الكويتية أفراح مبارك الصباح في "عويل لصمت لا يسمع"
2009-06-13
قراءة الداخلي العميق في شاعرية تلامس الجمال
للشعر أن يستنطق الصمت0
ذلك ما توحي به في صورة جميلة قراءة ديوان "عويل لصمت لا يسمع" للشاعرة الكويتية أفراح مبارك الصباح ، والذي جمع قصائد سبق للشاعرة نشرها في صحف بلادها قبل أن تطبعها في كتاب بالغ الأناقة ومعها بعضا من أهم مقتنياتها من اللّوحات التشكيلية0
قراءة قصائد أفراح مبارك الصّباح تأخذنا إلى انتشاء خاص ، فثمة هنا ما يجعل القلق الأنثوي بهيا في عصفه ، وما يرتفع بالأحزان إلى مقامات ومراتب لها مذاق الفن ونكهته وحضوره ، سواء من حيث الموضوعات المتنوعة التي وجدت لها مكانا في القصائد ، أو في الأشكال والتعبيرات الشعرية "الّساخنة" والمفعمة بحرقة حقيقية تتوثّب في الجمل والكلمات ، وتطفح من سطور الشاعرة التي تعرف كيف تطلق عصافير وجدها في سماء الشعر وتحسن التعبير عن حالة خاصة تماما لأنوثة تواجه شقاءها في كبرياء :
"انتهى ذلك العصر المحلّى بعسل ونبيذ00
الصمت شاغلنا الأوحد00
شيخا كان أم راهبا أم حبرا00
سنظل ندفق ماء الحب في ظلمة رحم العقول
ونقول لمن يجهل صمتنا :
أجل 00
أجل00
حتى الصمت ينتظر في المحطات"0
هي قصائد تختار شاعريتها من مقام مختلف عن تلك المقامات التي عرفناها في تجارب الشعر ومنه قصيدة النثر الكويتية ، فهذه الشاعرة المسكونة بالقلق الوجودي والعاطفي والاجتماعي ، تختار طلاقة خاصة كي تعبّر بها عن نسيج متكامل من المشاعر الإنسانية التي يقف الحب في مكان رئيس منها0 هي بمعنى ما قصائد عشق تتنكب عن تلك العادات التقليدية لقصائد العشق ، وتذهب مباشرة نحو نوع من "الجدل المباشر" مع الحبيب ، ولكن في انتقائية تختار خلالها الشاعرة الانحياز لكبرياء الأنثى ، لوجودها الحي في عالم تراه بأحلامها كما برؤيتها الفكرية الناضجة وواقعية نظرها أيضا0
التجوّل في ديوان "عويل لصمت لا يسمع" يأخذنا للتوقف طويلا أمام ذلك الوجد "الرّصين" ، الهادئ ، ولكن المشتعل بلا ضجيج ، والنازف بغير ادعاء0 من تلك "الحالة" من الدفق الشعوري تكتب أفراح مبارك الصباح وفي روحها بركان حياة تطفح برغبة لا تحدّ في إشعال حرائق لها مذاق يدفع إلى التفاعل مع خياراتها الفنية ، خصوصا وأن بنائياتها الشعرية تقوم – غالبا – على الصورة والمشهد اللذين يتأسّسان من تعبيرية تجمع السّردية الشعرية بأناها الذاتية ، الواضحة الحضور ، والتي تكاد تكون أقرب إلى "شهادات حيّة" على ما تعيشه امرأة عاشقة ، وما يعتمل في روحها من خيبات ومن سواد0
في القصائد ثمة ما ينحو نحو مناجاة حسّية عالية الرّهافة إذ هي تأتي في أكثر أشكالها نضارة وشفافية :
" الشرفة التي تحوم على نفسي كلما أقبلت تحييني للرّقص00
خصري المتمايل00طواعية00وذراعي النائم
حول أكتافك00
يأخذني العود بشياطينه إلى أعلى قمة00
إلى آآآه الخضوع00
إلى أنت"
هي لغة شعرية تزدحم بمفرداتها الكثيرة ، والتي تحمل كلّ واحدة منها شيئا هو مزيج من الأنوثة والشاعرية في آن ، وكأني بأفراح تذهب كل قصيدة نحو وجدها الأقصى كما لو أنها تكتب قصيدتها الأخيرة ، أو بالأدق قصيدتها "النهائية" التي ستتوقف عن الشعر بعدها ، ولكنها تجد نفسها مع ذلك تكتب أخرى جديدة فيها الاختلاف والتنوع مثلما فيها الفن والفكرة معا:
" أيتها النفس الملعونة00أعيدي سنيني
التائهة000
أعيدي استقامتي وقامتي00
ثقل التيه حدّب ظهري00
بل أسكر وقاري00
فرش على طريقي بذور التعب والعناء00
أمضي في سكّة لا ضياء لها"
في كل قصائد "عويل لصمت لا يسمع" يمكننا رؤية مأزق المرأة العاشقة ، الوجودي والواقعي على حد سواء0 وما تكتبه أفراح هنا هو مزيج من "عبث الأقدار" بمصير المرأة العاشقة ، ومن كينونة أنثوية تبدو في اكتمال بهائها عصيّة على التهميش والإهمال ، وفي تعبيرية نادرة لم نعرفها في قصائد الشاعرات العربيات عادة ، ذلك أن تعبيرية أفراح بالذات تؤسس حالتها وخطابها الشعري والفردي من حالة مغايرة وثقافة مغايرة00ثقافة نلمحها مستترة بين الجمل والسطور الشعرية التي تنجح الشاعرة في جعلها مساحات لاشتعالات هادئة وإن تكن حارقة وتنتقل عدواها إلى القارئ في يسر وسلاسة0
نلاحظ في كل قصائد هذا الديوان جنوح الكتابة الشعرية نحو بنائيات لا تتقصّد الشكل ، بل هي تقوم على نوع من الاسترسال التعبيري في رغبة ملحوظة في أن يكون للصورة الشعرية والمشهد الدور الأهم الذي يمكن أن يزج القارئ والقراءة في حمأة الشكل والمعنى ببراعة وجمالية نلحظ حضورهما الكثيف خصوصا كلما اقتربت الشاعرة من روحها الداخلية أكثر ، حيث ترتفع الشعرية إلى مستويات تصبح معها أكثر دفئا وحميمية0
في قصيدة "شيئا00فشيئا00أغدو" نتوقف أمام صراع أنوثة المرأة مع رجلها الذي تراه حصانا جامحا0 قصيدة تنبني على مستويي الرّمزية والواقعية ، وتتكثّف حتى لتكاد تقارب قصة قصيرة جدا :
" وحين أمتطيه خلسة
يطرحني أرضا00!
حسبت أنني روّضت كبرياءه00
فغدا يلجم قصائدي00
حبل الرّسن في يدي00
يصهل باكيا عندما أسحبه
على وجهي ابتسامة ماكرة00
يسحبني بقوّة لم أعرفها قط
يسقطني بخفة
كريشة خرجت تترنح من وسادة00
يعيدني إلى ظهره:
"أنت لي
فلا تلعبي معي لعبة التخفي!!"0
في "عويل لصمت لا يسمع" ثمة انتباه للسكون وانصات للصمت0
هي شاعرة تأتي من تلك المساحة المثقلة بكل ما في روح المرأة الداخلية ، وما يجول في مخيلتها0
من هناك كتبت أفراح مبارك الصباح "حكايتها" مع الشعر والعشق والحياة فلامست الجمال0
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |