ألغاز الإنجيل / خفايا إنجيل مرقس (1/2)
2009-06-24
لم يترك يسوع أثراً مكتوباً بل تعاليم شفوية وسيرة حياة، وكانت الجماعات المسيحية الأولى تتناقل أقواله وأعماله كما وصلت إليها عن طريق تلامذته المباشرين ممن رافقوه عبر مسيرته التبشيرية القصيرة. وعندما مات معظم أفراد الجيل الذي عاصر يسوع حاملين معهم ذكرياتهم وانطباعاتهم المباشرة، بدت الحاجة ماسة إلى تدوين سيرة يسوع وتعاليمه. وهكذا ظهرت على التتابع الأناجيل الأربعة التي عُزيت إما إلى شخصيات من العصر الرسولي مثل مرقس ولوقا، أو إلى تلاميذ مباشرين ليسوع مثل متّى ويوحنا. وجميع هذه الأناجيل دوّنت باليونانية لغة الثقافة في ذلك العصر.
هنالك إجماع اليوم بين الباحثين في كتاب "العهد الجديد" على أن إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل وأنه دون نحو عام 70م. يليه أنجيلا متّى ولوقا اللذان دونا بين عام 80 وعام 90 م، وأخيراً إنجيل يوحنا الذي دوّن فيما بين عام 100 و110م.
تدعى الأناجيل الثلاثة الأولى (مرقس ومتّى ولوقا) بالأناجيل المتشابهة لأنها تعكس وجهة نظر موحدة تقريباً بخصوص حياة يسوع ورسالته، كما تدعى بالإزائية (Sinoptics) لأن القصة تسير فيها عبر مفاصل رئيسية متقابلة، بحيث نستطيع المقارنة بينها عن طريق وضعها إزاء بعضها في أعمدة ثلاثة. أما رواية إنجيل يوحنا فتختلف عن هذه الروايات الثلاث سواء في أحداثها أم في المضمون اللاهوتي لهذه الأحداث.
وقد لاحظ الباحثون أن المادة التي قدمها مرقس تشكل قاسماً مشتركاً بين متّى ولوقا عالجاها على هذه الدرجة أو تلك من التفصيل والإطالة. فقد اتضح من دراسة هذه النصوص الثلاثة أن 59% من الكلمات التي استخدمها متّى في بناء جملة مأخوذة من لغة مرقس. وتبلغ هذه النسبة 55% فيما يتعلق بلوقا, ولكنها ترتفع عنده إلى 69% عندما ينقل نص أقوال يسوع. وعندما يختلف متى عن لوقا فإن الاثنين يختلفان مع بعضهما البعض, ولم يحدث أنهما اتفقا ضد مرقس. كما ويعتقد الباحثون أن متى ولوقا عندما يختلفان مع مرقس فإنهما يعتمدان في ذلك على مرجع آخر مفترض أشاروا إليه بالحرف Q , وهو اختصار للكلمة الألمانية Quella . التي تعني المصدر .. وهذا المصدر ربما كان مجموعة لأقوال منسوبة ليسوع تشبه مجموعة الأقوال الواردة في إنجيل توما المنحول, والذي اقتصر على إيراد 114 قولا ليسوع من غير ربطها بمناسباتها.
هذه الأصالة التي تتمتع بها رواية مرقس خلقت ميلاً لدى العديد من الباحثين لاعتمادها كمصدر أكثر أصالة وقربا إلى واقع الحال عندما تختلف الأناجيل فيما بينها. وسوف أركز فيما يلي على الاختلافات في خاتمة الأناجيل الأربعة بعناصرها الثلاثة وهي: 1- قيامة يسوع. 2- ظهوراته لتلاميذه. 3- صعوده إلى السماء.
لقد صار من المسلم به اليوم أن الآيات الاثني عشر الأخيرة من إنجيل مرقس الذي بين أيدينا, والتي تقص عن ظهورات يسوع بعد القيامة لتلاميذه وارتفاعه بعد ذلك إلى السماء, هي جزء أضافه الناسخون اللاحقون, لأن أقدم نسخة توفرت لنا من هذا الإنجيل لا تتعرض لهذه الأحداث. وقد تم اكتشاف هذه النسخة في دير سانتا كاثرينا بصحراء سيناء في مجلد واحد مع بقية الأناجيل الأربعة نحو عام 1860م، ولكنها لم تُنشر إلا بعد ذلك ببضعة عقود. قبل هذا الاكتشاف كان معروفا لدى الخاصة أن أقدم نسخة يحتفظ بها الفاتيكان لإنجيل مرقس تفتقد في خاتمتها أيضا لأحداث الظهورات والصعود, وكان التفسير الشائع لهذه الظاهرة هو ضياع الورقة الأخيرة من النص والتي كانت تحتوي على بقية خاتمة الإنجيل. ولكن اكتشاف نسخة دير سانتا كاثرينا قد دحض هذا التفسير, لأن خاتمتها تنتهي أيضا دون التعرض لهذه الأحداث، وعلى الورقة الأخيرة نفسها باشر الناسخ بتدوين إنجيل لوقا مبتدئاً بعبارة " الإنجيل بحسب لوقا ". وهذا يعني أننا أمام نسخة كاملة غير منقوصة لإنجيل مرقس في شكله الأقدم والأقرب إلى الأصل. واليكم نص الخاتمة كما ورد في نسخة سانتا كاثرينا, وهو يتطابق مع نص الخاتمة التي بين أيدينا بعد حذف الاثني عشر آية الأخيرة :
" وبعدما مضي السبت اشترت مريم المجدلية, ومريم أم يعقوب, وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه. وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس, وكن يقلن فيما بينهن : من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر ؟ فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج لأنه كان عظيماً جداً. ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلةً بيضاء فاندهشن. فقال لهن لا تندهشن، أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام، ليس هو ههنا. هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه. ولكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعاً وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذَتاهن، ولم يقلن شيئاً لأحدٍ لأنهن كن خائفات." (مرقس 16: 1_8).
إذا قرأنا هذه الخاتمة بعين غير متأثرة بخاتمات الأناجيل الباقية لخرجنا بالملاحظات التالية:
1- لم يقل كاتب الإنجيل أن الشاب الذي وُجد داخل القبر هو ملاك. وهذا يترك الاحتمال قائماً في أن يكون أي شاب يرتدي حلة بيضاء. وربما كان أحد فتيان يوسف الرامي، الرجل الثري الذي كان تابعاً سرياً ليسوع والذي طالب بجثمانه من الوالي بيلاطس ثم أودعه في قبر فارغ ضمن بستانه القريب من موضع الصلب. ولعل من المفيد أن نذكر هنا أن أعضاء طائفة الأسّينيين اليهودية في ذلك الوقت كانوا يرتدون الثياب البيضاء.
2- كان رد فعل النساء تجاه رؤية الشاب هو الدهشة وليس الخوف، وهذا ما يرجح أنهن لم يرين ملاكاً وإنما شاباً عادياً.
3- استخدم الكاتب في تفسير عدم وجود يسوع في القبر كلمة "قام" عندما قال لهن "لقد قام هو ليس ههنا"، ولم يُتبع ذلك بأي توضيح. وعليه فإن الكلمة قد تعني البعث، وقد تعني الصحوة من الإغماء.
4- إن فحوى الرسالة التي أراد يسوع من النسوة نقلها لتلاميذه هي أنه سوف "يسبقهم" إلى الجليل وهناك "يرونه". وليس في هذا التعبير أي مضمون إعجازي أو إشارة إلى ظهور خارق.
5- إن خروج النسوة خائفات من القبر يدل على أنهن مثل بقية التلاميذ لم يكن لديهن أي فكرة عن بعث يسوع أو توقع له. وهذا يؤكد أن أقوال يسوع السابقة التي تنبأ فيها بموته وقيامته في اليوم الثالث هي إضافات لاحقة على السيرة بعد ترسخ فكرة قيامته من الموت.
6- على الرغم من أن المنطق الداخلي لهذه الخاتمة يدل على أن التلاميذ قد لحقوا بيسوع إلى الجليل وهناك اجتمعوا به، إلا أن كاتب الإنجيل لم يشر بأي طريقة إلى أن يسوع قد صعد إلى السماء بجسده المادي، مثلما لم يشر إلى ظهوراته الخارقة لتلامذته.
هذه النتائج التي أوصلتنا إليها الدراسة المدققة للخاتمة الأصلية لإنجيل مرقس، أقدم الأناجيل وأقربها إلى الحدث التاريخي، سوف تتدعم بالدراسة الموضوعية لخاتمات الأناجيل الثلاثة الأخرى. فالأخبار عن ظهورات يسوع الخارقة في هذه الأناجيل متناقضة إلى درجة لا يمكن التوفيق بينها على أي صعيد. أما عن صعوده إلى السماء فإنه لا يرد إلا في خاتمة إنجيل لوقا، بينما تخلو خاتمتا متّى ويوحنا من أي إشارةٍ إلى هذا الصعود. وحتى في خاتمة لوقا فإن صياغة الكاتب للحادثة تدل على أنه يقر ببند اعتقادي صار مترسخاً، أكثر من كونه يصف حادثة موضوعية. ولنبدأ بخاتمة متّى وهي الأقصر بين الخاتمات الثلاث.
عندما قام يوسف الرامي (نسبة إلى مدينة الرامة) بدفن جثمان يسوع مساء يوم الجمعة في قبر جديد كان قد نحته في الصخر ثم دحرج عليه حجراً كبيراً، كانت اثنتان من النسوة اللواتي تبعن يسوع، يدعوهن الكاتب بمريم المجدلية ومريم الأخرى، تراقبان ما يجري. وعندما انصرف يوسف انصرفتا أيضاً للاستراحة في يوم السبت. وفي الليل أرسل الوالي بيلاطُس حراساً ليضبطوا القبر بناءاً على التماس من رؤساء الكهنة، لأنهم قالوا لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه ويقولوا للشعب أنه قام من بين الأموات:
"وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه، وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج، فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. فأجاب ملاك الرب وقال للمرأتين: لا تخافا أنتما، فإني أعلم إنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه، واذهبا سريعاً وقولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه. فخرجتا من القبر بخوفٍ وفرحٍ عظيم راكضتين لتخبرا التلاميذ. وفيما هما منطلقتان لتخبرا التلاميذ إذا يسوع لاقاهما وقال: سلامٌ لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع: لا تخافا، اذهبا قولا لأخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. وفيما هما ذاهبتان إذا قومٌ من الحراس جاؤوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان… وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع. ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا. فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً: دُفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر." (متّى 28: 1_20).
نلاحظ من قراءة هذا النص ما يلي:
1- عندما وصلت المرأتان إلى القبر لم يكن الحجر قد دُحرج عن مدخل القبر كما هو الحال في رواية مرقس.
2- تحول الشاب الذي يرتدي الأبيض ويجلس داخل القبر عند مرقس، إلى ملاك يهبط من السماء بزلزلة عظيمة فيدحرج الحجر ويجلس عليه دون أن يدخل القبر.
3- يستخدم الكاتب كلمات مرقس نفسها في الخطاب الذي وجهه الملاك للمرأتين بخصوص توجه التلاميذ لرؤية يسوع في الجليل.
4- تختلف رواية متّى عن رواية مرقس في عدد وهوية النسوة اللواتي أتين إلى القبر وشهدن الحادثة. فمرقس يتحدث عن ثلاث نسوة هن: مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب وسالومة، أما متى فيتحدث عم امرأتين فقط الأولى مريم المجدلية، والثانية يدعوها بمريم الأخرى دون مزيد من الإيضاح بخصوص هويتها.
5- يتحدث متى عن ظهورين فقط ليسوع، الظهور الأول كان للمرأتين وهما في طريقهما لإبلاغ التلاميذ، والثاني للتلاميذ الأحد عشر في الجليل.
6- بعد رؤية يسوع في الجليل شك بعض التلاميذ في أنهم يرون المعلم نفسه. وهذا يدل مرة أخرى على أن التلاميذ لم يكونوا يتوقعون بعث يسوع ولا هم سمعوا منه أي نبوءة بهذا الخصوص.
7- والأهم من هذا كله أن متى لم يشر صراحة أو تلميحاً إلى صعود يسوع إلى السماء، وأنهى إنجيله بقول يسوع: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر".
فإذا انتقلنا إلى إنجيل يوحنا نجد أن كاتب الإنجيل ينهي خاتمته بتوجه يسوع إلى مكان مجهول دون أي إشارة إلى صعوده إلى السماء. وهذا ملخصها:
في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام لم يتبدد بعد، فرأت الحجر وقد أُزيل عن القبر فهرعت إلى سمعان بطرس وتلميذ آخر وقالت لهما: أخذوا السيد من القبر ولسنا نعرف أين وضعوه. فخرج الاثنان مسرعين إلى القبر فدخل بطرس أولاً ورأى الأكفان موضوعة و المنديل الذي كان على رأسه في موضع على حدة. ثم دخل الآخر ورأى وآمن، لأنهم لم يكونوا بعدُ يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من بين الأموات. بعد ذلك عادا إلى موضعهما، أما مريم فمكثت عند القبر خارجاً. وفيما هي تبكي انحنت فرأت داخل القبر ملاكين في ثياب بيض جالسين حيث كان جثمان يسوع. فقالا لها: ما يبكيك أيتها المرأة؟ فقالت: أخذوا سيدي ولا أدري أين وضعوه. ثم التفتت وراءها فرأت يسوع واقفاً ولكنها لم تعرفه وحسبته البستاني فقالت له: يا سيد إذا كنت أنت قد أخذته فقل لي أين وضعته لآخذه. فناداها يسوع: مريم! فعرفته وقالت له: يا معلم. فقال لها: اذهبي إلى الإخوة وقولي لهم إني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم. فرجعت وأخبرت التلاميذ أنها رأت يسوع وأنه أخبرها هذا الكلام. وفي المساء إذ كان التلاميذ في غرفة غُلّقت أبوابها خوفاً من اليهود، ظهر يسوع في وسطهم وقال لهم: سلام لكم. ثم أراهم مواضع مسامير الصليب في يديه وموضع طعنه الحربة في جنبه. ثم قال لهم: سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم. وبعد ثمانية أيام اجتمع التلاميذ في البيت والأبواب موصدة. وكان معهم حتى يضع إصبعه في أثر المسامير على يديه وأثر الحربة في جنبه. فقام يسوع في وسطهم وقال: سلام لكم. ثم قال لتوما: هات إصبعك إلى هنا فانظر يدي وهات يدك فضعها في جنبي ولا تكن منكراً بل مؤمناً. بعد ذلك تراءى يسوع لستة من تلاميذه في الجليل وهم راجعون من الصيد في بحيرة طبريا، فجلس معهم إلى مائدة الطعام وأخذ الخبر والسمك وناولهم وأكل معهم. ثم قام ومشى قائلاً لبطرس: اتبعني فالتفت بطرس ورأى التلميذ الذي كان يسوع يحبه يسير خلفهما فقال ليسوع: وهذا ما مصيره؟ فأجابه يسوع: لو شئتُ أن يبقى إلي أن أعود فماذا يعنيك؟ أما أنت فاتبعني. فذاع هذا القول عند الأخوة أن ذلك التلميذ لا يموت. ولكن لم يقل يسوع أنه لا يموت بل لو شئت أن يبقى حتى أعود فماذا يعنيك (يوحنا: 20).
تقودنا قراءة هذه الخاتمة إلى الملاحظات التالية:
1- مريم المجدلية وحدها جاءت إلى القبر وكانت الشاهد الأول على قيامة يسوع. أما في رواية مرقس فثلاث نساء، وفي رواية متّى اثنتان.
2- يتحول الملاك الواحد عند متّى إلى ملاكين عند يوحنا. وهنا تقتصر مهمتهما على سؤال المجدلية عن الغاية من دخولها.
3- يظهر يسوع أربع مرات بعد قيامته، مرة للمجدلية ومرتان للتلاميذ في أورشليم، ومرة رابعة للتلاميذ أيضاً في أورشليم. وذلك في مقابل ظهورين فقط عند متى واحد في أورشليم وآخر في الجليل.
4- لم تتعرف المجدلية على يسوع في ظهوره الأول إلا بعد أن كلمها. واعتقدت أنه بستاني يوسف الرامي، بينما تعرفت عليه هي والمرأة الأخرى لفورهما عند متّى وسجدتا له.
5- يضيف يوحنا على رواية متّى عنصر إظهار يسوع لآثار جراحه وقيام التلميذ توما بتحسس هذه الجراح.
6- لا يصعد يسوع إلى السماء في نهاية خاتمة يوحنا ولكنه يذهب برفقة بطرس إلى مكان لا يحدده كاتب النص. وبما أنه أراد للتلميذ الذي كان يحبه ألا يرافقه بل أن ينتظر عودته، فإن هذه العودة تبدو قريبة وليست في نهاية الزمن.
وحده إنجيل لوقا ينص صراحةً على صعود يسوع إلى السماء. وإليكم ملخصاً لخاتمته التي تفوق بطولها وتفاصيلها خاتمة يوحنا:
وكان النسوة اللواتي جئن مع يسوع من الجليل، وبينهن مريم المجدلية وحنة ومريم أم يعقوب، يتبعن يوسف إلى موضع القبر ونظرن كيف وُضع جسده. فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً، وفي السبت استرحن حسب الوصية. ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر، فدخلن ولكنهن لم يجدن جسد يسوع. وتراءى لهن رجلان عليهما ثياب براقة فخفن، ولكن الرجلين قالا لهن: لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات؟ إنه ليس ههنا بل قام. فرجعت النساء الثلاثة مع البقية وأخبرن الأحد عشر والآخرين بما رأين، فبدا للتلاميذ قولهن ضرباً من الهذيان. غير أن بطرس أسرع إلى القبر فلم يرَ هناك سوى اللفائف التي كانت على جسد يسوع. واتفق أن اثنين من التلاميذ (أحدهما اسمه كليوباس) كانا ذاهبين في ذلك اليوم إلى قرية بجوار أورشليم وهما يتحاوران بشأن ما جرى في الصباح. فدنى منهما يسوع وراح يمشي معهما وهما لم يعرفاه، وسألهما عن موضوع مطارحتهما، فأخبراه بقصة يسوع وصلبه ودفنه وذهاب النسوة إلى القبر وما حدث لهن هناك، وحيرتهما إزاء ذلك كله. فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في جميع ما تكلم به الأنبياء، أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل في مجده؟ وعندما وصلوا إلى القرية تمسكا به ليدخل معهما. وعندما جلس معهما إلى المائدة أخذ الخبز وباركه ثم كسره وناولهما، وفي الحال انفتحت أعينهما وعرفاه ولكنه توارى عنهما. فعادا إلى أورشليم فوجدا الأحد عشر وأصحابهم مجتمعين وكانوا يقولون لقد قام يسوع وتراءى لسمعان بطرس، فرويا لهم ما حدث لهما في الطريق. وفيما هم يتكلمون ظهر يسوع في الوسط منهم وقال: سلام لكم. فدهشوا وخافوا وظنوا أنهم رأوا روحاً، فقال لهم: ما بالكم مضطربين؟ انظروا يدي ورجلي، إني أنا هو. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له عظم ولحم كما ترون لي. وبعد ذلك أكل على مرأى منهم. ثم خرج إلى قرية بيت عنيا وهم يتبعونه، وهناك رفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء (لوقا: 24).
من قراءتنا لهذا النص نخرج بالملاحظات التالية:
1- إن عدد النسوة اللواتي عرفن موضع القبر ثم جئن في صباح الأحد ومعهن الحنوط غير محدد، ويذكر الكاتب أسماء ثلاث منهن فقط هن: مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وحنة. بينما ورد في إنجيل متّى إنهن اثنتان: مريم المجدلية ومريم أخرى مجهولة. وفي إنجيل يوحنا تأتي مريم المجدلية وحدها إلى القبر.
2- لم يتراءى يسوع للمرة الأولى أمام النسوة (المجدلية وحدها عند يوحنا، والمجدلية ومريم الأخرى عند متّى) وإنما أمام تلميذين يقصدان قرية خارج أورشليم أحدهما يدعى كليوباس والآخر مجهول. وبعد ذلك ظهر لبطرس ثم للتلاميذ مجتمعين. وهذه الظهورات الثلاثة تحصل جميعها في أورشليم ومحيطها، وذلك في مقابل ثلاث ظهورات في أورشليم ورابع في الجليل عند يوحنّا، وظهور في أورشليم وثانٍ في الجليل عند متّى.
3- لم يتعرف التلميذان على يسوع في ظهوره الأول لهما إلا بعد وصولهما معه إلى القرية عندما تناول الخبز وكسره، مثلما لم تتعرف عليه المجدلية عند يوحنا في ظهوره الأول لها وظنت أنه البستاني. وهذه ظاهرة غريبة لم يفسرها لنا النص.
4- عندما أخبرت النسوة التلاميذ بشأن قبر يسوع الفارغ، بدا لهم هذا القول ضرباً من الهذيان. وهذا يدل أيضاً على أن التلاميذ لم يسمعوا سابقاً بنبوءة يسوع عن موته وقيامته في اليوم الثالث.
5- بعد سماع الخبر يهرع بطرس وحده لرؤية القبر، أما عند يوحنا فإن بطرس والتلميذ الآخر يهرعان معاً إلى الموضع. بينما نجد أن متّى قد أغفل محاولة التأكد هذه وجعل التلاميذ يتوجهون مباشرة إلى الجليل لرؤية يسوع هناك.
6- يلفت نظرنا بشكل خاص الطريقة التي صاغ بها لوقا حادثة صعود يسوع إلى السماء عندما قال: "وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء". وهذا يعني أن صعود يسوع جرى في خفية عن تلاميذه وليس على مرأى منهم. وأن كاتب الإنجيل إنما يقرر هنا عقيدة لاهوتية أكثر من وصفه لحادثة مشهورة.
لقد استبعدنا حتى الآن من هذه المقارنة الآيات الإثني عشر الأخيرة من إنجيل مرقس، والتي تتحدث عن ظهورات يسوع وصعوده إلى السماء، لأنها غير موجودة في نص مرقس الأصلي. ومع ذلك فلا بأس من التوقف عند الجملة التي وصف فيها من أضاف هذا الجزء صعود يسوع إلى السماء، لأنه نسج في ذلك على منوال لوقا حيث قال: " وبعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله". فهاهنا أيضاً نجد أن الكاتب لا يصف الحادثة كما وقعت وشوهدت، وإنما يقرر فكرة صارت راسخة فيما بعد، لأنه إذا كان أحد قد شاهد صعود يسوع إلى السماء، فكيف رآه جالساً عن يمين الله؟
ليس هذا كل شيء عن خفايا إنجيل مرقس. فقد صرنا نعرف الآن عن وجود نص لهذا الإنجيل أقدم من نص دير سانتا كاترينا، يدعوه الباحثون اليوم بإنجيل مرقس السري. وهذا ما سوف نتعرض له في الحلقة الثانية من هذه الدراسة.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
01-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
13-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |