الجمعيات والمنتديات الثقافية
خاص ألف
2009-05-05
ثمة نظرية تقول إن المجتمع المدني يتقدم ليحتل كل مساحة تتخلى عنها الأحزاب السياسية أو الدولة. إذا كان ذلك صحيحاً في مناطق أخرى من العالم، فهو صحيح أيضاً في سورية. وتكمن أهمية المجتمع المدني، كما يقول أحد المثقفين السوريين، في أن دوره لا يتعارض أو يتقاطع مع مهام الحكومات والأحزاب السياسية، وكلما تقدمت السلطة السياسية والأحزاب السياسية في معارج الحضارة والرقي، كلما ازداد تقبلها لمؤسسات المجتمع المدني ولوجود إعلام حر يتولى توصيل ما يريده المجتمع المدني إلى السلطات المحلية أو إلى منظمات إقليمية ودولية. لا ينصب المجتمع المدني نفسه مكان الدولة، ولا مكان الأحزاب السياسية ولا مكان المدعي العام ولا مكان القضاء كي يجرم أو يبرئ ولم بهمل ظاهرة بسيطة فيها مساس في المجتمع أو القانون، كما أنه لم يطرح نفسه مسانداً ولا معارضاً للدولة وللحكومات والأحزاب.
وقد كان للامتداد الأفقي لفعاليات المجتمع المدني أثره في دفع الحكومات إلى الاهتمام بقضايا البيئة والتعليم والطفولة والمواصلات والنظافة وتأمين فرص عمل للشباب وتنمية المناطق الريفية الفقيرة. وبدأ نشاط المجتمع المدني السوري مبكراً، ربما، عن غيره من الدول في الجوار. بل إن باحثاً متخصصاً في قضايا النهضة والمجتمع المدني، يرى أن أولى طلائع المجتمع المدني في سورية تعود إلى القرن التاسع عشر.
ومن الجمعيات التي بدأت تتشكل ويتشكل معها المجتمع المدني الجمعية السورية للعلوم والفنون، التي يمكن اعتبارها الرائدة في هذا المضمار، وقد أسست في بيروت واستمرت من 1847 إلى 1852، وكان هدفها ثقافياً محضاً. وقد أس هذه الجمعية المعلم بطرس البستاني الذي كان له أيضا الفضل في تسييس جمعية أخرى هي الجمعية السورية العلمية في 1868.
بعد ذلك تأسست جمعيات ثقافية مدينية كثيرة في سورية، منها الجمعية التاريخية في ثمانينات القرن التاسع عشر، وجمعية الرابطة الأدبية التي أصدرت مجلة "الرابطة الأدبية،" وجمعية رباط المحبة، وجمعية النهضة العربية. ومن بين الجمعيات الكثيرة التي وجدت لعبت الجمعيات الثقافية والفنية دوراً رائداً في مجال تطوير الشخصية المدنية وتنمية فكرة المجتمع المدني. ولا يزال الدور الذي لعبه النادي العربي في دمشق والجمعية السورية للفنون، والحلقة الاجتماعية لخريجي الجامعات، ورابطة الكتاب السوريين ماثلاً في أذهان من عاصرَّ أواخر عصر الانتداب وأوائل عصر الاستقلال.
بدأت أزمة ضمور دور المجتمع المدني واضمحلاله إثر قيام انقلاب الثامن من آذار، 1963 التي رفعت خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي شعارات صارمة تدعو للهيمنة على وسائل الإنتاج والمجتمع وعلى حشد كل طاقات الجماهير لدعم أهداف الثورة ومقررات مؤتمرات الحزب وقياداته، وانعكس هذا التوجه على بنى جميع المنظمات الأهلية التي أصبحت خاضعة بحكم القانون والواقع لتوجهات القيادة السياسية، كما أن اختيار قيادات هذه المنظمات كان مرهوناً برضى وقبول القيادة السياسية.
وبذلك حُصرَّ حق التجمع بالدولة ومؤسساتها. وبدءاً من هذه المرحلة، بدأت عملية تقويض أسس ومؤسسات ومفهومات المجتمع المدني، وذلك بسبب انتفاء إمكانية التجمع الطوعي والحر والفردي قانونياً، والتي أدت إلى تعطيل الحياة السياسية والمدنية في سورية. وهكذا، كما يرى باحث متابع، فقد فتح الباب واسعاً أمام عودة أشكال الترابط والتلاحم والتعاقد وتكوين الهوية عبر الأشكال والمؤسسات القديمة، السابقة للمجتمع المدني.
بيد أن تخفيف قبضة السلطة منذ نهاية التسعينات وخاصة مع العام 2000 كان له أثر في عودة الروح إلى بعض الجمعيات الثقافية السورية.، فأعيد إحياء جمعيات كانت قد طواها النسيان مثل المنتدى الاجتماعي، واستمرت في الوجود جمعيات ظلت على امتداد العقود موجودة ولكن بدون أثر يذكر لوجودها، كجمعية منتدى سكينة والنادي العربي، وأسست جمعيات جديدة كجمعية صدى، وعملت من دون ترخيص جمعيات ومنتديات ثقافية أخرى مثل منتدى كوكب اللاعنف.
منتدى سكينة
أسس منتدى سكينة في خمسينات القرن الفائت، وكانت مؤسسته سيدة مثقفة ومرهفة هي السيدة ثريا الحافظ. وكان سبب تشكيل المنتدى أن السيدة ثريا حاولت خوض الانتخابات النيابية عام 1953، "ولكن الحزب الحاكم يومئذ، لم يسمح لغير مرشحي الحزب بالنجاح." وبدلاً من عضوية البرلمان أسست الحافظ منتدى سكينة الأدبي. وقد أسهم إلى جانب السيدة ثريا الحافظ في تأسيس المنتدى نخبة من الأدباء والمفكرين وأستذة الجامعات في دمشق، منهم الأديبة ألفة الإدلبي والقاص فؤاد الشايب وأمين عام رئاسة الجمهورية أسعد محفل، وأستاذ التاريخ العربي في جامعة دمشق عزة النص، وعميد جامعة دمشق حكمة هاشم وإبراهيم الكيلاني وعبد الكريم اليافي ويحيى الشهابي والزعيم والشاعر فخري البارودي وزهيدة حميد باشا والشاعرة عزيزة هارون وعناية الكلسلي. وانضم للمنتدى فيما بعد شاعر بحجم بدوي الجبل، الذي كان وزيراً للدعاية والإعلام، والشاعر علي بوظو، وزير الداخلية.
وشكلت الهيئة الإدارية للمنتدى من السيدات فقط. وقد قام منذ تأسيسه بنشاط أدبي كبير وله جولات واسعة النطاق في مجال الثقافة والفنون. وقد حل في عام 1963 بأمر عرفي، ولكن بعض مؤسسيه ومنهم ألفة الإدلبي استمروا في جمعية شكلت استمراراً له، ولا تزال هذه الجمعية موجودة، اسمياً على الأقل، حتى الآن.
المنتدى الاجتماعي
لا يزال المنتدى الاجتماعي يجاهد للبقاء كجمعية ثقافية غير حكومية ومستقلة عن كل التجاذبات السياسية والقوى الاجتماعية والدينية. ويلعب المنتدى دوراً مرموقاً، يساعد على بريقه وجود شخصية لامعة في رئاسته، هي المحامي المعروف مأمون الطباع، ومعه كوكبة من خيرة المثقفين الدمشقيين. وكانت البداية في عام 1960 على يد مجموعة من طلاب الجامعة السورية (جامعة دمشق لاحقاً) الذين كانوا يشكلون تجمعاً طلابياً داخل الجامعة، وخافوا على تجمعهم من الاضمحلال بعد التخرج، فأسسوا المنتدى الاجتماعي كجمعية ثقافية مستقلة تجمعهم، كنوع من استمرار العلاقة، فاجتمع تقريباً ثلاثون شخصاً، 12 من النساء و18 من الرجال وقدموا ترخيصاً للمنتدى الاجتماعي، وأخذوا الترخيص خلال شهر ثم نشر في الجريدة الرسمية."
في بداية السبعينات جاء جيل جديد من الطلاب وكان لكل واحد منهم خلفية سياسية معينة، فاتجه المنتدى إلى المواضيع العامة حيث أقام أسبوع التعريف بحركات المقاومة في 1969 و1970، ثم أقام ندوة للتعريف بحركات التحرر الوطنية في العالم. وقد تأسس النادي السينمائي في المنتدى، حيث أدى نشاطاً متميزاً وكان الاستقطاب كبيراً جدا حيث استقطب النادي كل الأسماء المعروفة مثل قيس الزبيدي ونبيل المالح ومروان حداد وعمر أميرلاي ومحمد ملص.
بعد ذلك مرت فترة من الركود على المنتدى، أغلق فيه أبوابه لفترة تزيد على العشر سنوات. ولم يفتح أبوابه مجدداً إلا بعد عودة الروح إلى المجتمع المدني السوري في العام 2000. بدأ المنتدى يعمل بحذر ومهنية عالية، في الوقت الذي كانت الدولة فيه تقوم بإغلاق المنتديات الغير مرخصة. وكان يطرح أحياناً مواضيع ساخنة، "ولكن ضمن حدودنا ونحن نعرف ما هي الخطوط الحمراء لدينا."
ويقدم المنتدى الاجتماعي الآن أمسيات أدبية ومعارض فنية وأفلاماً ومحاضرات ورحلات إلى أماكن أثرية. وكان له الفضل في إقامة ندوة عن المجتمع المدني، في أيار 2008، عندما كانت الكلمة بحد ذاتها تعتبر في حكم الممنوع.
جمعية صدى للموسيقى
بينما يعود تاريخ المنتدى الاجتماعي خمسة عقود إلى الوراء، تعود جمعية صدى إلى العام 2006. صدى هي مؤسسة ثقافية موسيقية غير حكومية وغير ربحية، عضويتها مفتوحة للمشتركين ضمن النواظم المحددة في قرار إشهارها (رقم 689 تاريخ 14 آذار 2006) وتعتمد الأسلوب الديمقراطي في اختيار مجلس إدارتها دورياً من قبل جمعيتها العامة، وتتمتع بمرونة عالية لتأمين الموارد اللازمة لقيامها بعملها لتحقيق أهدافها وتنمية إمكاناتها الذاتية وذلك من خلال ضوابط نظامها الداخلي الصادر بمرسوم والقوانين المرعية الأخرى الناظمة للمؤسسات الخاصة الخيرية غير الربحية في سورية.
وعلى امتداد السنتين، دعمت "صدى" التي يرئسها مثقف مرهف هو بشار العظمة مكتبات المعاهد الموسيقية في دمشق عن طريق اغناء مكتبات المعهد الموسيقي العالي وغيره بمئات من التسجيلات الموسيقية الغير متوفرة لديهم أو في الأسواق المحلية (حوالي ألف قرص مدمج CD وشريط فيديو)، وكذلك كتب النوتات، والمراجع الموسيقية وغيرها.
منتدى كوكب اللاعنف
يعود الفضل في إنشاء منتدى اللاعنف إلى مؤسسة المنتدى ومديرته السيدة سحر أبو حرب، وهي كاتبة ومفكرة سورية بدأ اسمها وفكرها يسطع مؤخراً في الساحة الثقافية السورية، بسبب دعوتها التي لا تكل لفكرة اللاعنف، وبسبب نشرها فكراً إسلامياً معتدلاً ومستنيراً، ومضاداً لاتجاه معظم المفكرين الإسلاميين والدعاة وخطباء الجمعة في سورية.
وتنطلق أبو حرب في فكرها من أن في العالم "دينين فقط هما دين العنف ودين اللاعنف، دين الرشد واللارشد؛ العقل واللاعقل. فإما أن أكون إنساناً عاقلاً راشداً وإما أن أكون جاهلاً متخلفاً ظالماً لنفسي ولغيري."
يعرّف القائمون على المنتدى منتداهم بأنه "حراك مدني سلمي عفوي لا يوجد فيه تنظيم أو نظام داخلي، واللقاء الشهري يجتمع فيه أشخاص يؤمنون باللاعنف يملكون قلوباً سليمة ويتحدثون بود مع بعضهم البعض. في كل شهر يأتي محاضر ويتحدث عن فكرة وأنا أتقصد أن تكون الفكرة فيها الكثير من اللاعنف مثال: البيئة والعنف، الغذاء والعنف وتحدثنا عن العلمانية والعنف وعن القلب السليم وتحدثنا ثلاث مرات عن غاندي وفلسفته وسلوكياته."
08-أيار-2021
17-نيسان-2021 | |
10-نيسان-2021 | |
13-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 | |
30-كانون الثاني-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |