"مـن سيرة الـهـــر المـنـزلي"لـلـقـمـان ديـــركـــي
2006-09-22
طــلــقـــات الـجــــمـــهـــور لا تــقـــتــل أشــرار الـشـــاشــــــة
لا بد لقارئ كتاب "من سيرة الهرّ المنزلي" للشاعر والكاتب السوري لقمان ديركي، الصادر حديثاً لدى "دار رياض الريس"، أن يلمس نمطا قصصيا خاصا بـ"توضيب" كوميديا المعيش ضمن قالب يتميّز ببساطة متأرجحة لا تنزلق نحو التسطيح، مهمّشاً الهمّ الشكلي واللغوي، ومعتمداً الفصحى أو المحكية بحسب مقتضى الحال للابتعاد عن أي نوع من الفذلكة الكتابية التي قد تعرقل وصول الفكرة. إذاً، في وسع القارئ الاطمئنان إلى كون هذا الكتاب واحداً من الكتب التي لا نكتفي بقراءة عناوينها، وإن كان من المفيد الاطلاع على بعض عناوين القصص القصيرة الثماني عشرة، لأن بعض هذه العناوين يرتبط ارتباطاً معكوساً بمضمون "الحدّوتة"، ويورّط القارئ في سوء فهم مقصود، كما في: "مسرح البهجة"، ".
"موضوع الإنشاء: رحلة إلى عين ديوار"، "أحسن بريد في العالم"، "الشاعر سينتحر"، و"أهلاً أخي زياد.
يقدّم ديركي ما اصطلح على تسميته "كوميديا الموقف"، التي تثير المزيد من الفكاهة، كلما ارتبطت بالسيرة الذاتية. لذلك نجد أن هذه القصص الواقعية - المتخيلة التي تُمثَّل على مسارح مرتجلة، هي الأماكن التي نشأ فيها الكاتب وعاش: مسقط رأسه بلدة الدرباسية الواقعة بالقرب من الحدود السورية - التركية، ومدن حلب وبيروت ودمشق. في "مسرح البهجة" يروي ديركي بعضاً من فصول المسرحيات المدرسية التي شارك في إعدادها وتمثيلها، وكيف كان يستغلّ دور الشرير الذي لازمه طويلاً للتنكيل بأحد خصومه من التلامذة الذي منحه دور الطيّب، أو كيف صعد أستاذ التربية الدينية أثناء عرض إحدى المسرحيات إلى المسرح وضربه وبصق عليه وعلى ممثل آخر، بعدما قدّما شخصية عمّار بن ياسر على أنه أحد المشركين، ثم طلب منهما استبدال شخصية ابن ياسر بشخصية أبي جهل، لتُستكمل المسرحية كأن شيئاً لم يكن! وإذا كان الكاتب قد غمز في هذه القصة من قناة تدريس مادتي التربية الدينية والقومية في المدارس السورية، فقد أشار في "موضوع الإنشاء: رحلة إلى عين ديوار" صراحةً إلى القوالب اللغوية الجاهزة التي يُجبر التلامذة على التزامها، والتي ستتحوّل لاحقاً قوالب حياتية. هكذا تتوالد الحوادث المضحكة أثناء تلك الرحلة المدرسية، وتنتهي كل حادثة منها بحفلة ضرب يقوم بها الأستاذ لتلامذة الصف الخامس في مدرسة الدرباسية الموحّدة، الذين سينهون موضوع الإنشاء بعبارة "وعدنا مسرورين".
"أهلاً أخي زياد"، حوار متخيّل بين شخص حلبي يشرب كأساً في بار "شي أندره" البيروتي والفنان زياد الرحباني، ووضع ديركي نقاطاً مكان الإجابات المفترضة لزياد، تاركاً للقارئ أن يُعمل خياله الكوميدي حتى حدوده القصوى. الحبكة في هذا المقطع تقوم على جهل الحلبي لزياد ووالدته المطربة فيروز وللغة الفرنسية أيضاً، مما سيدفعه على مدى المونولوغ الطويل إلى تقديم النصح إلى زياد بالانتقال إلى حلب للعزف في حفلات الطهور والأعراس مصطحباً والدته معه لتقيم لدى "الحاجة" أمه على اعتبار أن حلب هي مكان انطلاق الفنانين العظام جميعاً، وإلى مناداة النادل بـ"أخي شي". أما في القصص الأخرى، فتبرز شخصية سائق التاكسي النصّاب الذي يقع ضحية جشعه، أو شخصية ساعي البريد الذي يقرأ جميع الرسائل لأهل القرية الأميين، أو صاحب السينما القروية الذي يقبض دجاجاً وخواريف ثمناً لحضور العروض التي تقام في الهواء الطلق وغالباً ما تنتهي بتوجيه الجمهور الطلقات النارية إلى الشخصيات الشريرة، وأحياناً إلى البطل من طريق الخطأ. قصص ديركي لا تستثني عالم المثقفين وحكاياتهم الساخرة، كما في "المريدان" أو "الفرسان الثلاثة" أو "الشاعر سينتحر" أو "سهرة أدبية في اللاتيرنا"، وإن اختلف المسرح هذه المرة فأصبح المقهى أو منزل الكاتب. في المقابل تتميّز قصة "من سيرة الهر المنزلي" بخفض كاميرا السرد إلى مستوى رؤية غير بشرية، في معنى أن ديركي لم يكتفِ بجمع قصص البشر وبورتريهاتهم فقط، إنما تعدى ذلك إلى الحيوانات، عندما جعل من القطط أبطالاً حقيقيين في المنزل، والبشر مجرّد كومبارس.
كتاب "من سيرة الهرّ المنزلي" هو في اختصار دبابيس ضاحكة في مواضع الألم والهشاشة.
زينب عساف
النهار 18/9/2006
08-أيار-2021
25-كانون الأول-2020 | |
05-كانون الأول-2020 | |
05-كانون الأول-2020 | |
28-تشرين الثاني-2020 | |
07-آذار-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |