكان واهنا وضعيفا كإناء من خزف ما أن يصل إلى الأرض حتى يتناثر شظايا ، صوت أختها يجبر الجميع على الصمت .. بدا أول الأمر هادئا : لن نضحى بكل هذه النقود من أجل ابنتك .. ومن أجل ذكرياتها مع هذا البيت الهرم .. إنه أرث لنا جميعا .. وكما أن لها الحق فيه ، فنحن أيضا لنا حقوق .. فلولا اشتراط المشترى موافقة الجميع على البيع لألقوا بها إلى الشارع .. فماذا تريد من بيت قد تآكلت جدرانه .. وفارقه الجميع .. قد كانت تتخذ من بقاء جدى فى البيت وحيدا عذرا لها .. وجدى قد مات منذ سنين .. فما الذى يبقيها فى بيت إن رماه طفل بحجر سقط كبيت العنكبوت .
كان كلام أختها قد فتح شهية أخيها مرة أخرى للكلام فأنذرها إن لم تترك هذا البيت فإنه سيجعلها تلتحم بانقاضه .. تعلو أصواتهم وتشتد مؤنبة ومتوعدة .. تصم أذنيها .. فقط تستمع لخبط أقدامهم المتسارعة والغاضبة على درجات السلم ، يغلقون الباب ، ............
من هذا البيت ومن بين جدرانه .. خرجت .. كل حجر فيه يعرف تفاصيل حياتى .. هو ديمومتى إن غاص فى التراب أمت .. فى كل ركن فيه رائحة من جدى .. على جدرانه تنسج الذاكرة خيوطها ومن بين جيره المتساقط رسم وجهى .. هؤلاء الصارخون ألم يعلموا أنه مملكتى .. وأن فى بياض جدرانه يختبئ نهارى .. من صنبوره ارضع حليب الثدى .. لماذا يريدون سلب الحياة ويجعلوننى معلقة على مشجب الخوف والوحدة .. ثمة ثلج يضغط على صدرى يثقل الروح تدور رحى الأيام فتطحن الذاكرة ولا يبقى إلا جدران عتيقة حفرت عليها التضاريس الغائبة عنى ..... !!
12/6/1993
( الحب أعزك الله أوله هزل وآخره جد دقت معانيه لجلالتها أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة وليس بمنكر فى الديانه ولا بمحظور فى الشريعة إذ القلوب بيد الله عز وجل ..............!!)
رأيتك أنت الصغيرة ذات الضفيرتين تشبين فوق الغيوم .. تفتحين قلبك فيسكنه غيرى .. فلك سكينة الحب وصفوه .. أقف حائرا هل أمد يدى وأعانقك وأقول قد كبرت صغيرتى وأصبح لها عصافير تخبئها عنى فلم تعد تحوم حول فضائى .. أم أنهرك وألجم جيادا راكضة تحاول الصهيل وأقول ما زالت صغيرة على شهد المحبة المر ففى المحبة تكمن الآلام .
أطرق باب ذاكرتى ، قلبان مرسومان بقلم الفلوماستر على شيش النافذة يخترقهما سهم ، طرق قلبى ففتحته رغما عنى .. كان زميلى فى الجامعة فى نهاية السنة الأولى .. فى ذلك اليوم احتضنت قلبى المتسارعة دقاته .. حتى ظنت أنه سيفلت من بين أضلعى ويفر بعيدا داهمنى الهوى على حين غرة فسقطت فى حبائله .
وحيدة كنت فى المدرج بعد انتهاء المحاضرة ألقى على السلام جلس بجانبى صامتا لم يتكلم .. كطير يرفرف بجناحيه ولا يمكنه الثبات .. ، كنت أدور بعينى حول المدرج الفارغ فأعود وأحط على عينيه المصوبتين ، نحوى ...، على دفتر المحاضرات رسم نصف قلب وقال أحبك .. بدون أن ادرى لملمت كتبى التى سقطت .. جريت .. استقبلنى البيت برائحة الياسمين المتسلقة جدرانه ، دخلت إلى حجرة جدى مخزن أسرارنا ، أكملت نصف القلب وقلت أحبك .. تردد صداها فى أنحاء الحجرة فكأنما الجدران تشاركنا الأسرار .. على الحائط رسمت قلبين مفترقين وقلت :
جدى أنى أحب فهل سيحل غضبك على .. !! فإن كان الحب سوطا فلا تكن جلادى وأنا التى ربيت على أن الحب يسوره الحياء والكتمان .. ولكن على من أخبئ هواى ،،!! عليك وأنت أقرب منى إلىَّ .. فكن مرشدى فهى تجربتى الأولى ولا طريق أهتدى به .. فلا أنا قادرة على الكتمان وليس لى جرأة البوح .. وأنا المدللة النائمة بين أعشاشك المطمئنة تأكلنى الحيرة .. هل اعترف لك .. ؟ وأترك بقعة ضوء لمعت فى سمائى الغائمة تنحدر عبر ممالك انكساراتى وهزائمى .............
فهزيمتى الأولى عندما رفضنى أب يتوق إلى الولد .. وأم خاضعة تجلس منزوية تحت ظلال التعب تمارس طقوسها الأبدية فى تفسير رؤى تراودها طوال الليل بأن الآتى سيكون هو الأفضل وأنها ستتجاسر وتحقق حلم ليلة أمس وتمسك بفم زوجها القاذف بالبذاءة تهزه فى عنف وتقول طلقنى فما عدت أحتملك ،،،،
يعكر عليها صفو أحلامها صوت أخوتى الذين يجهلوننى ويهيلون التراب على بقايا روح تربطنى بهم .. غريبة أنا فدعنى أمارس حريتى فى وطن اخترعه ، أنت حاكمه أنت قراه ومدائنه ميناؤه الذى لا يعبر منه إلاى ،
15/12/1975
(من تراب الأرض تخرجين ومن بين العتمة والفجر النابت تولدين )
كان يريد الولد الذى يشد الظهر ويخرج السنبلة من بين شقوق الصخر .. الولد الذى يحمل الخنجر ويحمل معه تاريخ العائلة فلا تنزوى إلى قاع النسيان .. أقسم أبى أنه لن يصير كشجرة جافة تكسرها هبة ريح فإن لم تأت له بالولد فإنه سيطلقها ويأتى بأخرى تعطيه الولد ولكى تسترضيه وتطفئ لهبا يتصاعد حملت .. بعد أن حرث الأرض وزرع بذرته ، أخذت ترويها آملة بالقادم القادر أن يمنع عنها مُر الضرة يمنحها اسما فيقول الناس يا أم فلان .. ولكنه القدر المعاند وحين حلت ساعة المخاض بشرها بالأنثى فلوى زوجها وجهه وهو كظيم .. وأقسم أن لا ذرية .. له ولتجد من ينفق عليها وابنتها .. ولكنك أقسمت عليه إن طلقها فسيحرمه من الميراث .. سيخرجه من البيت عقابا له على اعتراضه على ما منحه الله .. كنت تقول أنك تشعر أن البطن المنتفخ سيبشره بالأنثى وأن القمر سيكون رفيقى وسلاحى وأنك كنت مبهورا بلون الفرح الخارج من عينى وأنى العوض عن ولد شارد كجواد أرعن وأن الأحلام الغافية تحت أشجار التوت سنوقظها سويا ، ..
20/11/1985
( الموت يقرع أجراسه الكبيرة فيصيبنا بالصمم فكونى العكاز حين يسقط الخريف أوراقه ،،، )
شجرة الياسمين التى تلتف حول سور الحديقة أسقطت كل أوراقها امسح عن وجهى ظلام الليل.. اهتف بسقوط هذا الصباح المجلل بالحزن .. أسير بخطى متباطئة إلى حجرة جدتى .. هى المرة الأولى التى استيقظ فيها بعد طلوع الشمس .. فعادة قبل طلوعها ، أنصت لأسمع صوتها فوق سطح البيت وهى تهش عصافير تتخاطف عجينها .. هذا الصباح يأتينى صوت العصافير وهى تنتحب .. نار الفرن أوشكت أن تموت وأنا يأكلنى الصقيع ،،، أسرع الخطى إلى حجرة الغلال لأحمل بعض القمح لعصافير تنتحب .
الشمس فى الأعلى حامية على غير العادة .. أتأملها طويلا تتداخل ألوان قوس قزح فى عينى .. لا أتبين الأشياء من حولى أفرك عينى.. أفتش عن جدتى أرى عجينها قد تناثر .. ثمة غربان تتقاذفه .. ، أحاول أن أهشها تتحرك ناحيتى غير عابئة بى ، أنزل درجات السلم مسرعة ، يأتينى صوت نهنهة جدتى ، فى لحظة انهمر الليل ، رأيتها ممددة على السرير وأمى تلطم خديها ، وجدى فى ركن قصى يخرج صوته القارئ لسورة يس .. فى حشرجة يحاول أن يخفى دموعه التى انهمرت كمطر فبللت لحيته البيضاء .. انظر إلى جدتى أحاول أن أوقظها .. أهز كتفيها المتصلبتين .. جافة الحياة فى وجهها تختبئ وراء غيوم كثيفة .. قبلتها .. جفلت .. حين وجدت خديها كقطعتى ثلج ، حاولت أن أشم فيها رائحة اللبن والخبز المقدد التى تعبق جلبابها ، فما وجدت غير رائحة تشبه رائحة جدران رطبة ،،،،،،،،،،
هل السماء جميلة إلى هذا الحد هل هى أجمل من بيتنا هذا ؟ أو أجمل منى .. لقد وعدتنى ألا تتركى هذا المكان !! مع من ستقضين الليل سمرا ؟ وهل هناك أطفال غيرى تحكين لهم حكايا النجوم الساقطات فى إناء اللبن ؟ قومى جدتى فما عدت أخاف النجوم هل تذكرين عندما حكيت عن الساحرة التى تخطف الصغار الذين يتحممون بماء النيل فتسحرهم بعد أن تحضر طبقا قد امتلأ باللبن تقرأ عليه تعاويذها فتنزل النجوم من عليائها ساقطة فى حجرها .. تلضمها صانعة منها عقدا تلقيه فى مياهه .. استيقظى فما عدت أخاف النجوم ، ولكنى أخاف الساحرة فمن غيرك سيحمينى منها .... !!
أمسكتنى من ذراعى تلك التى يقولون أنها أمى أشم فيها رائحة لبن فاسد ، أرى فى وجهها صورة ساحرة ، أقاوم ذراعها الممسكة بى اصرخ فزعة أجرى ناحية جدى اغوص فى وجهه .. ولكننى كنت محجوبة عنه كأنى هواء فلم يعد قادرا على رؤيتى !!
انظر إلى وجهه الضاحك دوما فأراه قد صار بلا ملامح يتحرك فى أرجاء الحجرة وحيدا يعبث فى أشياء جدتى .. وأنا كظله .. ألاحقه أينما ذهب .. أتناسى موت جدتى .. أحاول جاهدة ألا أدع هذا الموت يقرع باب البيت مرة ثانية ، استحث فيه الحياة .. التى قد أخذتها جدتى حينما صعدت إلى أعلى .. أخبره عن صورة علقتها لمياه زرقاء تنزل مسرعة من أعلى الجبل ، الجبل صامد رغم أن المياه تنخر فى صخوره ، انبش فى عقله فاذكره بخالدة بائعة القماش والعطور القادمة من غزة كانت تقول لجدتى عندما تداهمها الهموم ويرحل عزيز عليها جملتها المأثورة : " يا جبل ما يهزك ريح " فكانت تكفكف دموعها وتلقى فى حجر خالدة قماشا أسود قد اختارته.. فتستبدله بآخر يحمل زهورا خضراء وزجاجة عطر ، تقلب فى مناديل بيضاء مزدان آخرها بفصوص الألماظ الرخيص .. تأخذ واحدا منهم .. تربطه على شعرها باصقة أحزانها .. ملقية بها فى سلة الزمن .. متمتمة نعم يا خالدة
".. يا جبل ما يهزك ريح .. "
فلماذا لا تكون قويا وصامدا ولا تجعل ريح الموت تكسرك .. وتكسرنى معك أصمد جدى .. فلم يبق لى بعدها إلا أنت ، أتوسل إلى وجهك أقبله وأعيد رسم تضاريسه .. أزيل كرمشات حول العين ، أرشف دمعات وقفت فى منتصف المسافة ما بين عينيك وفمك .
تتشكل تفاصيل وجهك يغادره الحزن فيصبح كجبل صامد تعانقه مياه زرقاء ،،،، .
15/12/1994
( وكثير من الناس يطيعون أنفسهم ويعصون عقولهم ويتبعون أهواءهم ويرفضون أديانهم ويتجنبون ما حض الله عليه تعالى من العفة وترك المعاصى ، ومقارعة الهوى ويخالفون الله ربهم ، ويوافقون إبليس فيما يحببه من الشهوة ،،، . )
العفة تاج فاجعليها فوق رأسك.. وإن سقطت فى براثن الشهوة نزلت إلى مرتبة الجوارى .. ليس هناك ما يدعونى إلى الاحتفال بيوم مولدى فدائما انثر عليه التراب كى ينمحى من ترتيب الذاكرة ..
بالأمس أودع جدى درج مكتبى هدية ميلادى الملفوفة فى ورق السوليفان .. حتى أكون أول من أتلقى هديته هذا الصباح .. فضضت ورقة السوليفان فوجدت كتاب بن حزم الاندلسى " طوق الحمامة " فككت شعرى الملموم " فهو يحبه هكذا حرا وطليقا على كتفى ،،،" وضعت عطره الذى اختاره لى ، تركت ابن حزم نائما على الطاولة وخرجت ،، .
السماء فى الأعلى تحبل ببعض الغيمات .. أسير فى الشارع .. أرهف السمع لوقع خطواتى غير المنتظمة .. الشارع مستقيم ولكنى أسير متعرجة .. تسرى فى رعدة الخوف .. فدائما فى يوم مولدى تتكسر احلامى شاطرة قامتى نصفين ... أقاوم وأحاول النهوض ، وحين استقيم تكون قد مرت سنة فأعود وانتظر احلاما متكسرة .. ، .. استبسل وأحاول طرد أفكارى المتشائمة ربما هذا العام يبتسم حظى العاثر .. قست المسافة ما بين منزلى وموعده الذى لم اخلفه ابدا بأحلام الشعراء ........
مع غياب عشاقها الليليين كانت الحديقة تكتظ بالفراغ .. وحين سكبت الروح فى عيون الولد الذى أحب ، وقبل أن يقول كل عام وأنت حبيبتى مثل نزار قبانى " هكذا كنت أمنى نفسى " ، قال إن الوقت صار طويلا جدا معى .. وأنى خارطة سوداء .. وأنه ملول .. يخشى أن يمر العمر دون أن يفك طلاسمها .. فى مكان بعيد عن أعين المتطفلين اختاره هو.. وتحت شجرة صفصاف تدلت أغصانها لتلامس فى رفق ماء النيل وعلى طاولة مزدانة بزهور البنفسج جلسنا ........ ،
قال : إن البنفسج يشبهنى
حاول أن يمسك يدى سحبتها بهدوء
أنت متزمتة
تركتها له
قبلها
شعرت بسخونة شفتيه على كف يدى
امتدت يده لتعبث فى شعرى
ازحت يده
أنت وجه من الزمن القديم
قلت من أحب فعف فكتم فمات مات شهيدا هكذا علمنى جدى
لا عفة فى الحب فإن كان الحب عفيفا ما جئنا
قلت أنت تخلط الأوراق
فليس لديك الوقت لتثنى على شعرى أو تعلق على فستانى ، فى هذا اليوم جئت إلى الدنيا ، أنت لم تقل لى كل عام وأنت ،،،،،، .
جدى أهدانى طوق الحمامة لابن حزم
هل تعلمين أن ابن حزم قد أباح القبلة وأن أخت الوليد بن عبد الملك أمرت جاريتها أن تقبل حبيبها الذى هام بها حبا فى شعره وقتله الشوق إلى قبلة من ثغرها ، فقالت لجاريتها أعطها له وعلى وزرها
أنت أجبت على نفسك .. وزرها
أى أن القبلة .. وزر
خلع دبلته الفضية ألقاها على زهور البنفسج الناعسة على مفرش الطاولة .
قال أريد امرأة تنبهر بشهد القبلة حين تجلس معى لا تشعرنى أن الحب إثم وخطيئة وأن القبلة وزر ....... !!
الولد الذى احب تركنى ومضى .. أوراق الصفصاف تتدلى لتقبل وجه النيل فهل فى ذلك وزر ؟
20/10/1976
( " جدى " فى يوم نضج الرطب كانت تلك هى كلمتك الأولى هززت بها القلب فتساقط رطبا جنيا )
أخذتك بين ذراعى .. وبكيت طويلا .. هاأنت تقذفين بكلمتك الأولى.. تنفجر صرختى الفرحة .. احكى لك عن بيت تسكنه طيور .. خضراء تتصاعد إلى رائحة حقول بعيدة أرى صفحة وجهك وهى تستقبل الحكايا كما الصباح يلمس طلعة الفجر نعتلى السماء ، تخترقين الفؤاد بلمسة يديك تحاولين فى استماتة التشبث بذقنى يكبر فرحى فيصير ملء الأرض يختزل الزمان والمكان ما بين ثلاثة أنا وأنت وهذا البيت .. تنفلتين لا اعرف لماذا شعرت فى لحظة أنك تحاولين اكتشاف البيت باحثة عن طيور خضراء تسكنه .
27/4/1983
( لا ترتعبى فما فى الجبة غير الريح )
أغوص داخل ذاكرتى كبحار تائه ، نائمة وشعاع القمر المتسلل بين الأشجار يبقع جبتك بالأصفر الشاحب وثمة ريح اتخذت من الجبة مأوى فجعلتها تهتز كجان .. كان الهواء يتخلل فتحة الرقبة والذراعين وأنا اكتم صرختى كى لا أوقظك يحيطنى السواد أحس بالقشعريرة ، ارتجف ، أسند صدرى على صدرك الذى يعلو ويهبط ، يرتفع رأسى فى صعوده حتى أظنه سيلتحم بالسقف ثم يهبط مع زفيرك ...
كان المشهد مروعا حين بدأت فى اكتشافه .... سقف الحجرة يتهاوى على رأسى .. ثقل شديد يجبر أنفاسى على الهروب ، يسكننى الخوف ادخل عوالم تحلق فيها طيور سوداء .. وجماجم تشحذ أسلحتها تغمدها فى وجهى ، ادفن وجهى مرة أخرى فى صدرك ادعك عينى بشدة تهاجمنى أسراب من الألوان المتداخلة ، الأبيض يأكل الأسود ، الأحمر يلتحم بالأزرق ، تتشكل على هيئة فئران صغيرة تخرج من جحورها تلتصق بى تمتص دمائى ، الفئران الملتصقة تجبرنى ان افتح عينى أتحسسهما فلا أجد شيئا ها هو أنفى .. وعيناى ما زالتا فى محجريهما ، أنفى الصغير يعود إليه هواء هارب ، استأنس قليلا بصوت أنفاسك العالية والتى تجعل جدتى تنام فى الحجرة الأخرى متعللة بنومها الخفيف الذى تؤرقه أنفاسك ، تتراقص الجبة تخرج لى لسانها فيتثلج جسدى أتشبث بكم جلبابك ، يضيع وجهى فى الظلام تعاودنى الفئران مرة أخرى .... ريح عاتية توقع الجبة على الأرض تنهى رقصتها ... يعود ظل شبح ممدد على الأرض ، رغما عنى تخرج صرختى .. تهب من نومك فزعا .. فجأة يغمر الضوء المكان .. ترى كم جلبابك الذى بللته دموعى الخائفة .. تحضننى .. تربت على كتفى تتطلع إلى الجبة الملقاة على الأرض تضحك .. تحكى لى عن ريح طيبة ، التصق بجسدك الدافئ تقبلنى وتقول :
( ما فى الجبة إلا الريح ،،،،،،،،،، )
9/9/1999
( سيمفونية هذا التاريخ .. طالما أحببت الرحيل فى أيام رائقة ومتناغمة كموسيقى اليوم .. قال الطبيب : أن السكر عال جدا وأن القلب صار ضعيفا .. يتوق إلى روح الأسلاف المندسة تحت الأرض اخترت لك هذا الجدار الذى يلاصق النافذة ويطلع على اتساع الشارع لأحفر عليه لأخر مرة ، هكذا اشعر أنها آخر مرة .. تدوين عمرى على الجدان تلك عادتى التى أورثها جدى لى مذ كان يصغى لخفق الرمل ويقول أن بداخل جدران هذا البيت قلوبا تنبض ، ولا بد أن نتواصل معها ، التواصل يكون بالدق عليها حافرين عليها احداث العمر واظننى قد اورثتها اياك فتشبثى بها كما تتشبث النبتة بالأرض .. فأنا فرعونى المولد أؤرخ لحياتى على الجدران .. البيت لك لن تستطيع أى عاصفة أن تخلع الأبواب أو تمر حتى بشرفاته ، لقد أوصيته بك خيرا سيكون لك الأنيس عند الوحشة سيصير رؤوفا بك كأم ، سيكون ماءك فى زمن الجفاف يدفئك حين
يصعق الشتاء البيوت بصقيعه ، الجدران تبتكر خطواتها الأولى لإسعادك ، فى لحظات انهزامك سيكون هو ناصرك ، أحبيه كما كنت أحبه ففيه بعض منا ، أنا الآن اعبر الخطوة الأولى نحو الرحيل .. ألملم بقايا اشباح كانت تؤرقك ، أدفنهم فى صندوق خشبى ، ألقيهم خارج عتبات البيت ، الملائكة فقط لهم حق السكنى معك ، بعد ذهابى أمك واخوتك سيهبون كعاصفة ويحاولون اقتلاعك من بيتك ........
ولهذا ستجدين فى صندوق جدتك الخشبى أوراق تجعلهم يفكرون الف مرة قبل أن يتخذوك طعاما لبطونهم الجائعة وقبل أن امضى القى عليك سلامى ومحبتى .
" يا بنت المساءات الجميلة الحكاية انتهت "
... جدك .... )
الجير المتساقط قد اكل بعض الكلام فجعله كخربشات قطة ، استمع بجانبى إلى قط يموء يلاحق فراشه تحوم حول ضوء المصباح الكابى تتخبط من جدار إلى آخر ثم تعود فتحوم مرة أخرى ،،، حول المصباح القط أخذه التعب فنام بجانبى وأخذ يمسح ذيله وعيناه تتبعان الفراشة المتخبطة متحينا الفرصة للانقضاض عليها .. وأنا على سرير جدى النحاسى أتأمل سقف الحجرة .. السقف رسم عليه أطفال نصفهم الأعلى عار متراصون ... يلتصق بعضهم ببعض ... الأطفال تتلامس أجنحتهم الصغيرة ... فى رفق يلتفون فى دائرة تتوسطهم شمس منيرة أعينهم تتجه إليها .. فى الماضى كنت أخافهم وأخبئ وجهى عنهم ثم بعد ذلك صرنا أصدقاء .. نتسامر سويا فى الليالى المقمرة .. ينزلون من أعلى السقف يطوفون كهوام .. اتغاضى عن حماقاتهم فى بعض الأحيان حتى لا افقد لذة اللعب معهم عيناى على سرير جدى النحاسى الذى نقشت عليه بعض التصاوير.. أشعر بنشوة طفلة تحلم وأنا أمد يدى لألامس صقيع أعمدته المستديرة أحاول النوم فيركلنى .. يوميا منذ صياح الديك وحتى وداع الشمس وأنا أفكر فى صوت جرافات وطوب متساقط وعيون تنز بالطمع ..
أكف عن التفكير حين تتخلق حولى ذكرياتى الشاخصة أمامى فى كل أركان الحجرة .. ذكرى النوم فى الظل تحت شجرة التوت فى باحة البيت ، تظل عينى شاخصتين ارقب ابن الجيران وهو يلقى بوردته إلى تلك الجميلة التى تسكن البيت المقابل ، تنحرف الوردة وتحط على وجهى ...
العشاق المرحون منتصف الليل هو موعدهم .. اظل مستيقظة أدور من نافذة لأخرى استمع لهمساتهم التى تتخذ من شرفتى معبرا لها .. ينهرنى جدى ويقول لى .. ألا اتتبع عورات الجيران .. جدى هل الحب عورة ..؟ ينهرنى مرة أخرى ، ويقول ما زالت صغيرة على هذا القول .....
أهفو إلى ثرثرتى مع عروس من الجص تقبع عند مدخل الباب .. العروسة كسرت منذ وقت قريب عندما صفق أخى الأصغر الباب وراءه بشدة متوعدا كعادته إن لم اترك هذا البيت فإنه سيصير مقبرتى ..
ليس هناك متسع للرقص أو الركض فى باحة البيت .. الجيران الجدد الساكنون فى عمارات شاهقة تناطح السحاب يسقطون قاذوراتهم من أعلى .. انشر مظلتى لأتقى فضلات عفنة تعطى الفرصة لكآبتى أن تنمو وتزدهر .. شجرة التوت جفت وماتت عندما لم تعد تشم غير هواء ملوث بدخان العربات المارقة طوال الوقت .
المطر توقف عن الهطول منذ وقت طويل فما من ماء يغسل عن أوراقها لون السواد ، العشب الذى يسكن بين العتبات آثر الرحيل أيضا فما من شجر استظل به أقف فى مهب الريح حافية القدمين تدمى الشمس قدمى .. أرقص حتى الهذيان .. وصوت جرافات تنخر فى البيت .. أصرخ ،،، ،، اصرخ ، اعتلى درجات السلم فى قفزتين ادخل إلى الحجرة اصم أذنى بينما صوت الجرافات يزأر وأصوات أخرى لأناس ربما كنت اعرفهم ، أميز بينهم صوت أخى اخرجى ،، ،، لقد قلت لك ، أن هذا البيت سيصير مقبرة لك فلتتحملى نتيجة رأيك المعاند .
ليس فى الأرض بيت يصلح للسكنى كبيتى .. ضربات متوالية تهوى عليه .. يتراقص يمينا ويسارا .. أسقط .. تتراكم على صناديق قديمة .. أحاول أبعادها عنى .. تفشل محاولاتى المستميتة ، أنهار .. تنشق الأرض عن صرخة وحشية .. تجبر الجرافات وصراخ القابعين بأسفل على الصمت أقاوم استعد للمواجهة ..
جسمى يغادرنى .. تفيض على روحى لحظة من نعاس أليف .. أتوسد جلباب جدى المعلق على المشجب .. ولكن شيئا ما يشبه الخواء يثرثر فى رأسى بلغة لا افهمها .. رويدا ، رويدا ، تنفك طلاسمها .. افتح لها قواميس الكلمات لأفسرها ها هى تتضح كنهار مشمس .. الجدران تتحدث .. تقف شاخصة أمامى .. لقد أوصانا جدك بك خيرا .. سنكون لك الحسنة التى تغفر كل الذنوب المقترفة ، الملجأ عند الهروب ، الدرب حين يتوه الطريق فلك منا .. يا نجمة الصباح الحماية والسكن .. افرك عينى أحاول طرد خدر جميل .. يتسلل إلى جسدى .. أراه رؤيا العين .. البيت شاخصا أمامى يلتم.. يتسع .. ويتمدد .. تتملكه الأضداد يضيق .. يتكور فيصير كحجر فرعونى تزينه النقوش البهية .. يعود فيتسع حتى أظن أنه باتساع الدنيا .. ثم يفتح ذراعيه .. يتراءى لى كطير صغير .. يتشكل السقف المرسوم يحمل عيونا حبيبة تشبه عيون جدى .. أطفال السقف يحملوننى .. تنبت لى أجنحة .. أبصر الأشياء أمامى .. شجرة التوت استطالت .. ضرب الأخضرار أغصانها ، العشب تسلق العتبات .. البيت أيضا أصبح يحمل أجنحة .. حملنى وطار بعيدا ، بعيدا .
أنظر إلى جرافات وبيوت أسمنتيه شاهقة قد دكت .. وثمة صوت يشبه صوت أخى يخرج مكتوما .. من بين أحجار متراكمة سيصبح هذا البيت ،،،،،،،،،،،،،،، .
وأنا فى الأعلى اضحك
واضحك !!
؟ / ؟ / ؟؟؟؟
--~--~---------~--~----~------------~-------~--~----~
إتحاد المدونين العرب
Arabic Bloggers Union
08-أيار-2021
26-نيسان-2009 | |
21-نيسان-2009 | |
04-أيار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |