دراسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ( 3- 5)
2009-07-01
3ـ العقلية الذكورية هي العائق الوحيد أمام قانون أسرة عصري بديل
التمييز ضد الرجل:
1- يلزم الزوج بدفع النفقة إلى زوجته ولو كانت موسرة الحال ( مادة 136)، كما أن المواد المتعلقة بالنفقة تلزم الزوج دون ولا تلزم الزوجة العاملة بالإسهام في نفقات الأسرة.
2- تطلق الزوجة بعد إمهال الزوج المعسر ثلاثة أشهر( مادة 208).
التمييز على أساس ديني وطائفي
يتعارض التمييز على أساس ديني وطائفي ضد المواطنين غير المسلمين مع المادة 25 من دستور الجمهورية العربية السورية الذي يساوي بين المواطنين على اختلاف جنسهم وعرقهم ودينهم، ويتجلى هذا التمييز في عدة مواد من مشروع القانون الجديد، وبالأخص ضد المرأة غير المسلمة، وذلك بالمواد التالية:
1- المادة 3 : تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية، حين الضرورة، ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية
2- حق الابنة في رعاية أبيها المريض ( ولو كان غير مسلم )! (المادة 131)
3- تجب النفقة للزوجة على الزوج ولو مع اختلاف الدين (المادة 142)
4- نفقة الزوجة على زوجها ولو كانت كتابية! (المادة 155)
5- لا نفقة مع اختلاف الدين إلا للأصول والفروع (المادة 161)
6- في كفالة الصغير يشترط اتحاد الدين بين الكفيل ورئيس الجمعية!( المادة 277)
7- تسري شروط الأم الحاضنة على سائر الحاضنات ماعدا اختلاف الدين (المادة284)
8- حرمان الأم الحاضنة غير المسلمة من حضانة ابنها بعد 4 سنوات من العمر (المادة 293)
تعاريف قانونية
هنالك مبدأ قانوني متعارف عليه عالميا وهو أن تعرف المصطلحات المستخدمة قانونيا، وذلك ما لا يتوفر في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، إذ ترد مصطلحات دون تعريف قانوني فرغم أن الزواج نفسه معرف إلا أننا لا نجد في كل القانون تعريفا واضحا للمهر، ربما لأن المشرع المعاصر وجد حرجا من تعريفه بأنه " ثمن الوطء" لذا تغاضى عن ذلك التعريف، كما أن المشروع لا يعرف الولي، أو الكبيرة، أو غير ذلك وحتى إن عرّف نجد تعريفاته في معظم الأحوال غامضة مبهمة والسبب في ذلك أنه تم استعاراتها من عصر آخر لا علاقة له بالعصر الحديث، كتعريف الكفاءة، أو المسوغ الشرعي أو غيرها.
مفاهيم وتناقضات قانونية
1- لعل الخلل الكبير والذي يمكن ان يرقى إلى مستوى الفضيحة القانونية، هو (المادة 640) و التي تبيح الزنى والزواج الثاني للأزوج المسيحيين، وبغض النظر أن ذلك مخالف لتعاليم الدين المسيحي، فمن الواضح انه تم صياغة مواد قانونية تحمل صفة الخصوصية الطائفية، دون استشارة الطائفة نفسها، لكن الأنكى من ذلك أن تلك المادة القانونية لم تحدد أي من الزوجين يحق له الاستمرار في العلاقة الزوجية في حال وقوع الزنى أو الزواج الثاني، إذ تبين المادة المذكورة أن الدعوى تسقط بانقضاء ستة أشهر من تاريخ العلم بوقوع الزنى أو الزواج الثاني، او صفح الزوج المدعي عن المخطئ، ويمكن لمشروع القانون أن يفخر بأن له قصب السبق في تشريع تعدد الأزواج في الدول المدنية الحديثة!!!!
2- حاول المشرعون إدخال بعض المفاهيم العصرية على مشروع القانون، إلا ان محاولاتهم تلك باءت بفشل ذريع لأنها أقحمت تلك المفاهيم إقحاما على منظومة فكرية سلفية متخلفة، فنجد القانون يحدد حقوقا مشتركة للزوجين في (المادة اليتيمة 97) ، ثم لا يلبث أن ينقلب على نفسه في المادتين التاليتين ليعطي الرجل حق السماح والمنع، والزوجة وجوب طاعته! وحتى لو أباح القانون للمرأة أن تعتني بوالدها ( وليس والدتها) المريض، أو يلزم الزوج بنفقة تعليمها( المادة 140) إلا أنه يشرط ذلك بعدم تعارضه مع واجباتها الأسرية، ومعلوم كم هو مطاط هذا المفهوم.
3- يتعمد المشرع التغاضي عن ذكر المرأة العاملة، رغم تزايد عدد النساء العاملات اضطرادا، وضرورة أخذ الوضع الجديد للمرأة داخل الأسرة نتيجة عملها خارج المنزل ساعات طويلة، والدخل الذي تؤمنه، والذي يفوق في بعض الحالات دخل الرجل، وضرورة تحمل جميع أفراد الأسرة عبء العمل المنزلي، للتخفيف من الضغوطات التي ولدها التناقض بين النظرة التقليدية النمطية لواجبات المرأة داخل الأسرة، والمؤيدة بالقانون، وبين واجبات ومسؤوليات كل فرد داخل الأسرة التي يعمل فيها كلا الأبوين خارج المنزل. كما يناقض مشروع القانون في جميع فقراته الدستور، وقوانين العمل المعمول بها في سورية (قانون العمل الموحد، وقانون العاملين الأساسي) والتي تعطي المواطن ذكرا كان أم انثى حقوقا وواجبات متساوية، إلا أن سيف الطلاق التعسفي يبقى مسلطا على رقبة الزوجة، مهددا إياها بهدم كيان أسرتها إذا أصرت على العمل أو اختيار نوعيته أو مكانه أو تنفيذ المهام الموكلة إليها فيه، دون موافقة زوجها، الذي صحيح أنه لا يستطيع قانونيا منعها من العمل أو التقدم فيه، إلا أنه يستطيع ببساطة تطليقها دون تبعات تذكر. وكسابقه لا يحدد المشروع الجديد العلاقة بين المرأة العاملة وزوجها، بل يذكر مرة واحدة وبشكل عارض أن نفقتها تسقط إذا عملت خارج المنزل دون إذنه، ويتساءل المرء هنا، على أي أسس تقوم علاقة زوجية لا يتفاهم فيها الزوجان على عملهما خارج المنزل، كما يذكر في (المادة 320) أن المرأة الحاضنة يمكنها أن تسافر بمحضونها داخل القطر إلى البلدة التي تعمل فيها لدى أي جهة من الجهات العامة، ولكن شريطة أن يكون أحد أقاربها المحارم مقيما فيها!! وما ذا تفعل لو كلفت من قبل الدولة بالعمل في مدينة لم يكن لها فيها محرم، ومتى كان مفهوم المحرم موجود في بلدنا في العصر الحديث، حيث تعيش الكثير من النساء والأمهات لوحدهن أو مع أطفالهن في بيوت مستقلة هن فيها مسؤولات مسؤولية كاملة عن حيواتهن وحيوات أبنائهن؟؟ كما تحتم (المادة 130) على الزوجة السفر مع زوجها، دون أي ذكر لعملها أو مكانه، وبالمناسبة يتفرع عن هذا المفهوم القانوني المتخلف تطبيقات إدارية عديدة، كأن يصرف للزوج الديبلوماسي في حال تكليفه بمهمة خارج القطر تعويض سفر وإقامة زوجته وأولاده، في حين لا يصرف مثلها للمرأة الديبلوماسية، علما بأن تواجد المرأة اليوم في السلك الديبلوماسي يزيد على نسبة 11%، وبينهن سفيرات في عواصم عالمية هامة. من ناحية أخرى ينيط القانون بالمرأة جميع المهام المنزلية، دون اعتبار لكونها عاملة أم لا، في حين يعطي الرجل الحق في الراحة التامة بعد العودة من العمل، حتى لو كان يقوم بنفس عمل الزوجة تماما.
4- يتناقض مشروع القانون مع الدستور والقانون المدني في مسألة اعتبار المرأة مواطنا كامل الأهلية، إذ تعتبر شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد، في حين تعتبر شهادتها شهادة كاملة وفقا للدستور وفي القانون المدني.
5- في سابقة قانونية خطيرة لم تكن موجودة في القانون الحالي، يعطي المشروع الجديد الحق لأي شخص الادعاء في عدة قضايا ومن بينها فسخ عقد الزواج بين زوجين، حتى ولو لم تكن له مصلحة في ذلك( المادتين 21،22)، وذلك مطابق لقانون الحسبة في مصر والذي نتج عنه مأساة تطليق المفكر نصر حامد أبو زيد من زوجته، رغما عنهما، بناء على دعوى أقامها شخص لا يمت لهما بأي صلة، لمجرد انه وجد في أفكار أبا زيد ما لا يعجبه، فكفره، فأين ذلك من الحقوق الشخصية للمواطن التي صانها الدستور والقانون؟
6- حد القذف المذكور في المادة 220 غير موجود أصلا في قانون العقوبات، الذي عاقب مثل هذه الجرائم بالحبس.
7- يعارض المشروع من رؤيته الضيقة للشريعة الإسلامية، مبدأ التساوي في الإرث، رغم أنه يقر بمبدأ إرث الأراضي الأميرية والوصية الواجبة غير الشرعيين من وجهة النظر الفقهية الضيقة.
8- التناقض ضمن مشروع القانون نفسه، كسن الزواج الذي تحدده (المادة 44) ب18 سنة للفتى و17 للفتاة، وطبعا لا يوجد منطق في الدنيا يبرر أن لا يكون سن الزواج للفتاة أيضا 18 سنة، سوى عدم احتمال فكر المشرع أن يتساوى الرجل والمرأة حتى في تلك المسألة. ورغم ذلك يعود القانون لينقض نفسه في المادة 45 التي تبيح للقاضي أن يأذن بتزويج المراهق إذا أتم الخامسة عشرة والمراهقة إذا أتمت الثالثة عشرة، إذا ادعيا البلوغ، وإذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما ( كيف؟ ولماذا؟) أما المادة 82 فتسمح بالمصادقة على عقد الزواج إذا أتم الفتى 17 والفتاة 15؟؟؟
ايجابيات القانون
رغم كل ما تحدثنا به سابقا، لابد لنا أن نذكر هنا، كي تستوفي الدراسة شروط الموضوعية، بعض النقاط الايجابية التي ورد ذكرها في المشروع الجديد، رغم أنها كما ذكرنا لا تخرج عن إطار المنظومة المتخلفة المتكاملة، وتتلخص تلك النقاط في ما يلي:
1- صندوق التكافل الأسري، وتستحق الأرامل والمطلقات نفقاتهن من هذا الصندوق، مع أنه من السهل جدا إثبات عدم استحقاقهن لهذه النفقات، إذا حصلن على مساعدة ولو بسيطة جدا من الأهل، أو عملن بأجور متدنية.
2- أليس من العدالة أن يتلقى الزوج المعسر إعانة من الصندوق نفسه، ما دام القانون يبيح لزوجته طلب الطلاق بعد 3 أشهر من إعساره، أليس في ذلك حماية لكيان الأسرة والأطفال؟
3- يحسب لمشروع القانون الجديد إفراد مادة خاصة للحديث عن الحقوق المشتركة للزوجين داخل الزواج( مادة 97) ، ومادة أخرى عن حقوق الأطفال على أبويهم ( المادة 272)، رغم أنه لحقت بتلك المادتين عشرات المواد التي تتناقض معها.
4- وضع مصلحة المحضون في تقرير تمديد فترة حضانة الأم له، وإن كان الأولى وضع مبدأي التخيير ومصلحة المحضون كمعيارين لتحديد مسألة الحضانة ككل.
5- الوصاية على القاصر للأفضل سواء كان الوصي ذكرا أم أنثى ( المادة 375)
6- يعتبر مشروع القانون الجديد طلاق المرأة المفوضة بتطليق نفسها طلاقا بائنا ( المادة 170)، في حين كان يحق للرجل مراجعتها أثناء عدتها في القوانين السابقة.
فهل شكلت هذه الايجابيات أسبابا موجبة كافية لاستبدال القانون الحالي بالمشروع موضوع الدراسة، وهل استطاعت أن تلبي احتياجات العلاقات الجديدة التي أنتجتها الحياة المعاصرة؟
نحو قانون أسرة عصري بديل:
غالبا ما نُسأل، نحن النساء، وبالأخص الناشطات في مجال دعم قضايا المرأة، والرجال الذين قادهم حسهم الإنساني العميق إلى وجوب حصول كل إنسان على حقه، وإلى أن لا نهوض للأوطان إلا بالنهوض بالمرأة، غالبا ما نُسأل: ماذا تريدون؟
وببساطة نجيب، نريد قانون أسرة عصري، يحمي حقوق جميع أفراد الأسرة نساء ورجالا وأطفالا، ويطلق قدراتهم وطاقاتهم الكامنة كي يشاركوا جميعا في مسيرة بناء الوطن وتنميته.
قانون ينسجم مع متطلبات الحياة المعاصرة، ويجيب على أسئلتها، ينظم العلاقة بين المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات بما ينسجم مع دستور الجمهورية العربية السورية، وقوانين الدولة السورية، التي هي الأخرى بحاجة لتعديل موادها المجحفة بحق المرأة وخاصة في قانوني الجنسية والعقوبات، ولأنظمتها النافذة التي تحمل أيضا تمييزا مستترا ضد المرأة.
قانون ينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سورية، وألزمت نفسها بتغيير قوانيها وأنظمتها النافذة بما ينسجم معها، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة( السيداو) ، واتفاقية حقوق الطفل.
قانون عادل مبني على مبدأ المشاركة واحترام إرادة الطرفين المبرمين للعقد بنفس القدر واحترام شروط ذلك العقد، وضمان حقوق طرفيه أثناء الشراكة وعند انفضاضها، لكنه يضع بالأساس العلاقة الإنسانية بين الشريكين ومصلحة الأطفال الفضلى في قمة أولوياته.
قانون لا يقوم على مبدأ الشراء أو الامتلاك، بل يتحمل طرفيه، كل حسب قدرته، مسؤولية بناء المؤسسة الزوجية، وتأمين مستلزمات هذه المؤسسة معنويا وماديا، وأساسا مسؤولية العناية وتنشئة الأطفال وتأمين جميع متطلباتهم المعيشية والعاطفية والصحية والتعليمية والترفيهية.
قانون يتوخى العدل في موضوع الإرث، في زمن أصبحت فيه الابنة كالابن مسؤولة عن رعاية والديها عند الكبر، ولم يعد الجد مسؤولا عن أبناء ابنه المتوفى، وأصبحت الأرملة أو المطلقة، هي المسؤولة الأولى، وربما الوحيدة، عن معيشة وتربية أبنائها، دون أي مساعدة من العائلة في أغلب الأحيان، ولم يعد فيه الأخ مسؤولا عن أخته، فالأحكام تتغير بتغير الأحوال، والأساس هو العدل، وذلك هو جوهر الشريعة الإسلامية ومقاصدها.
قانون يراعي العدل أيضا عند انفصام عرى العلاقة الزوجية، بمراعاة مصلحة الأطفال الفضلى في مسألتي الحضانة والإنفاق، وتأمين سكن الحاضن أما كانت أم أبا، مادام الأطفال بحضانته، ويضمن تقسيم ثروة الأسرة بالعدل بين الطرفين، حتى ولو لم تكن المرأة عاملة خارج المنزل، إذ يكفي السنوات التي قضتها في رعاية الأطفال ثمرة الزواج.
4ـ العقلية الذكورية هي العائق الوحيد أمام قانون أسرة عصري بديل
هل الشريعة هي العائق؟
هل الشريعة الإسلامية هي حقا العائق أمام استبدال القانون الحالي المتخلف ومشروع القانون الجديد الأكثر منه تخلفا، بقانون أسرة عصري بديل؟
لنعد إلى النصوص والحوادث الدينية في صدر الدعوة:
أساس نظرة الإسلام للمرأة:
تتضح مكانة الإنسان بشكل عام امرأة كان أو رجلا والمساواة بينهما مساواة كاملا في المكانة الإنسانية والتكليف الثواب والعقاب في أكثر من ستين آية قرانية كريمة منها:
" ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " الحجرات 13
" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " التوبة 71
أما فيما يتعلق بالأحوال الشخصية موضوع بحثنا هذا فيمكن استقاء روح الأحكام الدائمة من الكثير من النصوص والحوادث التي حفلت بها السيرة النبوية، فالدعوة التي لم يكن من الممكن أن تغير سريعا المجتمع القائم على استغلال القوي للضعيف إلى مجتمع أكثر عدلا، وضعت أسس التغيير التدريجي الذي لو استمر كما كان ينبغي له أن يسير طبقا لروح الإسلام ورسالته العادلة، لوصلنا إلى المجتمع القائم على العدل والمساواة والمحبة بين البشر، وهو مبتغى الدعوات والحركات الإصلاحية على امتداد التاريخ البشري:
الزواج في الإسلام:
يرسي الإسلام حكما عاما أزليا يعرف الزواج تعريفا إنسانيا متطورا صالحا لكل زمان ومكان في الآية الكريمة:
" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الروم 21 .
فالزواج هنا هو أرقى أشكال الاتحاد بين إنسانين، ذكر وأنثى، لهما نفس المرتبة الإنسانية، لأنهما خلقا من نفس واحدة. اتحاد يقوم على المودة والرحمة، بحيث يكون كل منهما سكنا للآخر، أي ملجأ روحيا ونفسيا في مختلف مراحل الحياة. فالمساكنة القائمة على المودة والرحمة هي جوهر هذه المؤسسة، وهو التعريف الأبلغ والأرفع لتلك العلاقة الإنسانية التي تقوم بقصد الاستمرارية وتكوين الأسرة التي ستحتضن أطفال المستقبل، إذ لم تعرّف هذه العلاقة لا بالحب ولا بالعشق ولا بالرغبة الجنسية، وكلها عوامل تزول بفعل الزمن حتى لو كانت متقدة متوهجة في بداية العلاقة بين الذكر والأنثى، بل عرّفت بتلك العلاقة الإنسانية التي لا تخبو ولا تنضب والقائمة على سكن كل نفس للأخرى وعلى المودة والرحمة.
في تلك الآيات التي حددت أسس الزواج في الإسلام، لا نجد أي إشارة إلى المهر أو القوامة أو الإنفاق أو التعدد، بل الاتحاد النفسي والروحي بين نفسين، ذكر وأنثى. وكما يتضح من الآيات السابقة، فالقاعدة الأساسية للزواج في الإسلام هو الأحادية، أما التعدد فقد ورد في الآيات التي تضبط أحكاما متعلقة بالأحوال التي سادت في زمن نزولها، وقيدت بشروط تتناسب وذلك.
اختيار الزوج :
أعطى الإسلام المرأة الحق بالموافقة على الزواج أو رفضه" الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها " (صحيح مسلم، سنن أبي داوود ) .
ومن الطبيعي آنذاك أن يختلف وضع الأيم عن البكر، إذا علمنا أن البكر كان يعقد قرانها وهي طفلة وتزوج عند سن البلوغ، فمن الطبيعي أن لا تستطيع الفتاة في هذا العمر أن تقرر لوحدها موضوع زواجها، أما في عمر أكبر بعد أن تكون قد كبرت ومرت بتجربة الطلاق، وغالبا الترمل، فهي قادرة على تقرير من تختاره .
المهر:
كان المهر قبل الإسلام كما ذكرنا ثمن شراء المرأة من قبل الزوج يدفعه لمالكها وهو وليها، وطبعا لم يكن بمقدور الدعوة الجديدة قلب هذا المفهوم، الذي بقي حتى يومنا هذا، لكن الإسلام أضفى على المهر بعدا أكثر إنسانية, فوصفه بالهدية " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " النساء 4.
وقد بينت لنا بعض الحوادث المذكورة في السيرة النبوية، كيف بدأ المهر يأخذ شكل هدية معنوية، أكثر منها مادية، في تطور بطيء لإنهاء مفهوم الزواج كشراء للمرأة، إلا أن هذا التطور قطع للأسف بقسوة تحت وطأة الضغوط الاجتماعية الرافضة للتغيير، بعد النكوص الذي لاقاه مفهوم التعامل مع المرأة انسانا حرا كامل الأهلية في الدعوة الجديدة.
" عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام" فقد "أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت إني أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما " ( سنن النسائي )
وفي حديث من السيرة النبوية، أن رجلا أراد الزواج من امرأة ولم يكن يملك شيئا يدفعه مهرا لها، فسأله الرسول الكريم " ماذا معك من القرآن قال معي سورة كذا وسورة كذا عددها فقال تقرؤهن عن ظهر قلبك قال نعم قال اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن " ( صحيح البخاري ومسلم وغيرهما )
القوامة:
يتفرع عن منظومة قوامة الرجل على المرأة سيطرة مطلقة داخل المؤسسة الزوجية، تتوافق والنظام الاجتماعي الذي كان سائدا آنذاك، بدئا من الخطبة، حيث الرجل هو الذي يختار، وللمرأة فقط أن توافق أو ترفض.
أما ضمن المؤسسة الزوجية فرغم أن الإسلام حد كثيرا من سيطرة الرجل المطلقة على المرأة، مانحا المرأة استقلالها الاقتصادي، مانعا الرجل من التصرف بما تملك دون موافقتها، حاضا إياه على معاملتها بالمعروف والرفق واللين، بل مانعا إياه حق اتهامها بالزنا دون بينة، إلا أنه كان من المستحيل القفز فوق مراحل تاريخية متعددة، لم تصلها البشرية حتى اليوم، بإيجاد صيغة تفاهم أسروي يقوم على التفاهم والحب، لا على السيطرة والقهر .
فبقي الرجل هو الآمر الناهي داخل المؤسسة الزوجية، وبقي الرجال يقاومون الامتيازات التي منحها الإسلام للمرأة بكل ما أوتوا من حجج، وهنا يحدثنا عمر بن الخطاب ( رض ) :
" والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم، فبينا أنا في أمر أتأمره إذ قالت امرأتي لو صنعت كذا وكذا، قال فقلت لها مالك ولما هاهنا وفيما تكلفك في أمر أريده، فقالت لي عجبا يا ابن الخطاب ما تريد ان تراجع انت وإن ابنتك لتراجع رسول الله ( ص ) حتى يظل يومه غضبان، فقام عمر فاخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها يابنيّة إنك لتراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان، فقالت حفصة إنا لنراجعه فقلت تعلمين إني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله إياها، يريد عائشة، قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها فقالت أم سلمة عجبا لك يا ابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه "(البخاري ومسلم )
ورغم أن سيرة الرسول ( ص ) كانت مثلا واضحا للصحابة وبقية المسلمين في أن على الزوج أن يعامل زوجته كإنسانة لها الحق في القبول والرفض والاختيار في كل مسائل الحياة اليومية، إلا أن نفسية الفرسان الأشداء آنذاك لم تكن قد هيأت لقبول مثل ذلك التغيير، الذي سيسلبهم امتيازات كانوا يعتبرونها من طبيعة الأشياء، ولم يكن يدور بخلدهم ذات يوم انها قابلة للمناقشة أو المراجعة. وقد بقيت تلك المقاومة الضارية لامتيازات المرأة داخل المؤسسة الزوجية هي الموجه الرئيس لأفكار الرجال الذين تنطعوا لتفسير أحكام الإسلام على امتداد القرون التالية، فقد الغوا وتناسوا كل الإشارات والدلالات ومقاصد الأحكام المتعلقة بالمرأة داخل المؤسسة الزوجية، ولم يقروا سوى بامتياز الرجل داخلها، وقد اعتبرت آية " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " النساء 34 تشريعا وحيدا ناظما لتلك المؤسسة، فقد استنبطوا من ظاهر قوله تعالى ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أن القوامة تستند إلى تفضيل إلهي مطلق لجنس الرجال على جنس النساء، وأن ذلك حكم إلهي على مدى الأزمان والعصور، لا يجوز نقاشه او تفسيره تفسيرا يتناسب وسياقه التاريخي.
وتأتي الآية الكريمة " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما " النساء 32
لتفسر التفضيل الذي عنته الآية الأولى، أي تفضيل الله تعالى الرجال على النساء بالرزق، واستخدام الفعل الماضي في الآيتين السابقتين هو توصيف لواقع الحال آنذاك، الذي كان فيه كسب النساء، حتى العاملات منهن في الزراعة أو الرعي أو الأشغال اليدوية، أقل بكثير مما يكسبه الرجال من غنائم الحرب، أو التجارة التي كانت حكرا على الرجال، إلا فيما ندر( السيدة خديجة ( رض)) .
فالقوامة هنا قوامة متعلقة بالسيادة الاقتصادية، التي مازالت منذ بدء الخليقة تصنف البشر في درجات وطبقات، لكنها لم تكن أبدا مقصد الشريعة الإسلامية، بل كل الشرائع التي أتت داعية إلى العدل بين البشر. وإلا لتناقض جوهر المعنى هنا مع الآيات الكريمة التي تساوي مساواة تامة بين الرجل والمرأة في التكليف والأهلية والثواب والعقاب.
وحيث أن تبدل الأحوال تستدعي تبدل الأحكام، فلا بد هنا من الوقوف طويلا أمام مفهوم القوامة الذي لم يعد مرتبطا بالسيطرة الاقتصادية، نتيجة خروج المرأة إلى سوق العمل، والذي لم تفرضه الحاجة الاقتصادية فحسب، بل تغير مفاهيم العصر أيضا.
تعدد الزوجات:
لم تبح العقيدة الإسلامية تعدد الزوجات إباحة مطلقة، كما كان الأمر في مجتمع ما قبل الإسلام، وإنما قننته، وحددته بأربع، " فانكحوا ما طاب لكم من النساء , مثنى وثلاث ورباع" النساء 2 ووضعت له شروطا، فربطته بالعدل، فلم يعد شرط التعدد هنا المقدرة المالية للرجل كما كان الحال قبلا، بل العدل "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " النساء 3، ثم لتأتي الآية الكريمة" ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " النساء 129، فشرط العدل ينفي إباحة التعدد ما دام الرجل غير قادر عليه، فلن يستطيع الانسان أن يعدل حتى لو حرص، وإن خاف ألا يتمكن من تحقيق هذا الشرط فليكتف بواحدة، والحكم واضح جلي هنا، يكاد يصل إلى التحريم. ويقول الطاهر الحداد في هذا السياق" ولكنه مهما كان الإسلام مضطرا إلى التدرج في تنفيذ غاياته وأحكامه، فقد برهن حبه للتوحيد بما نص عليه من تعذر العدل بين النساء. على أننا إذا رجعنا للآية القرآنية التي فسرت الزواج بأنه يقوم على المودة والرحمة وسكون النفس للنفس كما هو منطوقها- " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الروم 21 - أدركنا تعذر انقسام هذا الشعور وآثاره في الحياة سوية بين الرجل ونسائه" الطاهر حداد ( امرأتنا في الشريعة والمجتمع، ص 124)
ودليل وقتية الحكم هو ربطه بموضوع اليتامى " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا " النساء 3
ففي مجتمع محارب يغزو ويغزى كانت أعداد الرجال تنقص عن أعداد النساء، وإذا أخذنا بعين الاعتبار نشوء عدد كبير من الأيتام، فقد كان في زواج المرأة غير القادرة على إعالة نفسها وأيتامها ضرورة اجتماعية لحمايتها هي وأبنائها من الفاقة، ومن اعتداء الغير في مجتمع لم يكن قادرا على التخلص بعد من جوهر علاقاته القائمة على سطوة القوي على الضعيف.
دراسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ( 5 / 5 )
العقلية الذكورية هي العائق الوحيد أمام قانون أسرة عصري بديل
د. مية الرحبي: ( كلنا شركاء ) 1/7/2009
5 ـ طلاق في الإسلام:
أباح الاسلام الطلاق، لكنه اعتبره أبغض الحلال، ويبدو واضحا في أحكامه الدعوة إلى التعامل بالمعروف والاحسان عند فصم العلاقة الزوجية حفاظا على سلامة المجتمع وبالطبع الأطفال، نتاج الزواج.
وتماما كما يحصل في عقد الزواج فقد اشترط الاسلام الاشهاد على تثبيت الطلاق "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم" الطلاق: (2)
" وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" البقرة: (231)
وقد ألزم الإسلام المجتمع وأولي الأمر بتأمين معيشة لائقة للمرأة المطلقة غير القادرة على القيام بأود نفسها " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه و لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا" الطلاق: (1)
حض الاسلام على المصالحة في حال وجود خلاف بين الزوجين، وطلب من الأقارب أو أولي الأمر أن يتدخلوا للصلح بينهما، فالصلح خير، وذلك حفاظا على العلاقة الزوجية والأسرة
" وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريد إصلاحا يوفق الله بينهما" النساء: (35)
" وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير" النساء: (128).
العدة:
نظم الاسلام فترة العدة التي على المرأة التزامها بعد الطلاق قبل الزواج من آخر، وذلك من أجل صحة النسب " وللمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولايحل لهن أن يكتمن ما في أرحامهن" البقرة:ٌ (228)
أما عدة الأرملة فهي أربعة أشهر وعشرة أيام " والذين يتوقون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير" البقرة:ٌ (234)
ومن في سن اليأس ثلاثة أشهر، في حال الارتياب بكونها حاملا، وعدة الحامل لحين ولادتها"واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا" الطلاق: (4)
ودليل أن العدة هي فقط لصحة النسب أن الطلاق من غير دخول لا يحتاج إلى عدة
"يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا" الأحزاب:(49)
ولم يشترط الاسلام على المرأة المعتدة سوى عدم الزواج في فترة العدة، لا كما هو شائع حاليا بأن تقبع في بيتها ولا تخرج منه وتمتنع عن أي نشاط خارجه. ثم إذا كانت الغاية من العدة ثبوت صحة النسب أليست الفحوص الطبية الحديثة بقادرة على ذلك اليوم؟
الحضانة:
لا يوجد في القرآن الكريم نص واضح بهذا الخصوص ، ولكن الآية الكريمة:
" لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإذا أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما" البقرة: (233)
فيها إشارة واضحة إلى ضرورة الرفق والرحمة عند معالجة هذا الموضوع ، بينما وردت في السيرة النبوية الشريفة حادثتان صريحتان :
" خير النبي ( ص ) رجلا وامرأة وابنا لهما فقال رسول الله يا غلام هذا أبوك وهذه أمك اختر "
( أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داوود والدرامي )
و" إن امرأة جاءت الرسول ( ص) فقالت فداك أمي وأبي إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة فجاء زوجها وقال من يخاصمني في ابني فقال يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت وانطلق فأخذ بيد أمه فانطلقت به ".( أخرجه النسائي والترمذي وأبو داوود وأحمد والدرامي )
وفي الحادثتين خير الولد، وإن لم يكن واضحا في الحادثة الأولى خيار الصبي، إلا أن الولد في الثانية اختار أمه، فأعطيت حضانته .
وقال ( ص ) "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" .
وروي أن عمر بن الخطاب طلق زوجته الأنصارية بعد أن انجب منها ولده عاصما، ثم تزوجت بغيره، ثم أتى عليها وفي حجرها عاصم فأراد أن يأخذه منها ، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام ، فانطلقا إلى أبي بكر فقال له : مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصبي فيختار لنفسه ( فتح القدير ، للشيخ الإمام كمال الدين محمد ) .
الإرث:
شكلت أحكام الإرث في الإسلام، بالنسبة للمرأة، قفزة نوعية عن الوضع الذي كانت عليه قبل الدعوة، إذ لم تكن المرأة ترث إلا فيما ندر، فالعرب كانت تقول "لا نورث من لا يركب فرسا ولا يحمل كلا،ولا ينكأ عدوا "، بل كانت المرأة تورث كمتاع في بعض الأحيان، كما ذكرنا سابقا. وكان رجال العائلة يستولون على أموال اليتامى، وخاصة اليتيمات، وقد استمر ذلك في السنوات الأولى للدعوة حتى نزلت الأحكام القاطعة التي تحرم على المسلمين أكل مال اليتيم وظلمه.
" وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا" (النساء 2)
وقد حدد الإسلام أربع حالات ترث فيها المرأة نصف الرجل :
الحالة الأولى: ترث الأنثى نصف حصة الذكر في حالة الأخوة أولاد المتوفى، من الواضح جدا بالتمعن في الآيات السابقة، أن المواريث تطابقت مع الأحوال والأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في زمن الدعوة، ففي مجتمع كانت المرأة فيه تابعة، ملزمة نفقتها على الزوج، وفي الفترة بين زواجين على الأهل ( الأب ثم الأخ)، ومن ثم الابن، لأنها لم تكن عادة تكسب رزقها بنفسها، فمهمتها الأساسية آنذاك هي الإنجاب بالدرجة الأولى، لذا كان من الطبيعي أن يرث الأخ ضعف أخته ما دام ملزما بنفقتها، وملزما بدفع المهر للمرأة التي سيتزوجها هو، وملزما كذلك بالإنفاق على زوجته وأولاده، في حين كانت المرأة تحتفظ بإرثها، الذي يعطيها امتيازا يرغّب الخطاب بها، ويعينها على مصاعب الحياة في حال طلاقها أو ترملها إلى حين زواجها برجل يتكفل بنفقتها، فأعباء الأخ المادية كانت أكبر بكثير من أعباء أخته.
الحالة الثانية: في حالة التوارث بين الزوجين، يرث الزوج من زوجته ضعف ما ترثه هي منه، لأنه ملزم بنفقة أولاده منها، بينما يلزم أهل الزوج حسب التقاليد القبلية بنفقة وحضانة أبناء ابنهم المتوفى، وتلك هي الحكمة من عدم توريث أبناء الابن المتوفى قبل أبيه، لأن العادات القبلية كانت تحتم على الجد أو العم احتضانهما وتربيتهما، وذلك ما يظهر جليا في سيرة النبي محمد ( ص) الذي احتضنه جده أبو طالب، وبعد وفاة جده احتضنه عمه أبو طالب.
الحالة الثالثة: يأخذ أبو المتوفى ضعف أم المتوفى إذا لم يكن لابنهما وارث، فيأخذ الأب الثلثان والأم الثلث، لأن الأب ملزم بنفقة الأم.
الحالة الرابعة: يأخذ أبو المتوفى ضعف أم المتوفى إذا كان عند ابنهما المتوفى ابنة واحدة ، فلها النصف ، وتأخذ الأم السدس ويأخذ الأب الثلث، لأن الجد في هذه الحالة ملزم بنفقة زوجته وهو ملزم أيضا بنفقة حفيدته حسب التقاليد القبلية التي كانت سائدة آنذاك.
أما في بقية حالات الإرث فترث المرأة مثل الرجل أو أكثر منه أحيانا، والقاعدة في ذلك واضحة بجلاء: الملزم بالنفقة يرث أكثر. واليوم وقد انتفى إلزام الأخ بالإنفاق على أخته، أو الجد على أحفاده، وباتت النساء العاملات ينفقن في الغالب كأزواجهن تماما، وربما يسألن عن نفقة أولادهن دون مساعدة العائلة في حال ترملهن أو طلاقهن، أفلا تستدعي تلك الأحوال تغيرا في الأحكام؟
إرث الأراضي الأميرية:
ترث المرأة في بلاد الشام الأراضي الأميرية بأحكام قانونية مختلفة عن الأحكام القانونية المستمدة من الأحكام الشرعية السابقة، حيث يرث الأصول والفروع فقط، كما ويكون الذكور والإناث من الأولاد والأحفاد متساوين في حق الانتقال أي ترث الأنثى مثل الذكر تماما عند وفاة والدهما.
و يطبق على الأراضي الأميرية قانونا عمل به إبان الحكم العثماني، ولما كانت الحكومات العثمانية قد نحت منحى الأنظمة الغربية في تنظيم أمورها القانونية ومن جملتها أنظمة الإرث الأجنبية التي تساوي بين الذكر والأنثى ، فقد طبق ذلك على الأراضي الأميرية أيضا، وبقي ذلك ساريا في بلاد الشام التي ورثت تلك القوانين العثمانية ولا زالت تعمل بها حتى اليوم. ومن الجدير بالتنويه أن حصر الإرث الشرعي تنظمه المحاكم الشرعية وفق النص القانوني أما حصر الإرث القانوني فتنظمه المحاكم الصلحية المدنية. فلماذا لا يعترض أحد على ذلك؟؟
الوصية الواجبة:
أقرت الوصية الواجبة مبدأ حصول الأحفاد على إرث من جدهم حتى ولو كان والدهم قد توفي قبله وهذا ما ترفضه المذاهب جميعها، لكن المشرع السوري أقره بناء على مستلزمات الحياة المعاصرة دون اعتراض أيضا، فهل الاعتراضات تقتصر فقط على كل ما يتعلق بالمرأة وحدها؟؟؟
زواج المسلمة بغير المسلم :
حرم الإسلام على المسلم والمسلمة الزواج بالمشركين " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ، ولو أعجبتكم ، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " البقرة221 ، ومن الواضح أن في هذه الآية تساو كامل في تطبيق هذه الأحكام على المسلمة والمسلم بدليل تكرار نفس المفردات في خطاب واضح للرجال والنساء من المسلمين .
وقد اعتمد الفقهاء في تحريم زواج المسلمة بكتابي على الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن " الممتحنة 10
ولكن بالعودة إلى أسباب نزول الآية نجد أنها تتعلق بحالة معينة وهي هجرة النساء المؤمنات من مكة إلى المدينة ، وترك أزواجهن من المشركين ، ولا تنطبق هنا كلمة كافر ، كما لم تنطبق أبدا على الكتابيين ، وقد ميز القرآن الكريم دائما بين المشركين والكتابيين ، وهكذا فلا توجد نصوص في القرآن والسنة تحول صراحة أو ضمنا بين زواج المسلمة ورجل من أهل الكتاب .ومصدر التحريم هو الإجماع.
خلفيات وظروف مشروع القانون:
لابد من الإشارة هنا إلى الغموض الذي أحاط بمشروع القانون، فقد سبق أن تبنت الهيئة الرسمية المعنية، أي الهيئة السورية لشؤون الأسرة، مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، وشكلت لجنة علنية لوضع مشروع قانون أحوال شخصية جديد، مؤلفة من قانونين وعلماء دين متنورين وأخصائيين اجتماعيين، عملت لمدة أشهر وخرجت بتعديلات معقولة على القانون الحالي، متناسبة إلى حد ما مع متطلبات الحياة المعاصرة، وكان من الممكن اعتبارها خطوة للأمام نحو التغيير المنشود، ولكن فوجئ الجميع ومن بينهم أعضاء اللجنة أنفسهم بأنه في نفس الوقت الذي كانوا مكلفين به من قبل تلك الجهة الرسمية بوضع المشروع، كانت هنالك لجنة سرية مكلفة من قبل وزارة العدل، تعمل في الخفاء، ومن الواضح أنها مشكلة من علماء دين، سمحوا لأنفسهم تشريع قانون محدد بمنظور طائفة واحدة، وسمحوا لأنفسهم بأن يضعوا تشريعات للطوائف الأخرى وسمح لهم بتجاوز مفهوم المواطنة الحديث، ومخالفة الدستور والقوانين الأخرى المعمول بها في سورية.
هل يكفي تغيير القوانين؟
لابد من الإشارة هنا إلى أن تعديل القوانين لصالح المرأة ، ليس بلسما سحريا يمثل العلاج الناجع لجميع قضاياها ، إذ تقوى العادات والتقاليد أحيانا حتى على الدين والقانون، فالمرأة في الريف لا ترث رغم أن القانون يقر لها بذلك، وكثير من الأسر تتحايل على القانون بتزويج بناتها زيجات يعارضها القانون، ومن ثم الادعاء بوجود حمل لدى المرأة حيث تجبر المحكمة على تسجيل الزواج، دون أي عقوبة تطبق على الأهل أو الزوجين، ورغم التعديل اليتيم على القانون، الذي حدث في السنوات الأخيرة، والذي أقر رفع سن حضانة الأم لأطفالها، إلا أن رفض التعديلات الأخرى، كتأمين مسكن للحاضنة، أو نفقة لائقة من الأب لأطفاله ، يجبر كثير من النسوة المطلقات على التخلي حتى عن هذا المكسب القانوني الضئيل الذي جاء لمصلحتهن، لعدم قدرتهم على الإنفاق على أطفالهن.
هذا عدا عن أن كثير من النساء لا يعين حقوقهن أصلا، ويشعرن نتيجة الإرث التاريخي بمكانتهن الدونية أمام الرجل، فلابد إذا أن يترافق القانون بتغيير في الثقافة السائدة. وذلك يتطلب جهودا مشتركة من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، لنشر ثقافة بديلة، أساسها العدل والمساواة بين البشر، عن طريق التعليم والإعلام وجميع الوسائل المجتمعية الممكنة.
خاتمة:
وخلاصة الأمر أن ليس هناك ما يمنع وجود قانون أسرة، يمنح جميع أفرادها حقوقهم، ولا يتضمن ذلك إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة فحسب ، بل إلغاء جميع أشكال التمييز ضد أي فرد من الأسرة ، بما يتضمن ذلك من حماية للأطفال من العنف والإهمال اللذان يمكن أن يقعا عليهم من الأم أو الأب ، وحماية الرجل أيضا من التمييز ضده في المصاريف الهائلة التي يتحمل عبأها وحده عند تأسيس الأسرة كالمهر وتأمين المسكن وتأثيثه، حمايته من الظلم الذي يقع عليه في الكد وراء تأمين لقمة العيش لأسرته دون أن تكون زوجته ملزمة بإعانته حتى لو كانت امرأة عاملة، وذلك القانون لا يتعارض بالتأكيد مع روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها العادلة.
إن ما يمنع تطبيق مثل هذا القانون هو فقط العقلية الذكورية، التي سبق أن قبلت بإلغاء الرق و بتغيير الحدود في القانون كحد السرقة و الزنا والقتل ، في حين تقوّم الدنيا ولا تقعدها إذا طالب أحدهم بتغيير مادة واحدة من مواد قانون الأحوال الشخصية.
إن مطالبتنا بحقوق كاملة للمرأة، تدخل في إطار حق كل مواطن في العيش بحرية وكرامة، حياة عنوانها السعادة والهناء لا الشقاء والقهر، كما أن ضمان حقوق أي مواطن هو الذي يخلق منه شخصية مستقلة معطاءة مبادرة تسهم في مسيرة تنمية الوطن وتطويره .
من يرغب بتحميل الدراسة كاملة ( ملف PDF) عبر الرابط التالي:
http://all4syria.info/images/pdf/MayaAlrahabi.pdf
من يرغب بتحميل الدراسة كاملة ( ملف PDF) عبر الرابط التالي:
http://all4syria.info/images/pdf/MayaAlrahabi.pdf
د. مية الرحبي: ( كلنا شركاء ) 30/6/2009
08-أيار-2021
01-تموز-2009 | |
29-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |