"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ
2010-07-27
آثرت الشاعرة السورية سوزان ابراهيم أن تتنقّل بين الشعر والسرد، فواظبت هنا وهناك، حيث أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ومجموعة شعرية واحدة سبقت هذه التي نتناولها هنا "كثيرة أنت" (منشورات دار التكوين، دمشق، 2010)، والتي حملت بعضا من أحدث كتاباتها.
المجموعة الجديدة تصور المرأة الداخلية في نسيج الشعر، فسوزان ابراهيم تنتبه أكثر ما يكون الى الرغبة في التعبير عن حالات الأنثى: عالمها الداخلي، ومشاغل روحها، بلغة بالغة البساطة، ولكن بحسبالمعنى الذي يؤشر الى احتمالات عميقة: "بعد خمس وعشرين دقيقة انتظار/ في موقف غير مضاء/ أيقظني سعال الحافلة/ كي لا أغضب/ اتهمتني عقارب الساعة بالتسرع./ سيتأخر الموت إذاً/ خمسا وعشرين دقيقة انتظار".
تذهب سوزان إبراهيم نحو تأمّل مختلف عن "عادات" الشعر الانثوي، التي تتكرّر كثيرا. هي تدخل من نوافذ الألفة مع رؤاها الفردية بمزيج حارّ من الحب والعبث، في محاولة تصوير حالات بالغة الحضور في حياتها: "وحيدة/ ولي ما ليس لهنّ/ شمس تنضج صحوي برفق/ زوج هديل يغازل الصبح/ على أغصان نافذتي".
قارئ القصائد سينتبه في الضرورة إلى كثافة حضور الحب، بمعنى وصور مغايرة تأتي من مساحة انشغالاتها باليومي، من دون المرور الظاهر باليومي وتفاصيله. هي تكتب عنه كما يرتسم في داخلها، وبوصفه خلفية الانتباهات كلّها، ودافع النظر والتأمّل. هنا بالذات تلوح صورة الشاعرة شبه خفية، إذ هي قليلا ما تطلّ برأسها، فهي كمن تكتب من خلف حجاب، تاركة لنا أن نلملم من سطور القصائد ملامح صورتها، على الرغم من وضوح الحضور الشخصي.
في قصيدة بعنوان "أنا ثم أنا"، تزدهي شعرية سوزان ابراهيم بشيء من عبث وصور فانتهازية، تناوش موضوعات حيّة الحضور، كأنها تفعل ذلك كنوع من استجابات غير مباشرة لرؤى العصر وصوره: "على أرصفة مدينتك وقفت/ لم يكن في جيبي كلام كثير/ لأمشط وقتك الأشعث/ ومترف بالبحر وقتي".
غالبية قصائد المجموعة تحمل شيئا من رغبة في التعبير عن دهشة ما، من الطبيعة والبشر، كما من الحبيب الغائب- الحاضر، ولكن أيضا وبصورة أكبر من الذات الفردية التي تحتفل بها الشاعرة، وتكرّس لها وقتها وقصائدها في لغة مباشرة، مقتصدة، تعتمد رسم الصور المتلاحقة التي لا تنفرد بذاتها، بل تتواشج كي تؤلف مشاهد تجعل القصيدة تحمل شيئا كثيرا من دراما السرد وحيويته. المجموعة تحفل بالكثير من التجوال الحر في أزقة الحزن والاغتراب، ولكن بلغة شفيفة محمّلة القليل من ألفاظ اللوعة، إذ نرى الشاعرة تلامس تلك العوالم بحيوية انتمائها الى الحياة التي نراها حاضرة وتنبض بالرغبة في التواصل الحي.
هي مجموعة تفاجئ قارئها. تفعل ذلك بتركيبتها البالغة البساطة، مثلما تفعله بصورها المترعة بالجمالية أيضا. سوزان ابراهيم في "كثيرة أنت" تنتمي الى نفسها فقط. وحسبها أنها فعلت ذلك برقة وعذوبة.
راسم المدهون عن جريدة النهار
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |